حكم تمني الموت
بحث مجموع من أجوبة الأخوة ومصادر أخرى
– بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله أما بعد –
حكم تمني الموت لضر يصيبه
كالمرض والفقر وفقد الحبيب وغيره من أمور الدنيا.
وقد ثبت في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال 🙁 لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي) رواه البخاري ومسلم .
وقال أنس رضي الله عنه [ لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم – قال 🙁 لا يتمنين أحدكم الموت ) لتمنيته ] رواه مسلم .
وعن قيس بن أبي حازم قال دخلنا على خباب – رضي الله عنه – وقد اكتوى سبع كيات في بطنه فقال :[ لو ما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به ] رواه مسلم .
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 🙁 لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ وَلاَ يَدْعُو بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ إِنَّهُ إِذَا مَات أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ عَنْهُ وَإِنَّهُ لاَ يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلاَّ خَيْرًا) رواه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (َلَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ) رواه البخاري.
وقد قال جماعة من أهل العلم إن النهي عن تمني الموت خاص بما كان سببه الأمور الدنيوية كالفقر والمرض وفقد عزيز ونحو ذلك .
وأما إذا تمنى الإنسان الموت خوفا من فتنة في دينه فيجوز ذلك .
فأخرج أحمد في المسند ٣/٤٩٤ أن عبسا الغفاري قال : يا طاعون خذني إليك ‘ فقال له عليم لم تقول هذا؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يتمنى أحدكم الموت ؛ فإنه عند انقطاع عمله لا يرد فيستعتب )
فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( بادروا بالموت ستا : إمرة السفهاء ‘ وكثرة الشرط ‘ وبيع الحكم ‘ واستخفاف بالدم ‘ وقطيعة الرحم ‘ ونشئا يتخذون القرآن مزامير يقدمونه يغنيهم ‘ وإن كان أقل منهم فقها) والحديث حسن
وقول أبي هريرة – رضي الله عنه – أعوذ بالله أن تدركني سنة الستين . قيل له : وما سنة الستين ؟ قال : إمرة الغلمان.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني : [ وحكمة النهي عن ذلك أن في طلب الموت قبل حلوله نوع اعتراض ومراغمة للقدر وإن كانت الآجال لا تزيد ولا تنقص , فإن تمني الموت لا يؤثر في زيادتها ولا نقصها , ولكنه أمر قد غيب عنه وقد تقدم في “كتاب الفتن” ما يدل عل ذم ذلك في حديث أبي هريرة ( لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل يقول يا ليتني مكانه ) وليس به الدين إلا البلاء وقد تقدم شرح ذلك مستوفى في ” باب تمني المريض الموت من كتاب المرضى “
قال الإمام النووي :[ قوله صلى الله عليه وسلم -:( لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان لا بد متمنيا فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ) في الحديث التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به من فاقة أو محنة بعدو ونحوه من مشاق الدنيا فأما إذا خاف ضررا أو فتنة في دينه فلا كراهة فيه لمفهوم هذا الحديث , وقد فعله خلائق من السلف بذلك وفيه أن من خالف فلم يصبر على الضر وتمنى الموت لضر نزل به فليقل الدعاء المذكور .
قال ابن حجر : ظاهر الحديث المنع مطلقا والاقتصار على الدعاء مطلقا , لكن الذي قاله الشيخ لا بأس به لمن وقع منه التمني ليكون عونا على ترك التمني ] فتح الباري 13/272-273.
وقال العلامة ملا علي القاري :[ وقد أفتى النووي أنه لا يكره تمني الموت لخوف فتنة دينية … ونقل عن الشافعي وعمر بن عبد العزيز أنه مندوب .
وكذا يندب تمني الشهادة في سبيل الله لأنه صح عن عمر وغيره بل صح عن معاذ أنه تمناه في طاعون عمواس‘ وفي صحيح مسلم 🙁 من طلب الشهادة صادقا أعطيها ولو لم تصبه)
ويندب أيضا تمني الموت ببلد شريف لما في البخاري
أن عمر – رضي الله عنه – قال : اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي ببلد رسولك فقالت ابنته حفصة : أنى يكون هذا ؟ فقال يأتي به الله إذا شاء . أي : وقد فعل فإن قاتله كافر مجوسي
مرقاة المفاتيح شرح
مشكاة المصابيح 4/67 .
فتمني الموت إذاً يكون في حالات:
الأولى: عند خوف الفتنة ‘ كما قال تعالى: (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا) [ مريم:23]
قال القرطبي : تمنت الموت لوجهين:
أحدهما : أنها خافت أن يظن بها السوء في دينها وتعير فيفتنها ذلك.
الثاني: لئلا يقع قوم بسببها في البهتان والزور والتهمة إلى الزنا وذلك مهلك لهم.
الثانية : تمني الشهادة: كما قال صلى الله عليه وسلم : (من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) رواه مسلم
]شبهه والرد عليها]
أما قوله تعالى: ﴿ توفني مسلما وألحقني بالصالحين﴾ فإن المراد منه أن يثبته على الإسلام ‘ وأن يتوفاه عليه .
]وفي آخر هذا المبحث أذكر بعض الفوائد في الأحاديث السابقه[:
1- حسن الشريعة العظيمة حيث لم تنه عن شئ إلا جاءت بخير منه
2- ينبغي الإلتجاء إلى الله ودعاؤه في كل الأمور فهو سبحانه يعلم عاقبتها
3- على المسلم أن يغتنم حياته بالأعمال الصالحة
4- السنة لمن أراد أن يتمنى الموت أن يقول الدعاء المذكور ففيه التفويض إلى الله .
5- فضيلة الصبر ؛ والثواب معلق بالصبر ‘وأما الرضا فهو منزلة فوق الصبر قاله ابن تيمية .
6- الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر. وهي مطلوبة شرعا‘ ومندوب ٱليها إجماعا قال تعالى﴿ ولقد أخذنهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون ﴾ المؤمنون ٧٦
وقال تعالى :﴿ فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم﴾ الأنعام ٤٣
7- كذلك ذكر وجع ظاهر للمخلوق أو للحاجة مع الرضى بقضاء الله لم يكن ذلك جزعا قال صلى الله عليه وسلم
) أوعك كما يوعك رجلان منكم) رواه البخاري ومسلم
وإذا كانت مما يمكن كتمانه ‘ فكتمانه من الأعمال الخفية لله تعالى