25 – مشكل الحديث
ومن كتاب الإيمان
في صحيح البخاري 7 من حديث ابن عباس أن أبا سفيان أخبره الحديث وفيه ( ….. قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَالُوا لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلَّا الْيَهُودُ فَلَا يُهِمَّنَّكَ شَانُهُمْ وَاكْتُبْ إِلَى مَدَايِنِ مُلْكِكَ فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنْ الْيَهُودِ فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لَا فَنَظَرُوا إِلَيْهِ فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ وَسَأَلَهُ عَنْ الْعَرَبِ فَقَالَ هُمْ يَخْتَتِنُونَ فَقَالَ هِرَقْلُ هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي الْعِلْمِ وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَايَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ نَبِيٌّ فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الرُّومِ هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلَاحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الْأَبْوَابِ فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ وَأَيِسَ مِنْ الْإِيمَانِ قَالَ رُدُّوهُمْ عَلَيَّ وَقَالَ إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي
آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ فَقَدْ رَأَيْتُ فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَانِ هِرَقْلَ)
والإشكال كون هرقل حزاء وكان ينظر في النجوم، وأخبر ببعض الغيب.
مع ما تقرر من النصوص أن الغيب لا يعلمه إلا الله
——–
جواب الأخ نورس:
قال ابن بطال في شرح البخاري (ج (1) / (49) – (50)):
وليس على البخارى فى إدخاله أحاديث عن أهل الكتاب، هرقل وغيره، ولا فى قوله: تمت وكان حزاء ينظر فى النجوم – حرج؛ لأنه إنما أخبر أنه كان فى الإنجيل ذكر محمد، (صلى الله عليه وسلم)، وكان من يتعلق قبل الإسلام بالنجامة ينذر بنبوته؛ لأن علم النجامة كان مباحا ذلك الوقت، فلما جاء الإسلام منع منه، فلا يجوز لأحد اليوم أن يقضى بشاء منه، وكان علم النجوم قبل الإسلام على التظنين والتبحيث يصيب مرة ويخطئ كثيرا، فاشتغالهم بما فيه الخطأ الغالب ضلال، فبعث الله نبيه محمدا (صلى الله عليه وسلم) بالوحى الصحيح، ونسخ ذلك العناء الذى كانوا فيه من أمر النجوم، وقال لهم: نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب. وقال أبو المعتز فى كتاب الأدب: لا يصلح لذى عقل ودين تعاطى علم النجوم؛ لأنه لا سبيل إلى إيصال الصواب منها، والذى يشبه الصواب منها إنما يتهيأ بالاتفاق، وكيف يرضى العاقل من نفسه أن يكذب مرة ويصدق أخرى، وإنما عمر الإنسان كالساعة التى لا ينبغى أن ينفقها إلا فى علم يزداد بالإيغال فيه بعدا من الباطل وقربا من الحق، ولو أمكن ألا يخطئ الناظر فى علم النجوم لكان فى ذلك تنغيص العيش، وتكدير لصفوه، وتضييق لمتفسح الآمال التى بها قوت الأنفس وعمارة الدنيا، ولم يف ما يرجى من الخير بما يتوقع من الشر؛ لأن بعض الناس لو علم أنه يموت إلى سنة لم ينتفع بشاء من دنياه، وهذا لا يشبه بفضل الله وإحسانه ورأفته بخلقه، ولو علم الناظر فيها أنه يعيش مائة سنة فى صحة وغنى لبطر وما انتهى عن فاحشة ولا تورع عن محرم، ولا أتى حنقا هاجما ولزالت نعمه، ولفسدت الدنيا بإهمال الناس لو تركوا أمره ونهيه ولأكل الناس بعضهم بعضا، ولعل بعضهم كان يؤخر التوبة إلى يوم أو ساعة أو سنة قبل موته متحاذق على ربه، ويدخل الجنة بتوبته، وليس هذا فى حكمة الله وصواب تدبيره، ولا شك أن الخير فيما اختاره الله لنا من طى ذلك عنا، فلله الحمد على جميل صنعه ولطيف إحسانه.
