116 الفوائد المنتقاه من شرح مختصر صحيح مسلم
المقام في مسجد الشيخة /سلامة في مدينة العين
(ألقاه الأخ: سيف بن دورة الكعبي)
بالتعاون مع الإخوة في مجموعات السلام1،2،3 والمدارسة، والاستفادة.
مشاركة مجموعة سيف بن غدير النعيمي
صحيح مسلم
بَاب فَضَائِلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام
4360 عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ الْأَنْبِيَاءُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ
4361 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى الْأَنْبِيَاءُ أَبْنَاءُ عَلَّاتٍ وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَ عِيسَى نَبِيٌّ
4362 عن أبي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ قَالُوا كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ فَلَيْسَ بَيْنَنَا نَبِيٌّ
_____
قال صاحبنا سيف بن غدير:
العلات أن يكونوا من أب واحد وأمهاتهم شتى مأخوذ من شرب العلل بعد النهل
وأما أخوة الاخياف فعكس هذا أن تكون أمهم واحدة من آباء شتى.
وأخوة الاعيان فهم الاشقاء من أب واحد وأم واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.
البداية والنهاية ابن كثير ج 1 باختصار
ويقول ابن تيمية في اقتضاء الصراط ج: 1 ص: 455
” فدين الأنبياء واحد وهو دين الإسلام، إلا أن بعض الشرائع تتنوع، فقد يشرع في وقت أمرا لحكمة ثم يشرع في وقت آخر أمرا آخر لحكمة، كما شرع في أول الإسلام الصلاة إلى بيت المقدس ثم نسخ ذلك وأمر بالصلاة إلى الكعبة، فتنوعت الشريعة والدين واحد وكان استقبال الشام من ذلك الوقت من دين الإسلام وكذلك السبت لموسى من دين الإسلام، ثم لما صار دين الإسلام هو الناسخ وهو الصلاة إلى الكعبة، فمن تمسك بالمنسوخ فليس على دين الإسلام ولا هو من الأنبياء ومن ترك شرع الأنبياء وابتدع شرعا فشرعه باطل لا يجوز اتباعه لقوله (أمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَاذَنْ بِهِ اللَّهُ)، ولهذا كفرت اليهود والنصارى لأنهم تمسكوا بشرع منسوخ والله أوجب على جميع الخلق أن يؤمنوا بجميع كتبه ورسله ومحمد خاتم الرسل، فعلى جميع الخلق اتباعه واتباع ما شرعه من الدين وهو ما أتى به من الكتاب والسنة. وفي موضع آخر يقول ” فدين الأنبياء والمرسلين دين واحد وإن كان لكل من التوراة والإنجيل والقرآن شرعة ومنهاج ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صح: ته عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ” إنا معشر الأنبياء ديننا واحد وإن أولى الناس بابن مريم لأنا، إنه ليس بيني وبينه نبي ” فدين المرسلين يخالف دين المشركين المبتدعين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا.
أما الذين قَالُوا: إِنَّ شرعَ مَنْ قبلَنا ليس شَرْعًا لنا وهو أَصَحُّ الرواياتِ في الأصولِ عن الإمامِ الشافعيِّ فَتَمَسَّكُوا بظاهرِ قولِه تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: آية 48]، وَفِي الحديثِ الصحيحِ عن النبيِّ: «إِنَّا مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ أَوْلاَدُ عَلاَّتٍ، دِينُنَا وَاحِدٌ».
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله:
وأولادُ الْعَلاَّتِ: هُمْ أولادُ الرجلِ الواحدِ إذا كانت أمهاتُهم شَتَّى مُخْتَلِفَةً.
يعني أن العقيدةَ والأصلَ واحدٌ، والفروعُ تختلفُ، أما اختلافُ الفروعِ الذي أَشَارَ إليه النبيُّ بقولِه: (أَوْلاَدُ عَلاَّتٍ) وَبَيَّنَهُ اللَّهُ بقولِه: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} فهو لاَ يُنَافِي ما ذَكَرْنَا؛ لأَنَّ بعضَ الشرائعِ يكونُ فيها نسخٌ لم يكن فيما قَبْلَهَا، وَيُزَادُ في بعضِ الشرائعِ أحكامٌ لَمْ تَكُنْ موجودةً فيما قَبْلَهَا، وبواسطةِ نسخِ بعضِ الأحكامِ السابقةِ، وزيادةِ بعضِ الأحكامِ التي لَمْ تَكُنْ تَخْتَلِفُ الشرائعُ بهذا الاعتبارِ، ويكونُ لِكُلٍّ شَرِيعَةٌ وَمِنْهَاجٌ؛ لأَنَّهَا لم تَتَّحِدْ في كُلِّ شَيْءٍ.
