126 التعليق على صحيح مسلم
اختصار مصطفى الموريتاني لبعض البحوث في فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
——
صحيح مسلم
تتمة: باب فضائل أبي بكر الصديق:
4397 – عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ
وَسُئِلَتْ مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْلِفًا لَوْ اسْتَخْلَفَهُ قَالَتْ أَبُو بَكْرٍ فَقِيلَ لَهَا ثُمَّ مَنْ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ عُمَرُ ثُمَّ قِيلَ لَهَا مَنْ بَعْدَ عُمَرَ قَالَتْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ثُمَّ انْتَهَتْ إِلَى هَذَا
4398 – عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ
أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ قَالَ أَبِي كَأَنَّهَا تَعْنِي الْمَوْتَ قَالَ فَإِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَاتِي أَبَا بَكْرٍ
4399 – عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ ادْعِي لِي أَبَا بَكْرٍ أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولُ قَائِلٌ أَنَا أَوْلَى وَيَابَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ
4400 – عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا قَالَ فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا قَالَ فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا قَالَ فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ
4401 – عن أبي هريرة
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً لَهُ قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ الْبَقَرَةُ فَقَالَتْ إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا وَلَكِنِّي إِنَّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ تَعَجُّبًا وَفَزَعًا أَبَقَرَةٌ تَكَلَّمُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً فَطَلَبَهُ الرَّاعِي حَتَّى اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ فَقَالَ لَهُ مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ
وفي طريق أخرى فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ
——
جمع باحث في عصر الخلفاء الراشدين
– ومنهم وأفضلهم أبوبكر الصديق رضي الله عنه) شخصيته وعصره
اختصرته وحكمت على الأحاديث وبعض الآثار؛ فلنبدأ على اسم الله:
نستفيد من سيرة السلف إعداد الجيل المسلم وتربيته على منهاج النبوة، ونتعرف على حياة وعصر من قال الله فيهم: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا …. } وقال فيهم رسول الله (: (خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم … ) مسلم
(: (عليكم بسنتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) (سنن ابي داود
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الصديق (لو كنت متخذاً خليلاً لأتخذت أبابكر، ولكن أخي وصاحبي) (البخاري، كتاب فضائل الصحابة رقم 3656.)، وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عمر أيضاً: (اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر) (صحيح سنن الترمذي للألباني (3/ 200))، وشهد له عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بقوله: أنت سيدنا وخيرنا وأحبنا الى رسول الله ((البخاري، كتاب فضائل الصحابة رقم 3668.)، وقال عنه علي بن أبي طالب (لما سأله ابنه محمد بن الحنفية بقوله: أي الناس خير بعد رسول الله؟ قال (: أبو بكر) البخاري، كتاب فضائل الصحابة رقم 3671.).
وقال فيهم عبدالله بن مسعود: من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لاتؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد، كانوا والله أفضل هذه الأمة، وابرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم
تنبيه: عرف الأعداء خطورة التاريخ وأثره في صياغة النفوس، فعملوا على تشويهه
حياة الصديق مدرسة:
صفاته وفضائله ومشاهده في ميادين الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وحياته في المجتمع المدني ومواقفه العظيمة بعد وفاة رسول الله وكيف ثبت الله به الأمة؟
وسقيفة بني ساعدة وماتم فيها من حوار ونقاش بين المهاجرين والأنصار،
وموقف الصديق من إرسال جيش اسامة ومافي هذا الحدث العظيم من دروس في الشورى
و تعاليم الصديق لجيش أسامة
والحزم، والاقتداء برسول الله صلالله عليه وسلم، وردّ الخلاف إلى الكتاب والسنّة
وآداب الجهاد وصورته المشرقة التي تمثلت في أحداث الردة، وموقف الصديق منها
فتوحات الصديق، وخطته في فتح العراق،
العدل بين الأمم المفتوحة والرفق بأهلها
استخلاف الصديق لعمر بن الخطاب ووفاته.
آخر ماتكلم به الصديق في هذه الدنيا بقول الله تعالى: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)
اولا: نسبه:
يلتقي مع النبي صلي الله عليه وسلم في النسب في الجد السادس مرة بن كعب ويكنى بأبي بكر، ولُقب أبوبكر (، بألقاب عديدة كلها تدل على سمو المكانة، وعلو المنزلة وشرف الحسب منها:
1 – العتيق: لقبّه به النبي صلى الله عليه وسلم (: (أنت عتيقُ الله من النار) فسُمِّيَ عتيقاً) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (15/ 280) إسناده صحيح
وفي رواية عائشة قالت: دخل أبو بكر الصديق على رسول الله (، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (أبشر فأنت عتيق الله من النار) (رواه الترمذي رقم 3679 في المناقب وصححه الألباني في السلسلة 1574.)، فمن يؤمئذ سُمي عتيقاً
2 – الصديق:
لقبه به النبي صلى الله عليه وسلم ففي حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً، وأبوبكر، وعمر، وعثمان، فوجف بهم فقال: اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان (أخرجه البخاري، باب فضل ابي بكر (5/ 11).).
وقد لقب بالصديق لكثرة تصديقه للنبي صلى الله عليه وسلم ومنه تصديقه بالإسراء والمعراج.
3 – الصاحب: لقبه به الله عز وجل في القرآن الكريم
قال الحافظ رحمه الله: ومن أعظم مناقبه قول الله تعالى: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ……… إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} فإن المراد بصاحبه هنا أبوبكر بلا منازع (الإصابة)
4 – الأتقى: في قوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى}.
ثانياً: مولده وصفته الخَلْقية:
لم يختلف العلماء في أنه ولد بعد عام الفيل، وإنما اختلفوا في المدة التي كانت بعد عام الفيل، فبعضهم قال بثلاث سنين، وبعضهم ذكر بأنه ولد بعد عام الفيل بسنتين
قيس بن أبي حازم: دخلت على أبي بكر، وكان رجلاً نحيفاً، خفيف اللحم أبيض (الطبقات لابن سعد (3/ 188) إسناده صحيح.)، ويخضب لحيته، وشيبه بالحناء والكتم (البخاري رقم 5895، ومسلم 2341،)
ثالثاً: أسرته:
أما والده، فهو عثمان بن عامر بن عمرو يكنى أبا قحافة أسلم يوم الفتح، وأقبل به الصديق على رسول الله (فقال: ياأبا بكر هلا تركته، حتى نأتيه، فقال أبوبكر: هوأولى أن يأتيك
وأما والدة الصديق، فهي سلمى بن صخر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم وكنيتها أم الخير أسلمت مبكراً
وأما زوجاته؛ فقد تزوج (من أربع نسوة أنجبن له ثلاثة ذكور وثلاث إناث وهنّ على التوالي:
1 – قتيلة بنت عبدالعزى بن أسعد بن جابر ابن مالك:
اختلف في إسلامها (40)، وهي والدة عبدالله وأسماء 2 – أم رومان بنت عامر بن عويمر: من بني كنانة بن خزيمة، مات عنها زوجها الحارث بن سخبرة بمكة، فتزوجها أبوبكر، وأسلمت قديماً، وبايعت، وهاجرت الى المدينة وهي والدة عبدالرحمن وعائشة رضي الله عنهم، وتوفيت في عهد النبي (بالمدينة سنة ست من الهجرة (الإصابة (8/ 391).).
3 – أسماء بن عُمَيس بن معبد بن الحارث: أم عبدالله، من المهاجرات الأوائل، أسلمت قديماً قبل دخول دار الأرقم، وبايعت الرسول (، وهاجر بها زوجها جعفر بن أبي طالب (الى الحبشة، ثم هاجرت معه الى المدينة فاستشهد يوم مؤتة، وتزوجها الصديق فولدت له محمداً
4 – حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير: الانصارية، الخزرجية وهي التي ولدت لأبي بكر أم كلثوم بعد وفاته وقد أقام عندها الصديق بالسُّنح (44).
ومن فضائله ابنته عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها: كان مسروق تحدث عن أم المؤمنين عائشة يقول: حدثتني الصديقة بنت الصديق المبرأة حبيبة حبيب الله (، ومسندها يبلغ ألفين ومائتين وعشرة أحاديث (2210) اتفق البخاري ومسلم على مائة وأربعة وسبعين حديثاً، وانفرد البخاري باربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستين (سير أعلام النبلاء (2/ 135،139).)،
كان ابوبكر من أشراف قريش انتهى إليه الأشناق وهي الديات والمغارم، فكان إذا حمل شيئاً فسأل فيه قريشاً صدقوه، وامضوا حمالة من نهض معه، وإن احتملها غيره خذلوه
وقد اشتهر بعدة أمور منها:
1 – العلم بالأنساب: فعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها (مسلم رقم 2490
2 – تجارته: كان في الجاهلية تاجراً، وكان ينفق من ماله بسخاء.
3 – موضع الألفة بين قومه وميل القلوب إليه: وقد قال له ابن الدغنه حين لقيه مهاجراً، إنك لتزين العشيرة، وتعين على النوائب، وتكسب المعدوم وتفعل المعروف (البخاري، كتاب مناقب الأنصار رقم 3905.)،
4 – لم يشرب الخمر في الجاهلية: قال: كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي، فإن من شرب الخمر كان مضيّعاً لعرضه ومروءته
المبحث الثاني
: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حقه: إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ مرتين (البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي رقم 3661.).
