57 عون الصمد على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة
———-
مسند أحمد
2116 – حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد أنا بن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب عن عطاء بن يسار عن بن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج عليهم وهم جلوس فقال ألا أحدثكم بخير الناس منزلة فقالوا بلى يا رسول الله قال رجل ممسك برأس فرسه في سبيل الله حتى يموت أو يقتل أفأخبركم بالذي يليه قالوا نعم يا رسول الله قال امرؤ معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويعتزل شرور الناس أفأخبركم بشر الناس منزلة قالوا نعم يا رسول الله قال الذي يسأل بالله ولا يعطى به.
قلت سيف:
الظاهر أنه على شرط الذيل على الصحيح المسند.
فسعيد بن خالد لم يثبت عن النسائي انه ضعفه بل ثبت توثيقه له نقل ذلك مغلطاي وابن حجر وتعقبا المزي في نقله تضعيف النسائي وكذلك وثقه غيره انظر منهج النسائي في الجرح والتعديل ثم هو متابع تابعه بكير عن عطاء عن ابن عباس به وله شاهد من حديث ابي هريرة عند مسلم 1889 ومن حديث ابي سعيد عند البخاري 2786 ومسلم 1888
ورواية مالك عن عبدالله بن عبدالرحمن بن معمر عن عطاء المرسلة لا تعل الحديث لما قدمنا ولانه ذكر ان مالك يرسل الحديث أحيانا.
_-_-_-_-_-_-_-_-
العزلة عن الناس
الحديث يبين ثلاثة أمور:
الاول: فضل الجهاد في سبيل الله.
الثاني: ذم السؤال بالله تعالى.
الثالث: فضل العزلة عن الناس، مع أداء حقوق اللَّه تعالى، لما فيه من السلامة من الغيبة، واللغو، ونحو ذلك لكن قال الجمهور محلّ ذلك عند وقوع الفتن.
(هذا الرجل ممسك بعنان فرسه) أي ملازم له كثير الركوب عليه للحرب والجهاد وليس المراد الدوام على ظهر الفرس إذ لا بد من النزول. [حاشية السندي على النسائي]
قوله صلى الله عليه وسلم (ألا أخبركم بخير الناس منزلة) وقد علم أنهم يريدون ذلك على سبيل التنبيه لهم على الإصغاء إليه والإقبال على ما يخبر به والتفرغ لفهمه. ويحتمل أن يريد بقوله صلى الله عليه وسلم (خير الناس منزلة) أكثرهم ثوابا في الآخرة وأرفعهم درجة
وقوله صلى الله عليه وسلم (رجل آخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله) يريد والله أعلم أنه مواظب على ذلك ووصفه بأنه آخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله بمعنى أنه لا يخلو في الأغلب من ذلك راكبا له أو قائدا هذا معظم أمره ومقصوده من تصرفه فوصف بذلك جميع أحواله وإن لم يكن آخذا بعنان فرسه في كثير منها. المنتقى – شرح الموطأ
والأظهر أن المراد بالناس هم المؤمنون لأنهم المقصودون منهم، ومع هذا فلا شك أن قاتل الناس شر منه، ولعل نكتة الإطلاق المبالغة في الحث على الأول، والتحذير عن الثاني ” رجل ” بالرفع على تقدير هو، وبالجر على البدلية ” ممسك ” صفة رجل أي آخذ ” بعنان فرسه في سبيل الله ” أي متهيئ للقتال مع أعداء الله ” ألا أخبركم بالذي يتلوه ” أي يتبعه ويقربه في الخيرية ” رجل معتزل ” بالوجهين، أي متباعد عن الناس منفرد عنهم، إلى موضع خال من البوادي أو الصحاري ” في غنيمة له ” أي مثلا، وهو تصغير غنم بمعنى قطيع من الغنم ” «يؤدي حق الله فيها، ألا أخبركم بشر الناس ; رجل يسأل» ” منه، على صيغة المفعول أي يطلب ” بالله ” أي بالقسم به بأن يقول الفقير لشخص: أعطني بالله ” ولا يعطي ” على البناء للفاعل أي الرجل المسئول منه ” به ” أي بالله، قال ابن الملك: يسأل بصيغة الفاعل ولا يعطى بصيغة المفعول أي يسأل مالك لنفسه بالله ولا يعطى بالله إذا سأل به اهـ، وهو غير صحيح فتأمل. نعم يحتمل أن يكون الفعلان على بناء الفاعل ويقدر الموصول في الثاني،
فيكون المعنى شر الناس من يسأل بالله أي باليمين والإلحاح لأنه إيقاع للناس في الحرج، ولأنه قد يعطى بسبب الحياء فيكون أخذه حراما، ومن لا يعطي بالله أي بالقسم والحلف مع القدرة على المسئول، حيث ترك تعظيم الله – تعالى، وعدل عن الترحم على الفقير الظاهر من حاله الاضطرار والافتقار الملجئ إلى اليمين، سيما إذا كان المسئول ممن تجب عليه الزكاة والصدقة. [مرقاة المفاتيح]
أورد أبو داود باباً في ثواب الجهاد، يعني: أجره وثوابه عند الله عز وجل، فأورد حديث أبي سعيد رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي المؤمنين أكمل إيماناً؟ فقال: رجل يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله)، فهذا يدلنا على فضل الجهاد؛ لأن صاحبه وصف بأنه أكمل المؤمنين إيماناً.