وهذا معنَى قولِه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: آية 90]، العائدُ إلى الصلةِ هنا محذوفٌ، والأصلُ: أولئك الذين هَدَاهُمُ اللَّه
{العَذْبُ النَّمِيرُ مِنْ مَجَالِسِ الشَّنْقِيطِيِّ فِي التَّفْسِيرِ}
قلت سيف الكعبي:
قال ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد
قول النبي الأنبياء أولاد علات وفي لفظ اخوة من علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد
قال الجوهري بنو العلات هم أولاد الرجل من نسوة شتى سميت بذلك لأن الذي تزوجها على أولى كانت قبلها ثم عل من الثانية، العلل الشرب الثاني يقال له علل بعد نهل، وعله يعله إذا سقاه السقية الثانية. وقال غيره سموا بذلك لأنهم أولاد ضرائر والعلات الضرائر وهذا الثاني أظهر.
وأما وجه التسمية فقال جماعة منهم القاضي عياض وغيره معناه أن الأنبياء مختلفون في أزمانهم وبعضهم بعيد الوقت من بعض فهم أولاد علات إذ لم بجمعهم زمان واحد كما لم يجمع أولاد العلات بطن واحد وعيسى لما كان قريب الزمان من النبي ولم يكن بينهما نبي كانا كأنهما في زمان واحد فقال أنا أولى الناس بعيسى بن مريم عليه السلام قالوا كيف يا رسول الله فقال الأنبياء إخوة من علات الحديث
وفيه وجه آخر أحسن من هذا وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم شبه دين الأنبياء الذين اتفقوا عليه من التوحيد وهو عبادة الله وحده لا شريك له والإيمان به وبملائكته وكتبه ورسله ولقائه بالأب الواحد لاشتراك جميعهم فيه وهو الدين الذي شرعه الله لأنبيائه كلهم فقال تعالى (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه).
وقال البخاري في صحيحه باب ما جاء أن دين الأنبياء واحد وذكر هذا الحديث وهذا هو دين الإسلام الذي أخبر الله أنه دين أنبيائه ورسله من أولهم نوح إلى خاتمهم محمد فهو بمنزلة الأب الواحد.
وأما شرائع الأعمال والمأمورات فقد تختلف فهي بمنزلة الأمهات الشتى التي كان لقاح تلك الأمهات من أب واحد كما أن مادة تلك الشرائع المختلفة من دين واحد متفق عليه فهذا أولى المعنيين بالحديث وليس في تباعد أزمنتهم ما يوجب أن يشبه زمانهم بأمهاتهم ويجعلون مختلفي الأمهات لذلك وكون الأم بمنزلة الشريعة والأب بمنزله الدين وأصالة هذا وتذكيره وفرعية الأم وتأنيثها واتحاد الأب وتعدد الأم ما يدل على أنه معنى الحديث والله أعلم) انتهى.
قال ابن كثير في البداية والنهاية : ((وتقدم في الحديث: ” نحن معشر الانبياء أولاد علات ديننا واحد وأمهاتنا شتى ” والمعنى أن شرائعهم وإن اختلفت في الفروع، ونسخ بعضها بعضا حتى انتهى الجميع إلى ما شرع الله لمحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين إلا أن كل نبي بعثه الله فإنما دينه الاسلام، وهو التوحيد أن يعبد الله وحده لا شريك له كما قال الله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) [الانبياء: 25] … )) إلخ
قال ابن باز في بيان القوادح في العقيدة ووجوب الدخول في الإسلام:
فالإسلام هو دين الله، لا يقبل من أحد سواه، قال الله عز وجل:
سورة آل عمران الآية 85 وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ
وهو دين الأنبياء كلهم؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( … والأنبياء أولاد علات، ليس بيني وبينه نبي) رواه البخاري (3442، 3443)، ومسلم (2365) (143، 144، 145) وغيرهما، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال في (مختار الصحاح): بنو العلات: ….
