1424 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة حسين البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3، والمدارسة والاستفادة
بإشراف سيف بن محمد بن دوره الكعبي
-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_
1424 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أُبَيُّ» وَهُوَ يُصَلِّي، فَالتَفَتَ أُبَيٌّ وَلَمْ يُجِبْهُ، وَصَلَّى أُبَيٌّ فَخَفَّفَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، مَا مَنَعَكَ يَا أُبَيُّ أَنْ تُجِيبَنِي إِذْ دَعَوْتُكَ» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ: ” أَفَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أُوحِي إِلَيَّ أَنْ {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24] ” قَالَ: بَلَى وَلَا أَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: «تُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الفُرْقَانِ مِثْلُهَا»؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ تَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ»؟ قَالَ: فَقَرَأَ أُمَّ القُرْآنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَتْ [ص:156] فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الفُرْقَانِ مِثْلُهَا، وَإِنَّهَا سَبْعٌ مِنَ المَثَانِي وَالقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُهُ»: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ» وَفِي البَابِ عَنْ أَنَسٍ.
* قال الإمام النسائي في الفسير: أنا عمران بن موسى نا يزيد نا روح بن القاسم عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم على أبي بن كعب وهو يصلي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إيه أبي فالتفت أبي ولم يجبه ثم صلى أبي فخفف ثم أنصرف إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال سلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ويحك ما منعك أبي أن دعوتك أن لا تجيبني قال يا رسول الله كنت في صلاة قال فليس تجد فيما أوحى الله إلي أن استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم قال بلى يا رسول الله لا أعود فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الأنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها قال نعم أي رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أني لأرجو ألا تخرج من هذا الباب حتى تعلمها أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بيدي يحدثني وأنا أتبطأ مخافة أن تبلغ الباب قبل أن ينقضي الحديث فلما دنونا من الباب قلت يا رسول الله ما السورة التي وعدتني قال كيف تقرأ في الصلاة فقرأت عليه أم القرآن قال رسول الله صلى الله عليه و سلم والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة ولا في الأنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها إنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت.
-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_
قوله: (كيف تقرأ)
قال الطيبي: فإن قلت كيف طابق هذا جواباً عن السؤال بقوله ” كيف تقرأ” لأنه سؤال عن حالة القراءة لأنفسها. قلت: يحتمل أن يقدر فقرأ القرآن مرتلاً ومجوداً أو يحتمل أنه عليه الصلاة والسلام سأل عن حال ما يقرأه في الصلاة، أهي سورة جامعه حاوية لمعاني القرآن أم لا؟ فلذلك جاء بأم القرآن وخصها بالذكر أي هي جامعه لمعاني القرآن وأصل لها كذا في المرقاة.
قوله: (فقرأ أم القرآن) يعني الفاتحة وسميت بها لاحتوائها واشتمالها على ما في القرآن إجمالاً أو المراد بالأم الأصل فهي أصل قواعد القرآن ويدور عليها أحكام الإيمان. (مرعاة المفاتيح شرح المشكاة)
قال الإمام البغوي في شرح السنة:
قَوْلُهُ «وَإِنَّهَا لَهِيَ السَّبْعُ مِنَ الْمَثَانِي» قِيلَ: أَرَادَ: هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الأُولَى، وَ «مِنْ» زَائِدَةٌ، وَأَرَادَ بِهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ هِيَ سَبْعُ آيَاتٍ، سُمِّيَتِ الْفَاتِحَةُ مَثَانِيَ، لأَنَّهَا تُثَنَّى فِي الصَّلاةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ.
وَقِيلَ: سُمِّيَتِ الْفَاتِحَةُ مَثَانِيَ، لأَنَّهَا اسْتُثْنِيَتْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، لَمْ تُنْزَلْ عَلَى مَنْ قَبْلَهَا، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ مَثَانِيَ، لِمَا فِيهَا مِنَ الثَّنَاءِ، فَهِيَ مَفَاعِلُ مِنَ الثَّنَاءِ، وَالْوَاحِدُ مَثْنَى، كَالْمَحَامِدِ، وَاحِدُهَا مَحْمَدَةٌ.
وَكَذَلِكَ فَسَّرُوا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الْحجر: 87].
وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ «الْمَثَانِي» فِي هَذَا الْحَدِيثِ: الْقُرْآنُ كُلُّهُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: 23] سُمِّيَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ مَثَانِيَ، لأَنَّ الْقَصَصَ وَالأَمْثَالَ ثُنِّيَتْ فِيهِ، فَمَعْنَى قَوْلُهُ: «إِنَّهَا السَّبْعُ مِنَ الْمَثَانِي» أَيِ: الْفَاتِحَةُ سَبْعُ آيَاتٍ مِنْ جُمْلَةِ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الْحجر: 87]: إِنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمَثَانِي السُّوَرُ الَّتِي تَقْصُرُ عَنِ الْمِئِينَ، وَتَزِيدُ عَلَى الْمُفَصَّلِ، قِيلَ لَهَا: مَثَانِي، كَأَنَّ الْمِئِينَ جُعِلَتْ مَبَادِيَ، وَالَّتِي تَلِيهَا مَثَانِيَ (شرح السنة)
فيه:
1_ فضل الفاتحة
2_ فيه دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِجَابَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاةِ لَا تُبْطِلُ الصَّلاةَ، كَمَا أَنَّكَ تُخَاطِبُهُ بِقَوْلِكَ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَمِثْلُهُ يُبْطِلُ الصَّلاةَ مَعَ غَيْرِهِ. قاله البغوي
قال القاضي جلال الدين: وأما كونه لا تبطل الصلاة فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالاجابة ولو كان في صلاة مفروضة أو نافلة لان ترك الاستفصال في وقائع الاحوال ينزل منزلة العموم من المقال، فلو كان ذلك مبطلا للصلاة مطلقا لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، لان قطع الصلاة بعد الشروع فيها إذا كانت فرضا حرام فإذا لم يكن هناك ما يوجب ذلك كأن وجد أعمى وقدامه نحو بئر يقع فيه وجب اعلامه، وتبطل بذلك لقوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) (محمد / 33) وذكر الاجابة بين في حديث أبي بن كعب. (سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد)
قلت سيف: ولعل الراجح أنه كان على الصحابي أن يقطع صلاته ويتوجه للنبي صلى الله عليه وسلم ثم يعيدها.
3_ في هذا الحديث جواز مناداة من في الصلاة ليجيب إذا فرغ من صلاته قاله ابن عبد البر في التمهيد.
4_ وفيه أن من دعي به وهو في الصلاة لا يجيب حتى يفرغ من صلاته قاله ابن عبد البر في التمهيد.
5_ وفيه وضع اليد على اليد وهذا يستحسن من الكبير للصغير لأن فيه تأنيسا وتأكيدا للود قاله ابن عبد البر في التمهيد.
6_ وفيه ما كان عليه أبي بن كعب من الحرص على العلم وحرصه حمله على قوله يا رسول الله السورة التي وعدتني؟ قاله ابن عبد البر في التمهيد.
7_ في هذا الحديث دليل على أن فاتحة الكتاب تقرأ في أول ركعة وحكم كل ركعة كحكم أول ركعة في القياس والنظر وظاهر قوله فقرأت عليه {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} والأغلب منه أنه افتتحها بذلك والله أعلم قاله ابن عبد البر في التمهيد
8_ وفي الحديث تفسير القرآن بالسنة.
9_ فيه تفاضل سور القرآن
……………….
لنا شرح على سورة الفاتحة، عبارة عن محاضرة مفرغة، لعلي انقله في مناسبه أخرى، وهنا أنقل هذا البحث لبعض الأخوة:
قال الباحث: جمهور العلماء على أن أسماء جميع السور توقيفية، فقد أخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم جميع أسماء السور، والأحاديث في هذا الشأن كثيرة.
سميت سورة الفاتحة بأم الكتاب لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة، وأسمائها كثيرة؛ ومن أسمائها: فاتحة الكتاب، وأم القرآن، والقرآن العظيم، وسورة الحمد، وسورة الصلاة، والسبع المثاني، (فهي سبع آيات ولأنها تثنى على مرور الأوقات وتكرر فلا تدرس ولا تنقطع دروس سائر الأشياء التي تضمحل وتبطل على مرور الأيام، والفاتحة تثنى في الصلوات، وتثنى بسورة أخرى) وتسمى الرقية.
وهي سورة مكية وعدد آياتها سبع مع البسملة.
فضائل سورة الفاتحة:
1/ أخرج مسلم في صحيحه ـ واللفظ له ـ، والنسائي، وأبو يعلى، وابن حبان، والطبراني، والحاكم، وغيرهم: عن ابن عباس قال: بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم فنزل منه ملك. فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك؛ فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته.
2/ وأخرج البخاري، وأحمد، وأبو داود، والنسائي من حديث أبي سعيد بن المعلى، قال: كنت أصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه حتى صليت قال: فأتيته فقال: “ما منعك أن تأتي؟ ” قال: قلت: يا رسول الله إني كنت أصلي، قال: ألم يقل الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ثم قال: “لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد”، قال: فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج من المسجد، قلت: يا رسول الله إنك قلت: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قال: “نعم (الحمد لله رب العالمين) هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته”.