وبذلك كان الصديق رضي الله عنه أول من أسلم من الرجال الأحرار
قال فيه عليه الصلاة والسلام: أرحم أمتي بأمتي ابوبكر (الألباني في صحيح الجامع الصغير (2/ 8) ج3.)
ثانياً: دعوته: كانت أول ثمار الصديق الدعوية: الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيدالله، وسعد بن أبي وقاص، وعثمان بن مضعون، وأبو عبيدة بن الجراح، وعبدالرحمن بن عوف، وأبوسلمة بن عبدالأسد، والأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنهم
واهتم الصديق بأسرته فأسلمت أسماء وعائشة وعبدالله وزوجته أم رومان وخادمه عامر بن فهيرة.
ثالثاً: ابتلاؤه: إن سنة الابتلاء ماضية في الأفراد والجماعات والشعوب والأمم والدول، … ولم يسلم أشراف المسلمين من هذا الابتلاء، فلقد أوذي أبو بكر الصديق رضي الله عنه وحُثي على رأسه التراب، وضرب في المسجد الحرام، فقد روت عائشة رضي الله تعالى عنها أنه لمّا اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً الحّ أبو بكر الصديق رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور، فقال: يا أبا بكر إنَّا قليل. فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرق المسلمين في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيباً ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فكان أوّل خطيب دعا إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين، فضربوه في نواحي المسجد ضرباً شديداً، ووطئ أبو بكر وضرب ضرباً شديداً، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويُحرِّفهما لوجهه، ونزا على بطن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حتى مايعرف وجهه من أنفه، وجاءت بنو تميم يتعادون فأجلت المشركين عن أبي بكر، وحَمَلت بنو تميم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله، ولايشكون في موته، ثم رجعت بنو تميم فدخلوا المسجد وقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة فرجعوا إلى أبي بكر فجعل أبو قحافة (والده) وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب، فتكلم آخر النهار فقال: مافعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فمسّوا منه بألسنتهم وعذلوه، وقالوا لأمه أم الخير: انظري أن تطعميه شيئاً أو تسقيه إياه. فلما خلت به ألحت عليه، وجعل يقول: مافعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: والله مالي علم بصاحبك. فقال: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه، فخرجت حتى جاءت أم جميل، فقالت: إن أبا بكر سألك عنمحمد بن عبدالله.
فقالت: ما أعرف أبا بكر ولامحمد بن عبدالله، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك. قالت: نعم، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دَنِفاً، فدنت أم جميل، وأعلنت بالصياح، وقالت: والله إن قوماً نالوا منك لأهل فسق وكفر إنني لأرجوا أن ينتقم الله لك منهم، قال: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: هذه أمك تسمع، قال: فلاشيء عليك منها، قالت: سالم صالح، قال: أين هو؟ قالت: في دار الأرقم. قال: فإن لله علي أن لا أذوق طعاماً ولا أشرب شراباً أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمهلتا حتى إذا هدأت الرِّجل وسكن الناس، خرجتا به يتكئ عليهما، حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: فأكب عليه رسول الله فقبله، وأكب عليه المسلمون، ورقّ له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رقة شديدة فقال أبو بكر: بأبي وأمي يارسول الله، ليس بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي، وهذه أمي برة بولدها وأنت مبارك فادعها إلى الله، وأدع الله لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار. قال: فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاها إلى الله فأسلمت (السيرة النبوية لابن كثير (1/ 439 – 441)؛ البداية والنهاية (3/ 30).).
قلت سيف: أخرجها ابن عساكر في تاريخه وغيره وفيها عبدالله بن محمد بن إسحاق بن موسى بن طلحة قال محقق مختصر تلخيص الذهبي في حديث آخر: لم أجد إلا عبيد الله بن إسحاق بن حماد بن موسى بن طلحة قال ابوحاتم وليس بقوي. وفيه أيضا عبدالله بن عبيد الله بن إسحاق الطلحي لم أجده. انتهى
ومن صفاته الشجاعة، فعن عروة بن الزبير قال سألت ابن عمرو بن العاص بأن يخبرني بأشد شئ صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم. فقال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم ((لبخاري رقم 3856.) وقال: (أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله)،
وذكر علي بن أبي طالب وذكر أن أبا بكر اشجع الناس كان شاهرا سيفه يدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون خير أم هو؟ فبكت القوم، فقال عليّ: فوالله لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض من مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه (البداية والنهاية (3/ 271 – 272).).
وكان الذراع اليمنى لرسول الله، وأعتق كثيرا من المستضعفين منهم بلال رضي الله عنه.
سادساً: قال أبوبكر لابن الدغنه وقد طلب أن يرد جواره بعد أن أجاره: فإني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله عز وجل (فتح الباري (7/ 274
سابعاً: بين القبائل العرب في الأسواق:
قد علمنا أن الصديق رضي الله عنه كان عالماً بالأنساب وله فيها الباع الطويل: قال السيوطي رحمه الله تعالى: رأيت بخط الحافظ الذهبي رحمه الله من كان فرد زمانه في فنه … أبوبكر في النسب، ولذلك استخدم الصديق هذا العلم الفياض وسيلة من وسائل الدعوة ….. فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه …. الى أن قال ثم دفعنا الى مجلس آخر عليه السكينة والوقار فتقدم أبوبكر فسلم فقال من القوم؟ قالوا: شيبان ابن ثعلبة فالتفت ابوبكر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بأبي وأمي هؤلاء غرر الناس وفيهم مفروق قد غلبهم لساناً وجمالاً وكانت له غديرتان تسقطان على تريبته وكان أدنى القوم مجلساً من أبي بكر فقال: أبوبكر كيف العدد فيكم فقال مفروق: إنا لانزيد على الألف ولن تغلب الألف من قلة …. فإن أردت أن ننصرك مما يلي العرب فعلينا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ماأسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق وإن دين الله عز وجل لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه أريتم إن لم تلبثوا إلا قليلاً حى يورثكم الله تعالى أرضهم وديارهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه فقال النعمان: اللهم فلك ذاك (البداية والنهاية (3/ 142، 143،145) وفيها زيادات ليست عند الصالحي في سبيل الرشاد (2/ 596 – 597)
قلت سيف: قال الالباني في الضعيفة 6457: ضعيف.
المبحث الثالث
: هجرته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة:
وجاء في رواية البخاري عن عائشة في حديث طويل تفاصيل مهمة وفي ذلك الحديث: ( …… قالت عائشة: فبينما نحن يوماً جلوساً في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله (متقنعاً)، في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال رسول الله (لأبي بكر: أخرج من عندك، فقال أبوبكر: إنما هم أهلك. فقال: فإني قد أذن لي في الخروج فقال أبوبكر: الصحبة بأبي أنت يارسول الله قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: نعم، قال ابوبكر: فخذ بأبي أنت يارسول الله إحد راحلتي هاتين، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: بالثمن، قالت عائشة: فجهزناهما أحسن الجهاز
المبحث الرابع
الصدِّيق في ميادين الجهاد
ذكر أهل العلم بالتواريخ والسير أن أبابكر شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بدراً والمشاهد كلها، ولم يفته منها مشهد، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد.
وفي بدر يقول: (يارسول الله كفاك مناشدتك ربك فإنه منجر لك ماوعدك) (مسلم)
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذ استشار أصحابه أول من يتكلم أبوبكر في الشورى، وربما تلكم غيره، وربما لمن يتكلم غيره، فيعمل برأيه وحده، فإذا خالفه غيره اتبع رأيه دون رأي من يخالفه
ثانياً: في أحد وحمراء الأسد:
في هذه الغزوة من موقف أبي سفيان عندما سأل وقال: أفي القوم محمد؟ ثلاث مرات. فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه. ثم قال: أفي القوم أبن أبي قحافة؟ ثلاث مرات. ثم قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلاث مرات ثم رجع الى أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا (الفتح (6/ 188)، الفتح (7/ 405).).
وهو من الذين استجابوا لله في حمراء الأسد.
ب-بني المصطلق:
أراد بنو المصطلق أن يغزو المدينة، فخرج لهم رسول الله في أصحابه فلما انتهى إليهم دفع راية المهاجرين إلى أبي بكر الصديق، ويقال إلى عمار بن ياسر.
رابعاً: في الحديبية:
فقال أبو بكر صلى الله عليه وسلم يارسول الله خرجت عامداً لهذا البيت لاتريد حربه أو قتل أحد، فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه
ونصح ابوبكر عمر بن الخطاب أن يلزم غرزه في الصلح.
ب-في نجد:
أخرج ابن سعد عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: بعث رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم (أبا بكر إلى نجد وأمره علينا فبيتنا ناساً من هوازن فقتلت بيدي سبعة أهل أبيات، وكان شعارنا أمِتْ أمِت) ْ (ابوداود، كتاب الجهاد، باب في البيات (3/ 43).).
