11 الأجوبة المفيدة في مسائل العقيدة
بحث في الحوض
جمع حسين البلوشي
ومشاركة عبدالحميد البلوشي وعبد الله الديني
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
——–
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله:
وأقر بالميزان والحوض الذي .. أرجو بأني منه ريا أنهل
يقول الحافظ حافظ الحكمي رحمه الله في سلم الوصول:
وحوضُ خيرِ الخلق حقٌّ وبه .. يشرَبُ في الأخرى جميعُ حزبه.
يقول الشيخ عبد الرزاق البدر وفقه الله:
إذا آمن العبد بهذا الحوض العظيم وبصفاته فلا شك أن قلبه يحصل فيه شوق عظيم ورغبة شديدة في أن يكون من هؤلاء الذين يسعدون ويهنؤون بالشرب من هذا الماء اهـ (تذكرة المؤتسي:286)
سبب ذكر الحوض في العقيدة.
1_ أن الحوض أمر غيبي والأمور الغيبية الإيمان بها واجب فإن الله سبحانه أثنى على خاصة عباده بقوله تعالى: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب}.
2_ أن الحوض دلت عليه الأدلة من السنة بما يبلغ حد التواتر
3_ أن الحوض خالف فيه المبتدعة من الخوارج والرافضة والمعتزلة
مخالفة الخوارج والروافض من جهة فهم أحاديث الحوض ومخالفة المعتزلة من جهة إنكار الحوض أصلا.
فإذا مسألة الحوض من المسائل العقدية التي ترتبط بأمر غيبي وبنقل متواتر لا يجوز رده وبمخالفة المبتدعة.
(راجع شرح العقيدة الطحاوية لصالح آل الشيخ:1/ 310)
الدليل على إثبات الحوض من الأحاديث
1_ عن جندب قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ [أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ] متفق عليه.
2_ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ فَمَنْ وَرَدَهُ شَرِبَ مِنْهُ وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَا بَعْدَهُ أَبَدًا لَيَرِدُ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ] متفق عليه.
3_ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلَا يَظْمَأُ أَبَدًا] أخرجه البخاري ومسلم إلا قوله (اللبن) بدله (الورق).
4_ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ كُنْتُ أَسْمَعُ النَّاسَ يَذْكُرُونَ الْحَوْضَ وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمًا مِنْ ذَلِكَ وَالْجَارِيَةُ تَمْشُطُنِي فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ [أَيُّهَا النَّاسُ] فَقُلْتُ لِلْجَارِيَةِ اسْتَاخِرِي عَنِّي قَالَتْ إِنَّمَا دَعَا الرِّجَالَ وَلَمْ يَدْعُ النِّسَاءَ فَقُلْتُ إِنِّي مِنْ النَّاسِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [إِنِّي لَكُمْ فَرَطٌ عَلَى الْحَوْضِ فَإِيَّايَ لَا يَاتِيَنَّ أَحَدُكُمْ فَيُذَبُّ عَنِّي كَمَا يُذَبُّ الْبَعِيرُ الضَّالُّ فَأَقُولُ فِيمَ هَذَا فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا] أخرجه مسلم
5_ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ [إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الْآنَ وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ أَوْ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا] متفق عليه
5_ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [إِنَّ أَمَامَكُمْ حَوْضًا كَمَا بَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ، فِيهِ أَبَارِيقُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ وَرَدَهُ فَشَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَا بَعْدَهَا أَبَدًا] أخرجه مسلم بهذا اللفظ
6_ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا آنِيَةُ الْحَوْضِ قَالَ: [وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا، أَلَا فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْمُصْحِيَةِ، آنِيَةُ الْجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يَظْمَا آخِرَ مَا عَلَيْهِ، يَشْخَبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَا، عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ، مَا بَيْنَ عَمَّانَ إِلَى أَيْلَةَ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ]
أخرجه مسلم في “صحيحه” (7/ 69) برقم: (2300) والترمذي في “جامعه” (4/ 237) برقم: (2445) وأحمد في “مسنده” (9/ 4975) برقم: (21722)
7_ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [لَأَذُودَنَّ عَنْ حَوْضِي رِجَالًا كَمَا تُذَادُ الْغَرِيبَةُ مِنَ الْإِبِلِ] أخرجه مسلم
8_ عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ الْحَوْضَ رِجَالٌ مِمَّنْ صَاحَبَنِي، حَتَّى إِذَا رَأَيْتُهُمْ وَرُفِعُوا إِلَيَّ اخْتُلِجُوا دُونِي، فَلَأَقُولَنَّ: أَيْ رَبِّ أُصَيْحَابِي، أُصَيْحَابِي، فَلَيُقَالَنَّ لِي: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ] أخرجه مسلم
فهذه بعض الأدلة التي دلت على إثبات الح
وض وأحاديث الحوض متواترة كما سنذكره إن شاء الله وهي مروية عن:
1_ ابن عمر 2_ وأبي سعيد 3_ وسهل بن سعد 4_ وجندب 5_ وعبد الله بن عمرو 6_ وعائشة 7_ وأم سلمة 8_ وعقبة بن عامر 9_ وابن مسعود 10_ وحارثة بن وهب 11_وأنس بن مالك 12_ وأبي ذر 13_ وثوبان 14_ وجابر بن سمرة 15_ وعائذ بن عمرو 16_ وأبي هريرة17_ وسويد بن جبلة 18_ وخولة بنت قيس 19_ وأسماء بنت أبي بكر
20_ وأسيد بن حضير وغيرهم كثير. رضي الله عنهم.
