9 الأجوبة المفيدة في مسائل العقيدة
جمع حسين البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———-
نزول عيسى عليه الصلاة والسلام
تمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام وجعلنا من المنقادين لنصوص الوحيين والصلاة والسلام على الرسول الأمين الذي أخبرنا بأمارات الساعة وبين لنا ما سيكون من الأمر العظيم أما بعد
فهذا بحث في بيان نزول عيسى عليه السلام في آخر زمان ولو لم يكن في الباب إلا حديث واحد لاكتفينا بذلك وآمن به إتباعا لطريقة السابقين الأولين في الإيمان بالرسول الأمين وما جاء عن سيد العالمين فكيف وقد تواترت الأحاديث في ذلك فكيف ينكرها من يؤمن بالله واليوم الآخر بل كيف ينكرها من يزعم أنه من أهل العلم ويزعم أنه يحب محمد بن عبد الله خليل رب العالمين!!
لكن من ترك الإتباع والتحق بطريق أهل الابتداع فلابد أن يهلك مع الهالكين ويطعن في الدين
ومبحث أشراط الساعة مبحث هام ينبغي معرفته وذلك يرجع إلى عدة أمور:
تصديق النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به
ومنها الحذر مما حذر منه كالدجال
ومنها اجتناب الفتن
ومنها أنها غيب والإيمان كله إيمان بالغيب الذي جاء في النصوص.
ومنها: أن من أركان الإيمان الإيمان باليوم الآخر ومقدمات اليوم الآخر وأشراط الساعة التي ثبتت في الكتاب والسنة فإن الإيمان بها واحب إذا بلغ المسلم الخبر في ذلك فيجب عليه التصديق بالغيب والإيمان به.
ومنها: مخالفة الطوائف الضالة الذين لا يؤمنون بما يخالف ما دلهم عليه عقلهم الفاسد فإن طوائف أنكرت وجود الدجال وطوائف أنكرت نزول عيسى عليه السلام وطوائف أنكرت طلوع الشمس من مغربها ونحو ذلك مما ليس مألوفا لهم ولا يدخل في السنن فنفوه لأجل ذلك.
وأهل السنة باب الغيب عندهم باب واحد فما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يجب الإيمان به.
ومنها: أنها تدل على صدقه صلى الله عليه وسلم وأنه نبي من الأنبياء فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم ولا يزال تقع الأمور التي أخبر بها.
ومنها: أنها تدل على أن الساعة لا ريب فيها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بحدوث هذه الأمور وحدوثها حصل وكان حقا كماأخبر به صلى الله عليه وسلم
لهذا كان التحديث بأشراط الساعة الصغرى والكبرى وذكرها مما يقوي اليقين ويقوي الإيمان وهو من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
إلأا أنه ينبغي التفطن إلى أن الكثيرين أخذوا النصوص الواردة في ذلك وصاروا يطبقونها على واقع قد يشابهها من وجه دون وجه وفي ذلك محذورات:
1_ القول على الله بغير علم وهو محرم.
2_ إيجاد مجال للطعن في الدين من قبل أعدائه إذا لم يتحقق الذي زعموا أنه المقصود بالنص الوارد
3_ ترك ما أمرنا به من أعداد العدة والعمل ونحو ذلك.
وأشراط الساعة هي العلامات التي تظهر تدل على قرب قيام الساعة
وقد قسم العلماء أشراط الساعة إلى ثلاثة أقسام:
1_ العلامات الصغرى: وهذه حصلت وانقضت
2_ العلامات الوسطى: وهذه ما تزال تحدث
3_ العلامات الكبرى: من خروج الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام ونحوها.
ومن أهل العلم من يقول أنها على قسمين:
كبرى وصغرى وتعريف الأشراط الصغرى هو:
ما دل الدليل على أ، ه من علامات قرب الساعة وليس من العشر الآيات التي جاءت في الحديث أنها تكون بين يدي الساعة.
فنزول عيسى عليه السلام من علامات الساعة الكبرى التي دلت النصوص الصحيحة عليها
وقد رفع الله عز وجل عيسى عليه السلام وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وينزل في آخر الزمن ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ويمكث في الأرض سبع سنين ثم يموت عليه الصلاة والسلام كما مات غيره من الأنبياء والرسل.
الأدلة من الكتاب على نزول عيسى عليه السلام
1_ قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} وفي القراءة الأخرى {وإنه لَعَلَم للساعة} بفتح العين واللام
قرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة والأعمش: (وإنه لَعَلَمٌ للساعة)؛ بفتح اللام والعين (إتحاف الجماعة) أي: أمارة وعلامة على اقتراب الساعة.
قال ابن الجوزي في “زاد المسير” 7/ 325: قرأ الجمهور “لَعِلْم” بكسر العين وتسكين اللام، وقرأ ابن عباس وأبو رزين وأبو عبد الرحمن وقتادة وحميد وابن محيصن بفتحهما. قال ابن قتيبة: من قرأ بكسر العين، فالمعنى أنه يعلم به قرب الساعة، ومن فتح العين واللام، فإنه بمعنى العلامه والدليل اهـ.
قال الصحابي عبد الله بن عباس ترجمان القرآن:
هو خروج عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة اهـ أخرجه الإمام أحمد في المسند , وابن جرير الطبري في التفسير , وابن أبي شيبة في المصنف.
وفي رواية (نزول) والأثر عنه في غاية الصحة.
ولو لم يكن عندنا من الأحاديث والآثار إلا هذا لكان كافيا.
وروى عبد بن حميد عن أبي هريرة رضي الله عنه: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ}؛ قال: “خروج عيسى، يمكث في الأرض أربعين سنة، تكون تلك الأربعون كأربع سنين؛ يحج ويعتمر”.
وعن أبي مالك وعوف عن الحسن أنهما قالا في قوله: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) قالا نزول عيسى ابن مريم وقرأها أحدهما”وَإِنَّهُ لَعَلْمٌ للسَّاعَةِ”. (تفسير الطبري)
وعن مجاهد، قوله: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) قال: آية للساعة خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة (تفسير الطبري)
وعن قتادة”وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ للسَّاعَةِ” قال: نزول عيسى ابن مريم علم للساعة: القيامة. (تفسير الطبري)
وعن السديّ (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) قال: خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة. (تفسير الطبري)
وعن الضحاك يقول في قوله: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) يعني خروج عيسى ابن مريم ونزوله من السماء قبل يوم القيامة (تفسير الطبري)
وعن ابن زيد، في قوله: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) قال: نزول عيسى ابن مريم علم للساعة حين ينزل (تفسير الطبري)
ونقله ابن كثير عن أبي العالية (تفسير القران العظيم)
ونقله عن عكرمة (تفسير القرآن العظيم)
وأما من قال أن المقصود هو القرآن فقد أبعد جدا
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:
الصحيح أنه عائد على عيسى [عليه السلام]، فإن السياق في ذكره، ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة، كما قال تبارك وتعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} أي: قبل موت عيسى، عليه الصلاة والسلام، ثم {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159]، ويؤيد هذا المعنى القراءة الأخرى: “وإنه لعَلَم للساعة” أي: أمارة ودليل على وقوع الساعة اهـ (تفسير القرآن العظيم)
فالتَّحْقِيقُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: (وَإِنَّهُ) رَاجِعٌ إِلَى عِيسَى لَا إِلَى الْقُرْآنِ، وَلَا إِلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْحَقِّ الصَّحِيحِ الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ وَالسُّنَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ – هُوَ أَنَّ نُزُولَ عِيسَى فِي آخِرِ الزَّمَانِ حَيًّا عِلْمٌ لِلسَّاعَةِ، أَيْ عَلَامَةٌ لِقُرْبِ مَجِيئِهَا ; لِأَنَّهُ مِنْ أَشْرَاطِهَا الدَّالَّةِ عَلَى قُرْبِهَا.
وَإِطْلَاقُ عِلْمِ السَّاعَةِ عَلَى نَفْسِ عِيسَى – جَارٍ عَلَى أَمْرَيْنِ، كِلَاهُمَا أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ نُزُولَ عِيسَى الْمَذْكُورَ لَمَّا كَانَ عَلَامَةً لِقُرْبِهَا، كَانَتْ تِلْكَ الْعَلَامَةُ سَبَبًا لِعِلْمِ قُرْبِهَا، فَأُطْلِقَ فِي الْآيَةِ الْمُسَبَّبُ وَأُرِيدُ السَّبَبُ.
وَإِطْلَاقُ الْمُسَبَّبِ وَإِرَادَةُ السَّبَبِ – أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ – تَعَالَى -: وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا. فَالرِّزْقُ مُسَبَّبٌ عَنِ الْمَطَرِ، وَالْمَطَرُ سَبَبُهُ، فَأُطْلِقَ الْمُسَبَّبُ الَّذِي هُوَ الرِّزْقُ وَأُرِيدَ سَبَبُهُ الَّذِي هُوَ الْمَطَرُ، لِلْمُلَابَسَةِ الْقَوِيَّةِ الَّتِي بَيْنَ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَلَاغِيِّينَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ نَوْعِ مَا يُسَمُّونَهُ الْمَجَازَ الْمُرْسَلَ، وَأَنَّ الْمُلَابَسَةَ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ مِنْ عَلَاقَاتِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ عِنْدَهُمْ.