جـ-في بني فزارة: روى الإمام أحمد من طريق إياس بن سلمة عن أبيه حدثني أبي قال: خرجنا مع أبي بكر بن أبي قحافة وأمره النبي النبي صلى الله عليه وسلم علينا، فغزونا بني فزازة …
سادساً: في عمرة القضاء وفي ذات السلاسل:
أ-في عمرة القضاء:
كان الصديق رضي الله عنه ضمن المسلمين الذين ذهبوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعتمروا عمرة القضاء مكان عمرتهم التي صدهم المشركون عنها (261).
ب-في سرية ذات السلاسل:
في المتفق والمفترق للخطيب 565 ساق باسناده من طريق اسرائيل بن يونس حدثنا ابراهيم بن المهاجر
وقال الخطيب رواه جماعة:
عن طارق بن شهاب عن رافع بن عمرو الطائي رضي الله عنه: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل، وبعث معه في ذلك الجيش أبا بكر وعمر، رضي الله عنهما، وسَرَاةأصحابه، فانطلقوا حتى نزلوا جبل طَيّ، فقال عمرو: انظروا إلى رجل دليل بالطريق، فقالوا: مانعلمه إلا رافع بن عمرو، فإنه كان رَبيلاً في الجاهلية. قال رافع: فلما قضينا غَزَاتنا وانتهيت إلى المكان الذي كنا خرجنا منه، توسّمت أبا بكر رضي الله عنه، وكانت له عباءة فدكية، فإذا ركب خَلَّها عليه بخلال، وإذا نزل بسطها فأتيته فقلت: ياصاحب الخِلال، إني توسمتك من بين أصحابك، فائتني بشيء إذا حفظته كنت مثلكم ولا تطوِّل عليّ فأنْسىَ. فقال: تحفظ أصابعك الخمس؟ قلت: نعم، قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وتقيم الصلوات الخمس وتؤتي زكاة مالك إن كان لك مال، وتحج البيت، وتصوم رمضان: هل حفظت؟ قلت نعم، قال: وأخرى لاتُؤمَّرَنَّ على اثنين قلت: وهل تكون الإمرة إلا فيكم أهل المَدَر. فقال: يوشك أن تفشو حتى تبلغك ومن هو دونك، إن الله عزوجل لما بعث نبيه صلى الله عليه وسلم دخل الناس في الإسلام، فمنهم من دخل لله فهداه الله، ومنهم من أكرهه السَّيف، فكلهم عُوَّاد الله وجيران الله وخَفَارةُ الله، إن الرجل إذا كان أميراً، فتظالم الناس بينهم فلم يأخذ لبعضهم من بعض انتقم الله منه، إن الرجل منكم لتؤخذ شاة جاره فيظل نَاتئ عضلته غضباً لجاره والله من وراء جاره.
قلت سيف: على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند. فقول ابي بكر في الامارة في حكم المرفوع وله شواهد صحيحة.
ذكر الالباني المرفوع (من ولي شيئاً شر من امتي فلم يعدل فيهم فعليه لعنة الله) وقال: منكر ثم ذكر قصة أبي بكر وقال أن إبراهيم بن المهاجر صدوق من رجال مسلم لكنه لين الحفظ. وتابعه سليمان بن ميسرة عن طارق قال في إتحاف المهرة لم أعرفه ثم ذكر لها شاهد كون رافع الطائي كان رفيق أبي بكر في ذات السلاسل.
لكن يكفينا إسناد إبراهيم بن المهاجر.
سابعاً: في فتح مكة وحنين والطائف:
أ-في فتح مكة 8هـ: سلم للنبي صلى الله عليه وسلم في قتال قريش لما علم غدرهم ببني خزاعة.
3 – نفقة الصديق في تبوك: قال عمر بن الخطاب: وأتى أبوبكر رضي الله عنه بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ماأبقيت لأهلك؟ قال أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لاأسابقك الى شيء أبداً (سنن ابي داود، كتاب الزكاة (2/ 312 – 313) رقم 1678 وحسنه الألباني.).
ب- الصديق أمير الحج سنة 9هـ:
أعلن في حجة أبي بكر أن عهد الأصنام قد انقضى
ج- في حجة الوداع:
روى الامام أحمد (بسنده الى عبدالله بن الزبير عن أبيه أن أسماء بنت أبي بكر قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاجاً حتى أدركنا (العرج) نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلست عائشة جنب النبي صلى الله عليه وسلم، وزمالة أبي بكر واحدة مع غلام لأبي بكر فجلس أبوبكر ينتظر أن يطلع عليه، فطلع وليس معه بعيره!! فقال: أين بعيرك؟ فقال: أظللته البارحة! فقال أبوبكر: بعير واحد تضله!! فطفق يضربه ورسول الله يبتسم ويقول: انظروا الى هذا المحرم ومايصنع (مسند أحمد (6/ 344).).
قلت سيف: قال الألباني: ضعيف (الضعيفة 4039. بسبب عنعنة ابن إسحاق. قال الناشر للضعيفة في الحاشية: وقع في صحيح أبي داود وصحيح ابن ماجه انه حسن. انتهى
وتعقب ابن القطان عبدالحق سكوته عليه فقال: لم يبين أنه من رواية ابن إسحاق. وضعفه شعيب في تحقيقه لسنن أبي داود بالعنعنة. وكذلك محققو المسند 44/ 485.
المبحث الخامس: الصديق في المجتمع المدني وبعض صفاته وشيء من فضائله
أولاً: من مواقفه في المجتع المدني:
1 – موقفه من فنحاص الحبر اليهودي:
ذكر غير واحد من كتّاب السيّر والمفسرين أن أبابكر (دخل بيت المدارس، على يهود، فوجد منهم ناساً قد اجتمعوا الى رجل منهم، يقال له فنحاص، … فغضب أبوبكر، فضرب وجه فنحاص ضرباً شديداً، وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت رأسك، أي عدو الله، فذهب فنحاص الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يامحمد انظر ماصنع بي صاحبك. فقال رسول الله صلّى الله عليه لأبي بكر: ماحملك على ماصنعت؟ فقال أبوبكر: يارسول الله، إن عدو الله قال قولاً عظيماً، إنه يزعم أن الله فقير وأنهم أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله مما قال، وضربت وجهه، فجحد ذلك فنحاص وقال: ماقلت ذلك، فأنزل الله تعالى فيما قال فنحاص رداً عليه، وتصديقاً لأبي بكر: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} ونزل في ابي بكر الصديق (، ومابلغه في ذلك من الغضب (تفسير القرطبي (4/ 295).) قوله تعالى {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}
قلت سيف: هو في الصحيح المسند من أسباب النزول ونقل عن السيوطي وعزاه لابن أبي حاتم وابن المنذر وحسنه ابن حجر في الفتح
وهو بسنده في تخريج الكشاف وقال صاحب منتخب الأخبار: في إسناده محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت مجهول العين. قال الذهبي في الميزان: لا يعرف.
وأورده في غوامض الأسماء المبهمة من طريق سفيان بن عيينة عن عطاء وابن جدعان عن سعيد بن المسيب مرسلا. لكن فيه أن اليهودي قال والذي اصطفى موسى على العالمين. قال عمرو بن دينار اللاطم هو أبوبكر
فلا تتقوى لأن اللاطم في قصة تفضيل موسى في البخاري أنه رجل من الأنصار.
2 – حفظ سر النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد خطبة حفصة.
3 – الصديق وآية صلاة الجمعة:
قال جابر بن عبدالله بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، وقدمت عيُر المدينة، فابتدرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. … وقال: في الاثنى عشر الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (أبوبكر وعمر) مسلم رقم 863.
4 – رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفي الخيلاء عن أبي بكر (البخاري رقم 3665.).7).
5 – الصديق وتحريه للحلال: عن قيس بن أبي حازم قال: كان لأبي بكر غلام فكان إذا جاء بغلتَّه لم يأكل من غلته حتى يسأل، فإن كان شيئاً مما يحب أكل، وإن كان شيئاً يكره لم يأكل، قال: فنسي ليلة فأكل ولم يسأله، ثم سأله فأخبره أنه من شيء كرهه، فأدخل يده فتقيأ حتى لم يترك شيئاً (الزهد للامام أحمد (110)
7 – أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر: (3/ 81)
دخل أبوبكر على عائشة رضي الله عنهم في أيام العيد، وعندها جاريتان من الأنصار تغنيان فقال أبوبكر (: أبمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم …. مسند أحمد (6/ 116، 233) عن عائشة.).
8 – أكرامه للضيوف:
في قصة أخذه لثلاثة من الضيوف وتأخر عند النبي صلى الله عليه وسلم. فأبى الضيوف الأكل فحلف أبوبكر أن لا يطعم ثم أكل فبارك لهم رب العزة في الطعام (مسلم، كتاب الأشربة رقم 2057.).
9 – ماهي بأول بركتكم ياآل أبي بكر:
قاله أسيد بن حضير حيث نزل التيمم والنبي صلى الله عليه وسلم حبس للبحث عن عقد لعائشة
10 – انتصار النبي للصديق رضي الله عنه:
خاصم عمر أبا بكر؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال ابوبكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي مرتين. فما أوذي بعدها لما أظهره النبي صلى الله عليه وسلم من تعظيمه، البخاري رقم 3661.).
وفي هذه القصة دروس وعبر كثيرة منها؛ الطبيعة البشرية للصحابة ومايحدث بينهم من خلاف، وسرعة رجوع المخطئ وطلب المغفرة والصفح من أخيه، تواد الصحابة فيما بينهم، مكانة الصديق الرفيعة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أصحابه ……. الخ.