والجهاد يكون بالنفس والمال، ويكون بالنية، ويكون باللسان، ويكون بالقلم، كل ذلك يدخل تحت الجهاد في سبيل الله، ويكون أيضاً بمجاهدة النفس، وجميع هذه الأمور إنما هي تابعة لجهاد النفس؛ لأن جهاد النفس إذا وجد وجدت معه تلك الأشياء الأخرى وأثرت وأثمرت، وأما إذا كانت النفس لم تجاهد بل كانت واقعة في المعاصي، فإن فاقد الشيء لا يعطيه كما يقولون، ولكن من جاهد نفسه هو الذي يؤثر ويفيد، سواء في جهاده للكفار، أو في دعوته إلى الله عز وجل، أو في كتابته في الحق والدعوة إليه والدلالة عليه، أو في النية إذا كان عاجزاً وغير مستطيع، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في غزوة تبوك: (إن بالمدينة لأقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم؛ حبسهم العذر) يعني: أنهم جاهدوا بنياتهم، فهم بقلوبهم وليسوا بأجسامهم.
وقد كان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين لا يجدون ما يتمكنون به من الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتون إليه ويطلبون منه أن يحملهم، ثم الرسول صلى الله عليه وسلم يعتذر بأنه لا يجد ما يحملهم عليه، فيرجعون وهم يبكون؛ لأنهم ما تمكنوا من الجهاد في سبيل الله، وذلك بسبب فقرهم وقلة ذات يدهم، فهم وإن تخلفوا إلا أنهم مع المسلمين في الجهاد في سبيل الله بالنية.
وكثيراً ما يأتي في القرآن ذكر الجهاد بالنفس والمال، ويقدم ذكر الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس، وذلك لأن الجهاد بالمال من أسباب الجهاد بالنفس؛ ففيه بذل الأموال من أجل السلاح ومن أجل المركوب وما إلى ذلك، وعثمان بن عفان رضي الله عنه في غزوة تبوك جهز ثلاثمائة بعير عليها أقتابها وأحمالها في سبيل الله رضي الله عنه وأرضاه، فالمال يكون فيه تمكين لأصحاب العذر الذين لا يقدرون على الجهاد أن يجدوا ظهراً يركبونه ويتمكنون من الجهاد، وكذلك الطعام والزاد وما إلى ذلك من حاجات المجاهدين في سبيل الله، وقد ذكر ابن القيم أن كل ما في القرآن من ذكر الجهاد بالنفس والمال فيه تقديم الأموال على الجهاد بالنفس إلا في آية واحدة، وهي: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111] فقدم الأنفس على الأموال، وفي غير هذه الآية يأتي تقديم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس.
قوله: [(ورجل يعبد الله في شعب من الشعاب قد كفى الناس شره)].
الشعب هو: الفلاة تكون بين الجبلين، وهذه إشارة إلى العزلة، ولكن العزلة إنما تكون عند كثرة الفساد وعدم الفائدة من وراء الخلطة، أما إذا كان يترتب على الخلطة إصلاح وإفادة، فلا شك أنها خير من العزلة. [شرح سنن أبي داود للعباد]
بوب الامام النسائي [(منْ يَسْأَلُ بِاللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَلَا يُعْطِي)]
قال الجامع (محمد بن آدم) – عفا اللَّه تعالى عنه -: يحتمل بناء الفعل الأول للفاعل، وللمفعول، فيكون المعنى على الأوّل: هذا باب ذكر ذمّ من يَسأل شيئًا باللَّه تعالى لنفسه، ولا يعطي إذا سأله به سائل، حيث جمع بين قبيحين، سؤاله باللَّه تعالى لنفسه، ومنعه من سأله به، فاستخفّ باسم اللَّه تعالى في الحالتين. شرح المجتبى (23/ 89).