وَالثَّانِي مِنَ الْأَمْرَيْنِ: أَنَّ غَايَةَ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَالتَّقْدِيرُ: وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِلسَّاعَةِ، أَيْ وَإِنَّهُ لَصَاحِبُ إِعْلَامِ النَّاسِ بِقُرْبِ مَجِيئِهَا، لِكَوْنِهِ عَلَامَةً لِذَلِكَ، وَحَذْفُ الْمُضَافِ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ – كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ: وَمَا يَلِي الْمُضَافَ يَاتِ خَلَفًا عَنْهُ فِي الْإِعْرَابِ إِذَا مَا حُذِفَا
وَهَذَا الْأَخِيرُ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ وَجَّهَ بِهِمَا عُلَمَاءُ الْعَرَبِيَّةِ النَّعْتَ بِالْمَصْدَرِ، كَقَوْلِكَ: زَيْدٌ كَرَمٌ وَعَمْرٌو عَدْلٌ، أَيْ ذُو كَرَمٍ وَذُو عَدْلٍ، كَمَا قَالَ – تَعَالَى -: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ. وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ: وَنَعَتُوا بِمَصْدَرٍ كَثِيرًا فَالْتَزَمُوا الْإِفْرَادَ وَالتَّذْكِيرَا
أَمَّا دَلَالَةُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الصَّحِيحِ فَفِي قَوْلِهِ – تَعَالَى – فِي سُورَةِ ” النِّسَاءِ “: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ أَيْ لَيُؤْمِنَنَّ بِعِيسَى قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى، وَذَلِكَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ عِيسَى حَيٌّ وَقْتَ نُزُولِ آيَةِ ” النِّسَاءِ ” هَذِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَمُوتُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِهِ أَهْلُ الْكِتَابِ كما سنقرره في الآية القادمة إن شاء الله.
2_ قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}
عن ابن عباس قوله: وان من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته قال: قبل موت عيسى عليه السلام (حدثنا أحمد بن سنان، ثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي-تابعه وكيع ايضا عند الطبري-، عن سفيان- هو ابن عيينة- عن ابن حصين –هو أبو حصين عثمان بن عاصم بن حصين ثقة ثبت-، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قوله: وان من اهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته قال: قبل موت عيسى عليه السلام., تفسير ابن أبي حاتم)
أما ما جاء عن ابن عباس في تفسير ابن أبي حاتم أنه قال قبل موت اليهودي ففيه بشر بن عمارة الخثعمى ضعيف
وأما ما جاء عنه رضي الله عنه في تفسير الطبري أنه قال: لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى فهي من الطريق المشهور عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ومعلوم أنه لم يسمع من ابن عباس التفسير واختلف ممن سمع التفسير على كل حال يقبل تفسيره إذا لم يخالف أما إذا خالف من هو احفظ عنه فلا يؤخذ منه يقول الإمام أحمد له أشياء منكرات اهـ.
وله إسناد آخر وفيه خصيف بن عبد الرحمن الجزرى صدوق سيئ الحفظ
وفيه عتاب بن بشر صدوق يخطئ وروايته عن خصيف منكرة
عن الإمام أحمد بن حنبل: أحاديث عتاب عن خصيف
منكرة.
إلا أنه جاء بإسنادين صحيحن عن عكرمة عن ابن عباس
والأول أصح وأقوى
ومما يقوي هذا ما جاء عن الإمام أحمد قال عبد الله ابنه:
سألت أبي عن هذه الآية فقال: ابن عباس وغيره قالوا: عيسى ثم تلا {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه} الآية قال: فهذا يدل على أنه عيسى ليس هو محمدا صلى الله عليه وسلم وإنما هو عيسى (مسائل عبد الله:441 وأخرجه الخلال في أحكام أهل الملل:35)
والحمد لله وقفت على كلام الحافظ ابن كثير رحمه الله يؤيد ما نقلناه وقررناه عن ابن عباس.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
قال ابن جرير في تفسيره: حدثنا بن يسار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: ” وإنْ مِنْ أهل الكِتَابِ إِلاَّ ليُؤمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْته ” قال: قبل موت عيسى ابن مريم.
وهذا اسناد صحيح وكذا ذكر العوفي عن ابن عباس.
-ثم ذكر من قال بهذا ثم قال-
وقد روي عن ابن عباس وغيره أنه أعاد الضمير في قوله قبل موته على أهل الكتاب، وذلك لو صح لكان منافياً لهذا، ولكن الصحيح من المعنى والإسناد ما ذكرناه وقد قررناه في كتاب التفسير بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة اهـ (النهاية في الفتن والملاحم: 63)
وهو أيضا قول أبي هريرة رضي الله عنه.
وعن أبي مالك – رحمه الله – في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} قال: ” ذلك عند نزول عيسى ابن مريم عليه السلام، لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمن به ” (تفسير الطبري)
قال الإمام ابن أبي حاتم رحمه الله: وروي عن أبي هريرة ومجاهد، والحسن، وقتادة نحو ذلك اهـ (تفسيره)
وعن جويرية بن بشير قال: سمعت رجلا قال للحسن: يا أبا سعيد قول الله تعالى وان من اهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته قال: قبل موت عيسى ان الله رفع اليه عيسى، وهو باعثه قبل يوم القيامة مقاما يؤمن به البر والفاجر (تفسير ابن أبي حانم)
وعن الحسن في قوله:”وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته”، قال: قبل موت عيسى. والله إنه الآن لحيٌّ عند الله، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون (تفسير الطبري وإسناده في غاية الصحة)
وعن قتادة في قوله:”وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته”، يقول: قبل موت عيسى (تفسير الطبري)
وعن ابن زيد في قوله:”وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته”، قال: إذا نزل عيسى ابن مريم فقتل الدجال، لم يبق يهوديٌّ في الأرض إلا آمن به. قال: فذلك حين لا ينفعهم الإيمان (تفسير الطبري)
يقول الحافظ ابن كثير – رحمه الله -: ” ولا شك أن هذا هو الصحيح؛ لأنه المقصود من سياق الآي في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه، وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة ذلك، فأخبر الله أنه لم يكن الأمر كذلك، وإنما شبه لهم، فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك، فأخبر الله أنه رفعه إليه، وأنه باق حي، وأنه سينزل قبل يوم القيامة، كما دلت عليه الأحاديث المتواترة التي سنوردها إن شاء الله قريبا، فيقتل مسيح الضلالة، ويكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، يعني: لا يقبلها من أحد من أهل الأديان، بل لا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فأخبرت هذه الآية الكريمة أنه يؤمن به جميع أهل الكتاب حينئذ ولا يتخلف عن التصديق به واحد منهم ” (تفسير القرآن العظيم)
يقول الإمام الطبري رحمه الله:
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصحة والصواب، قول من قال: تأويل ذلك:”وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى” اهـ.
وهو قول أكثر أهل العلم وأهل التفسير على أنَّ المقصود به {قَبْلَ مَوْتِهِ} يعني قبل موت عيسى ابن مريم لأنَّ سياق الآية والآيات قبلها يدل على ذلك، وظاهرها أيضاً وهو قوله {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ}، يعني بعيسى ابن مريم عليه السلام، {قَبْلَ مَوْتِهِ}، يعني موت عيسى أيضاً ابن مريم عليه السلام.
فالقول بأن الضَّمِير رَاجِع إِلَى عِيسَى، يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ، دُونَ الْقَوْلِ الْآخَرِ
لِأَنَّهُ أَرْجَحُ مِنْهُ مِنْ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ تَنْسَجِمُ الضَّمَائِرُ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ.
وَالْقَوْلُ الْآخَرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ.
وَإِيضَاحُ هَذَا أَنَّ اللَّهَ – تَعَالَى – قَالَ: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ – تَعَالَى -: وَمَا قَتَلُوهُ، أَيْ عِيسَى، وَمَا صَلَبُوهُ أَيْ عِيسَى، وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ أَيْ عِيسَى، وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَيْ عِيسَى، لَفِي شَكٍّ مِنْهُ أَيْ عِيسَى، مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ أَيْ عِيسَى، وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا أَيْ عِيسَى، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ يْ عِيسَى، وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ أَيْ عِيسَى، قَبْلَ مَوْتِهِ أَيْ عِيسَى، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا أَيْ يَكُونُ هُوَ – أَيْ عِيسَى – عَلَيْهِمْ شَهِيدًا.
فَهَذَا السِّيَاقُ الْقُرْآنِيُّ الَّذِي تَرَى – ظَاهِرٌ ظُهُورًا لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ، فِي أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: (قَبْلَ مَوْتِهِ) رَاجِعٌ إِلَى عِيسَى.
