94 جامع الأجوبة الفقهية
بإشراف ناصر الريسي وسعيد الجابري وسيف الكعبي.
-مسألة: هل يدخل المرفقان في وجوب الغسل؟
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
-مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري
-أختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
-الأول: أن المرفقان داخلان في غسل اليدين، وهذا قول جمهور أهل العلم
انظر: بدائع الصنائع، والمبسوط، والمجموع، والإنصاف، والمغني.
-الثاني: لا يجب إدخال المرفقين، وهذا قال زفر وأبو بكر بن داود: وهو رواية عن مالك، وأحمد، وهو رأي ابن حزم.
المرجع: المبسوط، وبدائع الصنائع، والحاوي الكبير، والمجموع، والمنتقى للباجي، والإنصاف، والمحلى في مسألة: 198.
-واستدل الجمهور على دخول المرفقين في الغسل عدة أدلة منها:
(1) -]: عن نعيم بن عبدالله المجمر قال: رأيت أبا هريرة يتوضأ، فغسل وجهه، فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله) صحيح مسلم (246).
-قلت: (سعيد) الشطر الآخر الوارد في حديث أبي هريرة قوله: ( … فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل. فهذه الزيادة مدرجة في الحديث هي من كلام ابي هريرة رضي الله عنه.
-وجه الاستدلال:
كون أبي هريرة غسل يده حتى أشرع في العضد، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ – صريحٌ في الرفع.
-قال القرطبي في المفهم (1/ 498): (أشرع) رباعي؛ أي: مد يده بالغسل إلى العضد، من قولهم: أشرعت الرمح قبله؛ أي: مددته إليه، وسددته نحوه، وأشرع بابًا إلى الطريق؛ أي: فتحه مسددًا إليه، وليس هذا من شرعت في هذا الأمر، ولا من شرعت الدواب في الماء بشيء؛ لأن هذا ثلاثي، وذاك رباعي، ثم قال: والإشراع المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة محمول على استيعاب المرفقين والكعبين بالغسل، وعبر عن ذلك بالإشراع في العضد والساق؛ لأنهما مباديهما.
(2) -]:-استدلوا بعدد من الأحاديث كلها ضعيفة الإسناد كحديث جابر رضي الله عنه عند الدارقطني وحديث وائل بن حجر رضي الله عنه في البزار والطبراني و حديث ثعلبة بن عباد، عن أبيه رضي الله عنه عند الطحاوي والطبراني.
فاعتبر الحافظ هذه الأحاديث يقوي بعضها بعضًا.
قال في الفتح (ح 185).: ويمكن أن يستدل لدخولهما – يعني المرفقين – بفعله صلى الله عليه وسلم، ففي الدارقطني بإسناد حسن من حديث عثمان في صفة الوضوء: فغسل يديه إلى المرفقين حتى مس أطراف العضدين.
وفيه عن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه.
-قلت: (سعيد) أخرجه الدارقطني في سننه (ص 31) والبيهقي (1/ 56) عن القاسم بن محمد
ابن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جده عن جابر قال: فذكره مرفوعا، وقال
الدارقطني: ابن عقيل ليس بقوي.
قال الشيخ الألباني في الصحيحة (2067): الظاهـر أنه عنى الجد وهـو عبد الله
بن محمد بن عقيل، فإنه مختلف فيه، والراجح فيه أنه حسن الحديث إذا لم يخالف.انتهى.
وصححه في صحيح الجامع (4698)
-وفي البزار والطبراني من حديث وائل بن حجر في صفة الوضوء: فغسل ذراعيه حتى جاوز المرفق.
-قلت: (سعيد) وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( .. ثم دعا بوضوء، فتوضأ وغسل ذراعيه حتى جاوز المرفقين، فلما غسل رجليه، جاوز الكعبين إلى الساقين، فقلت: ما هـذا؟، فقال: هـذا مبلغ الحلية.
وإسناده صحيح على شرط الشيخين. ط (الرسالة)
قال الشيخ الألباني:
وفي الطحاوي والطبراني من حديث ثعلبة بن عباد، عن أبيه مرفوعًا: ثم غسل ذراعيه حتى يسيل الماء على مرفقيه، فهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضًا. اهـ
-قلت: (سعيد) وقال الشيخ الألباني في صحيح الترغيب 188 – (صحيح لغيره).