11 – قل: غفر الله لك ياأبابكر:
قال ربيعة الأسلمي رضي الله عنه: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم … وذكر حديثاً ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني بعد ذلك ارضاً وأعطى أبوبكر أرضاً وجاءت الدنيا فاختلفنا في عذق نخلة، فقلت أنا: هي في حدِّي، وقال أبوبكر، هي في حدي، فكان بيني وبين أبي بكر كلام، فقال ابوبكر كلمة كرهها وندم فقال لي: ياربيعة رد عليها مثلها حتى تكون قصاصاً، قال: قلت: لا أفعل، فقال أبوبكر: لتقولن أو لاستعدين عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ماأنا بفاعل، قال: ورفض الأرض، وأنطلق أبوبكر رضي الله عنه الى النبي صلى الله عليه وسلم، وانطلقت أتلوه، فجاء ناس من أسلم فقالوا لي: رحم الله أبابكر، في أي شيء يستعدي عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قد قال لك ماقال، قلت: اتدرون من هذا؟ هذا أبوبكر الصديق، هذا ثاني أثنين، وهذا ذو شيبة المسلمين، إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب، فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه فيغضب الله عز وجل لغضبهما فيهلك ربيعة، قال: ماتأمرنا؟ قال: ارجعوا، قال: فانطلق أبوبكر رضي الله عنه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبعته وحدي حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه الحديث كما كان، فرفع إليّ رأسه فقال: ياربيعة مالك وللصديق؟ قلت: يارسول الله كان كذا كان كذا، قال لي كلمة كرهها فقال: قل لي كما قلت حتى يكون قصاصاً فابيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (: أجل فلا ترد عليه، ولكن قل: غفر الله لك ياأبابكر، فقلت: غفر الله لك ياأبابكر. قال الحسن (البصري): فولىَّ ابوبكر (وهو يبكي (مسند أحمد (4/ 58 – 59).).
قلت سيف: ضعفه محققو المسند فقالوا: ضعيف جدا؛ مبارك بن فضالة يدلس ويسوي. ولم يطمئنوا لتصريحه. في بعض القصة. ثم قالوا هو لا يتحمل التفرد. وهناك احتمال انقطاع أيضا بين ابي عمران وربيعة.
وذكروا انه روي عن أبي عمران مرسلا وفيه الحارث بن عبيد ضعيف.
12 – مسابقته في الخيرات:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أصبح منكم صائماً؟ قال أبوبكر: أنا. قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبوبكر: أنا. قال: فمن أطعم منكم مسكيناً؟ قال أبوبكر: أنا. قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبوبكر: أنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مااجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة (صحيح مسلم رقم 1028).
13 – كظمه للغيظ:
قال ابوهريرة رضي الله عنه: إن رجلاً شتم أبابكر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجب ويبتسم، فلما أكثر الرجل، رد عليه أبوبكر بعض قوله، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، وقام فلحقه أبوبكر، وقال: يارسول الله، كان يشتمني وأنت جالس، فلما أكثر رددت عليه بعض قوله، غضبت وقمت!! فقال عليه الصلاة والسلام: إنه كان معك ملك يرد عنك، فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان ثم قال: ياأبابكر ثلاث كلهنّ حق: مامن عبد ظلم بمظلمة، فيغضي عنها لله عز وجل إلا أعز الله بها نصره، ومافتح رجل باب عطية، يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة، ومافتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قلة (الدر المنثور للسيوطي (2/ 74؛ مجمع الزوائد (8/ 190) حديث مرسل.).
14 – بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي: كان أبوبكر رضي الله عنه يَعُول مِسْطَحَ ابن أُثَاثَة، فلما قال في عائشة رضي الله عنها ماقال، في حديث الأفك المشهور – أقسم بالله أبوبكر ألا ينفعه أبداً، فلما أنزل الله عز وجل: {وَلا يَاتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. قال ابوبكر: والله إني أحب أن يغفر الله لي فرجع الى النفقة التي كان ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها منه أبداً (البخاري رقم 4750.).
16 – غيرة الصديق رضي الله عنه وتزكية النبي صلى الله عليه وسلم لزوجه:
قال عبدالله بن عمرو بن العاص: أن نفراً من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس فدخل أبو بكر الصديق وهي تحته يومئذ فرآهم، فكره ذلك، فذكر ذلك لرسول الله، فقال: إن الله تعالى قد برأها من ذلك ثم قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر فقال: لايدخل رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان (الرياض النظرة في مناقب العشرة لأبي جعفر أحمد الطبري، ص237.).
17 – خوفه من الله تعالى:
وعن أنس رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ماسمعت مثلها قط فقال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، فغطى أصحاب رسول الله (وجوههم ولهم خنين (البخاري، كتاب التفسير، باب لاتسألوا عن أشياء (6/ 68).).
وقد كان الصديق رضي الله عنه على جانب من الخوف والرجاء عظيم جعله قدوة عملية لكل مسلم سواء حاكماً أو محكوماً قائداً أو جندياً، يريد النجاح والفلاح في الآخرة (368)، فعن محمد بن سيرين قال: لم يكن أحد أهيب لما يعلم بعد النبي صلى الله عليه وسلم من أبي بكر. وعن قيس قال: رأيت أبا بكر آخذ بطرف لسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد (صفة الصفوة (2/ 253).)، وقد قال أبو بكر (: ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا (الزهد، للامام أحمد، باب زهد أبي بكر، ص108.) وعن ميمون بن مهران قال: أتى أبو بكر بغراب وافر الجناحين فقلبه ثم قال: ماصيد من صيد ولاعضدت من شجرة إلا بما ضيعت من التسبيح (الزهد للامام أحمد، باب زهد أبي بكر، ص110.)، وعن الحسن قال: قال أبو بكر: والله لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد، وقال أبو بكر: لوددت أني كنت شعرة في جنب عبد مؤمن (الزهد للامام أحمد)، وكان رضي الله عنه يتمثل بهذا البيت من الشعر:
لاتزال تنعي حبيباً حتى تكونه … وقد يرجوا الرجا يموت دونه (الزهد للامام أحمد، باب زهد أبي بكر، ص108.)
ثانياً: من أهم صفات الصديق وشيء من فضائله:
1 – عظمة إيمانه بالله تعالى: كان إيمان الصديق بالله عظيماً، ولهذا قيل: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح، كما في السنن عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ فقال رجل أنا رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر، ثم وزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر، ثم وزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان -فاستاء لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خلافة نبوة ثم يؤتى الله الملك من يشاء (أبوداود رقم 4634؛ الترمذي رقم 2288.). وهو في الصحيح المسند 1174.
وبسبب هذا الإيمان العظيم والتزامه بشرع الله القويم ولجهوده التي بذلها لنصرة دين رب العالمين استحق بشارة رسول الله بالجنة وأنه يدعى من جميع أبوابها، فعن أبي موسى الأشعري أنه توضأ في بيته ثم خرج فقلت: لألزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم … فجاء أبو بكر فدفع الباب، فقلت: من هذا فقال: أبو بكر. فقلت: على رسلك، ثم ذهبت فقلت: يارسول الله هذا أبو بكر يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فأقبلت حتى قلت لأبي بكر: ادخل ورسول الله يبشرك بالجنة. فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم وكشف عن ساقيه … (البخاري رقم 3674)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب الجنة: ياعبدالله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة. فقال أبو بكر (ماعلى هذا يُدعى من تلك الأبواب من ضرورة، وقال: فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر (البخاري رقم 3666.).
2 – علمه: كان الصديق من أعلم الناس بالله وأخوفهم له (381)، وقد اتفق أهل السنة على أن أبا بكر أعلم الأمة، وحكى الإجماع على ذلك غير واحد (الفتاوى (13/ 127).)، وقد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم. أول حجة حجت من مدينة النبي صلى الله عليه وسلم. وعلم المناسك أدق مافي العبادات، ولولا سعة علمه لم يستعمله، وكذلك الصلاة استخلفه عليها ولولا علمه لم يستخلفه ولم يستخلف غيره لا في حج ولا في صلاة، وكتاب الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه أنس من أبي بكر وهو أصح ماروى فيها (البخاري رقم 1448.) وعليه اعتمد الفقهاء وغيرهم،
ولقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم له رؤيا تدل على علمه، فعن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: رأيت كأني أعطيت عُسّاً مملوءاً لبناً، فشربت منه حتى تملأت، فرأيتها تجري في عروقي بين الجلد واللحم، ففضلت منها فضلة، فأعطيتها أبا بكر. قالوا: يارسول الله، هذا علم أعطاكه الله حتى إذا تملأت منه، فضلت فضلة، فأعطيتها أبا بكر، فقال رسول الله صلّى الله عليه: قد أصبتم (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (15/ 269).).
قلت سيف: علق الدارقطني في العلل 2729 ثبوته بحفظ معتمر. يقصد أن المشهور أنه في قصة نزع ذنوب أو ذنوبين.
تنبيه: وقع في علل الدارقطني (معمر) والصواب (معتمر)
واعتبره الألباني شاذه بذكر أبي بكر وان الصواب بذكر عمر. وخطأ ابوزرعة معتمر في اسناده في العلل 2676 وذكر المحققون شذوذ الرواية بذكر أبي بكر.