الْوَجْهُ الثَّانِي: مِنْ مُرَجِّحَاتِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الصَّحِيحِ، فَمُفَسِّرُ الضَّمِيرِ مَلْفُوظٌ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي قَوْلِهِ – تَعَالَى -: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَمُفَسِّرٌ الضَّمِيرِ لَيْسَ مَذْكُورًا فِي الْآيَةِ أَصْلًا، بَلْ هُوَ مُقَدَّرٌ، تَقْدِيرُهُ: مَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَحَدٌ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ، أَيْ مَوْتِ أَحَدِ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّرِ.
وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ أَرْجَحَ وَأَوْلَى مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنْ مُرَجِّحَاتِ هَذَا الْقَوْلِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ تَشْهَدُ لَهُ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَدْ تَوَاتَرَتْ عَنْهُ الْأَحَادِيثُ بِأَنَّ عِيسَى حَيٌّ الْآنَ، وَأَنَّهُ سَيَنْزِلُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حَكَمًا مُقْسِطًا. وَلَا يُنْكِرُ تَوَاتُرَ السُّنَّةِ بِذَلِكَ إِلَّا مُكَابِرٌ.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا الْقَوْلَ الصَّحِيحَ وَنَسَبَهُ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ – مَا نَصُّهُ: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْحَقُّ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ بَعْدُ بِالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ – إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى – ا هـ.
وَقَوْلُهُ: بِالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ – يَعْنِي السُّنَّةَ الْمُتَوَاتِرَةَ ; لِأَنَّهَا قَطْعِيَّةٌ، وَهُوَ صَادِقٌ فِي ذَلِكَ وسيأتي النقل عنه وعن غيره في تواتر النصوص.
وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: قَبْلَ مَوْتِهِ رَاجِعٌ إِلَى الْكِتَابِ – فَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: هُوَ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ الصَّحِيحَ وَاضِحٌ لَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَاوِيلٍ وَلَا تَخْصِيصٍ، بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْآخَرِ، فَهُوَ مُشْكِلٌ لَا يَكَادُ يَصْدُقُ إِلَّا مَعَ تَخْصِيصٍ، وَالتَّاوِيلَاتُ الَّتِي يَرْوُونَهَا فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –وقد جاء عنه ما يوافق ما قررناه وهو أولى بالقبول لموافقة ظاهر القرآن- وَغَيْرِهِ ظَاهِرَةُ الْبُعْدِ وَالسُّقُوطِ ; لِأَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: قَبْلَ مَوْتِهِ رَاجِعٌ إِلَى عِيسَى، فَلَا إِشْكَالَ وَلَا خَفَاءَ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى تَاوِيلٍ، وَلَا إِلَى تَخْصِيصٍ.
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الْكِتَابِيِّ فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ جِدًّا بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ مَنْ فَاجَأَهُ الْمَوْتُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَالَّذِي يَسْقُطُ مِنْ عَالٍ إِلَى أَسْفَلَ، وَالَّذِي يُقْطَعُ رَاسُهُ بِالسَّيْفِ وَهُوَ غَافِلٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ فِي نَوْمِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا يَصْدُقُ هَذَا الْعُمُومُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، إِلَّا إِذَا ادَّعَى إِخْرَاجَهُمْ مِنْهُ بِمُخَصِّصٍ.
وَلَا سَبِيلَ إِلَى تَخْصِيصِ عُمُومَاتِ الْقُرْآنِ إِلَّا بِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ مِنَ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ أَوِ الْمُنْفَصِلَةِ.
(أضواء البيان للعلامة الشنقيطي مع تصرف وزيادة)
الوجه الخامس: قول قبل موت اليهودي ضعيف كما قيل أنه قبل موت محمد صلى الله عليه وسلم وهو أضعف فإنه لو آمن به قبل الموت لنفعه إيمانه به فإن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر
وإن قيل المراد به الإيمان الذي يكون بعد الغرغرة لم يكن في هذا فائدة
فإن كل أحد بعد موته يؤمن بالغيب الذي كان يجحده فلا اختصاص للمسيح به
ولأنه قال قبل موته ولم يقل بعد موته ولأنه لا فرق بين إيمانه بالمسيح وبمحمد صلوات الله عليهما وسلامه واليهودي الذي يموت على اليهودية يموت كافرا بمحمد والمسيح عليهما الصلاة والسلام
الوجه السادس: ولأنه قال {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته}
وقوله {ليؤمنن به} فعل مقسم عليه وهذا إنما يكون في المستقبل فدل ذلك على أن هذا الإيمان بعد إخبار الله بهذا ولو أريد به قبل موت الكتابي لقال وإن من أهل الكتاب إلا من يؤمن به لم يقل {ليؤمنن به}
الوجه السابع: وأيضا فإنه قال وإن من أهل الكتاب وهذا يعم اليهود والنصارى فدل ذلك على أن جميع أهل الكتاب اليهود والنصارى يؤمنون بالمسيح قبل موت المسيح وذلك إذا نزل آمنت اليهود والنصارى بأنه رسول الله ليس كاذبا كما تقول اليهود ولا هو الله كما تقوله النصارى.
والمحافظة على هذا العموم أولى من أن يدعى أن كل كتابي ليؤمنن به قبل أن يموت الكتابي فإن هذا يستلزم إيمان كل يهودي ونصراني وهذا خلاف الواقع وهو لما قال
{وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته}
دل على أن المراد بإيمانهم قبل أن يموت هو علم أنه أريد بالعموم عموم من كان موجودا حين نزوله أي لا يتخلف منهم أحد عن الإيمان به لا إيمان من كان منهم ميتا
وهذا كما يقال إنه لا يبقى بلد إلا دخله الدجال الا مكة والمدينة أي من المدائن الموجودة حينئذ وسبب إيمان أهل الكتاب به حينئذ ظاهر فإنه يظهر لكل أحد أنه رسول مؤيد ليس بكذاب ولا هو رب العالمين
فالله تعالى ذكر إيمانهم به إذا نزل إلى الأرض فإنه تعالى لما ذكر رفعه إلى الله بقوله
{إني متوفيك ورافعك إلي}
وهو ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة ويموت حينئذ أخبر بإيمانهم به قبل موته كما قال تعالى في آية أخرى
سورة الزخرف الآيات 59 65
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا وإماما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية
وقوله تعالى
{وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما}
بيان أن الله رفعه حيا وسلمه من القتل وبين أنهم يؤمنون به قبل أن يموت
وكذلك قوله (ومطهرك من الذين كفروا)
ولو مات لم يكن فرق بينه وبين غيره
ولفظ التوفي في لغة العرب معناه الاستيفاء والقبض وذلك ثلاثة أنواع أحدها توفي النوم والثاني توفي الموت والثالث توفي الروح والبدن جميعا فإنه بذلك خرج عن حال أهل الأرض الذين يحتاجون إلى الأكل والشرب واللباس والنوم ويخرج منهم الغائط والبول والمسيح عليه السلام توفاه الله وهو في السماء الثانية إلى أن ينزل إلى الأرض ليست حاله كحالة أهل الأرض في الأكل والشرب واللباس والنوم والغائط والبول ونحو ذلك
(الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية)
وَبِهَذَا كُلِّهِ تَعْلَمُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: قَبْلَ مَوْتِهِ رَاجِعٌ إِلَى عِيسَى
3_ قال تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}.
فإن قيل أين وجه الدلالة من الآية قلنا هو كالتالي:
قال مجاهد: “حتى ينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام”.
ذكره ابن كثير في “تفسيره” قال: “وكأنه أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتل آخرهم الدجال».
قلت: هذا الحديث رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والحاكم؛ عن عمران بن حصين رضي الله عنهما
وقال البغوي: “معنى الآية: أثخنوا المشركين بالقتل والأسر، حتى يدخل أهل الملل كلها في الإسلام، ويكون الدين كله لله، فلا يكون بعده جهاد ولا قتال، وذلك عند نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام”.
وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال».
قلت: هذا الحديث رواه أبو داود من حديث أنس رضي الله عنه
الأدلة من السنة على نزول عيسى عليه السلام
1_ عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا … ] أخرجه البخاري ومسلم , والبيهقي في السنن , وأبو نعيم في المسند المستخرج , والترمذي في السنن , وابن حبان في صحيحه , وأبو عوانة في مسنده , والإمام أحمد في مسنده , والطحاوي في شرح مشكل الآثار , وعبد الرزاق في المصنف , والإمام البغوي في شرح السنة , وابن عساكر في المعجم , والمهرواني في الفوائد
2_ عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ] متفق عليه , وأبو نعيم , وابن حبان , والبغوي , والبيهقي في الأسماء والصفات والإمام أحمد بلفظ آخر.
