(114) … الفوائد المنتقاه من شرح مختصر صحيح مسلم
المقام في مسجد الشيخة /سلامة في مدينة العين
(ألقاه الأخ: سيف بن دورة الكعبي)
بالتعاون مع الإخوة في مجموعات السلام1،2،3 والمدارسة، والاستفادة.
مشاركة مجموعة عبدالحميد البلوشي
صحيح مسلم
1 (38 باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي)
2361 عن موسى بن طلحة عن أبيه قال مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رؤوس النخل فقال ما يصنع هؤلاء فقالوا يلقحونه يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أظن يغني ذلك شيئا قال فأخبروا بذلك فتركوه فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه فإني إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به فإني لن اكذب على الله عز وجل
2362 عن رافع بن خديج قال قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يأبرون النخل يقولون يلقحون النخل فقال ما تصنعون قالوا كنا نصنعه قال لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا فتركوه فنفضت أو فنقصت قال فذكروا ذلك له فقال إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر قال عكرمة أو نحو هذا قال المعقري فنفضت ولم يشك
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون فقال لو لم تفعلوا لصلح قال فخرج شيصا فمر بهم فقال ما لنخلكم قالوا قلت كذا وكذا قال أنتم أعلم بأمر دنياكم
………………………….
قال النووي رحمه الله:
قال العلماء: قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأي) أي في أمر الدنيا ومعايشها لا على التشريع.
فأما ما قاله باجتهاده صلى الله عليه وسلم، ورآه شرعا يجب العمل به، وليس إبار النخل من هذا النوع، بل من النوع المذكور قبله، مع أن لفظة الرأي إنما أتى بها عكرمة على المعنى لقوله في آخر الحديث: قال عكرمة: أو نحو هذا، فلم يخبر بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم محققا.
قال العلماء: ولم يكن هذا القول خبرا، وإنما كان ظنا كما بينه في هذه الروايات. قالوا: ورأيه صلى الله عليه وسلم في أمور المعايش وظنه كغيره، فلا يمتنع وقوع مثل هذا، ولا نقص في ذلك، وسببه تعلق هممهم بالآخرة ومعارفها. والله أعلم.
قال صاحبنا أبوأسامه:
يقول الطحاوي رحمه الله:
” لم يكن ذلك منه صلى الله عليه وسلم إخبارا عن وحي , وإنما كان منه على قول غير معقول ظاهر [يعني: أنه خبر عن أمر حسي مشاهد للناس] مما يتساوى فيه الناس في القول , ثم يختلفون فيتبين ذوو العلم به عمن سواهم من غير أهل العلم به , ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن كان يعاني ذلك، ولا من بلد يعانيه أهله ; لأنه صلى الله عليه وسلم إنما بلده مكة، ولم تكن دار نخل يومئذ , وإنما كان النخل فيما سواها من المدينة التي صار إليها صلى الله عليه وسلم , وكان القول في الأمر الذي قال على الظن به ” انتهى من ”
شرح مشكل الآثار ” (4/ 425).
ويقول ابن تيمية رحمه الله:
” لم ينههم عن التلقيح، لكنهم غلطوا في ظنهم أنه نهاهم، كما غلط من غلط في ظنه أن (الخيط الأبيض) و (الخيط الأسود) هو الحبل الأبيض والأسود”
انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (18/ 12).انتهى نقل أبي اسامه.
قال في ” المفهم ” (19/ 84): ومن باب عصمة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى
معنى هذه الترجمة معلوم من حال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قطعًا بدليل المعجزة، وذلك أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما قال للناس: أنا رسول الله إليكم، أبلغكم ما أرسلني به إليكم من الأحكام والأخبار عن الدار الآخرة وغيرها، وأنا صادق في كل ما أخبركم به عنه، ويشهد لي على ذلك ما أيَّدني به من المعجزات. ثم وقعت المعجزات مقرونة بتحدِّيه، علمنا على القطع والبتات استحالة الخطأ والغلط عليه فيما يبلغه عن الله، إما لأن المعجزة تنزلت منزلة قول الله تعالى لنا: صدق، أو لأنها تدل على أن الله تعالى أراد تصديقه فيما قاله عنه، دلالة على قرائن الأحوال، وعلى الوجهين فيحصل العلم الضروري بصدقه، بحيث لا يجوز عليه شيء من الخطأ في كل ما يبلغه عن الله تعالى بقوله: ((وأما أمور الدنيا التي لا تعلق لها بالدِّين فهو فيها واحد من البشر، كما قال: ((إنما أنا بشر أنسى كما تنسون))، وكما قال: ((أنتم أعلم بأمر دنياكم، وأنا أعلم بدينكم)). وقد تقدم القول في الإبار.