وكان الصديق رضي الله عنه يرى أن الرؤيا حق، وكان يجيد تأويلها، ومما عبره رضي الله عنه من الرؤى مايلي: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً أتى رسول الله فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظلَّة تنطف السمن والعسل … (البخاري، كتاب التعبير، رقم 7046)
وعن عائشة رضي الله عنها أنها رأت كأنه وقع في بيتها ثلاثة أقمار، فقصتها على أبي بكر- وكان من أعبر الناس فقال: إن صدقت رؤياك ليُدْفَنَنَّ في بيتك من خير أهل الأرض ثلاثة. فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم. قال ياعائشة هذا خيرُ أقمارك (391تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص129.)
قلت سيف: حكم عليه ابن عبدالبر بالانقطاع حيث انفرد قتيبة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة. وأكثر الرواة عن مالك لا يذكرون ابن المسيب. انتهى كلام ابن عبد البر.
قال صاحبنا أبوصالح: تابع قتيبة معن وسويد. وتابع مالكا؛ القطان ويزيد بن هارون وابن عيينة والليث بن سعد ويحيى بن أيوب وعمرو بن الحارث.
ومع كونه رضي الله عنه أعلم الصحابة إلا أنه من أبعد الناس عن التكلف، فعن ابراهيم النخعي قال: قرأ أبو بكر الصديق {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} فقيل ماالأب: فقيل كذا وكذا فقال أبو بكر: إن هذا لهو التكلف، أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله مالا أعلم (فتح الباري (13/ 285)
قلت سيف: فيه انقطاع بين ابراهيم النخعي وأبي بكر.).
3 – دعاؤه وشدة تضرعه:
وقد جاء في الصحيحين: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يارسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولايغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم (مسلم، الذكر والدعاء رقم 2705؛ البخاري رقم 843.).
وجاء في السنن عن أبي بكر رضي الله عنه قال: يارسول الله، علمني دعاء أدعو به إذا أصبحت وإذا أمسيت، فقال: قل: اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن اقترف على نفسي سوءاً أو أجره إلى مسلم. قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك (ابوداود في الأدب رقم 5067؛ الترمذي في الدعوات رقم 3529.).
وهو في الصحيح المسند 1333
وقد نقل إلينا بعض أدعيته وتضرعاته ومنها:
أ-أسألك تمام النعمة في الأشياء كلها، والشكر لك عليها حتى ترضى، وبعد الرضى، والخيرة في جميع ماتكون إليه الخَيَرةُ، بجميع ميسور الأمور كلها، لابمعسورها ياكريم (الشكر لابن أبي الدنيا رقم 109 نقلاً عن خطب ابي بكر، ص39.).
ب- وكان يقول في دعائه: اللهم إني أسألك الذي هو خير لي في عاقبة الخير، اللهم اجعل آخر ما تعطيني من الخير رضوانك والدرجات العلا من جنات النعيم (خطب أبي بكر الصديق، ص139.).
جـ-وكان يقول في دعائه: اللهم اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم ألقاك (كنز العمال رقم 5030 نقلاً عن خطب أب بكر، ص39.).
د-وكان إذا سمع أحداً يمدحه من الناس يقول: (اللهم أنت أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم أجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي مالايعلمون، ولاتؤاخذني بما يقولون) (أسد الغابة (3/ 324).).
=======
الفصل الثاني
وفاة الرسول، وسقيفة بني ساعدة، وجيش أسامة
المبحث الأول
وفاة الرسول وسقيفة بني ساعدة
أولاً: وفاة الرسول:
خطب صلى الله عليه وسلم في أيام مرضه فقال: إن الله خيّر عبداً بين الدنيا وبين ماعند الله فاختار ذلك العبد ماعند الله. فبكى أبو بكر فقال أبو سعيد الخدري رضى الله عنه: فعجبنا لبكائه أن يخبر الرسول عن عبد خير، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيَّر وكان أبو بكر أعلمنا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن أمَنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته، لايبقين في المسجد باب إلا سُدَّ إلا باب أبي بكر (البخاري، كتاب فضائل الصحابة رقم 3654.).
ولما اشتد المرض بالنبي صلى الله عليه وسلم وحضرته الصلاة فأذن بلال قال النبي صلى الله عليه وسلم مروا أبا بكر فليصلّ، فقيل: إن أبا بكر رجل أسيف، إذا قام مقامك لم يستطيع أن يصلي بالناس، وأعاد فأعادوا له، فأعاد الثالثة فقال: أنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس، فخرج أبو بكر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم. في نفسه خفَّة فخرج يهادي بين رجلين، كأني أنظر إلى رجليه تخطان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم مكانك ثم أتى به حتى جلس إلى جنبه. قيل للأعمش: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكر! فقال برأسه: نعم (البخاري، كتاب الأذان رقم 712.).
واستمر أبو بكر يصلي بالمسلمين،، يقول الصحابة رضي الله عنهم: كشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر حجرة عائشة ينظر إلينا وهو قائم، كأن وجهه ورقة مصحف ثم تبسم يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرح، وظننا أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا أن أتموا صلاتكم، ودخل الحجرة، وأرخى الستر (البخاري، كتاب المغازي رقم 4448.)،
قلت سيف: فتبسمه صلى الله عليه وسلم كان فرحا باجتماعهم على إمامهم أبي بكر الصديق.
ثانياً: هول الفاجعة وموقف أبي بكر منها: قال ابن رجب: ولما سمع أبو بكر الخبر أقبل على فرس من مسكنه بالسُّنح، حتى نزل، فدخل المسجد، فلم يكلّم الناس، حتى دخل على عائشة فتيمّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُغشّى بثوب حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكبَّ عليه فقبله وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي، والله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي عليك فقد متها (البخاري، كتاب المغازي رقم 4452.)، وخرج أبو بكر وعمر يتكلم فقال: اجلس ياعمر، وهو ماضي في كلامه، وفي ثورة غضبه، فقام أبو بكر في الناس خطيباً بعد أن حمد الله وأثنى عليه: أما بعد: فإن من كان يعبد محمد فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لايموت، ثم تلا هذه الآية: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}. فنشج الناس يبكون (البخاري، كتاب فضائل الصحابة رقم 3668.).
قال القرطبي: هذه الآية أدل دليل على شجاعة الصديق وجراءته، فإن الشجاعة والجرأة حدُّهما ثبوت القلب عند حلول المصائب، ولا مصيبة أعظم من موت النبي صلى الله عليه وسلم (فظهرت شجاعته وعلمه
(446) تفسير القرطبي؛ لطائف المعارف، ص114.). (4/ 222).
وجاء في رواية من قول الصديق: إن دين الله قائم، وإن كلمة الله تامة وإن الله ناصر من نصره، ومعز دينه، وإن كتاب الله بين اظهرنا، وهو النور والشفاء وبه هدا الله محمد (وفيه حلال الله وحرامه، والله لانبالي من أجلب علينا من خلق الله، إن سيوف الله لمسلولة ماوضعناها بعد، ولنجاهدنَّ من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله فلا يبغين أحد إلا على نفسه (دلائل النبوة للبيهقي (7/ 218).).
قلت سيف: فيه ابن لهيعة وهو من مراسيل عروة. والشيخ الألباني قال مرة لم أعرف محمد بن عمرو بن خالد.
ومرة قال عمرو بن خالد القرشي الواسطي قال الذهبي: كذبه أحمد والدارقطني. ووكيع. كما في الضعيفة 7113 انتهى.
وهذا الأخير أخرج له ابن ماجه.
فاظن الشيخ الألباني أخطأ
ومحمد بن عمرو بن خالد الحراني ثم المصري ابوعلاثة ترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام فقال: عن أبيه. وعنه الطبراني وغيره. وقال في الذييل على كتب الجرح والتعديل: قال ابوسعيد بن يونس في تاريخ المصريين: كان ثقة. وراجع إرشاد القاصي لكن فيه محمد بن عمرو بن (خلاد) فقال خلاد بدل (خالد).
ثالثاً: سقيفة بني ساعدة:
يقول عمر حين اجتمع الأنصار لينصبوا خليفة منهم: … وكنت قد زوَّرتُ مقالة أعجبتني أريد أن أقدّمها بين يدي أبي بكر- وكنت أداري منه بعض الحدِّ، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك. فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر، فكان هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت. فقال: ماذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يُعرف هذا الأمر إلا لهذا الحيِّ من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً. وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم -فأخذ بيدي ويد أبي عُبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا- فلم أكره مما قال غيرها، والله أن أقدّم فتضرب عنقي لايُقرِّبني ذلك من إثم أحب إليَّ من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تُسَوِّل إليَّ نفسي عند الموت شيئاً لاأجده الآن. فقال قائل من الأنصار: أنا جُذيلها المحكَّك، وعُذيقُها المرجَّب، منا أمير ومنكم أمير يامعشر قريش، فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى فرقت من الاختلاف فقلت: أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده، فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار (البخاري، كتاب الحدود رقم 6830.).