3_ عن جابر بن عبد الله يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم … ] أخرجه مسلم في صحيحه , والطبري في التهذيب , وابن الجارود في المنتقى , وأبو عوانة في مسنده , والإمام أحمد , وابن عساكر , وابن حبان , وابن بشران في أماليه , والبخاري في ” التاريخ ”
4_ عَنْ حَنْظَلَةَ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ، حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا» أخرجه مسلم في صحيحه , والبيهقي في السنن الكبرى , وأبو نعيم , وابن حبان , وأبو عوانة , والإمام أحمد , والبزار في المسند , وابن ابي شيبة في المصنف , وابن الأعرابي في المعجم , والإمام البغوي , والمحاملي في أماليه
5_ عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع …… –وفيه- إذ بعث الله المسيح بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله] أخرجه مسلم , والإمام أحمد , والبغوي , وعبد الغني المقدسي في أخبار الدجال , وأبو بكر الشيباني في الآحاد والمثاني , وأبو داود في السنن , وابن ماجة في السنن , الطبراني في مسند الشاميين , والحاكم في المستدرك , والترمذي في السنن , وحنبل بن إسحاق في الفتن.
6_ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [فيبعث الله عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود … ] أخرجه مسلم , وابن حبان , والإمام أحمد , والحاكم في المستدرك , والنسائي في السنن , والبيهقي في الشعب.
7_ عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر فقال ما تذاكرون قالوا نذكر الساعة قال إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم … ] أخرجه مسلم , والإمام أحمد ..
8_ عن أبي الطفيل قال: كنت بالكوفة فقيل خرج الدجال قال فأتينا على حذيفة بن أسيد وهو يحدث فقلت هذا الدجال قد خرج فقال اجلس فجلست فأتى علي العريف فقال هذا الدجال قد خرج وأهل الكوفة يطاعنونه قال اجلس فجلست فنودي أنها كذبة صباغ قال فقلنا يا أبا سريحة ما أجلستنا إلا لأمر فحدثنا قال إن الدجال لو خرج في زمانكم لرمته الصبيان بالخذف ولكن الدجال يخرج في بغض من الناس وخفة من الدين وسوء ذات بين فيرد كل منهل فتطوى له الأرض طي فروة الكبش حتى يأتي المدينة فيغلب على خارجها ويمنع داخلها ثم جبل إيلياء فيحاصر عصابة من المسلمين فيقول لهم الذين عليهم ما تنتظرون بهذا الطاغية أن تقاتلوه حتى تلحقوا بالله أو يفتح لكم فيأتمرون أن يقاتلوه إذا أصبحوا فيصبحون ومعهم عيسى بن مريم فيقتل الدجال .. ] أخرجه الحاكم وقال الحاكم: (صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي وهو كما قالا
9_ عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من أدرك منكم عيسى بن مريم فليقرأه مني السلام صلى الله عليهما] أخرجه الحاكم , ويراجع السلسلة الصحيحه.
10_ عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ لِي: ” مَا يُبْكِيكِ؟ ” قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَكَرْتُ الدَّجَّالَ فَبَكَيْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنْ يَخْرُجِ الدَّجَّالُ وَأَنَا حَيٌّ كَفَيْتُكُمُوهُ، وَإِنْ يَخْرُجْ بَعْدِي، فَإِنَّ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بِأَعْوَرَ …. فَيَنْزِلَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَقْتُلَهُ، ثُمَّ يَمْكُثَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِمَامًا عَدْلًا، وَحَكَمًا مُقْسِطًا ” أخرجه الإمام أحمد الحضرمي بن لاحق خرج له جمع ووثقه ابن حبان وقال ابن معين ليس به بأس وقال الهيثمي ثقة , وأخرجه عبد الغني في أخبار الدجال.
تواتر النصوص
1_ قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله:
تواتر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال ” اهـ. (تفسيره)
2_ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: فأخبر الله أنه رفعه إليه، وأنه باق حي، وأنه سينزل قبل يوم القيامة، كما دلت عليه الأحاديث المتواترة التي سنوردها إن شاء الله قريبا اهـ (تفسير القرآن العظيم).
و قال أيضا – رحمه الله – معلقا على أحاديث نزول عيسى عليه السلام: ” فهذه أحاديث متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة وابن مسعود، وعثمان بن أبي العاص، والنواس بن سمعان، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومجمع بن جارية، وأبي سريحة حذيفة بن أسيد رضي الله عنهم، وفيها دلالة على صفة نزوله ومكانه اهـ (تفسير القرآن العظيم)
3_ وذكر الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري تواتر نزول عيسى عليه السلام عن أبي الحسين الآبري
4_ قال أبو الحسن الأشعري رحمه الله:
وكذلك ما روي من خبر الدجال ونزول عيسى ابن مريم وقتله الدجال
وغير ذلك من سائر الآيات التي تواترت الرواية بين يدي الساعة من طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة وغير ذلك مما نقله إلينا الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفونا صحته
اهـ (رسالته إلى أهل الثغر:166)
4_ قال محمود الآلوسي في تفسيره روح المعاني:
ولا يقدح في ذلك أي في ختم النبوة ما أجمعت الأمة عليه واشتهرت فيه الأخبار ولعلها بلغت مبلغ التواتر المعنوي ونطق به الكتاب على قول ووجب الإيمان به وأكفر منكره كالفلاسفة من نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان … اهـ.
5_ قرره ابن عطية الغرناطي في تفسيره.
6_ وأبو الوليد بن رشد كما في إكمال المعلم شرح صحيح مسلم للأبيّ (1/ 265 (
7_ والشوكاني في تفسيره (1/ 535)
8_ والسفاريني في لوامع الأنوار (2/ 94)
9_ والكتاني في نظم المتناثر (ص 147)
10_ وأبو حيان الأندلسي في تفسيره (2/ 473)
11_ قال العظيم آبادي صاحب العون:
قلت تواترت الأخبار عن النبي في نزول عيسى بن مريم من السماء بجسده العنصري إلى الأرض عند قرب الساعة اهـ.
وقال في موضع آخر: فثبت بهذا أن عيسى عليه السلام رفع حيا ويدل على ما ذكرناه الأحاديث الصحيحة المتواترة المذكورة المصرحة بنزوله بذاته الشريفة التي لا تحتمل التأويل اهـ.
12_ قال صديق حسن خان رحمه الله:
جميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطلاع اهـ الإذاعة ص 160
13_ والكشميري الهندي في كتابه التصريح بما تواتر في نزول المسيح
14_ وقال الشيح أحمد شاكر: “نزول عيسى – عليه السلام – في آخر الزمان مما لم يختلف فيه المسلمون؛ لورود الأخبار المتواترة الصحاح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – بذلك … وهذا معلوم من الدين بالضرورة لا يؤمن من أنكره (تفسير الطبري: هامش (6/ 460).
15_ وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني: اعلم أن أحاديث الدجال، ونزول عيسى – عليه السلام – متواترة، يجب الإيمان بها، ولا تغتر بمن يدعي فيها أنها أحاديث آحاد فإنهم جهال بهذا العلم، وليس فيهم من تتبع طرقها، ولو فعل لوجدها متواترة، كما شهد بذلك أئمة هذا العلم؛ كالحافظ ابن حجر وغيره، ومن المؤسف حقا أن يتجرأ البعض على الكلام فيما ليس من اختصاصهم لا سيما والأمر دين وعقيدة (انظر: تمام المنة في التعليق على فقه السنة، الألباني، دار الراية، الرياض، ط3، 1409هـ، ص79.
16_ قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
وقد صحت وتواترت هذه الأخبار عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في نزول المسيح ابن مريم من السماء في آخر الزمان ا. ه
الإجماع على نزول عيسى عليه السلام
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:
أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم ….. والإيمان أن المسيح الدجال خارج , مكتوب بين عينيه: كافر والأحاديث التي جاءت فيه , والإيمان بأن ذلك كائن , وأن عيسى ابن مريم عليه السلام ينزل فيقتله بباب لد اهـ (أصول السنة:118)
قال الإمام ابن بطة العكبري رحمه الله:
ونحن الآن ذاكرون شرح السنة ووصفها وما هي في نفسها وما الذي إذا تمسك به العبد ودان الله به سمي بها واستحق الدخول في جملة أجملها , وما إن خالفه أو شيئا منه , دخل في جملة من عبناه من العيب , وذكرناه وحذرنا منه , من أهل البدع والزيغ مما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام وسائر الأمة مذ بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا ….
نزول عيسى عليه السلام ثم الإيمان بأن عيسى ابن مريم عليه السلام ينزل من السماء إلى الأرض , فيكسر الصليب ويقتل الخنزير وتكون الدعوة واحدة. اهـ (شرح كتاب الشرح والإبانة: 2/ 578)
قول الإمام مالك الصغير أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني
قال في خطبته برسالته المشهورة باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات ….