—–
جواب سيف بن دورة الكعبي:
اولا كونها في البخاري 7 لا يدل على صحتها باكملها فقصة كون هرقل حزاء ذكر ابن حجر أن صورتها صورة الإرسال. وسيأتي في آخر البخث الملام على اسانيدها. واقتصر مسلم في صحيحه1773 على كريق معمر وصالح وليس فيها قصة كون هرقل حزاء.
اعتبره القاضي عياض من الكهانة التي تخطأ أكثر وتصيب فقال في قصيدة له:
وقول هرقل إذ أظل زمانه …
فقال أرى ملك الختان مدانيا
وطالع فيه مصحف الأفق ناظرا …
كما زعمو يستشير الدراريا
فلم تنقض الأيام حتى أتى له …
كتاب رسول الله لاحق داعيا
وقال ابن الملقن في شرح: حزاء: وفسر في الحديث ذلك بأنه ينظر في النجوم ويمكن أن يكون أراد جهة حزوه؛ لأن التكهن يكون لوجوه منها ذلك.
قال ابن حجر:
وقوله ينظر في النجوم إن جعلتها خبرا ثانيا صح لأنه كان ينظر في الامرين وإن جعلتها تفسيرا للأول فالكهانة تارة تستند إلى إلقاء الشياطين وتارة تستفاد من أحكام النجوم وكان كل من الامرين في الجاهلية شائعا ذائعا إلى أن أظهر الله الإسلام فانكسرت شوكتهم وأنكر الشرع الاعتماد عليهم وكان ما اطلع عليه هرقل من ذلك بمقتضى حساب المنجمين أنهم زعموا أن المولد النبوي كان بقران العلويين ببرج العقرب وهما يقترنان في كل عشرين سنة مرة إلى أن تستوفى المثلثة بروجها في ستين سنة فكان ابتداء العشرين الأولى المولد النبوي في القران المذكور وعند تمام العشرين الثانية مجيء جبريل بالوحي وعند تمام الثالثة فتح خيبر وعمرة القضية التي جرت فتح مكة وظهور الإسلام وفي تلك الأيام رأى هرقل ما رأى ومن جملة ما ذكروه أيضا أن برج العقرب مائي وهو دليل ملك القوم الذين يختتنون فكان ذلك دليلا على انتقال الملك إلى العرب وأما اليهود فليسوا مرادا هنا لأن هذا لمن ينقل إليه الملك لا لمن انقضى ملكه فإن قيل كيف ساغ للبخاري إيراد هذا الخبر المشعر بتقوية أمر المنجمين والاعتماد على ما تدل عليه احكامهم فالجواب أنه لم يقصد ذلك بل قصد أن يبين أن الإشارات بالنبي صلى الله عليه و سلم جاءت من كل طريق وعلى لسان كل فريق من كاهن أو منجم محق أو مبطل أنسى أو جنى وهذا من أبدع ما يشير إليه عالم أو يجنح إليه محتج وقد قيل إن الحزاء هو الذي ينظر في الأعضاء وفي خيلان الوجه فيحكم على صاحبها بطريق الفراسة وهذا إن ثبت فلا يلزم منه حصره في ذلك بل
اللائق بالسياق في حق هرقل ما تقدم قوله ملك الختان بضم الميم واسكان اللام وللكشميهني بفتح الميم وكسر اللام قوله قد ظهر أي غلب يعني دله نظره في حكم النجوم على أن ملك الختان قد غلب وهو كما قال لأن في تلك الأيام كان ابتداء ظهور النبي صلى الله عليه و سلم إذ صالح كفار مكة بالحديبية وأنزل الله تعالى عليه إنا فتحنا لك فتحا مبينا إذ فتح مكة كان سببه نقض قريش العهد الذي كان بينهم بالحديبية ومقدمة الظهور ظهور قوله من هذه الأمة أي من أهل هذا العصر وإطلاق الأمة على أهل العصر كلهم فيه تجوز وهذا بخلاف قوله بعد هذا ملك هذه الأمة قد ظهر فإن مراده به العرب خاصة والحصر في قولهم إلا اليهود هو بمقتضى علمهم لأن اليهود كانوا بإيلياء وهي بيت المقدس كثيرين تحت الذلة مع الروم بخلاف العرب فأنهم وإن كان منهم من هو تحت طاعة ملك الروم كآل غسان لكنهم كانوا ملوكا برأسهم
وغي الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي وذكر النصوص الدالة على تفرد رب العزة بالغيب ثم قال:
وَقَالَ عَن عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: {وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَاكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ} [آل عمرَان: 49] الْآيَة، فَجعل ذَلِك من (دَلَائِل النُّبُوَّة)، فَلَو أمكن الِاطِّلَاع عَلَيْهِ بِنَحْوِ خطِّ مِنْ غير نَبِي لما كَانَ دَلِيلا، لِأَنَّهُ لم يكن معْجِزاً، فعلُم أنَّ ادِّعَاء معرفَة مَا يسره النَّاس، أَو ينطوون عَلَيْهِ أَو مَا يَقع مِنْ غلاء الأسْعار ورخصها، ونزول الْمَطَر وَوُقُوع الْقَتْل والفتن، وَغير ذَلِك من المغِيبات، فِيهِ إبِْطَال ل (دَلَائِل النُّبُوَّة) وَتَكْذيب لِلْقُرْآنِ الْعَزِيز، وَفِي الحَدِيث الْمَشْهُور: (من صدّق كَاهِنًا أَو عرَّافاً) وَفِي بَعْضهَا (أَو منجماً فقد كفر بِمَا أنزل على مُحَمَّد). وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْضا حاكياً عَن الله تَعَالَى: (أصْبح من عبَادي مُؤمن وَكَافِر) الحَدِيث، وَفِيه (أَن من قَالَ مُطِرْنا بنَوْء كَذَا فَهُوَ كَافِر بِي مُؤمن بالكواكب) وَمن الْمحَال أَن يَصح لغير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توالي الإخبارات بالمغيبات من غير أَن يَقع مِنْهُ غلط أَو كذب، بل مَا يَقع مِنْهُ صدق إِنَّمَا هُوَ مصادفة لَا قصد، على أَنه إِنَّمَا يكون فِي الْأَمر الإجمالي لَا التفصيلي، لَكِن المتعاطون لَهُ يَغْترون بذلك، ويعتذرون عَمَّا سواهُ، وَلَا يَنْفَعهُمْ ذَلِك إذْ لَو فاتَشْتَهم لم تَجِد لَهُم سَبِيلا إِلَى علم ذَلِك، إِلَّا مُجَرّد الحزر والتخْمين، وَهَذَا يشاركهم فِيهِ سَائِر النَّاس.
وَقد خبأ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِابْنِ صياد الكاهن قَوْله تَعَالَى: {فَ ارْتَقِبْ يَوْمَ تَاتِى السَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} [الدُّخان: 10] فَقَالَ هُوَ الدُّخ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إخسأ فلنْ تَعْدو قدرك) أَي لَا يمكنك الْإِخْبَار بالأشياء على تفاصيلها كَخَبَر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، ومِنْ ذَلِك نظر هِرقل فِي النُّجُوم فَرَأى أَن ملك الْخِتَان قد ظهر فَلم يخبر بِأَمْر تفصيلي وَإِنَّمَا أخبر بِأَمْر إجمالي أهمَّه وكدَّر حَاله، وَلم يظْهر لَهُ بنظره فِي النُّجُوم شَيْء من أَحْوَاله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا انْطوتْ عَلَيْهِ بعثته من التَّفْصِيل والْحَدِيث الْمَذْكُور فِي مُسلم لَكِن يتَعَيَّن تَاوِيله على مَا يُطَابق الْقُرْآن وَمَا اتّفق عَلَيْهِ إِجْمَاع أهل السّنة، وَذَلِكَ بِأَن يحمل كَمَا قَالَه الْخطابِيّ وَغَيره قَوْله: (فَمن وَافق خطه) على الْإِنْكَار لَا الْإِخْبَار لِأَن الحَدِيث خرج على سُؤال من كَانَ يعْتَقد علم ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمغيبات من جِهَة الْخط على مَا اعتقدتْ الْعَرَب فَأَجَابَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خَواص الْأَنْبِيَاء بِمَا يَقْتَضِي إِنْكَار أنْ يتشبَّه بِهِ أحدْهم، إِذْ هُوَ من خواصهم ومعجزاتهم الدَّالَّة على النُّبُوَّة فَهُوَ كَلَام ظَاهره الْخَبَر وَالْمرَاد بِهِ الْإِنْكَار.
