تفسير سورة الطور وهي مكية.
قام به سيف الكعبي وأحمد بن علي وصاحبهما
الآيات 1 – 16
———
عن جبير بن مطعم، عن أبيه: سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقرأ في المغرب بالطور، فما سمعت أحدا أحسن صوتا – أو قراءة – منه.
أخرجاه
وروى البخاري:
عن أم سلمة قالت: شكوت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أني أشتكي، فقال: ” طوفي من وراء الناس وأنت راكبة “، فطفت، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يصلي إلى جنب البيت يقرأ بالطور وكتاب مسطور.
بسم الله الرحمن الرحيم (والطور (1) وكتاب مسطور (2) في رق منشور (3) والبيت المعمور (4) والسقف المرفوع (5) والبحر المسجور (6) إن عذاب ربك لواقع (7) ما له من دافع (8) يوم تمور السماء مورا (9) وتسير الجبال سيرا (10) فويل يومئذ للمكذبين (11) الذين هم في خوض يلعبون (12) يوم يدعون إلى نار جهنم دعا (13) هذه النار التي كنتم بها تكذبون (14) أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون (15) اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون (16))
———–
يقسم تعالى بمخلوقاته الدالة على قدرته العظيمة: أن عذابه واقع بأعدائه، وأنه لا دافع له عنهم. فالطور هو: الجبل الذي يكون فيه أشجار، مثل الذي كلم الله عليه موسى، وأرسل منه عيسى، وما لم يكن فيه شجر لا يسمى طورا، إنما يقال له: جبل.
(وكتاب مسطور) قيل: هو اللوح المحفوظ. وقيل: الكتب المنزلة المكتوبة التي تقرأ على الناس جهارا ; ولهذا قال: (في رق منشور والبيت المعمور). ثبت في الصحيحين أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال في حديث الإسراء – بعد مجاوزته إلى السماء السابعة -: ” ثم رفع بي إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألفا لا يعودون إليه آخر ما عليهم ” يعني: يتعبدون فيه ويطوفون، كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم كذلك ذاك البيت، هو كعبة أهل السماء السابعة ; ولهذا وجد إبراهيم الخليل عليه السلام مسندا ظهره إلى البيت المعمور ; لأنه باني الكعبة الأرضية، والجزاء من جنس العمل، وهو بحيال الكعبة، وفي كل سماء بيت يتعبد فيه أهلها، ويصلون إليه، والذي في السماء الدنيا يقال له: بيت العزة. والله أعلم.
وروى ابن جرير: حدثنا هناد بن السري، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة ; أن رجلا قال لعلي: ما البيت المعمور؟ قال: بيت في السماء يقال له: ” الضراح ” وهو بحيال الكعبة من فوقها، حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة، لا يعودون فيه أبدا
وكذا رواه شعبة وسفيان الثوري، عن سماك وعندهما أن ابن الكواء هو السائل عن ذلك، ثم رواه ابن جرير عن أبي كريب، عن طلق بن غنام، عن زائدة، عن عاصم، عن علي بن ربيعة قال: سأل ابن الكواء عليا عن البيت المعمور، قال: مسجد في السماء يقال له: ” الضراح “، يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة، ثم لا يعودون فيه أبدا. ورواه من حديث أبي الطفيل، عن علي بمثله (1).
وقال العوفي عن ابن عباس (2): هو بيت حذاء العرش، تعمره الملائكة، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يعودون إليه، وكذا قال عكرمة، ومجاهد، والربيع بن أنس، والسدي، وغير واحد من السلف.
وقوله: (والسقف المرفوع): قال سفيان الثوري، وشعبة، وأبو الأحوص، عن سماك، عن خالد بن عرعرة، عن علي: (والسقف المرفوع) يعني: السماء، قال سفيان: ثم تلا (وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون) [الأنبياء: 32]. وكذا قال مجاهد، وقتادة، والسدي، وابن جريج، وابن زيد، واختاره ابن جرير.
وقال الربيع بن أنس: هو العرش يعني: أنه سقف لجميع المخلوقات، وله اتجاه، وهو يراد مع غيره كما قاله الجمهور.