فقال: فصل في بيان ما اجتمعت عليه الأمة من السنن
فيما اجتمعت عليه الأمور من أمور الديانة من السنن التي خلافها بدعة وضلالة ……
والإيمان بما جاء من خبر الإسراء بالنبي إلى السموات على ما صحت به الروايات وأنه رأى من آيات ربه الكبرى وبما ثبت من خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه الصلاة و السلام حكما عدلا يقتل الدجال وبالآيات التي بين يدي الساعة من طلوع الشمس من المغرب وخروج الدابة وغير ذلك مما صحت به الروايات …… وكل ما قدمنا ذكره فهو قول أهل السنة وأئمة الناس في الفقه والحديث على ما بيناه وكله قول مالك فمنه منصوص من قوله ومنه معلوم من مذهبه اهـ (اجتماع الجيوش الإسلامية: 85)
قال الإمام ابن أبي زمنين رحمه الله:
وأهل السنة يؤمنون بنزول عيسى وقتله الدجال وقال الله عز وجل: {وإنه لعلم للساعة} يعني: عيسى , وقال: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمن نبه قبل موته} يعني: قبل موت عيسى اهـ (أًول السنة له: 144)
قول الإمام حجة الإسلام أبي أحمد ابن الحسين الشافعي المعروف بابن الحداد رحمه الله تعالى
قال الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وسلم تسليما أما بعد فإنك وفقك الله تعالى لقول السداد وهداك إلى سبيل الرشاد سألتني عن الاعتقاد الحق والمنهج الصدق الذي يجب على العبد المكلف اعتقاده ويعتمده فأقول والله الموفق للصواب الذي يجب على العبد اعتقاده ويلزمه في ظاهره وباطنه اعتماده ما دل عليه كتاب الله تعالى وسنة رسوله وإجماع الصدر الأول من علماء السلف وأئمتهم الذين هم أعلام الدين وقدوة من بعدهم من المسلمين وذلك أن يعتقد العبد ويقر ويعترف بقلبه ولسانه ….
وأن الآيات التي تظهر عند قرب الساعة من الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة و السلام والدخان والدابة وطلوع الشمس من مغربها وغيرها من الآيات التي وردت بها الأخبار الصحاح حق اهـ (اجتماع الجيوش الإسلامية: 104)
قال قوام السنة أبو القاسم الأصبهاني:
قال علماء السلف: أول ما افترض الله على عباده الإخلاص ….
وخروج الدجال والدابة حق ونزول عيسى عليه السلام حق اهـ (الحجبة في بيان المحجة: 2/ 282)
قال ابن العطار في الاعتقاد الخالص:
فهذا كتاب صنفته على أصول أهل السنة في الاعتقاد من غير زيد …..
إذا علمت هذا فخروج الدجال اللعين ونزول عيسى ابن مرين من السماء وطلوع الشمس من مغربها ….. مما يجب الإيمان به واعتقاد حقيقته ومن كذب بذلك كفر لأن الصادق أخبر به ومن كذب الصادق كفر اهـ (395)
قال الإمام ابن عبد البر المالكي رحمه الله:
وأهل السنة مصدقون بنزول عيسى فِي الآثار الثابتة بذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نقل الآحاد العدول اهـ. (الإستذكار: باب ما جاء فِي صفة عيسى ابن مريم عليه السلام)
قال أبو الحسن الأشعري في كتابه (مقالات الإسلاميين): جملة ما عليه أهل الحديث والسنة الإقرار بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله، وما جاء من عند الله، وما رواه الثقات عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يردون من ذلك شيئا ـ إلى أن قال ـ ويصدقون بخروج الدجال، وأن عيسى بن مريم يقتله. انتهى
قال أبو عمرو الداني في الرسالة الوافية:
اعلموا أيدكم الله بتوفيقه، وأمدكم بعونه وتسديده، أن من قول أهل السنة والجماعة من المسلمين المتقدمين، والمتأخرين، من أصحاب الحديث، والفقهاء والمتكلمين ….
ومنه: نزول عيسى عليه السلام، وكسره الصليب، وقتله الخنزير، والدجال، وتقع الأمنة في الأرض، وتكون الدعوة لله رب العالمين.
وقال عز من قائل: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} يعني: قبل موت عيسى عليه السلام إذا نزل، وقال: {وإنه لعلمٌ للساعة}، يعني: عيسى عليه السلام اهـ. (343)
قال ابن عطية الغرناطي (2/ 478): (وأجمعت الأمة على ما تضمنه الحديث المتواتر من أن عيسى في السماء حي وأنه ينزل في آخر الزمان … ) تفسيره المحرر الوجيز3/ 143
قال السفاريني – رحمه الله -: ” أجمعت الأمة على نزوله، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة، ممن لا يعتد بخلافه، وقد انعقد إجماع الأمة على أنه ينزل ويحكم بهذه الشريعة المحمدية، وليس ينزل بشريعة مستقلة عند نزوله من السماء، وإن كانت قائمة به وهو متصف بها ” لوامع الأنوار البهية: (1/ 94 – 95)
وقال القاضي عياض في شرح مسلم: نزول عيسى عليه السلام وقتله الدجال حق صحيح عند أهل السنة للأحاديث الصحيحة في ذلك، وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله اهـ.
وقال صاحب عون المعبود شرح سن أبي داود: ” تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم من السماء بجسده العنصري إلى الأرض عند قرب الساعة، وهذا هو مذهب أهل السنة ” عون المعبود 11/ 457.
قال المناوي في شرح الجامع الصغير: أجمعوا على نزول عيسى عليه الصلاة والسلام نبيا لكنه بشريعة نبينا – صلى الله عليه وسلم -. وقال المناوي أيضا: حكى في المطامح إجماع الأمة على نزوله ولم يخالف أحد من أهل الشريعة في ذلك، وإنما أنكره الفلاسفة والملاحدة. انتهى
أقوال صحابة محمد صلى الله عليه وسلم.
1_ قال الصحابي عبد الله بن عباس ترجمان القرآن:
هو خروج عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة اهـ أخرجه الإمام أحمد في المسند
2_ يقول أبو هريرة رضي الله عنه في نزول عيسى عليه السلام:
اقرأوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} متفق عليه
و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: ” إِنِّي لَأَرْجُو إِنْ طَالَتْ بِي حَيَاةٌ أَنْ أُدْرِكَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنْ عَجِلَ بِي مَوْتٌ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيُقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ ” أخرجه الإمام أحمد وهو على شرط الشيخين.
المخالفين في المسألة.
قال قاضي عياض في شرح مسلم:
وأنكر ذلك بعض المعتزلة والجهمية ومن وافقهم اهـ.
قال السفاريني – رحمه الله -: ” أجمعت الأمة على نزوله، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة اهـ لوامع الأنوار البهية: (1/ 94 – 95)
حكم من أنكر نزول عيسى عليه السلام
قال ابن العطار في الاعتقاد الخالص:
إذا علمت هذا فخروج الدجال اللعين ونزول عيسى ابن مرين من السماء وطلوع الشمس من مغربها ….. مما يجب الإيمان به واعتقاد حقيقته ومن كذب بذلك كفر لأن الصادق أخبر به ومن كذب الصادق كفر اهـ (395)
قال الشيخ أحمد شاكر: ” نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان مما لم يختلف فيه المسلمون لورود الأخبار الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. . . وهذا معلوم من الدين بالضرورة لا يؤمن من أنكره ” من حاشية تفسير الطبري 6/ 460
قال الألوسي في تفسيره روح المعاني؟:
ووجب الإيمان به وأكفر منكره كالفلاسفة من نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان اهـ.
سئل الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله:
يوجد لدينا رجل ينكر المسيح الدجال والمهدي ونزول عيسى عليه السلام ويأجوج ومأجوج ولا يعتقد في شيء منها، ويدعي عدم صحة ما ورد في ذلك من أحاديث، مع العلم بأنه لا يفقه شيئاً في علم الحديث ولا في غيره، وقد نوقش في هذه الأمور من قبل علماء ولكنه يزعم أن كل الأحاديث الواردة في هذه الأمور مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم ودخيلة على الإسلام، وهو يصلي ويصوم ويأتي بالفرائض. فما حكمه؟ وفقكم الله.
الجواب:
مثل هذا الرجل يكون كافراً والعياذ بالله؛ لأنه أنكر شيئاً ثابتاً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإذا كان بين له أهل العلم ووضحوا له ومع هذا أصر على تكذيبها وإنكارها فيكون كافراً؛ لأن من كذَّب الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر، ومن كذَّب الله فهو كافر، وقد صحت وتواترت هذه الأخبار عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في نزول المسيح ابن مريم من السماء في آخر الزمان، ومن خروج يأجوج ومأجوج وخروج الدجال في آخر الزمان، ومن مجيء المهدي، كل هذا الأربعة ثابتة: المهدي في آخر الزمان يملأ الأرض قسطاً بعد أن ملئت جوراً، ونزول المسيح ابن مريم، وخروج الدجال في آخر الزمان، وخروج يأجوج ومأجوج، كل هذا ثابت بالأحاديث الصحيحة المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنكارها كفر وضلال نسأل الله العافية والسلامة.
فالدجال والمسيح ابن مريم ويأجوج ومأجوج؛ هؤلاء الثلاثة ليس فيهم شك ولا ريب تواترت فيهم الأخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما المهدي فقد تواترت فيه الأخبار أيضاً، وحكى غير واحد أنها تواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لبعض الناس فيها إشكال وتوقف، فقد يتوقف في كفر من أنكر المهدي وحده فقط.