وَمثله فِي الْقُرْآن وَالسّنة كثير كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَ اعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ} [الزمر: 15] وَكَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (نَحن أَحَق بِالشَّكِّ من إِبْرَاهِيم) فَظَاهره تَحْقِيق الشَّك فِي المعتقدات، وَالْمرَاد نفي الشَّك عَن إِبْرَاهِيم، أَو يحمل على أَنه علق الْحل بالموافقة بِخَط ذَلِك النَّبِي، وَهِي غير وَاقعَة فِي ظن الْفَاعِل إذْ لَا دَلِيل عَلَيْهَا إِلَّا بِخَبَر مَعْصُوم، وَذَلِكَ لم يُوجد فَبَقيَ النَّهْي على حَاله لِأَنَّهُ علق الْحل بِشَرْط، وَلم يُوجد، وَهَذَا أولى من الأول، ثمَّ رَأَيْت القَاضِي عياضاً قَالَ: وَالْأَظْهَر خلاف الأول لَكِن مِنْ أَيْن تُعلم الْمُوَافقَة، وَالشَّرْع منع التَّعَرُّض وادعاء الْغَيْب جملَة، وَمَعْنَاهُ عِنْدِي فَمن وَافق خطِه فَذَاك الَّذِي تَجِدُونَ إِصَابَته، لَا أَنه يُرِيد إِبَاحَة ذَلِك لفَاعِله على مَا تَأَوَّلَه بَعضهم، وَعَلِيهِ يدل ظَاهر كَلَام سَاقه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا، وَمِمَّا يدل على ذَلِك مَا جَاءَ فِي بعض الطّرق لذَلِك الحَدِيث (وإنْ وَافق خَطُّه عِلْمَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلِم) وَفِي بَعْضهَا (أَن نَبيا من الْأَنْبِيَاء كَانَ يَاتِيهِ أمره فِي الْخط فَمَنْ وَافق خطه عِلْمُ النَّبِي عَلِم) وَهَذَا يدل على أَنه لَيْسَ على ظَاهره وَإِلَّا لوَجَبَ لمن وَافق خطه أَن يعلم عين المغيبات الَّتِي كَانَ يعلمهَا ذَلِك النَّبِي وَأمر بهَا فِي خطه من الْأَوَامِر والنواهي والتحليل وَالتَّحْرِيم.