تواتر أحاديث الحوض.
قال ابن عبد البر رحمه الله:
الأحاديث في حوضه صلى الله عليه وسلم متواترة صحيحة ثابتة كثيرة (التمهيد:2/ 291)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
أن الصحيح أنواع , كونه صدقا يعنى به شيئان , فمن الصحيح ما تواتر لفظه كقوله [من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار].
ومنه ما تواتر معناه: كأحاديث الشفاعة وأحاديث الرؤية وأحاديث الحوض وأحاديث نبع الماء من بين أصابعه وغير ذلك. فهذا يفيد العلم ويجزم بأنه صدق لأنه متواتر إما لفظا وإما معنى (مجموع الفتاوى:18/ 16)
ذكر القرطبي في (المفهم) أن عدد من روى أحاديث الحوض عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة نيف وثلاثون.
وقال الحافظ في (الفتح:11/ 467):
وبلغني عن بعض المتأخرين أنه أوصلها إلى ثمانين صحابيا اهـ.
قال السيوطي رحمه الله:
مما تواتر حديث من كذب .. ومن بنى لله بيتا واحتسب
ورؤية شفاعة والحوض .. ومسح خفين وهذي بعض.
قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله:
الأحاديث الواردة في ذكر الحوض تبلغ حد التواتر اهـ. (شرح العقيدة الطحاوية:274)
قال السفاريني الحنبلي رحمه الله:
وفي السنة ما هو مشهور بل متواتر اهـ (لوائح الأنوار السنية:2/ 14)
إجماع أهل العلم على إثبات الحوض على مر العصور.
1_ يقول أنس بن مالك رضي الله عنه:
والله ما شعرت أني أعيش حتى أرى أمثالكم تشكون في الحوض لقد تركت عجائز بالمدينة ما تصلي واحدة منهن صلاة إلا سألت ربها عز وجل أن يوردها حوض محمد صلى الله عليه وسلم (الشريعة للآجري)
قال الإمام محمد بن الحسين معلقا على قول أنس:
ألا ترون إلى أنس بن مالك رضي الله عنه يتعجب ممن يشك في الحوض إذ كان عنده أن الحوض مما يؤمن به الخاصة والعامة (الشريعة له)
2_ قال ابن أبي زمنين رحمه الله:
وأهل السنة يؤمنون بأن للنبي محمد صلى الله عليه وسلم حوضا أعطاه الله إياه , ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا (أصول السنة له:108)
3_ قال الإمام البربهاري رحمه الله:
والإيمان بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل نبي حوض إلا صالحا عليه السلام فإن حوضه ضرع ناقته …. -إلى أن قال- وجميع ما وصفت لك في هذا الكتاب فهو عن الله تعالى وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وعن التابعين وعن القرن الثالث إلى القرن الرابع (شرح السنة للبربهاري:1/ 164)
أي جميع ما ذكر في هذا الكتاب من أصول الاعتقاد فإنه مأخوذ من الكتاب والسنة.
4_ قال أبو الحسن الأشعري رحمه الله:
وأجمعوا على أن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته وعلى أنه يخرج من النار قوما من أمته بعدما صاروا حمما فيطرحون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل وعلى أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضا يوم القيامة ترده أمته لا يظمأ من شرب منه ويذاد عنه من بدل وغيره بعده (رسالته إلى أهل الثغر:291)
5_ جاء في تفسير السراج المنير:
قال ابن عادل: وهو على ظاهره عند أهل السنة والجماعة لا يتأوّل ولا يختلف فيه، وحديثه متواتر النقل رواه خلائق من الصحابة اهـ (تفسير السراج المنير:4/ 436)
6_ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
ولا ذكر فيها الإيمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم ولا باليوم الآخر وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الجنة والنار والبعث والحساب وفتنة القبر والحوض وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر فإن هذه الأصول كلها متفق عليها بين أهل السنة والجماعة (مجموع الفتاوى:11/ 486)
يقصد بذلك صاحب المرشدة
7_ قال أبو عمرو الداني عفا الله عنه:
اعلموا أيدكم الله بتوفيقه، وأمدكم بعونه وتسديده، أن من قول أهل السنة والجماعة من المسلمين المتقدمين، والمتأخرين، من أصحاب الحديث، والفقهاء والمتكلمين: ….