والمعنى: أن دين الأنبياء واحد: وهو توحيد الله، والإيمان بأنه رب العالمين، وأنه الخلاق العليم، وأنه المستحق للعبادة دون كل ما سواه، والإيمان بالآخرة والبعث والنشور، والجنة والنار والميزان، وغير هذا من أمور الآخرة، أما الشرائع فهي مختلفة، وهذا معنى أولاد علات: أولاد لضرات، كنى بهذا عن الشرائع، كما قال سبحانه: سورة المائدة الآية 48 لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا. انتهى
وراجع شرح النووي
الفوائد:
فيه أن الروايات يفسر بعضها بعضاً؛ قال ابن حجر العسقلانيّ: وَقَدْ بَيَّنَهُ فِي رِوَايَة عَبْد الرَّحْمَن فَقَالَ: ” أُمَّهَاتهمْ شَتَّى وَدِينهمْ وَاحِد ” وَهُوَ مِنْ بَاب التَّفْسِير كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّ الْإِنْسَان خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْر مَنُوعًا) وَمَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ أَصْل دِينهمْ وَاحِد وَهُوَ التَّوْحِيد وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ فُرُوع الشَّرَائِع، وَقِيلَ الْمُرَاد أَنَّ أَزْمِنَتهمْ مُخْتَلِفَة.
دين الإسلام الذي أرسل به محمد صلى الله عليه وسلم واحد وإنما اختلف عن الأديان قبله في التشريع، وهو آخر الأديان وأكملها وخاتمها وأسمحها وفي الحديث (بعثت بالحنيفية السمحة)
(شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا … الآية): قال ابن كثير: ” والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفًا له، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق، فمن اختلف فيه {وَكَانُوا شِيَعًا} أي: فرقًا كأهل الملل والنحل وهي الأهواء والضلالات فالله قد بَرَّأ رسوله مما هم فيه. وهذه الآية كقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ]} الآية [الشورى:13]، وفي الحديث: “نحن معاشر الأنبياء أولاد عَلات، ديننا واحد , فهذا هو الصراط المستقيم، وهو ما جاءت به الرسل، من عبادة الله وحده لا شريك له، والتمسك بشريعة الرسول المتأخر، وما خالف ذلك فضلالات وجهالات وآراء وأهواء، الرسل بُرآء منها، كما قال: {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} “.
التعبير بالأخوة دليل المحبة فلا يؤمن المسلم إلا بالإيمان بالأنبياء كلهم ومنهم عيسى عليه السلام ومنه حديث عبادة الذي في كتاب التوحيد باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب وفيه (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه … ) أخرجه البخاري ومسلم
الرسل دعوتهم واحدة ويرتبط بعضهم ببعض ومنه حديث (مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه … فكنت أنا تلك اللبنة) أخرجه مسلم وراجع تعليقنا عليه في باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين
يسمى الزمن بين عيسى عليه الصلاة والسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم زمن الفترة، لكن هل كل من كان في هذا الزمن يعتبر من الغافلين كما قال تعالى (لتنذر قوما ما أنذر أباؤهم فهم غافلون) وماذا عن الحديث الذي أخرجه مسلم (إن أبي واباك في النار)، لعلنا نتعرض لهذه المسألة في شرح هذا الحديث.
لا يعارض الحديث قوله تعالى (إن أولى الناس بإبراهيم الذين اتبعوه وهذا النبي) لأنه أولى بإبراهيم من جهة قوة الاقتداء، وعيسى عليه الصلاة والسلام من جهة قرب العهد. قرره ابن حجر.
ومنه حديث (نحن أحق منهم بموسى) يعني في كوننا على التوحيد وتعظيم أيام الله.