وحينئذٍ فَيلْزم مساواته لَهُ فِي النبوّة، فَلَمَّا بَطل حمله لَهُ على ظَاهره لزم تَاوِيله على مَا مر، وَعلم أَن الله تَعَالَى خص ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالخط وَجعله عَلامَة لما يَامُرهُ بِهِ وينهاه عَنهُ، مثل مَا جعل لنوح صلى الله على نَبينَا وَعَلِيهِ وَسلم من فَور التَّنور عَلامَة الْغَرق لِقَوْمِهِ، وفقد الْحُوت عَلامَة لمُوسَى على لِقَاء الْخضر صلى الله على نَبينَا وَعَلَيْهِمَا وَسلم، وَمنع زَكَرِيَّا تكليم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام عَلامَة على حمل زَوجته، وَمَا فِي سُورَة الْفَتْح عَلامَة لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على حُضُور أَجله وَمثله كثير، وَمن خَواص الْأَنْبِيَاء ومعجزاتهم وَمَا رُوِيَ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ} [الْأَحْقَاف: 4] أَنه الْخط فَغير مُتَعَيّن فِي الْآيَة، وبفرضه فتأويله أَن الْعَرَب كَانُوا أهل كهَانَة وزَجْر وعيافة فَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} [الْأَحْقَاف: 4] الْآيَات أَي ائْتُونِي بِكِتَاب يشْهد بِمَا ادّعيتموه بِلَفْظِهِ أَو أثارة من علم وَهُوَ الْخط على زعمكم أَنكُمْ تدينون بِهِ، فَلَا تقدرون على إِقَامَة حجَّة لعبادة الْآلهَة، وللمفسرين فِي هَذِه الأثار أقاويل أخر غير مَا ذكر وَتَفْسِير النُّجُوم بالخطوط الْوَاقِع …. ونفى علمهم بالغيب الا بعض الاجمال وقال: َأما فِي بَعْضهَا فتعلم تَفْصِيلًا، لَكِن الصَّوَاب أَنه يكون من عُلُوم الْأَنْبِيَاء الَّتِي حُفِظَتْ ودوّنت وَلم تبدَّل، وَكَذَا مَا أخبرهُ بِهِ شقٌ وسطيح من أَخْبَار الزَّمن الَّذِي وَقع بعدهمَا، فَيحمل على أَنه وصل إِلَيْهِم من علم الْأَنْبِيَاء صلى الله على نَبينَا وَعَلَيْهِم وَسلم
وقال صاحب البيان والتحصيل:
فلا يعلم الأمور الغائبة على وجهها وتفاصيلها إلا علام الغيوب، أو من أطلعه عليها علام الغيوب؛ ليكون ذلك دليلا على صحة نبوته، قال عز وجل في كتابه حاكيا عن عيسى ابن مريم – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَاكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 49].
فادعاء معرفة ذلك، والإخبار به على الوجه الذي تعرفه الأنبياء، وتخبر به تكذيب لدلالتهم، وفي دون هذا كفاية لمن شرح الله صدره وهداه، ولم يرد إضلاله وإغواءه، والذي ينبغي أن يعتقد فيما يخبرون من الجمل، فيصيبون مثل ما روي عن هرقل أنه أخبر أنه نظر في النجوم، فرأى ملك الختان قد ظهر إن ذلك إنما هو على معنى التجربة التي قد تصدق في الغالب
—–
التخريج:
لكن قال ابن حجر: قال الزهري وكان بن الناطور يحدث وهذه صورة الإرسال.
والحديث ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام: وقال إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبدالله عن ابن عباس أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام وبعث بكتابه إليه مع دحية الكلبي …. أخرجاه من حديث إبراعيم. وأخرجاه من حديث معمر عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس أن أبا سفيان حدثه قال: انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا أنا بالشام. فذكر كحديث إبراهيم، ورواه يونس بن بكير عن ابن اسحاق عن الزهري بسند وفيه قال أبوسفيان
وليس فيه قصة النظر للنجوم
لكن البخاري أخرجها من طريق ابي اليمان انا شعيب عن الزهري به وفيه وكان بن فاطور وهو صاحب ايلياء وهرقل سقفه على نصارى الشام يحدث ان هرقل حين قدم إلياء أصبحيوما خبيث النفس فقال له بعض بكارقته لقد أنكرنا هيئتك فقال ابن قاطور وكان هرقل رجلا حزاء ينظر في النجوم فقال لهم حين سألوه إتي رأيت الايلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه الأمةقالوا: ليس يختتن إلا اليهود فلا يهمنك شءنهم … قال ابن عساكر أخرجه
وذكر ابن منده انه وأخرجه من طرق عن ابي اليمان الحكم بن نافع اخبرني شعيب بن ابي حمزة عن الزهري اخبرني عبيدالله بن عبدالله بن عتبة ان عبدالله بن عباس اخبره ان ابا سفيان بن حرب اخبره … وفيه وقال ابن الناطور ….