أما من أنكر الدجال أو المسيح ابن مريم أو يأجوج ومأجوج فلا شكَّ في كفره ولا توقف وإنما التوقف في من أنكر المهدي فقط، فهذا قد يُقال بالتوقف في كفره وردته عن الإسلام؛ لأنه قد سبقه من أشكل عليه ذلك؛ والأظهر في هذا والأقرب في هذا كفره، وأما ما يتعلق بيأجوج ومأجوج والدجال والمسيح ابن مريم فقد كفر نسأل الله العافية
قال الشيخ عبد العزيز الراجحي:
فمن أنكر نزول عيسى ابن مريم فإنه لا بد أن يعرف بأن تقام عليه الحجة وتزال الشبهة وتبين له الأدلة فإذا أنكرها مع صراحتها ووضوحها , كفر اهـ (شرح الراجحي على الشرح والإبانة:2/ 578)
شبهات منكري نزول عيسى عليه السلام.
1_ وزعموا أن هذه الأحاديث مردودة بقوله تعالى: {وخاتم النبيين} وبقوله – صلى الله عليه وسلم -: (لا نبي بعدي) وبإجماع المسلمين أنه لا نبي بعد نبينا – صلى الله عليه وسلم -، وأن شريعته مؤبدة إلى يوم القيامة لا تنسخ فكيف ينزل المسيح عليه السلام ويحكم؟
وهذا استدلال فاسد لأنه ليس المراد بنزول عيسى عليه السلام أنه ينزل نبيا بشرع ينسخ شرعنا، ولا في الأحاديث شيء من هذا، بل صحت الأحاديث أنه ينزل حكما مقسطا يحكم بشرعنا، ويحي من أمور شرعنا ما هجره الناس فهو ينزل متبعا لشرعنا.
2_ قالوا أنه مات بدليل قوله تعالى: {إني متوفيك} ومن مات فلا يحيى مرة أخرى.
1_ نقول أنه لم يمت لأنه ثبت في الصحيح: (أنه ينزل على المنارة البيضاء شرق دمشق ويقتل الدجال).
ومن فارقت روحه جسده؛ لم ينزل جسده من السماء، وإذا أحيي؛ فإنه يقوم من قبره.
2_ بل قوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}؛ دليل على أنه لم يعن بذلك الموت؛ إذ لو أراد بذلك الموت لكان عيسى في ذلك كسائر المؤمنين؛ فإن الله يقبض أرواحهم ويعرج بها إلى السماء، فلا خاصية لعيسى عليه السلام.
3_ ولو كان قد فارقت روحه جسده؛ لكان بدنه في الأرض كبدن سائر الأنبياء أو غيره من الأنبياء.
4_ ومما يدل على ما قلنا أن الله قال في الآية الأخرى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ}؛ فقوله هنا: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} مع سياق الآية بتمامها؛ يبين أنه رفع بدنه وروحه؛ كما ثبت في الصحيح أنه ينزل بدنه وروحه؛ إذ لو أريد موته لقال: وما قتلوه وما صلبوه بل مات.
وأما معنى الآية التي استدلوا بها فقد قال الإمام الطبري رحمه الله:
وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قول من قال: معنى ذلك: إني قابضك من الأرض ورافعك إليّ اهـ (تفسيره)
وقال القرطبي:
والصحيح أن الله تعالى رفعه إلى السماء من غير وفاة ولا نوم كما قال الحسن وابن زيد، وهو اختيار الطبري، وهو الصحيح عن ابن عباس، وقاله الضحاك.
تفسير القرطبي 4/ 99
يقول الإمام البغوي:
أحدهما: إني رافعك إلي وافيًا لم ينالوا منك شيئا، من قولهم توفيت كذا واستوفيته إذا أخذته تامًا
والآخر: أني [مستلمك] من قولهم توفيت منه كذا أي تسلمته اهـ.
يقول البيضاوي في تفسيره:
{فلما توفيتني} بالرفع إلى السماء لقوله: {إني متوفيك ورافعك}
والتوفي أخذ الشيء وافيا والموت نوع منه قال الله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} اهـ.
بهذا يتبين لنا معنى الآية.
ومن أهل العلم من ذهب أن التوفية هنا بمعنى النوم.
قال الربيع بن أنس: المراد بالتوفي النوم [وكل ذي عين نائم] وكان عيسى قد نام فرفعه الله نائما إلى السماء، معناه: أني منومك ورافعك إلي كما قال الله تعالى: ” وهو الذي يتوفاكم بالليل ” (60 – الأنعام) أي ينيمكم اهـ.
وهذه المعاني موافقة لظاهر الآية.
وذهب بعض أهل العلم على أن الآية:
فيها تقديمًا وتأخيرًا معناه أني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد إنزالك من السماء اهـ. (تفسير البغوي)
فالتوفي هنا هو الموت ويكون بعد نزول عيسى عليه السلام بعد أن يقتل الدجال
الخلاصة:
قَوْلُهُ – تَعَالَى -: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ فَإِنَّ دَلَالَتَهُ الْمَزْعُومَةَ عَلَى ذَلِكَ مَنْفِيَّةٌ مِنْ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: مُتَوَفِّيكَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ فِي أَخْذِ الشَّيْءِ كَامِلًا غَيْرَ نَاقِصٍ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: تَوَفَّى فُلَانٌ دِينَهُ يَتَوَفَّاهُ فَهُوَ مُتَوَفٍّ لَهُ إِذَا قَبَضَهُ وَحَازَهُ إِلَيْهِ كَامِلًا مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ.
فَمَعْنَى: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ فِي الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، أَيْ حَائِزُكَ إِلَيَّ كَامِلًا بِرُوحِكَ وَجِسْمِكَ.
قال الإمام أبو مظفر السمعاني في تفسيره:
وهو صحيح عند أهل اللغة، فيقال: توفيت حقي من فلان. أي: قبضت.
قال الأزهري: كأنه يقول: إني متوفى عدد آبائك في الأرض، وكل شيء تم فهو متوفى، ومستوفى اهـ.
ويقول أبو عبيدة:
إِنَّ بني الأدرد ليسوا من أحدٍ … ليسوا إِلى قيس وليسوا من أسد
ولا توفاهم قريش في العدد
فالتوفي: الاستيفاء والقبض التام فهو موضوع في أصل اللغة للقبض والاستيفاء والأخذ فهو من المشترك المعنوي، والمشترك المعنوي إذا أريد به أحد أفراده قيد اللفظ بما يدل على تعيين المعنى المراد
فالتوفي إذا أريد به الموت أو النوم أو الجزاء والأجر قيد بالقرينة الدالة على تحديد المعنى , مثاله في الموت في القرآن
قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} فجاء ذكر ملك الموت صريحا
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَة} ذكر خروج النفس وأعوان ملك الموت فدل على تعيين الوفاة بالموت
قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} جاء ذكر الموت صريحا
قوله تعالى: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} فذكر التوفي من قبل الأشد والتأخير إلى أجل مسمى وجاءت علامة الشيخوخة الدالة على تعيين الموت.
فلا تجد في القران ذكراً للوفاة المراد بها الموت إلا وجاءت القرينة المعينة للمراد
فقوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ} جاءت مطلقة عن أي قيد أو قرينة تدل على الموت فكيف حمل على الموت مع أن الأحاديث المتواترة تدل على أنه حي وينزل.
الثاني: أَنَّ قَوْلَهُ – تَعَالَى -: مُتَوَفِّيكَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ الْوَقْتِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ قَدْ مَضَى، وَهُوَ مُتَوَفِّيهِ قَطْعًا يَوْمًا مَا
وَلَكِنْ لَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَدْ مَضَى.
وَأَمَّا عَطْفُهُ (وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) عَلَى قَوْلِهِ: (مُتَوَفِّيكَ) فَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِإِطْبَاقِ جُمْهُورِ أَهْلِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَلَا الْجَمْعَ، وَإِنَّمَا تَقْتَضِي مُطْلَقَ التَّشْرِيكِ.
وَقَدِ ادَّعَى السِّيرَافِيُّ وَالسُّهَيْلِيُّ إِجْمَاعَ النُّحَاةِ عَلَى ذَلِكَ، وَعَزَاهُ الْأَكْثَرُ لِلْمُحَقَّقَيْنِ، وَهُوَ الْحَقُّ
خِلَافًا لِمَا قَالَهُ قُطْرُبُ وَالْفَرَّاءُ وَثَعْلَبُ وَأَبُو عَمْرٍو الزَّاهِدُ وَهِشَامٌ وَالشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّهَا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِيهِ.
وَقَدْ أَنْكَرَ السِّيرَافِيُّ ثُبُوتَ هَذَا الْقَوْلِ عَنِ الْفَرَّاءِ وَقَالَ: لَمْ أَجِدْهُ فِي كِتَابِهِ.
وَقَالَ وَلِيُّ الدِّينِ: أَنْكَرَ أَصْحَابُنَا نِسْبَةَ هَذَا الْقَوْلِ إِلَى الشَّافِعِيِّ.
حَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الضِّيَاءِ اللَّامِعِ.
وَقَوْلُهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ ” يَعْنِي الصَّفَا – لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى اقْتِضَائِهَا التَّرْتِيبَ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ هُوَ مَا قَالَهُ الْفِهْرَيُّ كَمَا ذَكَرَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الضِّيَاءِ اللَّامِعِ.
وَهُوَ أَنَّهَا كَمَا أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَلَا الْمَعِيَّةَ، فَكَذَلِكَ لَا تَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْهُمَا.
فَقَدْ يَكُونُ الْعَطْفُ بِهَا مَعَ قَصْدِ الِاهْتِمَامِ بِالْأَوَّلِ، كَقَوْلِهِ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ الْآيَةَ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ.
وَقَدْ يَكُونُ الْمَعْطُوفُ بِهَا مُرَتَّبًا، كَقَوْلِ حَسَّانَ: هَجَوْتَ مُحَمَّدًا وَأَجَبْتُ عَنْهُ
عَلَى رِوَايَةِ الْوَاوِ.
وَقَدْ يُرَادُ بِهَا الْمَعِيَّةُ، كَقَوْلِهِ: فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ. وَقَوْلِهِ: وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. وَلَكِنْ لَا تُحْمَلُ عَلَى التَّرْتِيبِ وَلَا عَلَى الْمَعِيَّةِ إِلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ.
الثالث: أَنَّ مَعْنَى مُتَوَفِّيكَ أَيْ مُنِيمُكَ، (وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) أَيْ فِي تِلْكَ النَّوْمَةِ
وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ إِطْلَاقُ الْوَفَاةِ عَلَى النَّوْمِ فِي قَوْلِهِ – تَعَالَى -: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ، وَقَوْلِهِ: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا، وَعَزَى ابْنُ كَثِيرٍ هَذَا الْقَوْلَ لِلْأَكْثَرِينَ، وَاسْتَدَلَّ بِالْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ.
الرابع: أَنَّ مُتَوَفِّيَكَ، اسْمُ فَاعِلٍ؛ تَوَفَّاهُ إِذَا قَبَضَهُ وَحَازَهُ إِلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: تَوَفَّى فُلَانٌ دَيْنَهُ إِذَا قَبَضَهُ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ مَعْنَى مُتَوَفِّيكَ عَلَى هَذَا: قَابِضَكَ مِنْهُمْ إِلَيَّ حَيًّا، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ.
الوجه الخامس: وهذا الوجه نحن في غنى عنه إلا أننا نذكره لأنه طريقتهم في الاستدلال مع التلاعب منهم نقول أن الآية تحتمل عدة معاني وقد اختلف في تفسيرها العلماء وبل الأوجه القوية تدل على أن ليس المقصود هنا الموت فدلالتها ظنية (كما تقولون) والأحاديث بلغت التواتر فهي (قطعية) ودلالتها قطعية ايضا وهي كالنص في معناها فكيف تقدمون ما هو دلالته ظنية على ما هو دلالته قطعية لمجرد توهمكم التعارض!!
وهذا الجواب لا نحبه لأن الآية عندنا ولله الحمد واضحة أنها لا تفيد ما ذهبوا إليه والأحاديث عندنا متواترة وهي نص في المسألة أيضا.
وما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية أنه قال مميتك
اولا فيه ضعف
ثانيا يحمل أنه مميته بعد النزول لأن الواو لا يفيد الترتيب كما سبق أن قررناه
قال ابن عبد البر:
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس متوفيك أي مميتك وقال وهب توفاه الله ثلاث ساعات من النهار والصحيح عندي في ذلك قول من قال متوفيك قابضك من الأرض لما صح عن النبي عليه السلام من نزوله وإذا حملت رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس على التقديم والتأخير أي رافعك ومميتك لم يكن بخلاف لما ذكرناه اهـ (التمهيد)
فمن ثبت عنه من السلف أنه فسر الآية بأنه مميته أي عند أجله بعد نزوله
وأما رواية وهب فلا يصح عنه رحمه الله ولو صح فيه أنه يرى أنه حي الآن عليه السلام.
ومما يدل على أنه حي عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}
فأنكر سبحانه على اليهود أنهم قتلوه أو صلبوه، وأخبر أنه رفعه إليه، وقد كان ذلك منه تعالى رحمة به وتكريمًا له، وليكون آية من آياته التي يؤتيها من يشاء من رسله، وما أكثر آيات الله في عيسى ابن مريم عليه السلام أولاً وآخرًا
1_ ومقتضى الإضراب في قوله تعالى: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ أن يكون سبحانه وتعالى قد رفع عيسى عليه الصلاة والسلام بدنًا وروحًا؛ حتى يتحقق به الرد على زعم اليهود أنهم صلبوه وقتلوه؛ لأن القتل والصلب إنما يكون للبدن أصالة
2_ ولأن الروح وحدها، لا ينافي دعواهم القتل والصلب، فلا يكون رفع الروح وحدها ردًّا عليهم فالحكمة من الرفع تنجيته من اليهود وقد هموا بقتله وليس ثمة فرق بين أن يموت ويقتل فلو أخذ روحه فقد مات , فإنهم لو قتلوه فرضا لرفعت روحه إلى الله على أن في إخباره عز وجل بأنه رفعه إليه ما يشعر باختصاصه بذلك والذي يمكن أن يختص به عيسى هو رفعه حيا بروحه وجسده لأن أرواح جميع الأنبياء بل المؤمنين ترفع إلى الله بعد الموت لا فرق بين عيسى وغيره فلا تظهر فيه الخصوصية.
3_ ولأن اسم عيسى عليه السلام حقيقة في الروح والبدن جميعًا، فلا ينصرف إلى أحدهما عند الإطلاق إلا بقرينة ولا قرينة هناك
4_ ولأن رفع روحه وبدنه جميعًا مقتضى كمال عزة الله وحكمته وتكريمه ونصره من شاء من رسله حسبما قضى به قوله تعالى في ختام الآية: وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
فالآية تدل على أنه مشهد تجلت فيه عزة الله وحكمته ولا يتم ذلك إلا حيث يكون المشهد غريبا مثيرا فأي غرابة أو إثارة في موته ثم رفع روحه وهو عام في جميع المؤمنين.
3_ قالوا قال تعالى: {والسَّلامُ عَليَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أمُوتُ ويَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}
والجواب على هذا أنه لا يخفى أننا نقول أنه سيموت بعد نزوله وسيبعث يوم القيامة فلا وجه في الآية على ما يقررون.
بل الآية دليل لنا فالآية تدل أنه يموت موتة واحدة وهو الأصل {لا يذوقون فيها الموت الا الموتة الأولى}
وقد قال تعالى {وما قتلوه وما صلبوه} فالأصل أن لكل إنسان ميتة واحدة وبعث واحد إلا أن يدل دليل على غير ذلك
وحيث أنه لا نص على وجود ميتتان لعيسى عليه السلام فنبقى على الأصل
والله تعالى أخبرنا أن لعيسى عليه السلام حياة {والسلام علي يوم ولدت} وبعدها ميتة {ويوم أموت} وبعده بعث {ويوم أبعث حيا}
والخبر الصحيح أخبرنا أن عيسى عليه السلام سينزل آخر الزمان وهذا يعني أنه رفع حيا ولم يمت ثم لما ينزل ويقوم بما أمر الله به سيأتيه الموت الذي كتب عليه وهي ميتته الوحيدة ثم يبعث يوم القيامة
4_ قالوا أن الله تعالى قال عن عيسى عليه السلام: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنتَ أَنتَ الرَّقِيب} قالوا الآية تدل أنه مات عليه السلام فيقال الآية معناها:
1_ لما توفيتني أي بالقبض إليك كما سبق معنا أن قررنا هذا المعنى فبعد قبضه لم يكن له سلطان عليهم يقول الإمام أبو مظفر السمعاني في تفسيره: (فلما توفيتني) أي: رفعتني اهـ.
يقول الإمام البغوي رحمه الله: أي قبضتني إلى السماء وأنا حي، لأن قومه إنما تنصروا بعد رفعه إلى السماء لا بعد موته اهـ.
والدليل على هذا أَنَّ مُقَابَلَتَهُ لِذَلِكَ التَّوَفِّي بِالدَّيْمُومَةِ فِيهِمْ فِي قَوْلِهِ: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي الْآيَةَ – تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوَفِّي مَوْتٍ، لَقَالَ مَا دُمْتُ حَيًّا، فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي ; لَأَنَّ الَّذِي يُقَابَلُ بِالْمَوْتِ هُوَ الْحَيَاةُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا.
أَمَّا التَّوَفِّي الْمُقَابَلُ بِالدَّيْمُومَةِ فِيهِمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَوَفِّي انْتِقَالٍ عَنْهُمْ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ.
وَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ هُوَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ مَعَ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْ قَصْدِ الْعُرْفِيَّةِ، وَهَذَا لَا إِشْكَالَ فِيهِ.