وقوله: ((ما أظن ذلك يغني شيئًا))؛ يعني به الإبار، إنما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا؛ لأنه لم يكن عنده علم باستمرار هذه العادة، فإنَّه لم يكن ممن عانى الزراعة، ولا الفلاحة، ولا باشر شيئًا من ذلك، فخفيت عليه تلك الحالة.
وقوله: ((إنما ظننت ظنًّا فلا تؤاخذوني بالظن))، وقوله في الأخرى: ((إنما أنا بشر))؛ هذا كله منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ اعتذار لمن ضعف عقله مخافة أن يزله الشيطان فيكذب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيكفر، وإلا فما جرى شيء يحتاج فيه إلى عذر، غاية ما جرى: مصلحة دنيوية، خاصَّة بقوم مخصوصين لم يعرفها من لم يباشرها، ولا كان من أهلها المباشرين لعملها، وأوضح ما في هذه الألفاظ المعتذر بها في هذه القصة قوله: ((أنتم أعلم بأمر دنياكم))، وكأنه قال: وأنا أعلم بأمر دينكم.
وقوله: ((إذا حدثتكم عن الله فخذوا به))؛ أمر جزم بوجوب الأخذ عنه في كل أحواله: من الغضب والرضا، والمرض والصحة.
وقوله: ((فلن أكذب على الله))؛ أي: لا يقع منه فيما يبلغه عن الله كذب، ولا غلط؛ لا سهوًا ولا عمدًا.
وقد قلنا: إن صدقه في ذلك هو مدلول المعجزة، وأما الكذب العمد المحض فلم يقع قط منه في خبر من الأخبار، ولا جرب عليه شيء من ذلك منذ أنشأه الله تعالى، وإلى أن توفاه الله تعالى، وقد كان في صغره معروفًا بالصدق والأمانة، ومجانبة أهل الكذب، والخيانة، حتى إنه كان يسمى بالصادق الأمين، يشهد له بذلك كل من عرفه وان كان من أعدائه، وقد خالفه.
وقوله: ((إذا أمرتكم بشيء من رأيي))؛ يعني به في مصالح الدنيا كما دل عليه بساط هذه القصة، ونصُّه على ذلك، ولم يتناول هذا اللفظ ما يحكم فيه باجتهاده إذا تنزلنا على ذلك؛ لأنَّ ذلك أمر ديني تجب عصمته فيه، كما إذا بلغه نصًّا؛ إذ كل ذلك تبليغ شرعه، وبيان حكم دينه، وإن اختلفت مآخذ الأحكام، كما قد أوضحناه في الأصول.
وقوله: ((فإنما أنا بشر))؛ أي: واحد منهم في البشرية، ومساوٍ لهم فيما ليس من الأمور الدينية، وهذه إشارة إلى قوله تعالى: {قل إنما أنا بشرمثلكم يوحى إلي}، فقد ساوى البشر في البشرية، وامتاز عنهم بالخصوصية الإلهية التي هي: تبليغ الأمور الدينية.
وقوله: ((فنفضت أو نقصت))؛ ظاهره أنه شك من بعض الرواة في أي اللفظين قال: ويحتمل أن يكون ((أو)) بمعنى الواو؛ أي: نفضت ثمرها ونقصت في حملها، وقد دلَّ على هذا قوله في الرواية الأخرى: ((فخرج شيصًا))، وهو البلح الذي لا ينعقد نواه، ولا يكون فيه حلاوة إذا أبسر، ويسقط أكثره فيصير حشفًا.
قال المناوي في ” فيض القدير “: (أنتم أعلم بأمر دنياكم) مني وأنا أعلم بأمر أخراكم منكم فإن الأنبياء والرسل إنما بعثوا لإنقاذ الخلائق من الشقاوة الأخروية وفوزهم بالسعادة الأبدية.