وقال ابن منده: هذا حديث مجمع على صحته رواه صالح ويونس ومعمر
رواية يونس اخرجها الطبراني في الكبير 7270 وفيها وكان ابن ناطور صاحب ايلياء وهرقل سقفه على نصارى الشام يحدث ان هرقل …
وفي المعجم الكبير 7271 واورده من طريق محمد بن اسحاق حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبيدالله بن عتبة عن عبدالله بن عباس حدثني ابوسفيان قال … قال محمد بن اسحاق قال ابن شهاب فحدثني اسقف النصارى قال ادركته في زمان عبدالملك بن مروان زعم لي انه ادرك ذلك من امر رسول الله صلى الله عليه وسلم وامر هرقل وعقله: لما كندتب عليه كتا رسول الله صلى الله عليه مع دحية أخذه فجعله بين فخذيه وخاصرته قال: ثم كتب إلى رجل برومية يقرأ من العبرانية ما يقرا فذكر له امره ويصف له شانه وبخبر ما جاء به قال: فكتب إليه صاحب رومية انه النبي الذي كنا ننتظره لا شك فيه فانبعه …
ووقفت على طريق معمر: رواه عبدالرزاق 9723 عن معمر عن الزهري قال كان هرقل حزاء
ثم اخرجه كذلك 9724 عن معمر عن الزهري قال اخبرني عبيدالله بن عتبة عن عبدالله بن عباس قال حدثني ابوسفيان
وليس فيه قصة انه حزاء
وذكره الذهبي في التاريخ واعتبر انها الفاظ عجيبة من ابن اسحاق فقال:
ورواه يونس بن بكير، عن ابن إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ – بِسَنَدِهِ، وَفِيهِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا كَانَتْ هُدْنَةُ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجْتُ تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ بِمَكَّةَ امْرَأَةً وَلا رَجُلا إِلا قَدْ حَمَّلَنِي بِضَاعَةً. فَقَدِمْتُ غَزَّةَ، وَذَلِكَ حِينَ ظَهَرَ قَيْصَرُ عَلَى مَنْ كَانَ بِبِلادِهِ مِنَ الْفُرْسِ، فَأَخْرَجَهُمْ مِنْهَا، وَرَدَّ عَلَيْهِ صَلِيبَهُ الأَعْظَمَ.
وَكَانَ مَنْزِلُهُ بِحِمْصَ فَخَرَجَ منها متشكرا إلى بيت المقدس، تبسط له البسط، وتطرح لَهُ عَلَيْهَا الرَّيَاحِينُ. حَتَّى انْتَهَى إِلَى إِيلِيَاءَ، فصلى بها.
فأصبح ذات غداة مهموما يقلب طرفه إلى السماء، فقالت له بطارقته: أيها الملك، لقد أصبحت مَهْمُومًا. فَقَالَ: أَجَلْ. قَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أُرِيتُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ أَنَّ مَلَكَ الْخِتَانِ ظَاهِرٌ. فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تَخْتَتِنُ إِلا يَهُودَ، وَهُمْ تَحْتَ يَدِكِ وَفِي سُلْطَانِكَ. فَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ هَذَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُمْ، فَابْعَثْ فِي مَمْلَكَتِكَ كُلِّهَا فَلا يَبْقَى يَهُودِيٌّ إِلا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ فَتَسْتَرِيحُ مِنْ هَذَا الْهَمِّ.
فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ إِذْ أَتَاهُمْ رَسُولُ صَاحِبِ بُصْرَى بِرَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ قَدْ وَقَعَ إِلَيْهِمْ. فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، هَذَا رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الشَّاءِ وَالإِبِلِ، يُحَدِّثُكَ عَنْ حَدَثٍ كَانَ بِبِلادِهِ، فَسَلْهُ عَنْهُ. فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُ: مَا هَذَا الْخَبَرُ الَّذِي كَانَ فِي بِلادِهِ؟ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ خَرَجَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَقَدْ تَبِعَهُ أَقْوَامٌ وَخَالَفَهُ آخَرُونَ، فَكَانَتْ بَيْنَهُمْ مَلاحِمُ.