ومن قولهم: إن للرسول صلى الله عليه وسلم في المعاد حوضاً شرابه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وفيه من الآنية مثل عدد نجوم السماء، يقع فيه ميزابان من الكوثر، لا يظمأ من شرب منه من المؤمنين، ويمنع منه من انحرف عن الدين، وخالف السبيل المستقيم على ما صحت به الأخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم. (81)
وكتابه لا يخلو من الأخطاء العقدية
8_ قال الإمام عبد الغني المقدسي في عقيدته:
اعلم وفقنا الله وإياك لما يرضيه من القول والنية والعمل وأعاذنا وإياك من الزيغ والزلل أن صالح السلف وخيار الخلف وسادة الأئمة وعلماء الأمة اتفقت أقوالهم وتطابقت آراؤهم على الإيمان بالله عز وجل وأنه أحد فرد صمد حي قيوم سميع بصير …. ثم الإيمان بأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضا ترده أمته كما صح عنه وأنه كما بين عدن إلى عمان البلقاء وروي من مكة إلى بيت المقدس وبألفاظ أخر ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأكوابه عدد نجوم السماء (تذكرة المؤتسي في شرح عقيدة عبد الغني المقدسي:284)
9_ قال السفاريني رحمه الله:
أي حوض النبي صلى الله عليه وسلم فإنه حق ثابت بإجماع أهل الحق (لوائح الأنوار السنية:2/ 164)
10_ قال ابن العطار رحمه الله:
فهذا كتاب صنفته على أصول أهل السنة في الاعتقاد من غير زيد, ذكرت فيه ما يحتاج إليه كل عارف من أهل الزبد …. ومما يجب الإيمان به .. وبالحوض والكوثر (الاعتقاد الخالص: 254) والكتاب فيه أمور ليست على منهج السلف فيجب التنبه.
11_ قال ابن عبد البر رحمه الله:
تواتر الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحوض حمل أهل السنة والحق –وهم الجماعة- على الإيمان به وتصديقه (التمهيد:2/ 309)
وقال أيضا:
وأهل الحق على التصديق بما جاء عنه في ذلك صلى الله عليه وسلم (التمهيد:2/ 291)
12_ قال ابن بطة العكبري في الشرح والإبانة:
ونحن الآن ذاكرون شرح السنة ووصفها وما هي في نفسها وما الذي إذا تمسك به العبد ودان الله به سمي بها واستحق الدخول في جملة أهلها وما إن خالفه أو شيئا منه دخل في جملة من عبناه من العيب وذكرناه وحذرنا منه من أهل البدع والزيغ , مما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام وسائر الأمة مذ بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا …
ثم الإيمان بالحوض والشفاعة (2/ 546)
13_ قال الإمام أحمد كما في رسالة محمد بن حبيب:
صفة المؤمن من أهل السنة والجماعة: …
والإيمان بالحوض والشفاعة …..
هذا ما اجتمع عليه العلماء في جميع الآفاق. (طبقات الحنابلة1/ 293)
14_ قال ابن حجر قال القرطبي في المفهم تبعا للقاضي عياض في غالبه:
.. وأجمع على إثباته السلف وأهل السنة من الخلف (الفتح:11/ 467)
15_ قال الإمام أبو عثمان إسماعيل الصابوني:
ويؤمنون بالحوض، والكوثر (عقيدة السلف أصحاب الحديث)
16 و 17 _ قال أبو حاتم وأبو زرعة:
أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا ومصرا وشاما ويمنا فكان من مذهبهم أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص … وقالا: والحوض المكرم به نبينا حق اهـ (عقيدة الرازيين)
ما هو الحوض.
الحوض في اللغة: مجمع الماء , وجمعه حياض وأحواض.
وشرعا: هو حوض الماء النازل من الكوثر للنبي صلى الله عليه وسلم وهو حوض عظيم.
مكان الحوض
سيكون الحوض في عرصات القيامة يشرب الناس منه , وكون الناس يخرجون من قبورهم ويظلون في ذلك الموقف وقتا وزمنا طويلا يناسب أن يكون قبل الصراط لأنه [من يشرب منه لا يظمأ بعدها أبدا] تناسب أن يكون تخفيفا على المؤمنين.
وهذا لا يمنع أن يكون ثَمَّ حوض آخر بعد الصراط. هذا خلاصة هذه المسألة وإلا فإن العلماء اختلفوا في مكان الحوض إلى أقوال:
1_ منهم من يقول: هو قبل الصراط وهذا قول جمهور أهل العلم.
2_ ومنهم من يقول هو بعد الصراط.
قال القرطبي رحمه الله: ذهب صاحب القوت إلى أن الحوض بعد الصراط
وقال الغزالي ذهب بعض السلف إلى أن الحوض يورد بعد الصراط (لوامع الانوار:3/ 111)
ورجح القاضي عياض أن الحوض بعد الصراط.
والإمام البخاري رحمه الله كما يقول الحافظ ابن حجر يشير في ترتيبه أن الحوض بعد الصراط.
3_ ومنهم من يقول: هو قبل الصراط وبعده , حوض واحد ممتد من عرصات القيامة إلى العرصات التي قبل الجنة.
4_ ومنهم من يقول هما حوضان قبل الصراط حوض وبعد الصراط حوض.