وفيه أنشدوا:
إن الرسول لسان الحق للبشر بالأمر والنهي والإعلام والخبر
هم أذكياء ولكن لا يصرفهم ذاك الذكاء لما فيه من الغرر
ألا تراهم لتأبير النخيل وما قد كان فيه على ما جاء من ضرر
هم سالمون من الأفكار إن شرعوا حكما بحل وتحريم على البشر
قال بعضهم: فبين بهذا أن الأنبياء وإن كانوا أحذق الناس في أمر الوحي والدعاء إلى الله تعالى فهم أسرج الناس قلوبا من جهة أحوال الدنيا فجميع ما يشرعونه إنما يكون بالوحي وليس للأفكار عليهم سلطان.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ومثل هذا لا يمتنع على الأنبياء أن يظنوا شيئا فيكون الأمر بخلاف ما ظنوه فقد يظنون فيما وعدوه تعيينا وصفات ولا يكون كما ظنوه فييأسون مما ظنوه فى الوعد لا من تعيين الوعد كما قال النبى صلى الله عليه و سلم رأيت أن أبا جهل قد أسلم فلما اسلم خالد ظنوه فلما أسلم عكرمة علم أنه هو وروى مسلم فى صحيحه …. فذكر أحاديث الباب وقال:
فإذا كان النبى يأمرنا إذا حدثنا بشىء عن الله أن نأخذ به فإنه لن يكذب على الله فهو أتقانا لله وأعلمنا بما يتقى وهو أحق أن يكون آخذا بما يحدثنا عن الله فإذا أخبره الله بوعد كان علينا أن نصدق به وتصديقه هو به أعظم من تصديقنا ولم يكن لنا أن نشك فيه وهو من بأب أولى وأحرى أن لا يشك فيه لكن قد يظن ظنا كقوله إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذونى بالظن وإن كان أخبره به مطلقا فمستنده ظنون كقوله فى حديث ذى اليدين ما قصرت الصلاة ولا نسيت
وقد يظن الشىء ثم يبين الله الأمر على جليته كما وقع مثل ذلك فى أمور كقوله تعالى (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) نزلت فى الوليد ابن عقبة لما استعمله النبى وهمَّ أن يغزوهم لما ظن صدقه حتى أنزل الله هذه الآية.
مجموع الفتاوى 15/ 186
قال ابن القيم: وقد سلك بعضهم مسلكا آخر فقال ما يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم
نوعان:
أحدهما: يخبر به عن الوحي فهذا خبر مطابق لمخبره من جميع الوجوه ذهنا وخارجا وهو الخبر المعصوم
والثاني: ما يخبر به عن ظنه من أمور الدنيا التي هم أعلم بها منه فهذا ليس في رتبة النوع الأول ولا تثبت له أحكامه وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن نفسه الكريمة بذلك تفريقا بين النوعين فإنه لما سمع أصواتهم في النخل يؤبرونها وهو التلقيح قال ما هذا فأخبروه بأنهم يلقحونها فقال ما أرى لو تركتموه يضوء شيئا فتركوه فجاء شيصا فقال إنما أخبرتكم عن ظني وأنتم أعلم بأمر دنياكم ولكن ما أخبرتكم عن الله.
مفتاح دار السعادة (5/ 122)
ونقل صاحبنا الديني عن ابن القيم أنه قال:
أرسله الله رحمة للعالمين، وإماما للمتقين، وحجة على الخلائق أجمعين، أرسله على حين فترة من الرسل، فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل، وافترض على العباد طاعته وتعزيره وتوقيره ومحبته، والقيام بحقوقه، وسد دون جنته الطرق، فلن تفتح لأحد إلا من طريقه، فشرح له صدره، ورفع له ذكره، ووضع عمه وزره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره وقد أوجب الله سبحانه وتعالى على جميع الخلق، طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر به واجتناب ما نهى عنه، وحذرهم من مخالفة أمره، وجعل طاعته سبحانه وتعالى طاعة للرسول صلى الله عليه وسلم، ذلك أن التصديق الجازم بالرسول صلى الله عليه وسلم يقتضي التسليم المطلق والتام لما جاء له ويستلزم طاعته فيما بلغه عن الله تعالى، وهذا من أعظم لوازم محبته صلى الله عليه وسلم والإيمان به، وهو من مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله، وقد جاءت نصوص كثيرة في القرآن والسنة توجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وتبين العلاقة بينها وبين طاعة الله تعالى، وتحذر من معصيته ومخالفة أمره عليه الصلاة والسلام. ومن ذلك قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: 132] وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
زاد المعاد (1/ 34، 35).
