تهذيب تفسير ابن كثير [سورة الحجرات (49): آية 13]
قام به سيف بن محمد بن دورة الكعبي وأحمد بن علي وصاحبهما
——-
[سورة الحجرات (49): آية 13]
يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (13)
——-
يقول تعالى مخبرا للناس أنه خلقهم من نفس واحدة وجعل منها زوجها، وهـما آدم وحواء، وجعلهم شعوبا وهـي أعم من القبائل، وبعد القبائل مراتب أخر كالفصائل والعشائر والعمائر والافخاذ وغير ذلك، وقيل: المراد بالشعوب بطون العجم، وبالقبائل بطون العرب، كما أن الاسباط بطون بني إسرائيل، وقد لخصت هـذا في مقدمة مفردة جمعتها من كتاب الانباه لابي عمر بن عبد البر، ومن كتاب (القصد والامم في معرفة أنساب العرب والعجم) فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء عليهما السلام سواء، وإنما يتفاضلون بالامور الدينية وهـي طاعة الله تعالى ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال تعالى بعد النهي عن الغيبة واحتقار بعض الناس بعضا، منبها على تساويهم في البشرية يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أي ليحصل التعارف بينهم كل يرجع إلى قبيلته، وقال مجاهـد في قوله عز وجل لتعارفوا كما يقال فلان بن فلان من كذا وكذا أي من قبيلة كذا وكذا، وقال سفيان الثوري: كانت حمير ينتسبون إلى مخاليفها، وكانت عرب الحجاز ينتسبون إلى قبائلها.
وروى أبو عيسى الترمذي: عن أبي هـريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الاهـل مثراة في المال منسأة في الاثر» «1» ثم قال غريب لا نعرفه إلا من هـذا الوجه.
وقوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)
أي إنما تتفاضلون عند الله تعالى بالتقوى لا بالاحساب، وقد وردت الاحاديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى البخاري رحمه الله: عن أبي هـريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم؟ قال: «أكرمهم عند الله أتقاهـم» قالوا: ليس عن هـذا نسألك. قال: «فأكرم الناس يوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله ابن خليل الله» قالوا: ليس عن هـذا نسألك. قال: «فعن معادن العرب تسألوني»؟
قالوا: نعم. قال: «فخياركم في الجاهـلية خياركم في الاسلام إذا فقهوا»
[حديث آخر]
روى مسلم رحمه الله: عن أبي هـريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»
[حديث آخر]
وروى الامام أحمد «2»: عن أبي ذر رضي الله عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى الله» تفرد به أحمد رحمه الله.
[حديث آخر]
روى ابن أبي حاتم (3): عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته القصواء يستلم الاركان بمحجن في يده، فما وجد لها مناخا في المسجد حتى نزل صلى الله عليه وسلم على أيدي الرجال، فخرج بها إلى بطن المسيل فأنيخت، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم على راحلته فحمد الله تعالى وأثنى عليه بما هـو له أهـل ثم قال: «يا أيها الناس إن الله تعالى قد أذهـب عنكم عبية الجاهـلية وتعظمها بآبائها، فالناس رجلان: رجل بر تقي كريم على الله تعالى، ورجل فاجر شقي هـين على الله تعالى، إن الله عز وجل يقول: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير- ثم قال صلى الله عليه وسلم- أقول قولي هـذا وأستغفر الله لي ولكم»
وقوله تعالى: (إن الله عليم خبير)
أي عليم بكم خبير بأموركم، فيهدي من يشاء ويضل من يشاء، ويرحم من يشاء، ويعذب من يشاء، ويفضل من يشاء على من يشاء، وهـو الحكيم العليم الخبير في ذلك كله، وقد استدل بهذه الاية الكريمة وهـذه الاحاديث الشريفة من ذهـب من العلماء إلى أن الكفاءة في النكاح لا تشترط ولا يشترط سوى الدين لقوله تعالى: إن أكرمكم عند الله أتقاكم وذهـب الاخرون إلى أدلة أخرى مذكورة في كتب الفقه، وقد ذكرنا طرفا من ذلك في (كتاب الاحكام) ولله الحمد والمنة
———-
(1) إسناده حسن رجاله ثقات عدا عبد الملك بن عيسى الثقفي وهو صدوق حسن الحديث
قال سيف وصاحبه: وراجع الصحيحة 276
(2) سنده ضعيف لضعف أبي هلال الراسبي-
بكر بن عبد الله المزني- لم يسمع من أبي ذر.
ولكن يشهد له ويقويه حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله (ص) إن ربكم واحد وإن أباكم واحد فلا فضل لعربي على أعجمي ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى فهو حسن
(3) وفيه موسى بن عبيدة الربذي.
وهو متابع من طريق موسى بن عقبة أخرجه ابن حبان في “صحيحه” (9/ 137) برقم: (3828) وغيره
وهو في الصحيح المسند 770 وورد من حديث أبي هريرة مرفوعا