وفي رواية أحمد: … فتكلم أبو بكر رضي الله عنه فلم يترك شيئاً أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأنهم إلا وذكره، وقال: ولقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار وادياً سلكت وادي الأنصار، ولقد علمت ياسعدأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد: قريش ولاة هذا الأمر فَبَرُّ الناس تبع لبّرِّهم، وفاجر الناس تبع لفاجرهم، قال فقال له سعد: صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء (مسند أحمد (1/ 5)
====
وأما الأحاديث النبوية التي جاء التنبيه فيها على خلافة أبي بكر رضي الله عنه فكثيرة شهيرة
هل خلافة الصديق كان بالنص الجلي أم بالنص الخفي
هذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم مع إجماعهم على خلافة الصديق رضي الله عنه.
قال العلامة ابن كثير رحمه الله تعالى: “والإمامة تنال بالنص كما تقول طائفة من أهل السنة في أبي بكر أو بالإيماء إليه كما يقوله آخرون منهم (تفسير القرآن العظيم 1/ 125.)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وإنما المقصود هنا البيان لكلام الناس في خلافته هل حصل عليها نص جلي أو نص خفي وهل ثبتت بذلك أو بالاختيار من أهل الحل والعقد فقد تبين أن كثيرا من السلف والخلف قالوا فيها بالنص الجلي أو الخفي اهـ (منهاج: 1/ 352)
والأقوال في المسألة كالتالي:
القول الأول: أن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه كانت بالإشارة من النبي صلى الله عليه وسلم لا بالنص الصريح.
وهذا القول ينسب إلى الحسن البصري رحمه الله تعالى وجماعة من أهل الحديث ورواية عن الإمام أحمد.
قال الذهبي في اختصاره لكلام ابن تيمية رحمهما الله:
وذكر في ذلك أبو يعلى روايتين عن أحمد إحداهما أنها ثبتت بالإختيار
والثانية أنها ثبتت بالنص الخفي والإشارة وبه قال الحسن البصري وبكر ابن أخت عبد الواحد وبعض الخوارج اهـ (المنتقى من منهاج الاعتدال:52)
الأدلة:
لواقعة المشهورة، وهي طلب النبي – صلى الله عليه وسلم – أثناء مرضه من أبي بكر أن يصلي بالناس
القول الثاني: أن الخلافة كانت بالتنصيص بالنص الجلي وهذا القول هو الذي عليه جماعة كثيرة من أهل الحديث وطائفة كبيرة من الشافعية، وهو اختيار أيضاً ابن حزم وجماعة من الظاهرية.
ويعنون بالنص الجلي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى خلافته وأَوْضَحَ أنَّهُ الأحق بعبارات مختلفة وأدلةٍ متنوعة بدلالات قولية وفعلية يحصل من مجموعها التنصيص على أنَّ الذي يلي الناس بعده هو أبو بكر.
أدلتهم:
1_ حديث المرأة التي قال لها: [إن لم تجديني فأتي أبا بكر]
2_ إجماع المسلمين الأوائل جميعًا على تسميتهم أبي بكر خليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ومعنى الخليفة في اللغة هو الذي يستخلفه لا الذي يخلفه دون أن يستخلفه،
3_ قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: [ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر]
القول الثالث: أنها ثبتت بالاختيار واتفاق ويُعْنَى بذلك اختيار المسلمين له (في سقيفة بني ساعدة، وإلا فعند هؤلاء لم يكن ثمَّ نص وإلا لاحتجوا به عند الخلاف.
وهذا ذهب إليه أيضاً كثير من أهل الحديث وطائفة من الحنابلة وهو رواية عن الإمام أحمد.
وهو مذهب المعتزلة والأشاعرة والماتريدية وأهل الكلام فإنَّهُم يرون أنها إنما ثبتت بالاختيار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعد ذكره للخلاف الوارد في خلافة الصديق هل ثبتت بالنص الجلي، أو الخفي:
والتحقيق أن النبي صلى الله عليه وسلم دل المسلمين على استخلاف أبي بكر وأرشدهم إليه بأمور متعددة من أقواله وأفعاله وأخبر بخلافته إخبار راض بذلك حامد له وعزم على أن يكتب بذلك عهداً ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه فترك الكتاب اكتفاء بذلك … فلو كان التعيين مما يشتبه على الأمة لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بياناً قاطعاً للعذر ولكن لما دلهم دلالات متعددة على أن أبا بكر هو المتعين وفهموا ذلك حصل المقصود ولهذا قال عمر بن الخطاب في خطبته التي خطبها بمحضر من المهاجرين والأنصار: (وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر) رواه البخاري ومسلم – إلى أن قال –
فخلافة أبي بكر الصديق دلت النصوص الصحيحة على صحتها وثبوتها ورضا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم له بها وانعقدت بمبايعة المسلمين له واختيارهم إياه اختياراً استندوا فيه إلى ما علموه من تفضيل الله ورسوله وأنه أحقهم بهذا الأمر عند الله ورسوله فصارت ثابتة بالنص والإجماع جميعاً لكن النص دل على رضا الله ورسوله بها وأنها حق وأن الله أمر بها وقدرها وأن المؤمنين يختارونها وكان هذا أبلغ من مجرد العهد بها لأنه حينئذ كان يكون طريق ثبوتها مجرد العهد، وأما إذا كان المسلمون قد اختاروه من غير عهد ودلت النصوص على صوابهم فيما فعلوه ورضا الله ورسوله بذلك كان ذلك دليلا على أن الصديق كان فيه من الفضائل التي بان بها عن غيره ما علم المسلمون به أنه أحقهم بالخلافة فإن ذلك لا يحتاج فيه إلى عهد خاص اهـ. (منهاج السنة:1/ 358) انتهى النقل
—-
قال الباحث:
– قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير قال: فأتاهم عمر رضي الله عنه فقال: يامعشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قد أمر أبابكر يؤم الناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبابكر رضي الله عنه فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبابكر (المستدرك (3/ 67).).
ـ- روى ابن سعد بإسناده الى الحسن قال: قال علي: لما قبض النبي (نظرنا في أمرنا فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد قدم أبابكر في الصلاة فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فقدمنا أبابكر (الطبقات لابن سعد (3/ 183).).
وقد علق أبو الحسن الأشعري على تقديم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في الصلاة فقال: وتقديمه له أمر معلوم بالضرورة من دين الاسلام قال: وتقديمه له دليل على أنه أعلم الصحابة وأقرؤهم لما ثبت في الخبر المتفق على صحته بين العلماء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة، فإن كانوا في السنّة سواء فأكبرهم سناً، فإن كانوا في السن سواء فأقدمهم إسلاماً) – قال ابن كثير- وهذا من كلام الأشعري رحمه الله مما ينبغي أن يكتب بماء الذهب ثم قد اجتمعت هذه الصفات كلها في الصديق رضي الله عنه وأرضاه (البداية والنهاية (5/ 265).).
– انعقاد الإجماع على خلافة الصديق: أجمع أهل السنّة والجماعة سلفاً وخلفاً على أن أحق الناس بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبوبكر الصديق رضي الله عنه لفضله وسابقته ولتقديم النبي صلى الله عليه وسلم إياه في الصلوات على جميع الصحابة … وقد نقل جماعة من أهل العلم المعتبرين إجماع الصحابة ومن جاء بعدهم من أهل السنّة والجماعة على أن أبابكر رضي الله عنه أولى بالخلافة من كل أحد (546) وهذه بعض أقوال أهل العلم:
أ- قال الخطيب البغدادي -رحمه الله- أجمع المهاجرون والأنصار على خلافة أبي بكر قالوا له: ياخليفة رسول الله ولم يسم أحد بعده خليفة، وقيل: إنه قبض النبي (عن ثلاثين ألف مسلم كل قال لأبي بكر: ياخليفة رسول الله ورضوا به من بعده رضي الله عنهم (تاريخ بغداد (10/ 130 – 131).).
ب- وقال ابو الحسن الأشعري: أثنى الله -عز وجل- على المهاجرين والأنصار والسابقين الى الاسلام، ونطق القرآن بمدح المهاجرين والأنصار في مواضع كثيرة وأثنى على أهل بيعة الرضوان فقال عز وجل: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}. قد أجمع هؤلاء الذين أثنى الله عليهم ومدحهم على إمامة أبي بكر الصديق (وسموه خليفة رسول الله وبايعوه وانقادوا له وأقروا له بالفضل وكان أفضل الجماعة في جميع الخصال التي يستحق بها الإمامة من العلم والزهد وقوة الرأي وسياسة الأمة وغير ذلك (الإبانة عن أصول الديانة، ص66.).
===========
المبحث الثاني
البيعة العامة، والنظر في شؤون المسلمين
أولاً: البيعة العامة:
بعد أن تمت بيعة أبي بكر رضي الله عنه (البيعة الخاصة في سقيفة بني ساعدة، كان لعمر رضي الله عنه في اليوم التالي موقف في تأييد أبي بكر وذلك في اليوم التالي حينما اجتمع المسلمون للبيعة (570) العامة قال أنس بن مالك: لما بويع أبي بكر في السقيفة وكان الغد جلس ابوبكر على المنبر فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر فحمدالله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أيها الناس إني كنت قلت لكم بالأمس مقالة ماكانت مما وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهداً عهده الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني قد كنت أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدبر أمرنا -يقول يكون آخرنا- وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن عصيتم به هداكم الله لما كان هداه له، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني أثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه فبايع الناس أبابكر بعد بيعة السقيفة فتكلم أبوبكر فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله ثم قال: أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لايدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قومٍ إلا عمّهم الله بالبلاء، أطيعوني ماأطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا الى صلاتكم يرحمكم الله (البداية والنهاية (6/ 305،306) إسناده صحيح .. ).