2_ أي أَنَّ عِيسَى يَقُولُ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَمُوتُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِخْبَارُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَوْتِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْآنَ قَدْ مَاتَ كَمَا لَا يَخْفَى
5_ قالوا لا يوجد آية فيها نزول عيسى عليه السلام.
والرد عليهم:
1_ أننا سبق وأن بينا ذلك بالأدلة بآيات واضحات على نزول عيسى عليه السلام
2_ أن عدم الدليل المعين لا يستلزم عدم المدلول المعين، لأنه قد يكون ثبت بدليل آخر غير هذا الدليل فعدم وجود آية في ذلك بزعمكم لا يدل على عدم المدلول المعين لوجود دليل آخر , السنة.
وقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه أخبر بظهور المهدي في آخر الزمان، وبخروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام، فوجب الإيمان بذلك تصديقا لقول الله تعالى: {وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى} وعملا بقول الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه} وبما جاء في آيات كثيرة من الأمر بالإيمان بالرسول – صلى الله عليه وسلم -، والإيمان به لا يتم إلا بامتثال أمره واجتناب نهيه، وتصديق أخباره والتمسك بسنته
3_ إن سلمنا لكم أن الله لم ينزل آية في ذلك فنقول الله عز وجل لا يسأل عن ما يفعل له الحكمة البالغة فهو الحكيم سبحانه , يقول تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}
6_ قالوا قال تعالى: [وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد] فكيف تزعمون أنه حي وينزل.
والجواب نقول قبل هذا نذكر تفسير الآية.
يقول الإمام الطبري في تفسيره:
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما خلدنا أحدا من بني آدم يا محمد قبلك في الدنيا فنخلدك فيها، ولا بد لك من أن تموت كما مات من قبلك رسلنا (أفإن مِتَّ فَهُمُ الخَالِدُونَ) يقول: فهؤلاء المشركون بربهم هم الخالدون في الدنيا بعدك، لا ما ذلك كذلك، بل هم ميتون بكلّ حال عشت أو متّ، فأدخلت الفاء في إن وهي جزاء، وفي جوابه، لأن الجزاء متصل بكلام قبله، ودخلت أيضا في قوله فهم لأنه جواب للجزاء، ولو لم يكن في قوله فهم الفاء جاز على وجهين: أحدهما: أن تكون محذوفة، وهي مرادة، والآخر أن يكون مرادا تقديمها إلى الجزاء فكأنه قال: أفهم الخالدون إن متّ. اهـ.
قال الإمام البغوي رحمه الله:
قوله عز وجل: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} دوام البقاء في الدنيا، {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} أي أفهم الخالدون إن مت؟ نزلت هذه الآية حين قالوا نتربص بمحمد ريب اهـ.
قال العلامة السمعاني في تفسيره:
قوله تعالى: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) كانوا يقولون: نتربص بمحمد ريب المنون، فقال تعالى: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) يعني: أن الموت طريق معهود مسلوك لا بد منه لكل حي.
وقوله: (أفإن مت فهم الخالدون) معناه: أفهم الخالدون إن مت اهـ.
ولا شك أن عيسى عليه السلام لا يخلد بل يموت أيضا حين يأتي أجله كما أن الدجال يموت حين يأتي أجله وكذا يأجوج ومأجوج وذكرنا عيسى عليه السلام والدجال ويأجوج ومأجوج لورود الأدلة فيهم بأنهم أحياء أما من قال أن خضر عليه السلام حي فلا دليل لديه.
7_ أن هذه العقيدة عقيدة النصارى.
والجواب يقال لهم:
1_ موافقة أهل الكتاب في الاعتقاد لا يعني أن نترك اعتقادنا الثابت بل تجد أن بعض العقائد الموجودة عندنا هي موجودة عندهم مع التحريف لأنها عقائد الأنبياء لكنهم أبدلوها وحرفوها
فإذا وجدت عقيدة موافقة لعقيدتنا فهي من عقائد الأنبياء لكن تجد في الغالب أنهم ولابد أن يحرفوها ونذكر بعض الأمثلة
1_ قال سعيد بن عامر الضبعي (208 هـ) وهو من شيوخ البخاري: الجهمية شرٌّ قولاً من اليهود والنصارى، قد اجتمعت اليهود والنصارى وأهل الأديان: أن الله تبارك وتعالى على العرش، وقالوا هم: ليس على العرش شيء رواه البخاري في “خلق أفعال العباد” (ج2 ص17 (
فاليهود والنصارى يرون بإثبات علو الله عز وجل على الخلق وأهل الإسلام يرون ذلك أيضا وهو أمر مجمع عليه عند أهل السنة والجماعة , فهل يقال نترك هذا الاعتقاد بمجرد موافقتهم لنا.
2_ من الأمثلة مسألة الرجم , عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ، ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ زَنَيَا، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَ يَهُودَ، فَقَالَ: مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى؟، قَالُوا: نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا وَنُحَمِّلُهُمَا وَنُخَالِفُ بَيْنَ وُجُوهِهِمَا وَيُطَافُ بِهِمَا، قَالَ: فَاتُوا بِالتَّوْرَاةِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَجَاءُوا بِهَا فَقَرَءُوهَا حَتَّى إِذَا مَرُّوا بِآيَةِ الرَّجْمِ، وَضَعَ الْفَتَى الَّذِي يَقْرَأُ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، وَقَرَأَ مَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا وَرَاءَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَهُوَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْهُ: فَلْيَرْفَعْ يَدَهُ فَرَفَعَهَا، فَإِذَا تَحْتَهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا ” والحديث صحيح في الصحيح.
2_ أنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لا نصدقهم ولا نكذبهم وبين العلماء خشية أن نكذب ما هو حق من دين الأنبياء.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ الْآيَةَ أخرجه البخاري
يقول ابن حجر رحمه الله في الفتح:
قوله كان أهل الكتاب أي اليهود قوله لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم أي إذا كان ما يخبرونكم به محتملا لئلا يكون في نفس الأمر صدقا فتكذبوه أو كذبا فتصدقوه فتقعوا في الحرج ولم يرد النهي عن تكذيبهم فيما ورد شرعنا بخلافه ولا عن تصديقهم فيما ورد شرعنا بوفاقه نبه على ذلك الشافعي رحمه الله اهـ.
فإذا جاءوا بما هو موافق لشرعنا لا نقول أنه لا يقبل أو نترك ما هو في شرعنا هذا لا يقوله عاقل.
8_ قالوا الأحاديث في نزول عيسى عليه السلام مضطربة.
هذه دعوى غير صحيحة لأن تلك الروايات كلها متفقة على الإخبار بنزول عيسى وأنه يقتل الدجال والخنزير، ويكسر الصليب. . . . . . . إلخ، وغاية ما في الأمر أن بعضاً منها يفصل ذلك، وآخر يجمله، وبعضاً يوجز وآخر يطنب، كطريقة القرآن حين يورد القصة الواحدة في سور متعددة، بأساليب مختلفة، يزيد بعضها على بعض، بحيث لا يمكن جمع أطراف القصة إلا بقراءة كل السور التي ذكرت فيها.
فجعل هذا الاختلاف الذي يقوي شأن الحديث، ويدل على تعدد مخارجه، من باب التعارض الموجب للاضطراب خطأ بين، وعلى فرض وجود هذا التعارض فإن الجمع بين هذه الأحاديث بما ينفي عنها صفة الاضطراب غير متعذر، هذا لو قلنا بوجود التعارض فيما بينها
ثم هؤلاء القوم في محاولتهم للتشويش على العامة يأتون بالأحاديث الضعيفة ويوردونها بين الأحاديث الصحيحة ليوهموا الناس أن هذه الأحاديث متعارضة أو ضعيفة فتجد أحدهم يذكر احد الأحاديث الضعيفة في الباب ويأتي ويتكلم فيه ويبين ضعفه ثم يقول انظروا هذه أحاديث ضعيفة ولا يتطرق للأحاديث الصحيحة التي لا مطعن فيها لأنه لا يجد شيئا لكي ينتقده فيها فنسأل الله العافية والسلامة.
الحكمة من نزول عيسى عليه السلام.
ذكر بعض العلماء – رحمهم الله تعالى – الحكمة من نزول عيسى عليه السلام دون غيره، ومن أقوالهم في ذلك:
– الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوا عيسى عليه السلام، فبين الله تعالى كذبهم، وأنه الذي يقتلهم ويقتل رئيسهم الدجال، ورجح الحافظ ابن حجر هذا القول على غيره.
– أن عيسى عليه السلام وجد في الإنجيل فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ}
فدعا الله أن يجعله منهم فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتى ينزل آخر الزمان مجددا لما درس من دين الإسلام دين محمد عليه الصلاة والسلام، فتوافق خروج الدجال فيقتله
– أن نزول عيسى عليه السلام من السماء لدنو أجله ليدفن في الأرض؛ إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت في غيرها، فيوافق نزوله خروج الدجال فيقتله عيسى عليه السلام
– أنه ينزل مكذبا للنصارى فيظهر زيفهم في دعواهم الأباطيل، ويهلك الله الملل كلها في زمنه إلا الإسلام فإنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية.