83 جامع الأجوبة الفقهية ص136
– بإشراف ناصر الريسي
وسعيد الجابري
وسيف الكعبي
—-‘—-‘—-
– مسألة: حكم الاستنثار.
—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—
– تعريف الاستنثار:
– الاستنثار في اللغة: هو نثر ما في الأنف من مخاط وغيره بالنفس،
واستنثر الإنسان: استنشق الماء، ثم استخرج ذلك بنفس الأنف.
المرجع: (لسان العرب، والمصباح مادة (نثر).
– وأما اصطلاحاً:
فالاستنثار: هو استفعال من النثرة بالنون المثلثة، وهو طرح الماء الذي يستنشقه المتوضئ بريح أنفه، سواء كان بإعانة يده أم لا.
(فتح الباري (161).
– وعند المالكية: إن نزل الماء بنفسه – فلا يسمى هذا استنثارا بناء على أن وضع الإصبعين من تمام السنة، وقيل: إن ذلك مستحب.
ويذكر الشافعية والحنابلة والمالكية أنه يستحب اليد اليسرى للانتثار.
(حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 39 ورد المحتار 1/ 85، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 1/ 97 – 98، والشرح الصغير مع حاشية الصاوي 1/ 120، ومغني المحتاج 1/ 58 وكشاف القناع 1/ 94)
– وقال ابن الأعرابي ابن قتيبة: الاستنثار: هو الاستنشاق (شرح النووي على مسلم (3/ 104).).وحديث عبد الله بن زيد جمع بينهما ففيه …. (ثم أدخل يده في التور، فمضمض واستنشق واستنثر ثلاث غرفات ….. ) الحديث. صحيح البخاري (186)، ومسلم (235) فجمع في الحديث بين الاستنشاق والاستنثار، ولو كانا واحد لم يجمع بينهما.
قلت سيف: قرر ابن قدامه أن الاستنثار يستعمل ويراد به الاستنشاق؛ لأنه من لازمه
– قلت (سعيد): أن جمهور أهل اللغة والفقهاء والمحدثون قالوا الاستنثار هو إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق وهو مأخوذ من النثرة وهو طرف الأنف.
راجع: تعليقات الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي على مسلم
– حكم الاستنثار:
وقد اختلف الفقهاء في حكم الاستنثار على قولين:
– القول الأول: سنة،
وهو مذهب الجمهور
راجع (الموسوعة الفقهية الكويتية – 43/ 360).
– وقال الشيخ عبدالله البسام: استحباب الاستنثار بعد الاستنشاق؛ قال العلماء: ويجوز بلعه. (توضيح الأحكام)
– وقيل: هو واجب، وهو أختيار أحمد وإسحاق، وأبو عبيد وأبو ثور، وابن المنذر وابن حزم (المحلى (1/ 296)، (نيل الأوطار (1/ 177).
قال ابن حجر:
قوله (فليستنثر) ظاهر الأمر أنه للوجوب فيلزم من قال بوجوب الاستنشاق لورود الأمر به كاحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وبن المنذر أن يقول به في الاستنثار وظاهر كلام صاحب المغني يقتضي إنهم يقولون بذلك وأن مشروعية الاستنشاق لاتحصل الا بالاستنثار وصرح بن بطال بان بعض العلماء قال بوجوب الاستنثار وفيه تعقب على من نقل الإجماع على عدم وجوبه.
– وكونه فرض هو اختيار ابن حزم.
– وقال الإمام الصنعاني في التنوير:
وظاهر الأمر الوجوب للاستنثار وقد ذهب إليه أئمة
قال ابن عبدالبر المالكي:
واختلف العلماء فيمن ترك الاستنشاق والاستنثار في وضوئه ناسيا أو عامدا أعاد الوضوء وبه قال أبو ثور وأبو عبيد في الاستنثار خاصة دون المضمضة وهو قول داود في الاستنثار خاصة.
(الاستذكار) (ج1 ص135)
وقال ايضا في التمهيد: ( … فكان أحمد بن حنبل يذهب إلى أن من ترك الاستنثار في الوضوء ناسيا أو عامدا أعاد الوضوء والصلاة وبه قال أبو ثور وأبو عبيد في الاستنثار خاصة وهو قول داود في الاستنثار خاصة).
قال ابن هبيرة في كتابه الإفصاح:
وقوله: (فلينتثر)، يدل على وجوب الاستنثار؛ لأنه ذكره بلام الوجوب، والاستنثار: إيصال الماء إلى النثرة، وهو طرف الأنف.
وقال الإمام تاج الدين الفاكهاني في رياض الافهام شرح عمدة الأحكام: وذهب أحمد، وإسحاق، وأبو ثور إلى وجوب الاستنثار فيهما دون المضمضة؛ بدليل هذا) الحديث.
(انظر: إكمال المعلم للقاضي عياض ((2) / (30)). انتهى نقل سعيد
– أدلة أصحاب القول الأول: إن الاستنثار سنة.
– الدليل الأول: الأمر مصروف للإستحباب
ففي حديث سلمة بن قيس قال صلى الله عليه وسلم: (إذا استنشقت فانتثر)
أخرجه الترمذي،
وقال: حديث حسن صحيح.
– قلت: (سعيد) لم أقف بهذا هذا اللفظ عند الترمذي إذا (استنشقت) …. فعند الترمذي: إذا توضأت فانتثر.
وصححه الشيخ مقبل في بهذا اللفظ في المسند الصحيح (رقمه:448)
ثم وجدت الحديث باللفظ المذكورعند الطبراني كما هو في صحيح الجامع رقمه: (327 133)
إذا استنشقت فاستنثر وإذا استجمرت فأوتر.
(صحيح) …
[طب]
عن سلمة بن قيس. صحيح السنن 128.
قالوا أن الأمر في قوله: (فليستنثر) للندب بما حسنه الترمذي وصححه الحاكم قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: توضأ كما أمرك الله فأحاله على الآية، وليس فيها ذكر الاستنثار.
– قال الحافظ: وأجيب بأنه يحتمل أن يراد بالأمر ما هو أعم من آية الوضوء فقد أمر الله سبحانه بطاعة نبيه، وهو المبين عن الله أمره. ولم يحك أحد ممن وصف وضوءه عليه الصلاة والسلام على الاستقصاء أنه ترك الاستنشاق بل ولا المضمضة، وهو يرد على من لم يوجب المضمضة أيضًا، وقد ثبت الأمر بها في سنن أبي داود بإسناد صحيح [(143) في الطهارة باب في الاستنثار). اهـ
(فتح البارى) (1/ 262).
– دليل من قال: الاستنثار واجب.
عن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء، ثم لينثر. البخاري (162) ومسلم (237) ..
والأصل في الأمر الوجوب.
– قال ابن عبد البر: وحجة من فرق بين المضمضة والاستنشاق أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل المضمضة ولم يأمر بها، وأفعاله مندوب إليها، ليست بواجبة إلا بدليل، وفعل الاستنثار وأمر به، وأمره على الوجوب أبداً، إلا أن يتبين غير ذلك من مراده ا. هـ
المرجع: (التمهيد كما في فتح البر (3/ 208).
– قلت (ناصر): الفعل المضارع المقرون بلام الأمر من صيغ الأمر التي تدل في الأصل على الوجوب كما هو متقرر عند علماء الأصول.
– وحاول النووي أن يحمل الأمر على الاستحباب، مع أنه خلاف الأصل، فقال: من لم يوجبه حمل الأمر على الندب، بدليل أن المأمور به حقيقة وهو الانتثار ليس بواجب بالاتفاق، فإن قالوا: ففي الرواية الأخرى: إذا توضأ فليستنشق بمنخريه من الماء ثم لينتثر، فهذا فيه دلالة ظاهرة للوجوب، لأن حمله على الندب محتم ليجمع بينه وبين الأدلة الدالة على الاستحباب”.
وتعقب الشوكاني في النيل (نيل الأوطار (1/ 177) دعوى النووي حكاية الإجماع على أن الانتثار ليس بواجب فقال: ذهب أحمد، وإسحاق، وأبو عبيد وأبو ثور، وابن المنذر، ومن أهل البيت الهادي، والقاسم، والمؤيد بالله إلى وجوب المضمضة والاستنشاق والاستنثار، وبه قال ابن أبي ليلى، وحماد بن سليمان”.