فَقَالَ: جَرِّدُوهُ. فَإِذَا هُوَ مَخْتُونٌ، فَقَالَ: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي أُرِيتُ، لا مَا تَقُولُونَ. ثُمَّ دَعَا صَاحِبَ شُرْطَتِهِ فَقَالَ لَهُ: قَلِّبْ لِي الشَّامَ ظَهْرًا وَبَطْنًا حَتَّى تَاتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ قَوْمِ هَذَا أَسْأَلُهُ عَنْ شَانِهِ.
فَوَاللَّهِ، إِنِّي وَأَصْحَابِي لَبِغَزَّةَ إِذْ هَجَمَ عَلَيْنَا فَسَأَلَنَا: مِمَّنْ أَنْتُمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ، فَسَاقَنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا. فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِنْ رَجُلٍ قَطُّ أَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ أَدْهَى مِنْ ذَلِكَ الأَغْلَفِ، يَعْنِي هِرَقْلَ.
فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ قَالَ: أَيُّكُمْ أَمَسُّ بِهِ رَحِمًا؟ فَقُلْتُ: أَنَا. قَالَ:
أَدْنُوهُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ كِتَابًا. وفيه كما ترى أشياء عجيبة ينفرد بِهَا ابْنُ إِسْحَاقَ دُونَ مَعْمَرٍ وَصَالِحٍ.
وَقَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أُسْقُفٌّ مِنَ النَّصَارَى قَدْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ دِحيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ عَلَى هِرقْلَ بِالْكِتَابِ، وَفِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عظيم الروم: سلام عَلَى من اتَّبع الْهُدَى. أما بعدُ فأسلم تسلم، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِنَّ إِثْمَ الأَكَّارِينَ عَلَيْكَ.
فَلَمَّا قَرَأَهُ وَضَعَهُ بَيْنَ فَخْذِهِ وَخَاصِرَتِهِ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ رُومِيَّةَ، كَانَ يَقْرَأُ مِنَ الْعَبْرَانِيَّةِ مَا يَقْرَأُ، يُخْبِرُهُ عَمَّا جَاءَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي يُنْتَظَرُ لا شَكَّ فِيهِ فَاتَّبَعَهُ.
فَأَمَرَ بِعُظَمَاءِ الرُّومِ فَجُمِعُوا لَهُ فِي دَسْكَرَةِ مُلْكِهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فأُشْرِجَتْ عَلَيْهِمْ، وَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ عِلِّيَّةٍ لَهُ، وَهُوَ مِنْهُمْ خَائِفٌ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، إِنَّهُ قَدْ جَاءَنِي كِتَابُ أَحْمَدَ، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَلنَّبِيُّ الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُ وَنَجِدُ ذِكْرَهُ فِي كِتَابِنَا، نَعْرِفُهُ بِعَلامَاتِهِ وَزَمَانِهِ؛ فَأَسْلِمُوا وَاتَّبِعُوهُ تَسْلَمْ لَكُمْ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتُكُمْ!
فَنَخَرُوا نَخْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَابْتَدَرُوا أَبْوَابَ الدسكرة، فوجدوها مغلقة دونهم، فَخَافَهُمْ، فَقَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ. فَكَرُّوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّمَا قُلْتُ لَكُمْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَغْمِزُكُمْ بِهَا؛ لأَنْظُرَ كَيْفَ صَلابَتُكُمْ فِي دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْت مِنْكُمْ مَا سَرَّنِي. فَوَقَعُوا لَهُ سُجَّدًا، ثُمَّ فُتِحَتْ لَهُمُ الأَبْوَابُ فَخَرَجُوا.