3/ ومن فضائل سورة الفاتحة أنها تقرأ لزوماً في الصلاة، فقد أخرج مسلم، والنسائي، والترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج، غير تمام”.
4/ وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا: يقول العبد: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يقول الله تعالى: حمدني عبدي، ويقول العبد: (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)، يقول الله: أثنى عليَّ عبدي، ويقول العبد: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، يقول الله تعالى: مجدني عبدي، ويقول العبد: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، فقال هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل: يقول العبد: ـ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)، قال: فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل.
5/ وأخرج الإمام أحمد، والترمذي من حديث أبي بن كعب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: “أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها؟ ” ثم أخبره أنها الفاتحة. وهو بمعنى حديث الباب
6/ وأخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”الحمد لله رب العالمين أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم”.
7/ وأخرج الحاكم في “المستدرك” وهو في “الصحيحة” (1499) عن انس ـ رضي الله عنه ـ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في سير، فنزل، ونزل رجل إلى جانبه، قال: فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “ألا أخبرك بأفضل القرآن؟ فتلا عليه: الحمد لله رب العالمين”.
مقاصد سورة الفاتحة:
اشتملت سورة الفاتحة على مسائل كثيرة هي من مقاصد القرآن العظيم، قال القرطبي: وفي الفاتحة من الصفات ما ليس لغيرها حتى قيل: إن جميع علوم القرآن فيها.
فسورة الفاتحة كما قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ (باختصار وتصرف) اشتملت على:
1/ التعريف بالمعبود تبارك وتعالى بثلاثة أسماء، مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها، ومدارها عليها: وهي الله، والرب، والرحمن.
2/ وبنيت السورة على الإلهية (اياك نعبد)، والربوبية (وإياك نستعين)، والرحمه: (اهدنا الصراط المستقيم .. ) والحمد يتضمن الأمور الثلاثة، فهو المحمود في إلاهيته وربوبيته ورحمته.
3/ أن الثناء والمجد كمالان لجده.
4/ وتضمنت السورة إثبات المعاد، وجزاء العباد بأعمالهم حسنها وسيئها، (مالك يوم الدين).
5/ وتضمنت السورة إثبات النبوات وذلك من خلال:
أنه رب العالمين: فلا يليق أن يترك الله تعالى عباده سدى هملاً لا يعرفهم ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم وما يضرهم فيهما فهذا هضم للربوبية ونسبة الرب تعالى الى ما لا يليق به.
وأنه الله الذي لا معبود بحق إلا هو: ولا سبيل للعباد إلى معرفة عبادته إلا من طريق رسله.
وأنه الرحمن: فإن رحمته تمنع إهمال عباده أو عدم تعريفهم ما ينالون به غاية كمالهم. فمن أعطى اسم الرحمن حقه عرف أنه متضمن لإرسال الرسل، وإنزال الكتب، أعظم ما تضمنه إنزال الغيث وإنبات الكلأ، وإخراج الحب فاقتضاء الرحمة لما تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح. لكن المحجوبون إنما أدركوا من هذا الاسم حظ البهائم والدواب. وأدرك منه أولوا الألباب أمرا وراءه ذلك.
وأثبتت السورة النبوات من ذكر يوم الدين فإنه اليوم الذي يدين الله به العباد فيه بأعمالهم، فيثيبهم على الخيرات، ويعاقبهم على المعاصي والسيئات، وما كان الله ليعذب أحدا قبل إقامة الحجة عليه، والحجة إنما قامت برسله وكتبه وبهم استحق الثواب والعقاب، وبهم قام سوق يوم الدين وسيق الأبرار إلى النعيم والفجار إلى الجحيم.
وأثبتت السورة النبوات من قوله (إياك نعبد) فإن ما يعبد به الرب تعالى لا يكون إلا على ما يحبه ويرضاه، وعبادته ـ هي شكره وحبه وخشيته ـ فطري ومعقول للعقول السليمة. لكن طريق التعبد وما يعبد به لا سبيل إلى معرفته إلا برسله وبيانهم وفي هذا بيان أن إرسال الرسل أمر مستقر في العقول يستحيل تعطيل العالم عنه كما يستحيل تعطيل الصانع عنه فمن أنكر الرسل فقد أنكر المرسل، ولم يؤمن به، ولهذا جعل الله سبحانه الكفر برسله كفرا