ورد في سنن أبي داود 4324 حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ آدَمَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” لَيْسَ [ص:118] بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ يَعْنِي عِيسَى وَإِنَّهُ نَازِلٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ: رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ، كَأَنَّ رَاسَهُ يَقْطُرُ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ، فَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ، وَيُهْلِكُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ” وهو في الصحيح المسند 1448، والصحيحة 2182 وأوله (الأنبياء أولاد علات، أمهاتهم شئ، ودينهم واحد، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم … )
قال البزار مسنده 9574): روى عن أبي هريرة من وجوه وهو الأنبياء أولاد علات، وأما توضع الأمنة في الأرض؛ فرواه زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة، وقد روي عن أبي هريرة من وجه آخر
واستدل باحث بلفظ أبي داود على أن المقصود (ليس بيني وبينه نبي) يعني من البعثة إلى نزول عيسى عليهم الصلاة والسلام في آخر الزمان، يريد بذلك إثبات أنبياء قبل نبينا وبعد عيسى عليهم الصلاة والسلام ومن هؤلاء الأنبياء الذين بعثوا ما ورد في قوله تعالى (إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث) والرابع خالد بن سنان العبسي بعث في جيزان.
قلت سيف: واحسن إسناد لوجود نبي يدعى خالد بن سنان ما ذكره ابن حجر في الإصابة من مراسيل سعيد بن جبير
ثم وقفت على بحث جيد يبطل وجود هذا الزعم:
بعنوان (خالد بن سنان .. النبي الذي ضيعه قومه)!!
قال الباحث: لما قرأت هذا المبحث الذي يثبت نبوة خالد بن سنان تعجبت من ذلك ودهشت، فمن المعلوم أنه ليس بين عيسى عليه السلام ونبينا صلى الله عليه وسلم نبياً ولا رسولاً …. وقد جاءت السنة بذلك فقد روى الإمام مسلم في صحيحه (6130) من طريق أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أنا أولى الناس بعيسى، الأنبياء أولاد علات، وليس بيني وبينه نبي) وهذا كافياً في رد ما ذكر من الأدلة في نبوة خالد بن سنان!!
وقد نبه أهل العلم على هذا! الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (2/ 69).
والهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 279) لما ذكر حديث (ذاك نبي ضيعه قومه). قال: (هذا الحديث معارض للحديث الصحيح: قوله صلى الله عليه وسلم (أنا أولى الناس بعيسى بن مريم، الأنبياء إخوة لعلات، وليس بيني وبينه نبي))
أقول ولكن مع ذلك لا بأس أن نتعرض لذكر الأدلة التى ذكرها الكاتب وفقه الله ونجيب عنها مع ذكر من قال من أهل العلم بنبوته ……
حديث ابن عباس رضى الله عنه، قال: ذكر خالد بن سنان عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال (ذاك نبي ضيعه قومه).الحديث رواه البزار (كشف الأستار (2361))، والطبراني في المعجم الكبير من طريق قيس بن الربيع عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنه. وهذا لا يصح قيس بن الربيع ضعيف من قبل حفظه، وقد أدخل ابنه في حديث ما ليس منه انظر تهذيب التهذيب (3/ 447) وقد ضعفه الحافظ ابن حجر في الإصابة (2/ 156)
ثم الصحيح أنه مرسل قال البزار: ولانعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وكان قيس بن الربيع ثقة في نفسه إلا أنه كان رديء الحفظ، وكان له ابن يدخل في أحاديثه ماليس منها، رواه الثوري عن سالم عن سعيد بن جبير مرسلاً. وقد رواه ابن حجر في الإصابة (2/ 154) بسنده عن سعيد ابن جبير مرسلاً بلفظ (مرحباً بإبنة نبي ضيعه قومه) وقال (رجاله ثقات إلا أنه مرسل).
ورواه الكلبي في تفسيره عن ابن عباس مرفوعاً بلفظه ولا يصح أيضاً.
في الإصابة (2/ 154) قال الفضل بن موسى الشيباني دخلت على حمزة السكري فحدثته بهذا عن الكلبي فقال استغفر الله، استغفر الله. أخرجه الحاكم في تاريخ نيسابور
ورواه الحاكم (4/ 494) (4229) والطبراني في الكبير (11793) وقال أبو يونس قال سماك بن حرب سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لاذاك نبي اضاعه قومه).والإعضال والانقطاع ظاهر في هذا الحديث.
ورواه ابن شاهين في الصحابة فيما ذكره ابن حجر في الإصابة (2/ 156)، وفي ترجمة سباع بن زيد العبسي رضي الله عنه في الإصابة (3/ 63) وفي سنده مجاهيل.