قلت سيف: قول إسناد صحيح من قول ابن كثير فقال: وقال محمد بن إسحاق حدثني الزهري حدثني أنس بن مالك وجعلناها على شرط الذيل على الصحيح المسند لأنه لا تخلو من هدي النبوة.
وقال عمر لأبي بكر يومئذ: اصعد المنبر، فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة (البخاري، الأحكام، رقم 7219).
العدل:
عرض القصاص من نفسه في واقعة تدل على العدل والخوف من الله سبحانه، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قام يوم جمعة فقال: إذا كنا بالغداة فأحضروا صدقات الإبل نقسمها، ولايدخل علينا أحد إلا بإذن، فقالت امرأة لزوجها خذ هذا الخطام لعل الله يرزقنا جملاً، فأتى الرجل فوجد أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قد دخلا إلى الإبل فدخل معهما، فالتفت أبو بكر فقال: ما أدخلك علينا؟ ثم أخذ منه الخطام فضربه، فلما فرغ أبو بكر من قسم الإبل دعا الرجل فأعطاه الخطام وقال: استقد .. فقال عمر: والله لايستقد ولاتجعلها سنة، قال أبو بكر فمن لي من الله يوم القيامة؟ قال عمر: أرضه، فأمر أبو بكر غلامه أن يأتيه براحلة ورحلها وقطيفة وخمسة دنانير فأرضاه بها.
قلت سيف: أخرجها ابن وهب في جامعه 526 ومن طريق البيهقي 8/ 49 وفيه حيي بن عبدالله المعافري قال البخاري: فيه نظر. وقال ابن معين: ليس به بأس.
وقال: وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقه (البداية والنهاية (6/ 305).
وكان الصديق رضي الله عنه ينفق من بيت مال المسلمين فيعطي كل مافيه سواسية بين الناس، فقد روى ابن سعد وغيره أن أبا بكر، كان له بيت مال بالسُّنح معروف، ليس يحرسه أحد، فقيل له: ألا تجعل على بيت المال من يحرسه؟ فقال: لايخاف عليه، قيل له: ولم؟ قال: عليه قفل! وكان يعطي مافيه حتى لايبقى فيه شيئاً، فلما تحوّل إلى المدينة حوّله معه فجعله في الدار التي كان فيها، وقدم عليه مال من معدن من معادن جُهينة، فكان كثيراً، وانفتح معدن بني سليم في خلافته، فقدم عليه منه بصدقة فكان يضع ذلك في بيت المال، فيقسمه بين الناس سوّياً، بين الحر والعبد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير على السواء. قالت عائشة رضي الله عنها: فأعطى أول عام الحرّ عشرة والمملوك عشرة، وأعطى المرأة عشرة، وأمتها عشرة، ثم قسم في العام الثاني، فأعطاهم عشرين عشرين، فجاء ناس من المسلمين فقالوا: ياخليفة رسول الله: إنك قسمت هذا المال فسوّيت بين الناس، ومن الناس أناس لهم فضل وسوابق وقدم، فلو فضلت أهل السوابق والقدم والفضل. فقال: أما ماذكرتم من السوابق والقدم والفضل فما أعرفني بذلك وإنما ذلك شئ ثوابه على الله جلّ ثناؤه، وهذا معاش، فالأسوة فيه خير من الأثرة؛ ابن سعد (3/ 193).)
قلت سيف: هي من طريق الواقدي.
فقد كان توزيع العطاء في خلافته على التسوية بين الناس، وقد ناظر الفاروق عمر (أبا بكر في ذلك فقال: أتسوي بين من هاجر الهجرتين وصلى إلى القبلتين، وبين من أسلم عام الفتح؟ فقال أبو بكر: إنما عملوا لله، وإنما أجورهم على الله، وإنما الدنيا بلاغ للراكب. ورغم أن عمر رضي الله عنه غيّر في طريقة التوزيع فجعل التفضيل بالسابقة إلى الإسلام والجهاد إلا أنه في نهاية خلافته قال: لو استقبلت من أمري مااستدبرت لرجعت إلى طريقة أبي بكر فسويت بين الناس (الاحكام السلطانية للماوردي، ص201.).
ذكر تفضيل عمر للناس من طريق عامر الشعبي وابن المسيب. وفي الأحكام السلطانية لأبي علي الفراء ذكر تفضيل عمر من طريق زيد بن أسلم عن أبيه. فتتقوى
وورد من طريق أبي معشر عن عمر بن عبدالله مولى غفرة قال الهيثمي وذكره مطولا فيه ابومعشر نجيح ضعيف. وأخرجه البيهقي 6/ 569
وذكر البيهقي مختصرا من طريق هشام بن سعد عن عمر بن عبد الله مولى غفرة
وعمر مولى غفرة ضعيف.
المهم اشار البيهقي اول باب التسوية بين الناس في القسمة
حديث عوف بن مالك وان النبي صلى الله عليه وسلم سوى بين الناس إلا ذا العيال فإنه فضله. وقد ذكرناه في حديث ابن عباس في قسم الأنفال قال: فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسواء.
ثم ذكر باب التفضيل بالسابقة وساق من سيرة عمر ما يدل عليه لكن في اسانيدها علي بن زيد بن جدعان. وسبق من مرسل ابن المسيب ومرسل الشعبي. فتتقوى
– كان أبو بكر رضي الله عنه رجلاً تاجراً يغدو كل يوم إلى السوق فيبيع ويبتاع فلما استُخلف أصبح غادياً إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها، فلقيه عمر وأبو عبيدة فقالا: أين تريد ياخليفة رسول الله؟ قال: السوق. قالا: تصنع ماذا وقد وليت أمور المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟ فقالا: (انطلق معنا حتى نفرض لك شيئاً. فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاه (الرياض النضرة في مناقب العشرة، ص291.)
قلت سيف: قال ابن حجر رجاله ثقات مرسل
وفي نصب الراية هو من طريقان. هشام الدستوائي ثنا عطاء بن السائب مرسلا
وورد من مرسل ميمون بن مهران انهم فرضوا له ألفين فقال زيدوني فزادوه خمسمائة (نصب الراية)
والأصح (لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤونة أهلي وشغلت بأمر المسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال وأحترف للمسلمين فيه (البخاري، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعلمه رقم 2070.).
1 – الصديق في المجتمع:
أ-حلبه للأغنام،، وزيارة أم أيمن:
كان قبل الخلافة يحلب للحي أغنامهم، فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من الحي: الآن لايحلب لنا منايح (أغنام) دارنا فسمعها أبو بكر فقال: لعمري لأحلبنها لكم، وإني لأرجو ألا يغيرني مادخلت فيه عن خلق كنت عليه، فكان يحلب لهنَّ، وكنَّ إذا أتينه بأغنامهنّ يقول: أنضح أم ألبد؟ فإن قالت انضح باعد الإناء من الضرع حتى تشتد الرغوة، وإن قالت ألبد أدناه منه حتى لاتكون له رغوة، فمكث كذلك بالسُّنح ستة أشهر ثم نزل إلى المدينة (ابن سعد في الطبقات (3/ 186)
وله شواهد، فإسناده حسن لغيره.
وعن أنس بن مالك (: قال أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله مسلم، كتاب البر والصلة والآداب رقم 2588. (لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهينا إليها بكت، فقالا مايبكيك؟ ماعند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما أبكي أن أكون أعلم أن ماعند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء. فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها (مسلم، فضائل الصحبة رقم 2454.).
ب-نصحه لأمرأة نذرت أن لاتحدث أحداً:
كان أبو بكر رضي الله عنه ينهى عن أعمال الجاهلية، والابتداع في الدين، ويدعو إلى إلى أعمال الإسلام، والتمسك بالسنّة، فعن قيس بن أبي حازم: دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب، فرآها لاتتكلم. فقال أبو بكر: مالها لاتتكلم؟ قالوا: نوت حجه مصمتة فقال لها: تكلمي، فإن هذا لايحل، هذا من عمل الجاهلية. قال: فتكلمت، فقالت: من أنت؟ قال: أنا امرؤ من المهاجرين. قالت: أيُّ المهاجرين؟ قال: من قريش. قالت: من أيِّ قريش أنت؟ قال: إنك لسؤول، أنا أبو بكر. قالت: ياخليفة رسول الله: مابقاؤنا على هذا الأمر الصالح، الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ فقال: بقاؤكم عليه مااستقامت به أئمتكم. قالت: وما الأئمة؟ قال: أما كان لقومك رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟
قالت: بلى قال: فهم أولئك على الناس (البخاري رقم 3834.).