جاء في سنن الترمذي عن النضر بن أنس بن مالك عن أبيه قال: سألت النبي صلى الله عليه و سلم أن يشفع لي يوم القيامة فقال [أنا فاعل] قال قلت يا رسول الله فأين أطلبك؟ قال [اطلبني أول ما تطلبني على الصراط] قال قلت فإن لم ألقك على الصراط؟ قال [فاطلبني عند الميزان] قلت فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال [فاطلبني عند الحوض فإني لا أخطئ هذه الثلاث المواطن]
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
إن الحوض قبل الصراط وظاهر الحديث أن الحوض بعد الصراط وكذلك الميزان وهذا لا أعلم به قائلا اللهم إلا أن يكون يراد بهذا الحوض حوض آخر يكون بعد الجواز على الصراط كما جاء في بعض الأحاديث ويكون ذلك حوضا ثانيا لا يذاد عنه أحد والله سبحانه وتعالى أعلم (النهاية:2/ 36)
والقائلون بأن الحوض قبل الصراط اختلفوا:
هل هو قبل الميزان أم بعده , على قولين والأكثر أنه قبل الميزان وأنه في العرصات قبل أن يأتي الله عز وجل.
مادة الحوض.
نؤمن بمادة الحوض وأن هذا الحوض يأتي من الكوثر , والكوثر نهر أعطاه الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم في الجنة كما قال تعالى: {إنا أعطيناك الكوثر} يصب منه ميزابان في هذا الحوض
جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [هو حوضي ترد عليه أمتي يوم القيامة] أخرجه مسلم
وجاء في حديث آخر [يشخب فيه ميزابان من الجنة] أخرجه مسلم.
وسمي حوضا له لأن الحوض ماؤه من ذلك النهر فإن ماء النهر يصب في هذا الحوض.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
فالكوثر مادة الحوض كما جاء في حديث أبي ذر في مسلم يَشْخُبُ فيه ميزابان من الجنة ومن هذا الباب يطلق على الحوض كوثر لكونه يمد منه (الفتح:11/ 466)
الحوض موجود الآن.
سئل الشيخ ربيع بن هادي:
هل رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للحوض وصفاته في معراجه يثبت به وجود الحوض الآن؟
جواب: هو موجود ورآه حقيقة وليس تمثيلا (شرح كتاب الشريعة:3/ 326)
ويقول الشيخ محمد سعيد رسلان حفظه الله:
الحوض موجود الآن , حوض النبي صلى الله عليه وسلم موجود الآن لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب ذات يوم في أصحابه فقال: [وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن] والحديث في الصحيحين عن عقبة بن عامر … -إلى أن قال- وأيضا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ومنبري على حوضي] والحديث في الصحيحين من رواية أبي هريرة.
وهذا يحتمل:
1_ أنه في هذا المكان ولكن لا نشاهده لأنه غيبي
2_ ويحتمل أن المنبر يوضع يوم القيامة على الحوض كما دلت عليه النصوص (شرح أصول السنة:1/ 452)
قوله صلى الله عليه وسلم: [ومنبري على حوضي]
اختلف فيه أهل العلم إلى أقوال:
قال ابن عبد البر:
1 – زعم بعض أهل العلم من أهل الكلام في معاني الآثار أنه أراد والله أعلم
أن له منبرا يوم القيامة على حوضه صلى الله عليه وسلم كأنه قال ولي أيضا منبر على حوضي أدعو الناس إليه لا أن منبره ذلك على حوضه
2 – وقال آخرون يحتمل أن يكون الله تبارك وتعالى يعيد ذلك المنبر ويرفعه بعينه فيكون يومئذ على حوضه وبالله التوفيق. انتهى كلامه من التمهيد: 2/ 291.
قال القاضي عياض قال أكثر العلماء المراد منبره بعينه الذي كان في الدنيا ينتقل يوم القيامة فينصب على الحوض قال وهذا هو الأظهر وأنكر كثير منهم غيره (تنوير الحوالك للسيوطي)
3_ وقيل: أنه قصد منبره والحضور عنده لملازمة الأعمال الصالحة وأنه يورد صاحبه الحوض ويقتضي شربه منه. وهذا أضعف الأقوال.
والصحيح هو القول الثاني ويدل عليه رواية [منبري هذا على ترعة من ترع الجنة] أخرجه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 2363 … وهو في الصحيح المسند 1292.
وصف الحوض. جاء في الحديث [ماؤه أبيض من الورق] وبعضها من اللبن. وورد [ريحه أطيب من المسك] وورد أيضا [وأحلى من العسل]
فماء هذا الحوض أشد بياضا من اللبن وأنه أحلى من العسل وأنه أطيب من رائحة المسك
وجاء في الحديث [من ورده فشرب منه لم يظمأ بعدها أبدا]
فإن قيل بأن هناك من قال أن الشرب يكون بعد الصراط أيضا فيقال إما أنهم عطشوا عطشا يسيرا أو أنهم يشربون تلذذا.
والحوض واسع كما جاء في الأحاديث وسنتكلم عن اختلاف العلماء في موضعه إن شاء الله. فبعض أهل العلم ذهب أن الحوض مدور.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: لكن أخذ بعض العلماء من قوله صلى الله عليه وسلم: [طوله شهر وعرضه شهر] أن الحوض مدور , لأنه لو كان مربعا لكان ما بين الزاويتين أكثر من الشهر فإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن طوله شهر وعرضه شهر فإنه لا يتحقق هذا في جميع جهاته إلا إذا كان مدورا.
وعلى كل حال فإن كان هذا هو مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإننا نقبله
وإن لم يكن مراده فإنه جرى لسان العرب أنهم يقولون: الحجرة طولها أربعة أذرع وعرضها أربعة أذرع مع أنها مربعة (شرح العقيدة السفارينية:483)
يقول الشيخ صالح آل الشيخ وفقه الله:
قال بعض أهل العلم [طوله شهر وعرضه شهر] يحتمل أن يكون مدورا , لكن في الحديث الآخر [زواياه سواء] يعني أنه مربع والله أعلم (شرح الواسطية:2/ 254)
أنه يصب فيه من الجنة ميزابان:
جاء في الحديث [يَشْخَبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ] رواه مسلم
وجاء أيضا: [يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب والآخر من ورق] رواه مسلم.
جاء فيه أيضا [لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء]
قال النووي رحمه الله: المختار الصواب أن هذا العدد للآنية على ظاهره وأنها أكثر عددا من نجوم السماء ولا مانع عقلي ولا شرعي يمنع ذلك (شرح مسلم:15/ 56)
أسباب الشرب من الحوض.
1_ الصبر على جور الأئمة يقول صلى الله عليه وسلم [إنكم ستلقون بعدي أثرة] أي استئثارا عليكم [فاصبروا حتى تلقوني على الحوض]
2_ عدم التبديل واتباع السنة فالمبدل للسنة والمحدث يبعد
يقول العلامة زيد المدخلي رحمه الله:
وهذا النص ونظائره يدفع المؤمنين الناصحين لأنفسهم أن يستقيموا على سنة محمد صلى الله عليه وسلم على علم بشرع الله الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم (شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني:307)
3_ أن يخلص قلبه من الغش والغل لخيرة هذه الأمة وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإن النبي صلى الله عليه وسلم معه من أحب والصحابة معه يوم القيامة كما ثبت: [أنت مع من أحببت] وإذا كان كذلك فلا يجوز لأحد أن ينتقد الصحابة أو أن يبغض بعضا منهم بل يجب عليه أن يحب الجميع فلعله أن يحشر في زمرتهم وأن يرد حوض النبي صلى الله عليه وسلم معهم.
أول من يشرب من الحوض.
سئل الشيخ ربيع بن هادي:
من أول من يشرب من الحوض؟
جواب: لم يرد في الحديث هذه الأولية وأحق الناس بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن قد يؤثر به بعض أمته عليه الصلاة والسلام اهـ (شرح كتاب الشريعة:3/ 326)
وورد حديث يبين من أوائل من يشرب منه:
قال الإمام الترمذي رحمه الله (ج7ص) 134:حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ عَنْ الْعَبَّاسِ عَنْ أَبِي سَلَّامٍ الْحَبَشِيِّ قَالَ بَعَثَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَحُمِلْتُ عَلَى الْبَرِيدِ قَالَ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقَدْ شَقَّ عَلَى مَرْكَبِي الْبَرِيدُ فَقَالَ يَا أَبَا سَلَّامٍ مَا أَرَدْتُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ وَلَكِنْ بَلَغَنِي عَنْكَ حَدِيثٌ تُحَدِّثُهُ عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَوْضِ فَأَحْبَبْتُ أَنْ تُشَافِهَنِي بِهِ قَالَ أَبُو سَلَّامٍ حَدَّثَنِي ثَوْبَانُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حَوْضِي مِنْ عَدَنَ إِلَى عَمَّانَ الْبَلْقَاءِ مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ وَأَكَاوِيبُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَا بَعْدَهَا أَبَدًا أَوَّلُ النَّاسِ وُرُودًا عَلَيْهِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ الشُّعْثُ رُءُوسًا الدُّنْسُ ثِيَابًا الَّذِينَ لَا يَنْكِحُونَ الْمُتَنَعِّمَاتِ وَلَا تُفْتَحُ لَهُمْ السُّدَدُ. قَالَ عُمَرُ: لَكِنِّي نَكَحْتُ الْمُتَنَعِّمَاتِ وَفُتِحَ لِيَ السُّدَدُ وَنَكَحْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا جَرَمَ أَنِّي لَا أَغْسِلُ رَاسِي حَتَّى يَشْعَثَ وَلَا أَغْسِلُ ثَوْبِي الَّذِي يَلِي جَسَدِي حَتَّى يَتَّسِخَ.
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ , وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو سَلَّامٍ الْحَبَشِيُّ اسْمُهُ مَمْطُورٌ وَهُوَ شَامِيٌّ ثِقَةٌ.