وقد أورده ابن القيم في زاد المعاد (3/ 670) في قدوم وفد بني عبس. ولم يتكلم على سنده
وأما الحديث الذي فيه أن ابن خالد ابن سنان أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال (مرحباً بإبن أخي).فقد رواه الحاكم (4/ 494) (4229)،والطبراني في الكبير (11793) قال أبو يونس وهو حاتم ابن أبي صغيره قال سماك ابن حرب لا يصح الإعضال والانقطاع فيه ظاهر.
نعم وممن قال بنبوة خالد بن سنان العبسي أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب الإرجاء والجماجم قال: (لم يكن في بني اسماعيل نبي غيره ….. ) ذكر هذا ابن حجر في الاصابة (2/ 155)
وابن الأثير في الكامل (1/ 308) قال (قيل كان نبيا) بصيغة التمريض!!
والقاضي عياض في كتابه الشفاء في حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم ذكر الخلاف في نبوته قال (يقال: أنه نبي من بني اسرائيل) بصيغة التمريض!!
والزركلي في الأعلام (2/ 296) قال: (حكيم، من أنبياء العرب في الجاهلية ….. ).وخير الدين الزركلي ليس من فرسان هذا الميدان!
وأما القصة التي ذكرها الكاتب وفقه الله أقول رواها ورواه الحاكم (4/ 494) (4229)، وأبي يعلى في مسنده، والطبراني في الكبير (11793) من طريق معلى ابن مهدي ثنا أبو عوانة، عن أبي يونس، عن عكرمه، عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رجلا من بني عبس يقال له خالد بن سنان قال لقومه: إني أطفىء عنكم نار الحدثان قال: فقال له عمارة بن زياد رجل من قومه والله ماقلت لنا يا خالد قط إلا حقاً فما شأنك وشأن نار الحدثان تزعم أنك تطفيها، قال: فنطلق وانطلق معه عمارة بن زياد في ثلاثين من قومه حتى أتوها وهي تخرج من شق جبل من حرة يقال لها حرة اشجع، فخط لهم خالد خطه فأجلسهم فيها، فقال: أن ابطأت عليكم فلا تدعوني بأسمي، فخرجت كأنها خيل شقر يتبع بعضها بعض قال: فستقبلها خالد فضربها بعصاه وهو يقول: بدا بدا بدا كل هدى زعم ابن راعية المعزى أني لا أخرج منها وثيابي تندى حتى دخل معها الشق، قال: فأبطأ عليهم قال: فقال عمارة بن زياد: والله لو كان صاحبكم حياً لقد خرج اليكم بعد!
قالوا ادعوه باسمه قال: فقالوا: أنه قد نهانا أن ندعوه بأسمه فدعوه بأسمه قال: فخرج اليهم وقد أخذ برأسه فقال: الم أنهيكم أن تدعوني بأسمي قد والله قتلتموني فادفنوني …. الخ القصة.
وهذا القصة موقوفه على ابن عباس رضى الله عنهما، وأيضا سندها لايصح فيه المعلى بن مهدي ضعفه أبوحاتم وقال يأتي أحيانا بالمناكير. انظر الجرح والتعديل 4/ 335)
ولفظ (بِنْتُ نَبِيٍّ ضَيَّعَهُ قَوْمُهُ).أيضا رواه الطبراني في المعجم الكبير (12250) وابن عدي في الكامل 6/ 46 والأصبهاني في التاريخ 2/ 149 قال ابن عدي: ” وهذا الحديث لم يوصله فقال فيه عن ابن عباس غير قيس بن الربيع ” ا. هـ وقال الذهبي: ” قلت لا يصح هذا ” ا. هـ ميزان الاعتدال 8/ 222 وقال الحافظ ابن حجر: ” وقيس ضعيف من قبل حفظه ” ا. هـ الإصابة 2/ 373.
وأيضا لادلالة فيه لما ذهب إليه الكاتب!
قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (2/ 69):وهذا السياق موقوف على ابن عباس وليس فيه أنه كان نبيا!! وقد ضعف الخبر الحافظ ابن حجر في الإصابة (2/ 156) وقال بنكارته الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 279)!