ثم قال الشوكاني: وما نقل من الإجماع على عدم وجوب الاستنثار متعقب بهذا.
‘—-‘—-‘—-‘—‘—‘—-‘
– قلت سعيد: واذا كان ترجح عندي بوجوب الاستنشاق في الوضوء فلا يبعد أن يكون الاستنثار منه، وخاصة أن الأمر فيه محفوظ. والله اعلم.
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
قلت سيف: ممن نقل الاتفاق على عدم وجوب الانتثار ابن الملقن في الإعلام بفوائد عمدة الأحكام 1/ 262: حيث نقل الخلاف في وجوب الاستنشاق واستحبابه ودلل أن الأمر مصروف للاستحباب بدليل حديث الأعرابي وأن المأمور به حقيقة الإنتثار وليس بواجب اتفاقا.
وسبق نقل تعقيب ابن حجر على هذا الاستدلال
قال باحث: إذا أمعنا النظر وجدنا أن من رجح أحاديث إيجاب المضمضة والإستنشاق والإستنثار أقرب للصواب، وذلك لأمور:
1 – أن أحاديثهم جاءت صريحة، منها الصحيح، ومنها الحسن، فحديث أبي هريرة ورد فيه” فليستنثر”، وهذا أمر والأصل في الأمر الوجوب ما لم يصرفه عنه صارف، وليس ثمة صارف صحيح وصريح.
2 – أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واظب عليها، كما نقل ذلك عنه كل مستقص لوضوئه.
3 – أن ما أمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعد مما أمر الله به، بدليل قوله تعالى:” وما آتاكم الرسول فخذوه”.
لذا فإذا قال صلى الله عليه وسلم:” إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عز وجل”، فيدخل في ذلك ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4 – أن المضمضة والاستنشاق والاستنثار تدخل في الوجه وتعد منه.
5 – أن الاستدلال بأحاديث عدم الوجوب لا يخلو من طعن إما في الدليل فيكون ضعيفاً كحديث “المضمضة والاستنشاق سنة” أو يكون وجه الدلالة غير صريح كالاستدلال بحديث” توضأ كما أمرك الله” أو ” إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله”، فالاقتصار على ما ورد في الآية وانصراف الوجوب إلى ما ورد فيها فقط دون ما ثبت من أمره -صلى الله عليه وسلم-؛ أمر مخالف للمنهج الأصولي السليم، فلا يقال: إن ما أمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقل مما أمر به الله، لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يأمر إلا بما أمره الله به.
وكذلك وجه الدلالة من حديث “عشر من الفطرة .. ” وورد فيها المضمضة والاستنشاق، فهذا استدلال من وجه ضعيف، فقد ورد في هذه العشر ما هو واجب كالاختتان.
إضافة إلى ما رد به الحافظ ابن حجر من أن السنن ليس المقصود بها المعنى الاصطلاحي، وإنما المقصود بها من هدي المرسلين، وهذه العشر تختلف في أحكامها.
وقد يرد على قوله” من الوضوء الذي لا تتم الصلاة إلا به” قول أن الصلاة بغير وضوء تكون صحيحة إلا أنها غير تامة، فهو على هذا الحديث سنة لا واجب.
وأيضاً فإنه قد يقال: إن الاستدلال بحديث” من الوضوء الذي لابد منه” على أن المضمضة وغيرها واجب ليس بصحيح، وذلك أن الضمير في “منه” عائد على الوضوء، والوضوء واجب للصلاة لابد منه، أما المضمضة وغيرها فإنها من الوضوء ولا يلزم كونها من الوضوء أن تكون واجبة، بل يجوز أن تسمى من الوضوء مع أنها سنة. والله أعلم.
تنبيه: يقول صاحب موسوعة أحكام الطهاره لم أقف لأحمد أنه يقول بوجوب الاستنثار في كتب الحنابلة أما أبوعبيد فالموجود في كتابه الطهور ص337 وجوب المضمضة والاستنشاق آكد.
قلت سبق نقل ابن حجر أن من لازم القول بوجوب الاستنشاق وجوب الاستنثار فقال: قوله (فليستنثر) ظاهر الأمر أنه للوجوب فيلزم من قال بوجوب الاستنشاق لورود الأمر به كاحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وبن المنذر أن يقول به في الاستنثار