بعض أهل العلم صحح المرفوع منه لكن ضعفه الشيخ مقبل في الأحاديث المعلة ظاهرها الصحة بقوله:
هذا الحديث ظاهر سنده الحسن، ولكن ابن ماجه رواه (ج2ص1438) فقال حدثنا محمود بن خالد ثنا مروان بن محمد ثنا محمد بن مهاجر حدثنى العباس ابن سالم نبئت عن أبى سلام … فذكره.
فعُلِمَ من هذا أن العباس لم يسمعه من أبى سلام، وأيضاً أبو سلام وهو ممطور الحبشي قال يحيى ابن معين وعلى بن المدينى: لم يسمع من ثوبان، وتوقف أبو حاتم كما في “جامع التحصيل”. اهـ.
قال الحافظ في تهذيب التهذيب 10/ 296:
قال ابن معين و ابن المديني: لم يسمع من ثوبان.
و قال أحمد: ما أراه سمع منه اهـ.
وله شاهد عند الطبراني
وورد مرفوعا وموقوفا: [أول هذه الأمة ورودا على نبيها صلى الله عليه وسلم: أولها إسلاما علي بن أبي طالب] ولا يصح.
هل لكل نبي حوض.
جاء في الأخبار أن لكل نبي حوضا.
فأخرج الترمذي من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن لكل نبي حوضا ترده أمته وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة وإني أرجو أن أكون أكثرهم واردة] ومن حسن الحديث فهو يقول بهذا.
لكن هنا ذكر العلماء فائدة:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: الحوض الأعظم مختص به صلى الله عليه وسلم لا يشركه فيه غيره (حاشية سنن أبي داود: 13/ 57)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
إن ثبت أي الأحاديث في أن لكل نبي حوضا فالمختص بنبينا صلى الله عليه وسلم الكوثر الذي يصب من مائه في حوضه فإنه لم ينقل نظيره لغيره ووقع الامتنان عليه به في السورة المذكورة (الفتح:11/ 475)
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
لكن من المعلوم أن الحوض الكبير الواسع الاعظم هو حوض النبي صلى الله عليه وسلم:
لأن أمته أكثر الأمم فهم ثلثا أهل الجنة –أي ثمانون في المائة والعشرين- فهم أكثر الناس (شرح عقيدة أهل السنة والجماعة:413)
قال الشيخ ربيع المدخلي:
وحوض نبينا أعظمها ويمتاز عليها بأنه يمد من الكوثر (شرح عقيدة السلف:154)
أما ما ذكر [أن لكل نبي حوضا إلا صالحا عليه السلام فإن حوضه ضرع ناقته] فلا يصح.
بماذا يشرب الناس منه.
يشرب الناس منه بآنية لا بأكفهم , وهذه الآنية جاء في الحديث [أنها عدد نجوم السماء] وجاء في لفظ آخر [أنها كنجوم السماء] ووصفها بأنها كنجوم السماء أعم من وصفها بأنها عدد نجوم السماء لأن الوصف الأول يشمل وصفها بأنها كنجوم السماء عددا وكنجوم السماء مجالا ولمعانا.
هل يسقي النبي صلى الله عليه وسلم الناس.
قال القاضي عياض رحمه الله:
وقوله أهويت لأناولهم أي أسقيهم بيدي اهـ (مشارق الأنوار:2/ 32)
وقال أيضا: ومنه قوله حتى أهويت لأناولهم أي أملت يدي أسقيهم (2/ 273)
قال العيني في شرح البخاري:
قوله إذا أهويت أي ملت وامتددت قوله اختلجوا على صيغة المجهول أي سلبوا من عندي يقال خلجه واختلجه إذا جذبه وانتزعه اهـ
وقال القسطلاني في شرح البخاري:
(حتى إذا أهويت) ملت (لأناولهم اختلجوا) بسكون الخاء المعجمة وضم الفوقية وكسر اللام وضم الجيم اجتذبوا واقتطعوا اهـ.
وهذه الرواية محتمله أن النبي صلى الله عليه وسلم يسقيهم فإن قيل جاء رواية بأن الآنية على عدد نجوم السماء فكيف التوجيه:
فيمكن أن نقول لا يلزم من الحديث أن جميع الناس يعطيهم النبي صلى الله عليه وسلم بيده.
قال العلامة ابن البنا الحنبلي:
والمعتزلة تكذب به وتقول: كيف يسقي لجميع الأمة؟
قلنا: يجوز أن يكون أعوانه الملائكة …. اهـ (كتاب الرد على الزنادقة:457)
يقول الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله:
آنيته وصفَها صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره، قال (آنيته كنجوم السماء) – متفق عليه بلفظ ” كيزانه كنجوم السماء ” وكيزان جمع كوز، وهو الإبريق أو الإناء، وأما لفظ المصنف ففي ” صحيح ابن حبان ” – (4652) – وهذا التشبيه بقوله (كنجوم السماء) نفهم منه صفتين:
الصفة الأولى: الكثرة، في أنَّ كثرتها كثرة نجوم السماء، وهذا يدل على مزيد راحة وطمأنينة في الشرب منه وتناوله، وألا يكون هناك تزاحم على كيزانه، أو أنَّ الناس يشربون بأيديهم.