والخلاصة أن الأحاديث التي جاءت في نبوة خالد بن سنان العبسي لايصح منها شيء بل هى مناكير
قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (2/ 69): (فإنه إن كان في زمن الفترة فقد ثبت في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن أولى الناس بعيسى بن مريم أنا لأنه ليس بيني وبينه نبي وإن كان قبلها فلا يمكن أن يكون نبيا لأن الله تعالى قال لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك وقد قال غير واحد من العلماء إن الله تعالى لم يبعث بعد اسماعيل نبيا في العرب إلا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء الذي دعا به إبراهيم الخليل باني الكعبة المكرمة التي جعلها الله قبلة لأهل الأرض شرعا وبشرت به الأنبياء لقومهم حتى كان آخر من بشر به عيسى بن مريم عليه السلام) قلت: والحديث الذي ذكره الحافظ ابن كثير في مسلم دون البخاري.
وقال رحمه الله في (2/ 69) (والمرسلات التي فيها أنه نبي لايحتج بها هاهنا)
وأعلها الحافظ ابن حجر في الاصابة (2/ 154) قال (وأصح ماوقفت على ذلك مع إرساله) .. وساق بسنده أثرا مرسلاً عن سعيد بن جبير.
فالصحيح في خالد بن سنان العبسي أنه كان على الحنفية ملة إبراهيم كقس بن ساعدة وزيد بن نفيل و ورقة بن نوفل وكان له كرامات ..
قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (2/ 69) (والأشبه أنه كان رجلا صالحا له أحوال وكرامات) .. هذا ماأردت بيانه وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
كما أن هذه الآثار لا تصح رواية فكذلك لا تصح دراية:
: قال تعالى [وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَاتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ] {الصَّف:6}
وسبق ذكر حديث الباب الذي في مسلم
تنبيه: ذكر الحاكم أن جماعة من المغاربة أدعو أنهم رأوا جثة خالد العبسي في بلادهم، ورده ابن حجر فقال: واين بلاد عبس من بلاد المغاربة. انتهى كلام الباحث.
فضائل عيسى عليه الصلاة والسلام كثيرة ومنها دعوته للتوحيد وتبرأه ممن اتخذه وأمه إلهين من دون الله وهم النصارى، ونال أجر غلو اليهود حيث أوذي منهم بدعواهم أنه ابن زنا، ومحاولتهم لقتله، ومنها أنه من أولي العزم من الرسل، وخص بمعجزة إحياء الموتي بإذن الله وابراء الأكمه والأبرص بإذن الله، ورفعه الله إليه، واتباعه لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان فنال شرف خدمة هذه الشريعة الشريعة ويلجأ الناس إليه في المحشر ويتواضع ولا يذكر ذنبا ويحيلهم إلى محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يعلم أن المقام مقامه.
قال سيف بن غدير:
هذه قواعد منقولة من بعض البحوث:
1 النبوة لا تثبت إلا بدليل صحيح:
يذكر علماء التفسير والسِّيَر أسماءَ كثيرٍ من الأنبياء نقلاً عن بني إسرائيل، أو اعتمادًا على أقوالٍ لم تثبت صحتها، فهذا كله لا يُثبت ولا ينفى؛ لأنّ أخبار بني إسرائيل تحتمل الصدق والكذب.
أمّا إذا خالفت هذه الأقوال شيئًا ممّا ثبت عند المسلمين من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهذه ترفَض جملة وتفصيلاً، كقول من قال: إنّ جرجيس وخالد بن سنان كانا نبيين بعد عيسى.
فقد ثبت في الحديث الصحيح أنّه ليس بين عيسى بن مريم وبين رسولنا صلوات الله وسلامه عليهما نبيٌّ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا أولى النّاس بابن مريم، والأنبياء أولاد علاَّت، ليس بيني وبينه نبيّ)) ([3]).
قال ابن كثير: “فيه ردٌّ على من زعم أنَّه بعث بعد عيسى نبيٌّ يقال له: خالد بن سنان”.
تفسير ابن كثير (2/ 36).
2 ما من نبي إلا ورعى الغنم:
وردت الأحاديث الصحيحة في أنّ هذا الأمر أشبه بالقاعدة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ((ما بعث الله نبيًّا إلاَّ رعى الغنم))، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: ((نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة).