قال ابن باز رحمه الله: قد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا سيما خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم معصمون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله عز وجل من أحكام. كما قال عز وجل: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم معصوم في كل ما يبلغ عن الله من الشرائع قولا وعملا وتقريرا، هذا لا نزاع فيه بين أهل العلم، وقد ذهب جمهور أهل العلم أيضا إلى أنه معصوم من المعاصي الكبائر دون الصغائر، وقد تقع منه الصغيرة لكن لا يقر عليها، بل ينبه عليها فيتركها، أما من أمور الدنيا فقد يقع الخطأ ثم ينبه على ذلك؛ كما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم «لما مر على جماعة يلقحون النخل، فقال: ما أظنه يضره لو تركتموه فلما تركوه صار شيصا، فأخبروه صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: إنما قلت ذلك ظنا مني وأنتم أعلم بأمر دنياكم، أما ما أخبركم به عن الله عز وجل فإني لم أكذب على الله» رواه مسلم في الصحيح، فبين عليه الصلاة والسلام أن الناس أعلم بأمور دنياهم كيف يلقحون النخل وكيف يغرسون وكيف يبذرون ويحصدون.
أما ما يخبر به الأنبياء عن الله سبحانه وتعالى فإنهم معصومون من ذلك.
فقول من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم يخطئ فهذا قول باطل، ولا بد من التفصيل كما ذكرنا.
مجموع فتاوى ابن باز (6/ 291)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ومن المعلوم أن الذي ورثه الأنبياء هو علم شريعة اللهعز وجوليس غيره فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ما ورثوا للناس علم الصناعات وما يتعلق بها، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم حين قَدِمَ المدينة وجد الناس يؤبرون النخأي يلقحونهافقال لهم لما رأى من تعبهم كلامًا أنه لا حاجة إلى هذا، ففعلوا وتركوا التلقيح، ولكن النخل فسد ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ” أنتم أعلم بأمر دنياكم “.
ولو كان هذا هو العلم الذي عليه الثناء لكان الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم الناس به؛ لأن أكثر من يثنى عليه بالعلم والعمل هو النبي صلى الله عليه وسلم ، إذن فالعلم الشرعي هو الذي يكون فيه الثناء ويكون الحمد لفاعله، ولكني مع ذلك لا أنكر أن يكون للعلوم الأخرى فائدة، ولكنها فائدة ذات حدين إن أعانت على طاعة الله، وعلى نصر دين الله، وانتفع بها عباد الله فيكون ذلك خيراً ومصلحة، وقد يكون تعلمها واجبا في بعض الأحيان إذا كان ذلك داخلا في قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ).
وقد ذكر كثير من أهل العلم أن تعلم الصناعات فرض كفاية، وذلك لأن الناس لا بد لهم من أوانٍ يطبخون بها، ويشربون بها، وغير ذلك من الأمور التي ينتفعون بها، فإذ لم يوجد من يقوم بهذه
المصانع صار تعلمها فرض كفاية، وهذا محل جدل بين أهل العلم.
مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (26/ 12)
@ وفيه من الفوائد:
1 العلم الذي هو محل الثناء هو العلم الشرعي الذي هو فقه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما عدا ذلك فإما أن يكون وسيلة إلى خير، أو وسيلة إلى شر، فيكون حكمه بحسب ما يكون وسيلة إليه.
ابن عثيمين في الفتاوى ج26/ ص13
2 الناس أعلم بأمور دنياهم وتصريفها، كالزراعة وأنواع الصناعة والخياطة والتجارة، وأشباه ذلك، مع مراعاة حكم الشرع في كل شيء.
3 أوامر النبي صلى الله عليه وسلم عن الله يجب أن نأخذ بها فإنه لن يكذب على الله فهو أتقانا لله
وقد يظن الشيء ثم يبين الله الأمر على جليته
================
قلت سيف: هذه تتمات على مشاركة الأصحاب:
4 في السحر الذي وقع على النبي صلى الله عليه وسلم لم يتأثر في أمور الوحي إنما كان يخيل إليه أنه يستطيع أن يأتي نساءه فإذا قرب من إحداهن أخذ عنها.
5 فيه تعلم أمور الدنيا خاصة التي فيها الدفاع عن الدين. وكذلك علوم الطب، وكلما كان العلم أنفع للأمة الإسلامية كان هو أفضل، لكن لا بد أن تصاحبه نية حسنة.