والصفة الثانية: أنَّ كيزانه ـ أو كيسانه أو أباريقه، أو نحو ذلك – كنجوم السماء في الإشراق والبهاء والنور.
فنجوم السماء فيها صفة الكثرة، وفيها صفة النور والبهاء.
” شرح العقيدة الطحاوية ” (شريط رقم 14)
ويقول الشيخ عبد المحسن العباد وفقه الله:
ولا يلزم أن يكون كل واحد يناوله الرسول صلى الله عليه وسلم، ما فيه شيء يدل على هذا …. ولا يلزم أن يكون الإنسان ما يشرب إلا أن يناوله الرسول صلى الله عليه وسلم” شرح سنن ابن ماجه ” (شريط 315)
ورد رواية صريحة أن الناس يشربون بأنفسهم عند أحمد وغيره:
أَلَا فَتَطَّلِعُونَ عَلَى حَوْضِ الرَّسُولِ عَلَى أَظْمَأِ وَاللَّهِ نَاهِلَةٍ عَلَيْهَا قَطُّ مَا رَأَيْتُهَا فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا يَبْسُطُ وَاحِدٌ مِنْكُمْ يَدَهُ إِلَّا وُضِعَ عَلَيْهَا قَدَحٌ يُطَهِّرُهُ مِنْ الحديث. ولكنه لا يصح
وورد رواية عكس ذلك صريحة عند أبي نعيم:
ليتني أرى إخواني وردوا علي الحوض فأستقبلهم بالآنية فيها الشراب فأسقيهم من حوضي قبل أن يدخلوا الجنة الحديث ولا يصح أيضا.
وورد أيضا أن مع النبي صلى الله عليه وسلم الخلفاء الأربعة كما في تاريخ دمشق:
إن على حوضي أربعة أركان فأول ركن منها في يد أبي بكر والركن الثاني في يد عمر والركن الثالث في يد عثمان والركن الرابع في يد علي فمن أحب أبا بكر وأبغض عمر لم يسقه أبو بكر ومن أحب عمر وأبغض أبا بكر لم يسقه عثمان ومن أحب عثمان وأبغض عليا لم يسقه عثمان ومن أحب عليا وأبغض عثمان لم يسقه علي ومن أحسن القول في أبي بكر فقد أقام الدين ومن أحسن القول في عمر فقد أوضح السبيل ومن أحسن القول في عثمان قد استنار بنور الله ومن أحسن القول في علي فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ومن أحسن القول في أصحابي فهو مؤمن] ٍ ولا يصح.
كيف يعرف النبي صلى الله عليه وسلم الناس بعد الصحابة.
جاء في صحيح مسلم رحمه الله: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال [السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون وددت أنا قد رأينا إخواننا] قالوا أو لسنا إخوانك يا رسول الله قال [أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد] فقالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله فقال [أرأيت لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله قالوا بلى يا رسول الله قال فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم ألا هلم فيقال إنهم قد بدلوا بعدك فأقول سحقا سحقا]
فضل أهل اليمن.
عَنْ ثَوْبَانَ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي لَبِعُقْرِ حَوْضِي أَذُودُ النَّاسَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ أَضْرِبُ بِعَصَايَ حَتَّى يَرْفَضَّ عَلَيْهِمْ». فَسُئِلَ عَنْ عَرْضِهِ فَقَالَ: «مِنْ مَقَامِي إِلَى عَمَّانَ» وَسُئِلَ عَنْ شَرَابِهِ فَقَالَ: «أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، يَغُتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنَ الْجَنَّةِ، أَحَدُهُمَا مِنْ ذَهَبٍ، وَالْآخَرُ مِنْ وَرِقٍ» رواه مسلم.
قوله صلى الله عليه و سلم (إني لبعقر حوضي)
قال إبراهيم بن إسحاق الحربي:
قَوْلُه: إِنِّى لَبِعُقْر ِحَوْضِىِ أَخْبَرَنِي أَبُونَصْرٍ عَنْ الأَصْمَعِيِّ: عُقْرُ الحَوْضِ مُقَاُم الشَّارِبَةِ وَعُقْرُ الدَّارِ وَسَطُهَا وَمُعْظَمُهَا وَالجَمْعُ أَعْقَارٌ وَأَنْشَدَ لِذِىِ الرُّمَّةِ: … بِأَعْقَارِهِ القِرْدَانُ هَزْلى كَأَنَّهَا … نَوَاِدرُ صِيصَاءِ الهَبِيِد مُحَطَّمِ … (غريب الحديث له:3/ 997)
قال الخطابي رحمه الله:
وعقر الحوض قال أبو عبيدة هو مؤخر الحوض وإزاؤه مصب الماء وما بين ذلك عضد الحوض قال ويقال للناقة التي تشرب من عقر الحوض عقرة والتي تشرب من إزائه أزية على مثال فعلة قال امرؤ القيس فرماها في فرائصها في إزاء الحوض أو عقره اهـ (غريب الحديث له:1/ 72)
وليس المقصود هنا جميع أهل اليمن
قال القرطبي رحمه الله:
وقوله: ((أذود الناس لأهل اليمن))؛ يعني: السابقين من أهل اليمن الذين نصره الله بهم في حياته، وأظهر الدِّين بهم بعد وفاته، وقد تقدَّم أن المدينة من اليمن، وأنهم أحق بهذا الإكرام من غيرهم، لما ثبت لهم من سابق النُّصرة، والأثرة؛ ولذلك قال للأنصار: ((اصبروا حتى تلقوني على الحوض)). (المفهم:19/ 31)
قال النووي رحمه الله في معنى الحديث:
معناه أطرد الناس عنه غير أهل اليمن ليرفض على أهل اليمن وهذه كرامة لأهل اليمن في تقديمهم في الشرب منه مجازاة لهم بحسن صنيعهم وتقدمهم في الاسلام والأنصار من اليمن فيدفع غيرهم حتى يشربوا كما دفعوا في الدنيا عن النبي صلى الله عليه و سلم أعداءه والمكروهات ومعنى يرفض عليهم أي يسيل عليهم اهـ (شرح النووي على مسلم:15/ 62)
توجيه الاختلاف الوارد في المسافة.
جمع العلماء بين الأحاديث وذكروا في ذلك أقوالا سنذكرها وأقرب الأقوال أن المسافة القليلة تدخل في المسافة الكبيرة بمعنى أنه أخبر أولا بالمسافة القصيرة ثم تفضل الله عليه تلك المسافة الكبيرة فأخبر بها.
ومن أوجه الجمع:
1_ أن تقدير تلك المسافات إنما هي ضرب مثل لعظم الحوض وليس المراد حقيقة المسافة المذكورة.
2_ أن تقدير المسافة بتلك الجهات بحسب من حضره فيخاطب كل أهل جهة بما يعرفونه
فمرة كان يخاطب شاميا فيقول: ما بين أيلة إلى أذرح ويخاطب يمنيا فيقول: من صنعاء إلى عدن ويخاطب أهل الحجاز فيقول: ما بين مقامي هذا إلى عمّان
3_ أنه باعتبار السير البطيء والسير السريع وتحمل رواية أقلها على أسرع السير وهو سير البريد وفيه نظر
والوجه الرابع ما ذكرناه في بداية كلامنا حول هذه المسألة.
تنبيه: رواية التي تدل على أن المسافة هي ثلاثة أيام , غلط قال السفاريني رحمه الله:
ورد عليه-أي على الحافظ ابن حجر- بأن رواية ثلاثة أيام اعترف هو نفسه بأنها غلط فلا يتوجه الاعتراض اهـ (لوائح الأنوار السنية: 2/ 168)
تنبيه: ظن بعض الجهلة هذا يوجب تضعيف أحاديث الحوض وهذا جهل فاضح لأن الأحاديث بلغت مبلغ التواتر فكيف تضعف؟!
يقول القاضي عياض رحمه الله:
وهذا الاختلاف والاضطراب لا يوجب الضعف , لأنه من اختلاف التقدير والتحديد لا من اختلاف الرواية , لأن ذلك لم يقع في حديث واحد فيعد اضطرابا وإنما جاء في أحاديث مختلفة من غير واحد من الصحابة وقد سمعوه في مواطن متعددة اهـ
من أنكر الحوض
1_ أنكرت المعتزلة الحوض وأقر به عامة المخالفين لأهل السنة من الأشاعرة وغيرهم.
قال أبو الحسن الأشعري رحمه الله: وأنكرت المعتزلة الحوض (الإبانة عن أصول الديانة:598)
قال السفاريني رحمه الله: خالفت المعتزلة فلم تقر بإثبات الحوض (لوائح الأنوار السنية:2/ 173)
والمعتزلة يجعلون الحوض عبارة عما يحصل في قلوب المؤمنين من البرد والطمأنينة بنعمة الله وإنعامه عليهم في ذلك المقام
قلت سيف: قلنا في شرحنا لمسلم:
اعلم أن لكل نبي حوضاً كما ورد ذلك في الأخبار، والأحاديث، والآثار، فقد أخرج الترمذي عن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لكل نبي حوضاً، وإنهم يتباهون أيهم أكثر وارداً، وإني أرجو أن أكون أكثرهم وارداً))
رواه الترمذي (2443).
وقال: هذا حديث غريب وقد روى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ولم يذكر فيه عن سمرة وهو أصح.
قال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
وسبق أن قلنا يشهد له حديث لأبي سعيد وفيه عطية العوفي وشاهد من حديث ابن عباس. كما في الصحيحة 1589، قال الألباني: وفيه الزبير ومحصن لم أجد من ترجمهما. ثم صححه أو حسنه الشيخ الألباني بمجموع طرقه.
ومرة قلنا: أن حديث أبي سعيد فيه العوفي وهو يدلس عن أبي سعيد فيقول: عن أبي سعيد ويقصد الكلبي.
لكن ورد أن العوفي صرح مرة أنه الخدري فبقي أن نتأكد من صحة الرواية التي فيها التصريح بأنه الخدري.