(3) -]: لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخل ولو مرة واحدة، فترك غسل المرفقين، فكل من نقل لنا صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم نقل لنا أنه كان يغسل مرفقيه، فهذا بيان للمجمل في قوله تعالى:
{فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} المائدة: 6.
وإنما تلقينا صفة الوضوء من فعله صلى الله عليه وسلم، وهو المبين لما أنزل عليه.
(4)]-: الإجماع على وجوب غسل المرفقين مع اليدين، وقد نقل الإجماع في هذه المسألة عدد من أهل العلم منهم:
قال الأمام الشافعي في الأم (1/ 40): فلم أعلم مخالفاً في أن المرفقين مما يغسل …. ولا يجزي في غسل اليدين أبداً أن يُؤتى على ما بين أطراف الأصابع إلى أن تغسل المرافق. انتهى،
وقد نقله عنه ابن حجر في الفتح وابن نجيم في البحر الرائق والصنعاني في سبل السلام وابن عابدين حاشيته.
-قال النووي في المجموع (1/ 419): وهذا الذي ذكره المصنف (الشيرازي صاحب المهذب) من وجوب غسل المرفقين هو مذهبنا ومذهب العلماء كافة، إلا ما حكاه أصحابنا عن زفر وأبي بكر ابن داود. انتهى
-قال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب (1/ 32):
( … غسل اليدين مع المرفقين … ، ودل على دخولها الآية والإجماع. انتهى
وكذلك ممن نقل الإجماع ابن هبيرة المتوفى (560 هـ)، وابن حجر الهيثمي المتوفى (974 هـ) والشربيني المتوفى (977 هـ)
-وقال الحافظ في فتح الباري (185): قال الشافعي في الأم: لا أعلم مخالفًا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء، فعلى هذا يكون زفر محجوجًا بالإجماع قبله، وكذا من قال بذلك من أهل الظاهر بعده، ولم يثبت ذلك عن مالك صريحًا، وإنما حكى عنه أشهب كلامًا محتملاً). اهـ انتهى كلام الحافظ.
-وقال الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 180): واتفق العلماء على وجوب غسلهما ولم يخالف في ذلك إلا زفر وأبو بكر بن داود الظاهري. انتهى
-واعترض عليهم:
أن دعوا هذا الإجماع لا تصح، حيث قال صاحب كتاب (موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي – 1/ 254) بعد أن سرد أقوال من نقلوا الإجماع والموافقون عليه ومستند الإجماع والخلاف في المسألة قال في النتيجة: أن الإجماع غير متحقق لوجود المخالف في المسألة، أما كلام ابن حجر السابق فغير دقيق لأمرين:
الأول: أن الخلاف منقول عن زفر بن الهذيل وهو متوفى سنة 158 هـ فهو سابق للشافعي بكثير، وعدم علم الشافعي بخلافه لا يعني عدمه.
الثاني: أن الخلاف منقول عن أحمد أيضاً وهو من معاصري الشافعي، فلم يثبت الإجماع، والله أعلم. انتهى كلامه
-دليل من قال: لا يجب غسل المرفقين:
-استدلوا بقوله تعالى:
{وأيديكم إلى المرافق}
فكلمة (إلى) لانتهاء الغاية، فما بعدها غير داخل فيما قبلها، كما لا يجب دخول الليل في الصيام لقوله تعالى:
{ثم أتموا الصيام إلى الليل} (البقرة: 187).
-وأجيب عن الآية بجوابين:
(1) -: أن (إلى) في هذا الموضع بمعنى (مع) وليست غاية للمحدود، فيكون معنى الآية {وأيديكم إلى المرافق} أي: مع المرافق، وهذا المعنى معروف في كلام العرب، كما في قوله تعالى:
{وإذا خلوا إلى شياطينهم} [البقرة: 14]
أي: مع شياطينهم.
وكما في قوله تعالى: {من أنصاري إلى الله} آل عمران: 52؛ أي: مع الله.
وكما في قوله تعالى:
{ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} النساء: 2.؛ أي: مع أموالكم.
-وقال ابن عبدالبر: وقد تكون إلى بمعنى الواو، فيكون المعنى: وأيديكم والمرافق.
(2) -: أن (إلى) وإن كانت حدًّا وغاية، فقد قال المبرد: إن الحد إذا كان من جنس المحدود دخل في جملته، وإن كان من غير جنسه لم يدخل، ألا تراهم يقولون: بعتك الثوب من الطرف إلى الطرف، فيدخل الطرفان في البيع؛ لأنهما من جنسه، وكذلك لم يدخل إمساك الليل في جملة الصيام؛ لأنه ليس من جنس النهار. انظر: الحاوي الكبير (1/ 112).
-وقال ابن عبد البر في التمهيد: وأنكر بعض أهل العلم أن تكون (إلى) بمعنى (مع) أو تكون بمعنى (الواو)، قال: ولو كان كذلك لوجب غسل اليد كلها، واليد عند العرب: من أطراف الأصابع إلى الكتف، وقال: لا يجوز أن نخرج (إلى) عن بابها، ويذكر أنها بمعنى الغاية أبدًا، وقال: وجائز أن تكون (إلى) بمعنى الغاية، وتدخل المرافق مع ذلك في الغسل؛ لأن الثاني إذا كان من الأول كان ما بعد (إلى) داخلاً فيما قبله، نحو قول الله – عزَّ وجلَّ: {إلى المرافق}، ثم ذكر نحو الكلام السابق المنقول عن المبرد.
وقولهم: إن اليد عند الإطلاق من أطراف الأصابع إلى الكتف غيرُ مسلَّم، وإن قال به أحد أئمة اللغة، فاليد عند الإطلاق لا تشمل إلا الكف، كما قال – تعالى-: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} المائدة: 38.، والقطع إنما هو للكف، وقوله تعالى: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} المائدة: 6، والتيمم إنما يمسح فيه الكفان فقط على الصحيح.
-وقال الزمخشري نقلاً من فتح الباري (185): ولفظ (إلى) يفيد معنى الغاية مطلقًا، فأما دخولها في الحكم وخروجها، فأمر يدور مع الدليل، فقوله تعالى: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} دليل عدم الدخول: النهي عن الوصال، وقول القائل: حفظت القرآن من أوله إلى آخره، دليل الدخول كون الكلام مسوقًا لحفظ جميع القرآن، وقوله تعالى: {إلى المرافق} لا دليل فيه على أحد الأمرين، فأخذ العلماء بالاحتياط، ووقف زفر مع المتيقن.
-قلت (ناصر الريسي): الذي يظهر لي أن القول الأول – أن المرفقين داخلان في غسل اليدين- وهو قول الجمهور، هو الأرجح وذلك لأمور:
الأول: حديث أبي هريرة المتقدم الصحيح والصريح في المسألة.
الثاني: استدلال أصحاب القول الثاني بمعنى (إلى) في قوله تعالى: {وأيديكم إلى المرافق} أن حرف (إلى) لانتهاء الغاية، فما بعدها غير داخل فيما قبلها، فهذا يرده فعل الني صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة، ففعله صل الله عليه وسلم مبين لمراد الآية وذلك أن السنة من وظائفها أنها مفصِّلة لما أُجمِل من القرآن، فهو صلى الله عليه وسلم أعلم عباد الله بمراد الله سبحانه وتعالى.
الثالث: للاحتياط في الدين، فإن فعل الإنسان الأحوط له فقد دفع الخلاف واستبرأ لدينه.
الرابع: اتفاق أهل العلم على أن من غسل المرفقين فقد أدى الكمال والتمام، قال ابن حزم في مراتب الإجماع (38): واتفقوا على أنه إن غسلهما وغسل مرفقيه وخلل أصابعه بالماء وما تحت الخاتم فقد تم ما عليه في الذراعين. انتهى
والله تعالى أعلم.
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
مشاركة سيف:
تنبيه: قال باحث:
إذا غسل يديه بعد غسل وجهه، كان عليه أن يغسلها من أطراف أصابعه إلى المرفقين، فيغسل الكفين مرة ثانية في غسل اليدين، ولا يكتفي بغسلهما في بداية الوضوء.
وقيل: إن غسل كفيه في بداية الوضوء، اكتفى بغسل الذراعين، وهذا قول في مذهب الحنفية، وقد ذكرناه في مباحث غسل الكفين، والأول أرجح وأحوط، أما كونه أرجح؛ فإن غسل الكفين في أول الوضوء سنة، ومحلهما قبل غسل الوجه، فإذا كان غسل الكفين اختلف حكم غسلهما واختلف محله كذلك، فكيف يتداخلان؟ فلو كان الحكم والمحل واحدًا، لكان القول بالتداخل له وجه.
وأما كونه أحوط فظاهر؛ لأن من ترك غسلهما، فقد اختلف العلماء في صحة وضوئه، وأما من غسلهما فقد خرج من العهدة بيقين، والله أعلم.