6 لا يصلح أن نقول أن النصوص الشرعية في السياسة والاقتصاد والطب وغيرها إنما هي آراء قابلة للرد، فهي تختلف عن قوله صلى الله عليه وسلم (أنتم أعلم بأمور دنياكم) بل الصحابة لعلمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يبين لهم كل شئ على وجهه الصحيح بادروا بالطاعة ثم بين لهم أن مثل هذه الأمور قد يخطأ فيها.
لذا قال بعض الصحابة: يا رسول الله هل هذا المكان الذي نزلته بوحي أم هي الخطة والحرب؟
7 ذهب باحث أن لفظة الجزم (لو لم تفعلوا لصلح) إنما هي من رواية حماد بن سلمة؛ وجعلها مسلم آخرا، أما الروايات التي قبلها فهي بلفظ الظن (ما أظن يغني ذلك شيئا)
، (لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا)، ونقل أن المعلمي قال في الأنوار الكاشفة: عادة مسلم أن يرتب روايات الحديث بحسب قوتها: يقدم الأصح فالأصح.
خاصة أنه قال: فإني لن أكذب على الله. فيه دليل على امتناع أن يكذب على الله خطأ، لأن السياق في احتمال الخطأ. وامتناعه عمدا معلوم من باب أولى، بل كان معلوما عندهم قطعا. وفي الرواية الصحيحة ليس فيه قوله (أنتم أعلم بأمور دنياكم)
وتعقبه باحث أنه لم يسبق للتضعيف، ونقل أن ابن حزم في الأحكام اعتبرها من أمور الدنيا التي جعل الله لنبيه الاجتهاد والاختيار يفعل أو لا يفعل مثل النزول في أماكن الحرب، وإعطاء غطفان ثلث الثمار، ومثله لما قيل له في صلح الحديبية نرى أن نميل إلى ذراري هؤلاء.
8 ولا حجة للعلمانيين في هذا الحديث فكلما أرادوا رد حديث قالوا: أنتم أعلم بأمور دنياكم: لأن الصحابة بنوا على أنه تشريع فسمعوا وأطاعوا وتركوا التأبير، حتى بيَّن لهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه ظن واجتهاد، ولفظه كان واضحاً أنه اجتهاد، حتى إن العلماء احتاجوا أن يذكروا بعض الأمور التي هي من أمور الدنيا لوجود قرائن فلولا الأصل التشريع لما احتاجوا لذلك.
ثم يقال الأمر الذي هم به أعلم الذي يكون مثل تأبير النخل فيحتاج خبره عملية. وإلا قال النبي صلى الله عليه وسلم في أمر طبي: صدق الله وكذب بطن أخيك. حتى أفرد الأئمة كتاب للطب في مصنفاتهم، وكذلك أفردوا كتاب للباس والزينة والمعاملات والأنكحة …. وغير ذلك.
فلولا أنها بوحي من الله لما احتاجوا أن يفردوها … ثم فَصْلُ الدين عن الدنيا هي طريقة انقلابية من الكفار على الكنيسة، فعزلوا الدين كليا عن الدنيا حتى نقل الشيخ السعدي أن ملوكهم وزعماءهم وأصحاب السلطة أصلاً لا دينين إنما تظاهروا أنهم نصارى؛ فاتبعهم الناس على هذا الدين؛ لأنهم عرفوا أن الناس لا ينقادون إلا بملة. ثم قصروا الدين في الكنيسة.
9 قال باحث: النبي صلى الله عليه وسلم معصوم عصمة وقوع، ومعصوم عصمة إقرار
وهذا القسم ليس على الاطلاق لأن الذنوب أنواع فالنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من وقوع بعض الذنوب دون بعض.
فمعصوم من ثلاثة أنواع:
1/ الشرك وأسبابه معصوم النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء من الوقوع في الشرك وأسبابه مطلقا
2/ ما يخل بمقصود الرسالة كالكذب والخيانة ونحوها لأن مثل هذه تنافي مقصود الرسالة فعصم منها النبي صلى اله عليه وسلم وسائر الأنبياء
3/ معصوم صلى الله عليه وسلم مما يخل بالشرف وطهارة العرض كالزنا، واللواط، وشرب الخمر ونحوها
وما سوى هذه الأنواع فتقع الذنوب من الأنبياء كغيرهم من البشر …. فالنبي يقع منه الذنب لكنه معصوم من الأقرار مطلقاً بمعنى لا يمكن أن يموت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ذنب ابداً
لأن الله ينبهه كما سبق في الآيات
بخلاف البشر قد يموت وعليه ذنوب
وهذه عصمة الاقرار وهي خاصة بالأنبياء إذ لا يمكن أن يموت نبي وعليه ذنب لابد أن ينبه بالوحي.
والله اعلم
وفي بعض الفتاوى:
سؤال رقم 7208 هل النبي صلى الله عليه وسلم يُخْطِئ
السؤال:
سؤالي عن الرسول صلى الله عليه وسلم. بعض المسلمين يقولون إنه بدون خطايا، وآخرون يقولون إنه ليس بدون خطايا. أنا شخصيا لا أعتقد أنه بدون خطايا لأنه بشر. هل يمكنك أن تخبرني بالرأي الصحيح من الكتاب والسنة؟ ولكم جزيل الشكر. والله أكبر
الجواب:
أولا: استعمال كلمة خطايا في السؤال خطأ كبير، لأن الخطايا جمع خطيئة وهذا مُحال على الرسل والأصح أن تقول أخطاء جمع خطأ لأن الخطأ قد يكون عفوياً وليس كذلك الخطيئة.
ثانياً: أما الخطيئة فاٍن الرسل ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم لم يرتكبوا شيئاً منها بقصد معصية الله تعالى بعد الرسالة وهذا بإجماع المسلمين، فهم معصومون عن كبائر الذنوب دون الصغائر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
إن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر: هو قول أكثر علماء الإسلام، وجميع الطوائف … وهو أيضاً قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل لم يُنقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول. ” مجموع الفتاوى ” (4/ 319).
وهذا سؤال موجه إلى اللجنة الدائمة حول الموضوع:
سؤال: بعض الناس يقولون ومنهم الملحدون: إن الأنبياء والرسل يكون في حقهم الخطأ يعني يخطئون كباقي الناس، قالوا: إن أول خطأ ارتكبه ابن آدم قابيل هو قتل هابيل … داود عندما جاء إليه الملكان سمع كلام الأول ولم يسمع قضية الثاني …. يونس وقصته لما التقمه الحوت، وقصة الرسول مع زيد بن حارثة قالوا بأنه أخفى في نفسه شيئا يجب عليه أن يقوله ويظهره، قصته مع الصحابة: انتم أدرى بأمور دنياكم، قالوا بأنه اخطأ في هذا الجانب. قصته مع الأعمى وهي {عبس وتولى أن جاءه الأعمى} فهل الأنبياء والرسل حقا يخطئون وبماذا نرد على هؤلاء الآثمين؟
الجواب:
ج: نعم الأنبياء والرسل يخطئون ولكن الله تعالى لا يقرهم على خطئهم بل يبين لهم خطأهم رحمة بهم وبأممهم ويعفو عن زلتهم ويقبل توبتهم فضلا منه ورحمة والله غفور رحيم كما يظهر ذلك من تتبع الآيات القرآنية التي جاءت فيما ذكر من الموضوعات في هذا السؤال … وأما أبناء آدم فمع انهما ليسا من الأنبياء …. بين الله سوء صنيعه بأخيه …. انتهى
عبد العزيز بن باز عبد الرزاق عفيفي عبد الله بن غديان عبد الله بن قعود. ” فتاوى اللجنة الدائمة ” برقم 6290 (3/ 194).
ثالثاً: أما قبل الرسالة فقد جوَّز عليهم العلماء أنه قد يصدر منهم بعض صغائر الذنوب، وحاشاهم من الكبائر والموبقات كالزنا وشرب الخمر وغيرها فهم معصومون من هذا.
وأما بعد الرسالة، فإن الصحيح أنه قد يصدر منهم بعض الصغائر لكن لا يُقرون عليها.
قال شيخ الإسلام:
وعامة ما يُنقل عن جمهور العلماء أنهم غير معصومين عن الإقرار على الصغائر، ولا يقرون عليها، ولا يقولون إنها لا تقع بحال، وأول من نُقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقاً، وأعظمهم قولاً لذلك: الرافضة، فإنهم يقولون بالعصمة حتى ما يقع على سبيل النسيان والسهو والتأويل. ” مجموع الفتاوى ” (4/ 320).
وهو معصومون في التبليغ عن الله تعالى.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
فان الآيات الدالة على نبوة الأنبياء دلت على أنهم معصومون فيما يخبرون به عن الله عز وجل فلا يكون خبرهم إلا حقا وهذا معنى النبوة وهو يتضمن أن الله ينبئه بالغيب وأنه ينبئ الناس بالغيب والرسول مأمور بدعوة الخلق وتبليغهم رسالات ربه. ” مجموع الفتاوى ” (18/ 7).
رابعاً: أما الخطأ الذي بغير قصد فهو في سبيلين:
في أمور الدنيا فهذا يقع ووقع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فيه مثل سائر البشر كأمور الزراعة، والطب والنجارة وغيرها لأن الله تعالى لم يقل لنا إنه أرسل إلينا تاجراً أو مزارعاً أو نجاراً أو طبيباً، فالخطأ في هذه الأمور جِبلِّيّ لا يقدح برسالته صلى الله عليه وسلم.
عن رافع بن خديج قال: ” قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يُأبِّرون النخل قال: ما تصنعون؟ قالوا: كنا نصنفه قال: لعلكم لو لم تفعلوا كان أحسن فتركوه فنقصت فذكروا ذلك له فقال: إنما أنا بشر مثلكم، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوه، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر. رواه مسلم (2361).
ومعنى التأبير: التلقيح.
نلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخطأ في هذا الأمر من أمور الدنيا لأنه كسائر البشر ولكنه لا يخطئ في أمر الدين.
وأما الخطأ بأمور الدين من غير قصد:
فالراجح في ذلك من أقوال العلماء: أنه يقع من النبي مثل هذا ولكن على سبيل فعل خلاف الأولى.
فقد تعْرِض له المسألة وليس عنده في ذلك نص شرعي يستند إليه فيجتهد برأيه كما يجتهد العالِم من آحاد المسلمين فإن أصاب نال من الأجر كِفْلين وإن أخطأ نال أجراً واحداً وهذا قوله صلى الله عليه وسلم ” إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد “. رواه البخاري (6919) ومسلم (1716) من حديث أبي هريرة.
وقد حدث هذا منه في قصة أسرى بدر.
عن أنس قال: استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في الأسارى يوم بدر فقال إن الله عز وجل قد أمكنكم منهم، قال: فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم قال فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس، قال: فقام عمر فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ثم عاد النبي صلى الله عليه وسلم فقال للناس مثل ذلك، فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله إن ترى أن تعفو عنهم وتقبل منهم الفداء، قال: فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم قال فعفا عنهم وقبل منهم الفداء، قال: وأنزل الله عز وجل (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) [سورة الأنفال /67]. رواه أحمد (13143).
فنلاحظ أن هذه الحادثة لم يكن عند رسول الله فيها نص صريح فاجتهد واستشار أصحابه، فأخطأ في الترجيح.
ومثل هذا في السنّة قليل فيجب أن نعتقد العصمة للرسل والأنبياء وأن نعلم أنهم لا يعصون الله تعالى، وأن ننتبه غاية الانتباه لقول من يُريد أن يطْعن في تبليغه للوحي من خلال كونه صلى الله عليه وسلم قد يُخْطئ في أمور الدنيا، وشتّان ما بين هذا وهذا، وكذلك أن ننتبه للضالين الذين يقولون إنّ بعض الأحكام الشّرعية التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم هي اجتهادات شخصيّة قابلة للصواب والخطأ أين هؤلاء الضلال من قول الله تعالى. (وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى)، نسأل الله أن يجنّبنا الزّيغ وأن يعصمنا من الضلالة، والله تعالى أعلم، والله أعلم.
تنبيه: تقرير أن الأنبياء قد يعرف غيرهم من أمور الدنيا أكثر مما يعرفون إنما لأن الدنيا ليست مقصودهم فكثير من الناس ينطبق عليه قوله تعالى (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) أما الأمور التي تخدم الدين كالجهاد وسياسة الناس والحكم بينهم فهم في الدرجة الأولى في لك.
لكن قد يقع منهم اجتهاد خطأ، ومنه قوله تعالى (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء)، ومنه حديث (لعل بعضكم ألحن بالحجة من بعض فأقضي له نحو ما أسمع فإنما هي جمرة … )
10 يقرر بعض العلماء أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم وحي. وهناك أدلة من القرآن والسنة، لعل الله ييسر ونبحثها في موضع آخر.
11 في الحديث الإعتذار ولو لم يقع تقصير مراعاة لمن قد يقصر عقله. وسبق ذكر هذه الفائدة أثناء كلام أهل العلم الذي نقلناه.