وقوله: (والبحر المسجور): قال الربيع بن أنس: هو الماء الذي تحت العرش، الذي ينزل [الله] منه المطر الذي يحيي به الأجساد في قبورها يوم معادها. وقال الجمهور: هو هذا البحر. واختلف في معنى قوله: (المسجور)، فقال بعضهم: المراد أنه يوقد يوم القيامة نارا كقوله: (وإذا البحار سجرت) [التكوير: 6] أي: أضرمت فتصير نارا تتأجج، محيطة بأهل الموقف. رواه سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب، وروي عن ابن عباس. وبه يقول سعيد بن جبير، ومجاهد، وعبد الله بن عبيد بن عمير وغيرهم.
وقال العلاء بن بدر: إنما سمي البحر المسجور لأنه لا يشرب منه ماء، ولا يسقى به زرع، وكذلك البحار يوم القيامة. كذا رواه عنه ابن أبي حاتم.
وعن سعيد بن جبير: (والبحر المسجور) يعني: المرسل. وقال قتادة: ([والبحر] المسجور) المملوء. واختاره ابن جرير ووجهه بأنه ليس موقدا اليوم فهو مملوء.
وقيل: المراد به الفارغ، قال الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء، عن ذي الرمة، عن ابن عباس في قوله: (والبحر المسجور) قال: الفارغ ; خرجت أمة تستسقي فرجعت فقالت: ” إن الحوض مسجور “، تعني: فارغا. رواه ابن مردويه في مسانيد الشعراء.
وقيل: المراد بالمسجور: الممنوع المكفوف عن الأرض ; لئلا يغمرها فيغرق أهلها. قاله علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه يقول السدي وغيره.
وقوله: (إن عذاب ربك لواقع): هذا هو المقسم عليه، أي: الواقع بالكافرين، كما قال في الآية الأخرى: (ما له من دافع) أي: ليس له دافع يدفعه عنهم إذا أراد الله بهم ذلك.
وقوله: (يوم تمور السماء مورا): قال ابن عباس وقتادة: تتحرك تحريكا. وعن ابن عباس: هو تشققها، وقال مجاهد: تدور دورا. وقال الضحاك: استدارتها وتحريكها لأمر الله، وموج بعضها في [ص: 431] بعض. وهذا اختيار ابن جرير أنه التحرك في استدارة. قال: وأنشد أبو عبيدة معمر
بن المثنى بيت الأعشى:
كأن مشيتها من بيت جارتها مور السحابة لا ريث ولا عجل
(وتسير الجبال سيرا) أي: تذهب فتصير هباء منبثا، وتنسف نسفا.
(فويل يومئذ للمكذبين) أي: ويل لهم ذلك اليوم من عذاب الله ونكاله بهم، وعقابه لهم.
(الذين هم في خوض يلعبون) أي: هم في الدنيا يخوضون في الباطل، ويتخذون دينهم هزوا ولعبا.
(يوم يدعون) أي: يدفعون ويساقون، (إلى نار جهنم دعا): وقال مجاهد، والشعبي، ومحمد بن كعب، والضحاك، والسدي، والثوري: يدفعون فيها دفعا.
(هذه النار التي كنتم بها تكذبون) أي: تقول لهم الزبانية ذلك تقريعا وتوبيخا.
(أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون اصلوها) أي: ادخلوها دخول من تغمره من جميع جهاته (فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم) أي: سواء صبرتم على عذابها ونكالها أم لم تصبروا، لا محيد لكم عنها ولا خلاص لكم منها، (إنما تجزون ما كنتم تعملون) أي: ولا يظلم الله أحدا، بل يجازي كلا بعمله.
——-
(1) حسن، خالد بن عرعرة التيمي
ذكره البخاري في التاريخ الكبير، وقال: سمع عليا، روى عنه سماك والقاسم بن عوف
وثقة ابوحفص عمر بن شاهين
وابن حبان ذكره في الثقات وقال: يروي عن علي، روى عنه سماك بن حرب والقاسم بن عوف
وله متابع عند ذكره ابن كثير. وهو في
مصنف عبد الرزاق الصنعاني – كتاب المناسك
باب الخطيئة في الحرم والبيت المعمور – حديث: 8611 أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن وهب بن عبد الله، أن أبا الطفيل، أخبره أنه، سمع ابن الكواء، سأل عليا عن البيت المعمور ما هو؟ فقال علي: ” ذلك الضراح في سبع سماوات في العرش، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه إلى يوم القيامة ”
(2) مسلسل بالعوفيين، لكنه قريب من معنى أثر علي بن أبي طالب.