مسألة: أيهما أفضل العزلة أم الإختلاط
قال النووي على شرح مسلم (13/ 34): فيه دليل لمن قال بتفضيل العزلة على الاختلاط وفي ذلك خلاف مشهور فمذهب الشافعي وأكثر العلماء أن الإختلاط أفضل بشرط رجاء السلامة من الفتن ومذهب طوائف أن الاعتزال أفضل وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأنه محمول على الاعتزال في زمن الفتن والحروب أو هو فيمن لا يسلم الناس منه ولا يصبر عليهم أو نحو ذلك من الخصوص وقد كانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وجماهير الصحابة والتابعين والعلماء والزهاد مختلطين فيحصلون منافع الاختلاط كشهود الجمعة والجماعة والجنائز وعيادة المرضى وحلق الذكر وغير ذلك وأما الشعب فهو ما انفرج بين جبلين وليس المراد نفس الشعب خصوصا بل المراد الإنفراد والاعتزال وذكر الشعب مثالا لأنه خال عن الناس غالبا وهذا الحديث نحو الحديث الآخر حين سئل صلى الله عليه وسلم عن النجاة فقال: أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك.
قال أبو عمر: وإنما جاءت هذه الأحاديث بذكر الشعاب والجبال واتباع الغنم والله أعلم؛ لأن ذلك هو الأغلب في المواضع التي يعتزل فيها الناس فكل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في هذا المعنى مثل اسم الاعتكاف في المساجد ولزوم السواحل للرباط والذكر ولزوم البيوت فرارا عن شرور الناس لأن من نأى عنهم سلموا منه وسلم منهم لما في مجالستهم ومخالطتهم من الخوض في الغيبة واللغو وأنواع اللفظ وبالله العصمة والتوفيق لا رب غيره. التمهيد (17/ 450)
قال ابن تيمية: أن المخالطة إن كان فيها تعاون على البر والتقوى، فهي مأمور بها، وإن كان فيها تعاون على الإثم والعدوان فهي منهي عنها، فالاختلاط بالمسلمين في جنس العبادات كالصلوات الخمس والجمعة والعيدين وصلاة الكسوف والاستسقاء ونحو ذلك هو مما أمر الله به ورسوله.
وكذلك الاختلاط بهم في الحج وفي غزو الكفار والخوارج المارقين وإن كان أئمة ذلك فجارا، وإن كان في تلك الجماعات فجار. الفتاوى الكبرى (2/ 163)
قال الجامع (محمد بن ادم) – عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يترجّح عندي أن الأحاديث الواردة في العزلة محمولة على أيام الفتن، وأما في سائر الأزمان فالأفضل للمسلم أن يخالط جماعة المسلمين، ويكون معهم، بل ربّما يجب عليه ذلك، وذلك فيما إذا كان قادرًا على إزالة المنكر، ونحو ذلك. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. شرح المجتبى (23/ 99)
قال العثيمين: واعلم أن الأفضل هو المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، هذا أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم، ولكن أحياناً تحدث أمور تكون العزلة فيها خيراً من الاختلاط بالناس؛ من ذلك إذا خاف الإنسان على نفسه فتنة، مثل أن يكون في بلد يطالب فيها بأن ينحرف عن دينه، أو يدعو إلى بدعة، أو يرى الفسوق الكثير فيها، أو يخشى على نفسه من الفواحش، وما أشبه ذلك، فهنا العزلة خير له.
ولهذا أمر الإنسان أن يهاجر من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، ومن بلد الفسوق إلى بلد الاستقامة، فكذلك إذا تغير الناس والزمان؛ ولهذا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن)). فهذا هو التقسيم؛ العزلة خير إن كان في الاختلاط شر وفتنة في الدين، وإلا فالأصل أن الاختلاط هو الخير، يختلط الإنسان مع الناس فيأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، يدعو إلى حق، يبين السنة للناس، فهذا خير. لكن إذا عجز عن الصبر وكثرت الفتن؛ فالعزلة خير ولو أن يعبد الله على رأس جبل أو في قعر وادٍ. شرح رياض الصالحين (3/ 509 – 510)