984 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة أبي طارق.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
الصحيح المسند
———–
984 عن عمر بن الخطاب قال: اتعدت لما أردنا الهجرة الى المدينة أنا وعياش ابن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل السهمي، التناضب من أضاة بني غفار فوق سرف، وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حبس، فليمض صاحباه، قال: فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب، وحبس عنا هشام وفتن فافتتن.
————
تعرض عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد إسلامه للإيذاء من قبل مشركي قريش، ولم يكف عنه المشركون حتى أجاره العاص بن وائل السهمي، فلما أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة كان رضي الله عنه من المهاجرين الأولين على الرغم من منزلته ومكانته بمكة التي تنكر لها القرشيون بعد إسلامه.
هجرة عمر بن الخطاب سرًا
قال ابن عمر رضي الله عنهما: لما قدم المهاجرون الأولون من مكة إلى المدينة نزلوا بالعصبة (من جهات قباء) إلى جنب قباء، فأمهم سالم مولى أبي حذيفة لأنه كان أكثرهم قرآنًا، فيهم عمر بن الخطاب، وأبو سلمة بن عبد الأسد.
وهاجر رضي الله عنه مستخفيًا (سرًا) كالمهاجرين قبله والمهاجرين بعده ومنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه.
قال رضي الله عنه وهو يحكي قصة هجرته: اتعدت لما أردنا الهجرة إلى المدينة أنا وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل السهمي التناضب من أضاة بني غفار (حي على بعد 13كيلو من مكة)، فوق سرف، وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حبس، فليمض صاحباه، قال: فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب، وحبس عنا هشام، ففتن فافتتن.
ولحق بعمر رضي الله عنه عدد من قرابته وحلفائهم وعددهم عشرون. قال البراء بن عازب رضي الله عنه: أول من قدم علينا -يعني المدينة- مصعب بن عمير وابن أم مكتوم، وكانا يقرئان الناس، فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وممن هاجر مع عمر رضي الله عنه ابنه عبد الله، فلما فرض عمر رضي الله عنه العطاء فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة، فقيل له: هو من المهاجرين، فلم نقصته من أربعة آلاف؟ فقال: إنما هاجر به أبواه، يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه.
ولما وصل عمر رضي الله عنه المدينة نزل ومن معه العُصبة، وهي من منازل الأوس، وجاء في رواية أنه نزل على رفاعة بن عبد المنذر. ولا تعارض في ذلك فرفاعة من الأوس سكان العصبة.
هل هاجر عمر بن الخطاب جهرا وعلانية؟
وجاء في رواية أن عمر رضي الله عنه هاجر علانية، وهي رواية مشهورة ولكنها لم تأت من طرق ثابتة، وفيها أن عمر رضي الله عنه لما همَّ بالهجرة، تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى (استخرج من كنانته) في يده أسهمًا، واختصر عنزته (وهي شبه العكازة) ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعًا متمكنًا ثم أتى المقام فصلى متمكنًا، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة وقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس (الأنوف)، من أراد أن تثكله أمه ويُؤَتَّم ولده، وترمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي، قال علي: فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه.
وصول عمر بن الخطاب المدينة
وكان وصول عمر رضي الله عنه المدينة قبل وصوله صلى الله عليه وسلم، كما في حديث البراء بن عازب المتقدم الذكر حيث ذكر وصوله صلى الله عليه وسلم بعد قدوم عمر، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال وهو يصف حال المسلمين بالمدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم: كنا قد استبطأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدوم علينا، وكانت الأنصار يغدون إلى ظهر الحرة، فيجلسون حتى يرتفع النهار، فإذا ارتفع النهار وحميت الشمس رجعت إلى منازلها، قال عمر: وكنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجل من اليهود قد أومأ على أطم من آطامهم، فصاح بأعلى صوته: يا معشر العرب، هذا صاحبكم الذي تنتظرون، قال عمر: وسمعت الوجبة في بني عمرو بن عوف فأخرج من الباب، وإذا المسلمون قد لبسوا السلاح، فانطلقت مع القوم عند الظهر، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين، حتى نزل في بني عمرو بن عوف.
من آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عمر بن الخطاب؟
وبعد وصول النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة شرع الله له المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في السنة الأولى من الهجرة، وذلك بسبب ما لقيه المهاجرون من فقد أموالهم، وهجرهم لأوطانهم وأهليهم وإصابتهم بالحمى. فأصبح لكلّ مهاجري أخًا من الأنصار. وترتب على المؤخاة حقوق خاصة كالمواساة والتعاون على أعباء الحياة بين الاثنين وكذلك توارثهما دون ذوي الرحم. فلما ألف المهاجرون الحياة في المدينة، وعوضهم عن بعض ما فقدوه من أموالهم بعد موقعة بدر ألغى الله تعالى التوارث بنزول قوله تعالى: {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب.
وقد جاءت روايات متعددة في ذكر من آخى النبيّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين عمر رضي الله عنه وبين بعض الصحابة، فروي أنه صلى الله عليه وسلم آخى بين عمر وبين أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وروي أنه آخى بينه وبين عتبان بن مالك وقيل بينه وبين عويم بن ساعدة رضي الله عنهما. وقيل آخى بينه وبين معاذ بن عفراء رضي الله عنه فالله أعلم.
وقد ذكر ابن حجر رحمه الله أنه كانت هناك مؤاخاة أولى بين المهاجرين بعضهم بعضًا، لأن بعضهم كان أقوى بالمال والعشيرة، فعلى هذا يحمل ما ورد من مؤاخاة النبيّ صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب مع أبي بكر، وهي مؤاخاة أولى.
وأمّا أخو عمر رضي الله عنه من الأنصار فلم يرد في تحديده نصّ ثابت. ولا شكّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين أحد الأنصار، والذي أرجحه -والله أعلم- أنه عتبان بن مالك، لأنه ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كان له جار من الأنصار يتناوب معه النزول إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، ووضح العلماء أن هذا الجار هو عتبان بن مالك، وذكر ابن حجر أنه ورد في كتاب الصلاة من صحيح البخاري أن عمر قال: كان لي أخ من الأنصار. وهذا هو الذي رجّحه ابن كثير وتابعه ابن إسحاق فيه.
تنبيه: قضية أن عمر أعلن بالهجرة رواه ابن عساكر: تاريخ دمشق ص45، ابن الأثير: أسد الغابة 4/ 58، وفي إسناده عندهما الزبير بن محمد بن خالد العثماني وعبد الله بن القاسم الأيلي وأبيه القاسم لم أجد لهم تراجم وقال الشيخ ناصر الدين الألباني: وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين فإن أحدًا من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقًا، دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ص42،43.
ونقل في كتاب الروض الأنف
هجرة عمر وقصة عياش معه
[ص 298] قال ابن إسحاق: [ص 299] ثم خرج عمر بن الخطاب، وعياش بن أبي ربيعة المخزومي حتى قدما المدينة. فحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، عن أبيه عمر بن الخطاب، قال اتعدت، لما أردنا الهجرة إلى المدينة، أنا وعياش بن أبي ربيعة [واسمه عمرو ويلقب ذا الرمحين]، وهشام بن العاصي بن وائل السهمي التناضب من أضاة بني غفار، فوق سرف، وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حبس فليمض صاحباه. قال فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب، وحبس عنا هشام وفتن فافتتن. فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء وخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام إلى عياش بن أبي ربيعة، وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما، حتى قدما علينا المدينة، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم بمكة فكلماه وقالا: إن أمك قد ندرت أن لا يمس رأسها مشط حتى تراك، ولا تستظل من شمس حتى تراك، فرق لها، فقلت له يا عياش إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت. قال فقال أبر قسم أمي، ولي هنالك مال فآخذه قال فقلت: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالا، فلك نصف مالي ولا تذهب معهما. قال فأبى علي إلا أن يخرج معهما؛ فلما أبى إلا ذلك قال قلت له أما إذ قد فعلت ما فعلت، فخذ ناقتي هذه فإنه ناقة نجيبة ذلول فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب فانج عليها: فخرج عليها معهما، حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل يا ابن أخي، والله لقد استغلظت بعيري هذا، أفلا تعقبني على ناقتك هذه؟ قال بلى.
قال فأناخ وأناخا ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض عدوا عليه فأوثقاه وربطاه ثم دخلا به مكة، وفتناه فافتتن [ص 300] قال ابن إسحاق: فحدثني به بعض آل عياش بن أبي ربيعة: أنهما حين دخلا به مكة دخلا به نهارا موثقا، ثم قالا: يا أهل مكة، هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا هجرة عمر وعياش
ذكر فيها تواعدهم
التناضب بكسر الضاد كأنه جمع تنضب [واحدته تنضبة] وهو ضرب من الشجر تألفه الحرباء.
أضاءة بالمد وقد يجمع أضاة على إضين قاله أبو حنيفة وأنشد محافر كأسرية الإضينا الأسرية جمع سري وهو الجدول ويقال له أيضا: السعيد. (2/ 298)
كتاب عمر إلى هشام بن العاصي
قال ابن إسحاق: وحدثني نافع، عن عبد الله بن عمر، عن عمر في حديثه قال فكنا نقول ما الله بقابل ممن افتتن صرفا ولا عدلا ولا توبة قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم قال وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون} [الزمر 53 – 55]. قال عمر بن الخطاب: فكتبتها بيدي في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاصي قال فقال هشام بن العاصي: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى، أصعد بها فيه وأصوب ولا أفهمها، حتى قلت اللهم فهمنيها. قال فألقى الله تعالى في قلبي أنها إنما أنزلت فينا، وفيما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا. قال فرجعت إلى بعيري، فجلست عليه فلحقت برسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو بالمدينة [ص 301]
الوليد بن الوليد وعياش وهشام
قال ابن هشام: فحدثني من أثق به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو بالمدينة ” من لي بعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاصي “؟ فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة: أنا لك يا رسول الله بهما، فخرج إلى مكة، فقدمها مستخفيا، فلقي امرأة تحمل طعاما، فقال لها: أين تريدين يا أمة الله؟ قالت أريد هذين المحبوسين – تعنيهما – فتبعها حتى عرف موضعهما، وكانا محبوسين في بيت لا سقف له فلما أمسى تسور عليهما، ثم أخذ مروة. فوضعها تحت قيديهما، ثم ضربهما بسيفه فقطعهما فكان يقال لسيفه ” ذو المروة “. لذلك ثم حملهما على بعيره وساق بهما، فعثر فدميت أصبعه فقال
وفي سبيل الله ما لقيت … هل أنت إلا أصبع دميت
ثم قدم بهما على رسول الله – صلى الله عليه وسلم المدينةSقول هشام بن العاص
فصل [ص 300] {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} [الزمر 53] الآية في المستضعفين بمكة وقول هشام بن العاص ففاجأتني وأنا بذي طوى. طوى: مقصور موضع بأسفل مكة، ذكر أن آدم لما أهبط إلى الهند، ومشى إلى مكة، وجعل الملائكة تنتظره بذي طوى، وأنهم قالوا له يا آدم ما زلنا ننتظرك هاهنا منذ ألفي سنة وروي أن آدم كان إذا أتى البيت خلع نعليه بذي طوى، وأما ذو طواء بالمد فموضع آخر بين مكة والطائف هكذا ذكره البكري، وأما طوى بضم الطاء والقصر المذكور في التنزيل فهو بالشام اسم للوادي المقدس وقد قيل ليس باسم له وإنما هو من صفة التقديس أي المقدس مرتين. (2/ 299)
هجرة النبيصلى الله عليه وسلم سرا وكذلك عمر وغيره من الصحابة هو من باب التوكل على الله
قال علماء اللجنة:
” ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة الحث على الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله، فمن أخذ بالأسباب واعتمدها فقط، وألغى التوكل على الله فهو مشرك، ومن توكل على الله وألغى الأسباب: فهو جاهل مفرط مخطئ، والمطلوب شرعا هو الجمع بينهما “.
انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (1/ 375).