قال ابن حجر: “قال العلماء: الحكمة في إلهام الأنبياء رعيَ الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يكلَّفونه من القيام بأمر أمتهم، ولأنّ في مخالطتها ما يحصِّل لهم الحلمَ والشفقة؛ لأنَّهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى ونقلها من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة أَلِفُوا من ذلك الصبرَ على الأمة، وعرفوا اختلافَ طباعها، وتفاوتَ عقولها، فجبروا كسرَها، ورفقوا بضعيفها، وأحسنوا التعاهدَ لها، فيكون تحمُّلهم لمشقَّة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة، لما يحصل لهم من التدريج على ذلك برعي الغنم، وخُصَّت الغنم بذلك لكونِها أضعف من غيرها، ولأنّ تفرّقها أكثر من تفرّق الإبل والبقر؛ لإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونَها في العادة المألوفة، ومع أكثرية تفرقها فهي أسرع انقيادًا من غيرها. وفي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك بعد أن علم كونه أكرم الخلق على الله ما كان عليه من عظيم التواضع لربه، والتصريح بمنته عليه وعلى إخوانه من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء”.
فتح الباري (4/ 441).
3 كل الأنبياء بلَّغوا ما أرسلوا به:
هذه قاعدة في جميع الأنبياء، أنّهم بلَّغوا رسالة ربّهم، قال تعالى: {وَكَذللِكَ جَعَلْنَـلكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى للنَّاسِ وَيَكُونَ للرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143].
جاء في تفسير الآية قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((يدعى نوح يوم القيامة، فيقول: لبيك وسعديك يا ربّ، فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيقال لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير؟ فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فتشهدون أنّه قد بلَّغ)) ([7]).
قال محمد خليل هرّاس: “ويجب الإيمان بأنّهم بلَّغوا ما أرسلوا به على ما أمرهم الله عزّ وجلّ، وبيَّنوه بيانًا لا يسع أحدًا ممّن أُرسلوا إليه جهله”.
شرح العقيدة الواسطية (ص: 64).
4 الكفر بنبي واحد كفر بجميع الأنبياء:
الكفر برسول واحدٍ كفرٌ بجميع الرسل، قال الله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ للْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:105]، وقال تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ للْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:123]، وقال تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ للْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:141]، وقال تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ للْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:160]، ومن المعروف أنّ كلَّ أمّة كذَّبت رسولها، إلاّ أن التكذيب برسول واحدٍ يعدّ تكذيبًا بالرسل كلهم، ذلك أنّ الرسل حملة رسالة واحدة، ودعاة دين واحدٍ، ومرسلهم واحد، فهم وِحدة يبشر المتقدم منهم بالمتأخر، ويصدِّق المتأخر المتقدم (.
قيل للحسن البصري: يا أبا سعيد، أرأيتَ قوله: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ للْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:105]، و {كَذَّبَتْ عَادٌ للْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:123]، و {كَذَّبَتْ ثَمُودُ للْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:141]، وإنَّما أرسل إليهم رسولٌ واحدٌ؟! قال: إنّ الآخِر جاء بِما جاء به الأول، فإذا كذَّبوا واحدًا فقد كذَّبوا الرسل أجمعين.
قال الثعالبيّ: “إن تكذيب نبي واحد يستلزم تكذيب جميع الأنبياء؛ لأنَّهم كلهم يدعون الخلق إلى الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر”.
تفسير الثعالبي (3/ 151).
وقد وسم الله من هذا حاله بالكفر، قال تعالى: {للَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِلللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرّقُوا بَيْنَ لللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذللِكَ سَبِيلاً (150) أُوْلَئِكَ هُمُ للْكَـلفِرُونَ حَقّاً} [النساء:150، 151].
ومدح سبحانه وتعالى الذين يؤمنون بجميع الرسل، قال تعالى: {ءامَنَ للرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ وَللْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءامَنَ بِلللَّهِ وَمَلَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ للْمَصِيرُ} [البقرة:285].
قال الفراء: “أي: لا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعضهم، كما فعلت اليهود والنصارى”.
انظر: تفسير القرطبي (2/ 141).
وقال ابن كثير: “المؤمنون يؤمنون بأنّ الله واحد أحد فرد صمد، لا إله غيره، ولا ربّ سواه، ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنَزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء، لا يفرقون بين أحد منهم، فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، بل الجميع عندهم صادقون بارّون راشدون مهديون هادون إلى سبيل الخير. وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعض بإذن الله؛ حتى نسخ الجميع بشرع محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي تقوم الساعة على شريعته، ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين”.
تفسير ابن كثير (1/ 343).