قال الخطابي رحمه الله: كان من نسك الجاهلية الصمت، فكان أحدهم يعتكف اليوم والليلة، ويصمت، فنهوا عن ذلك، وأمروا بالنطق بالخير، وقد استدل بقول أبي بكر هذا من قال بأن من حلف أن لايتكلم استحب له أن يتكلم، ولاكفارة عليه، لأن أبا بكر لم يأمرها بالكفارة، وقياسه أن من نذر أن لايتكلم لم ينعقد نذره، لأن أبا بكر أطلق أن ذلك لايحل، وأنه من فعل الجاهلية، وأن الإسلام هدم ذلك، ولايقول مثل هذا إلا عن علم من النبي صلى الله عليه وسلم (فيكون في حكم المرفوع (فتح الباري (7/ 150).).
جـ-اهتمامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
كان الصديق رضي الله عنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويبين للناس ما التبس عليهم من الفهم فعن قيس بن أبي حازم قال سمعت أبا بكر الصديق يقول: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لايضركم من ضل إذا اهتديتم) إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن القوم إذا رأوا المنكر فلم يغيِّروه عمهم الله بعقاب. وفي رواية: يا أيها الناس إنكم تقرؤن هذه الآية، وتضعونها على غير مواضعها، وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم (يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب (حديث صحيح سنن أبي داود رقم 4338.)
وهو في الصحيح المسند 707
وكان (يترك السنة مخافة أن يظن مالاعلم له أنها فريضة أو واجبة، فعن حذيفة بن أسيد (أنه قال: رأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وما يضحيان مخافة أن يستن بهما وفي رواية: كراهية أن يقتدي بهما (اسناده صحيح أخرجه الطبراني في الكبير رقم 3057.)،
وكان يوصي ابنه عبدالرحمن بحسن المعاملة لجيرانه، فقد قال له ذات يوم وهو يخاصم جاراً له: لاتماظ جارك، فإنّ هذا يبقى ويذهب الناس (الزهد لابن المبارك (1/ 551).)، وكان باراً بوالده فلما اعتمر في رجب سنة اثنتي عشر من الهجرة، دخل مكة ضحوة فأتى منزله وأبوه أبو قحافة جالس على باب داره، معه فتيان يحوشهم، فقيل له: هذا ابنك فنهض قائماً، وعجل أبو بكر أن ينيخ ناقته فنزل عنها وهي قائمة -ليقابل أباه في بر وطاعة، وجاء الناس يسلمون عليه، فقال أبو قحافة ياعتيق هؤلاء الملأ فأحسن صحبتهم فقال أبو بكر: يا أبة لاحول ولاقوة إلا بالله، طوقت أمراً عظيماً لاقدرة لي به ولايدان إلا بالله .. ) (صفة الصفوة (1/ 258).) وكان يهتم بالصلاة والخشوع فيها ويحرص على حسن العبادة، وكان لايلتفت في صلاته (فضائل الصحابة للامام أحمد (1/ 254).)، وكان أهل مكة يقولون: أخذ ابن جريج الصلاة من عطاء، وأخذها عطاء من ابن الزبير، وأخذها ابن الزبير من أبي بكر، وأخذها أبو بكر من النبي (، وكان عبدالرزاق يقول: مارأيت أحداً أحسن صلاة من ابن جريج (فضائل الصحابة للامام أحمد (1/ 254)، وعن أنس رضي الله عنه قال: صلى أبو بكر بالناس الفجر فاقترأ البقرة في ركعتيه، فلما انصرف قال له عمر: ياخليفة رسول الله ماانصرفت حتى رأينا أن الشمس قد طلعت قال: لو طلعت لم تجدنا غافلين (الرياض النضرة في مناقب العشرة، ص224.)، وكان يحث الناس على الصبر في المصائب ويقول لمن مات له أحد: ليس مع العزاء مصيبة ولامع الجزع فائدة، الموت أهون مما قبله وأشدُّ مما بعده، اذكروا فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم تصغر مصيبتكم، وعظم الله أجركم، وعزّى عمر رضي الله عنه عن طفل أصيب به فقال: عوَّضك الله منه ماعوضك منك (عيون الأخبار (3/ 69، 70).)،
وكان (يحذر الناس من البغي، والنكث، والمكر ويقول ثلاث من كُنَّ فيه كُنَّ عليه: البغي، والنكث والمكر (مجمع الأمثال للميداني (2/ 450).) وكان يعظ الناس ويذكرهم بالله ومن مواعظه (: الظلمات خمس والسُّرُج خمس: حب الدنيا ظلمة والسراج له التقوى، والذنب ظلمة والسراج له التوبة، والقبر ظلمة والسراج له لا إله إلا الله محمد رسول الله، والآخرة ظلمة والسراج لها العمل الصالح، والصراط ظلمة والسراج لها اليقين (فرائد الكلام للخلفاء الكرام، قاسم عاشور، ص29.)، وكان رضي الله عنه من خلال منبر الجمعة يحث على الصدق والحياء ويحث على الاعتبار والاستعداد للقدوم على الله ويحذر من الغرور، فعن أوسط بن اسماعيل رحمه الله قال: سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يخطب بعد وفاة رسول الله بسنة فقال: قام فينا رسول اللهصلى الله عليه وسلم (مقامي هذا عام أول، ثم بكى أبو بكر ثم قال: وفي رواية، ثم ذرفت عيناه، فلم يستطيع من العبرة أن يتكلم، ثم قال: أيها الناس: اسألوا الله العافية، فإنه لم يعط أحد خير من العافية بعد اليقين، وعليكم بالصدق فإنه مع البر، وهما في الجنة، وإياكم والكذب، فإنه مع الفجور، وهما في النار ولاتقاطعوا ولاتدابروا، ولاتباغضوا، ولاتحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً (صحيح التوثيق في سيرة وحياة الصديق، ص179.)، وقال الزبير بن العوام (: إن أبا بكر قال وهو يخطب الناس: يامعشر المسلمين: استحيوا من الله عزوجل، فوالذي نفسي بيده إني لأظل حين أذهب الغائط في الفضاء متقنعاً بثوبي استحياء من ربي عزوجل (نفس المصدر، ص182.)
وعن عبدالله بن حكيم قال: خطبنا أبو بكر (فقال: أما بعد: فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، وتجمعوا الإلحاح بالمسألة، فإن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}، ثم اعلموا عباد الله أن الله قد ارتهن بحقه أنفسكم، وأخذ على ذلك مواثيقكم، فاشترى القليل الفاني بالكثير الباقي، وهذا كتاب الله فيكم لاتفنى عجائبه، ولايطفأ نوره، فصدقوا قوله، وانتصحوا كتابه، واستوضئوا منه ليوم الظلمة، فإنما خلقكم للعبادة، ووكل بكم الكرام الكاتبين يعلمون ماتفعلون ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيّب عنكم علمه، فإن استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم وأنتم في عمل لله فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله، فسابقوا في مهل آجالكم قبل أن تنقضي آجالكم فيردكم إلى أسوأ أعمالكم، فإن أقواماً جعلوا آجالهم لغيرهم، ونسوا أنفسهم، فأنهاكم أن تكونوا مثلهم. فالوحا الوحا، ثم النجا النجا، فإن وراءكم طلباً حثيثاً مَرُّهُ سريع وفي رواية أخرى: أين من تعرفون من إخوانكم؟! ومن أصحابكم؟! قد وردوا على ماقدموا، قدموا ماقدموا في أيام سلفهم، وحلوا فيه بالشقوة والسعادة. أين الجبارون الذين بنوا المدائن، وحففوها بالحوائط، قد صاروا تحت الصخر والآبار. أين الوضاءة الحسنة وجوههم، المعجبون بشبابهم؟ أين الملوك وأين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب؟ قد تضعضع بهم الدهر، فأصبحوا في ظلمات القبور. لاخير في قول لايراد به وجه الله، ولاخير في مال لاينفق في سبيل الله، ولاخير فيمن يغلب جهله حلمه، ولاخير فيمن يخاف في الله لومة لائم.
إن الله تعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب يعطيه به خيراً، ولايصرفه عن سوءاً، إلا بطاعته واتباع أمره، وإنه لاخير بخير بعده النار، ولاشر بشر بعده الجنة، واعلموا أنكم ما أخلفتم لله عزوجل فربكم أطعتم، وحقكم حفظتم، وأوصيكم بالله لفقركم وفاقتكم أن تتقوه، وأن تثنوا عليه بما هو أهله، وأن تستغفروه إنه كان غفاراً، أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم (إسناده حسن لغيره، مصنف ابن أبي شيبة (7/ 144)؛ صحيح التوثيق في سيرة وحياة الصديق، ص181.
).وهكذا كان الصديق يهتم بالمجتمع فيوعظ المسلمين، ويحثهم على الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فهذا غيظ من فيظ، وقليل من كثير.
2 – القضاء في عهد الصديق:
كان أبو بكر (يقضي بنفسه إذا عرض له قضاء، وعهد أبو بكر إلى عمر بالقضاء، ليستعين به في بعض الأقضية ولكن هذا لم يعطي لعمر صفة الاستقلال بالقضاء. وأقر أبو بكر (معظم القضاة والولاة الذين عينهم رسول الله واستمروا على ممارسة القضاء والولاية أو أحديهما في عهده
ويتثبت في قبول الأخبار، فعن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث فقال: ما أجد لك في كتاب الله تعالى شيئاً، وماعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لك شيئاً، ثم سأل الناس فقام المغيرة فقال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيها السدس فقال أبو بكر: هل معك أحد؟ فشهد ابن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه