70 جامع الأجوبة الفقهية ص123
كيف تزال النجاسة عن الماء؟
يعني: هل يكفي إزالة التغير الذي حصل فيه؟
”””’
مشاركة مجموعة ناصر الريسي:
اختلف العلماء في كيفية تطهير الماء المتنجس على أقوال، مع اتفاقهم على أن الماء الكثير لا ينجس إلا بالتغير، واختلفوا في القليل هل ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة، أو يشترط أن يتغير بها؟
القول الأول: مذهب الحنفية:
فرّق الحنفية بين ماء البئر وغيره من المياه، فمسائل البئر عندهم على خلاف القياس، بينما الجمهور لم يفرقوا بين ماء البئر وغيره من المياه.
فإذا وقعت في الأواني أو في الحوض الصغير نجاسة، فلهم في تطهير الماء بشرط زوال تغيره إن وجد ثلاثة أقوال:
قيل: إذا دخل فيه ماء آخر وخرج الماء منه، طهر وإن قل، إذا كان الخروج حال دخول الماء فيه؛ لأنه بمنزلة الجاري.
وقيل: لا يطهر إلا بخروج ما فيه.
وقيل: لا يطهر إلا بخروج ثلاثة أمثال ما كان فيه من الماء، وسائر المائعات كالماء في القلة والكثرة
المرجع: تبيين الحقائق (1/ 23)
وبدائع الصنائع (1/ 87)،
وشرح فتح القدير (1/ 81)
تعليل الحنفية:
أن الماء النجس إذا دخل فيه ماء آخر، وخرج الماء منه، وكان خروج الماء حال دخول الماء الجديد فيه أصبح بمنزلة الماء الجاري، والماء الجاري لا ينجس إلا بالتغير.
القول الثاني: مذهب المالكية:
قالوا: الماء المتغير بالنجاسة إما أن يزول تغيره بنفسه، أو بصب ماء مطلق عليه، أو بإضافة تراب ونحوه.
فإن تغير الماء بنفسه، فإما أن يكون الماء قليلاً أو كثيرًا، ولم يَحدُّوا في ذلك حدًّا بين القليل والكثير، فالقليل أواني الوضوء ونحوها، والكثير ما عداها.
فإن كان قليلاً، فهو نجس اتفاقًا عندهم.
وإن كان الماء الذي تغير بنفسه كثيرًا، فلأصحاب مالك فيه قولان:
الأول: أنه طهور؛ لأن الحكم بالنجاسة إنما هو لأجل التغير وقد زال، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، كالخمر يتخلل، وقد رجح هذا ابن رشد.
وقيل: إنه نجس؛ لأن النجاسة عندهم لا تزال إلا بالماء المطلق، وليس حاصلاً هنا؛ فيستمر بقاء النجاسة.
ومع أنهم حكموا بنجاسته، إلا أنهم قيدوا الحكم بالنجاسة مع وجود غيره، أما إذا لم يوجد إلا هو، فيستعمله بلا كراهة؛ مراعاة للخلاف.
وإن زال تغير الماء بالنجاسة بإضافة ماء مطلق، فهو طهور اتفاقًا عندهم، حتى ولو كان المضاف قليلاً، ولا يشترط أن يبلغ الماء قلتين عندهم، فلا يشترطون إلا شرطين:
أحدهما: أن يكون الماء المضاف ماء مطلقًا؛ أي: ليس ماء نجسًا ولا طاهرًا.
الثاني: أن يزول تغيره بالإضافة.
وإن زال تغيره بإلقاء طين، فينظر:
فإن لم يتغير الماء بالطين، فقد طهر، وإن تغير الماء بما ألقي فيه، فالأظهر النجاسة؛ عملاً بالاستصحاب
المرجع:
الخرشي (1/ 80، 81)
ومنح الجليل (1/ 42، 43) وشرح الزرقاني على مختصر خليل (1/ 20، 21)
وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 46، 47)،
وحاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 41، 42).
القول الثالث: مذهب الشافعية: فهم يفرقون بين الماء القليل والماء الكثير إذا لاقى نجاسة ولم يتغير، فينجس الأول عندهم دون الثاني، وعلى هذا يقسم الشافعية الماء إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يكون الماء أكثر من قلتين، فلا ينجس إلا بالتغير، وفى تطهيره ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يزول تغيره بنفسه؛ لأن الماء يطهر غيره، فكونه يطهر نفسه من باب أولى.
الحالة الثانية: أن يزول تغيره بإضافة ماء آخر عليه، سواء كان المضاف طاهرًا أم نجسًا، قليلاً أم كثيرًا، صب عليه الماء أو نبع فيه، فإذا زال تغيره طهر.
الحالة الثالثة: أن يزول تغيره بنزح بعضه، فإنه يطهر، بشرط أن يكون الباقي بعد النزح قلتين فأكثر غير متغير، فإن بقي دونهما لم يطهر بلا خلاف عند الشافعية.
القسم الثاني: من الماء النجس: أن يكون الماء قلتين، وهذا لا ينجس إلا بالتغير. وفي التطهير له حالتان:
الأولى: أن يزول تغيره بنفسه.
الثانية: أن يزول تغيره بإضافة ماء آخر عليه، ولو كان المضاف نجسًا أو قليلاً.
القسم الثالث: أن يكون الماء المتنجس دون القلتين، وهذا الماء ينجس عندهم بمجرد ملاقاة النجاسة، ولو لم يتغير.
ففي تطهيره طريقة واحدة، وهي أن يزول تغيره بإضافة ماء آخر عليه حتى يبلغ قلتين، حتى ولو كان هذا الماء المضاف نجسًا، ما دام أنه إذا بلغ قلتين فقد زال تغيره فإنه يطهر.
أما إذا أضيف إليه ماء دون القلتين، ففيه وجهان عندهم:
الأول: قيل: يكون طاهرًا غير مطهر.
لماذا كان طاهرًا، وقد لاقى النجاسة، وهو قليل؟
قالوا: لأن الماء القليل إنما ينجس بالنجاسة إذا وردت عليه، أما إذا ورد الماء على النجاسة كما هو الحال هنا فلا ينجس.
ولماذا إذًا لا يكون طهورًا؟
قالوا: لأنه ماء استعمل في إزالة النجاسة.
الوجه الثاني: قالوا: لا يطهر؛ لأنه ماء استعمل في إزالة النجاسة، هذه الطرق في تطهير الماء النجس بالماء عند الشافعية.
أما تطهيره بالتراب، فقد وافقوا المالكية.
قالوا: إذا طرح فيه تراب وزال تغيره، فإما أن يكون الماء كدرًا أو صافيًا، فإن كان صافيًا، فقد طهر جزمًا.
وإن كان الماء كدرًا بما ألقي فيه، فقيل: يطهر؛ لأن التغير قد زال، فصار كما لو زال بنفسه أو بماء آخر. وصحح الأكثرون أنه لا يطهر
المرجع:
المجموع (1/ 183 191)، ومغني المحتاج (1/ 22، 23)، والحاوي (1/ 339)،
وروضة الطالبين (1/ 20، 21)، ومنهاج الطالبين (1/ 3)،
وشرح زيد ابن رسلان (1/ 28، 29)،
والمهذب (1/ 7).
القول الرابع: مذهب الحنابلة.
طريقة الحنابلة في تطهير الماء المتنجس بالماء قريبة من تقسيم الشافعية، إلا أنهم خالفوهم في مواضع يسيرة.
فقسم الحنابلة الماء المتنجس أولاً إلى قسمين:
الأول: قسم تنجس ببول آدمي أو عذرته المائعة.
الثاني: وقسم تنجس بسائر النجاسات.
أما الماء الذي تنجس بغير بول آدمي وعذرته المائعة، فإنه يمكن أن نقسمه إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يكون الماء دون القلتين، وفي هذه الحال إما أن تكون نجاسته بالتغير، أو بالملاقاة ولو لم يتغير.
فيشترط لتطهير الماء المتنجس بالملاقاة شرط واحد، هو أن تضيف إليه قلتين من الماء الطهور، وبالتالي يصبح طهورًا، فإن أضفت إليه دون القلتين لم يطهر.
التعليل: لأن الماء القليل لا يدفع النجاسة عن نفسه فكيف يدفعها عن غيره؟ لقوله صلى الله عليه وسلمفي حديث ابن عمر: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث” أخرجه أحمد، وأبو داود، في كتاب الطهارة، باب ما ينجس الماء، برقم (63)، والترمذيُّ، في أبواب الطهارة، باب أن الماء لا ينجسه شيء، برقم (67) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وصححه الألباني.
لو قال قائل: لنفرض أن الماء المتنجس بالملاقاة قلة واحدة، فأضفت إليها قلة أخرى حتى أصبح الماء قلتين، فهل يطهر؟
أكثر الأصحاب على أنه لا يطهر، وهو المشهور من المذهب، وحكى بعضهم وجهًا بالتطهير، وصوبه صاحب الإنصاف.
وإن كانت نجاسة الماء القليل بالتغير، ففي هذه الحالة تضيف إليه قلتين من الماء الطهور ثم تنظر هل زال التغير أم بقي؟ فإن زال فقد طهر، وإن لم يزل فإنك تضيف إليه حتى يذهب تغيره.
أما إذا أضفت إليه دون القلتين، فإن الماء يكون نجسًا حتى ولو زال تغيره، وهذا هو المذهب.
وقيل: إنه يكون طهورًا حتى على قواعد المذهب، أو القائلين بالنجاسة ولو لم يتغير. قالوا: لأن الماء إنما ينجس بالنجاسة إذا كانت واردة عليه، وهنا قد ورد الماء على النجاسة.
ولو قلنا بنجاسة الماء هنا، لقلنا بنجاسة الماء إذا صب على ثوب نجس إلا أن يكون قلتين، ولما كان الدلو مطهرًا لبول الأعرابي؛ لأنه بالتأكيد ليس قلتين ولا حتى قلة. هذه الطريقة في تطهير الماء عند الأصحاب رحمهم الله إذا كان الماء أقل من قلتين.
الحالة الثانية:
إذا كان الماء قلتين، فله طريقان:
الأول: أن تضيف إليه قلتين فأكثر حتى يذهب تغيره بالنجاسة،
وقد سبق لماذا يشترطون إضافة القلتين، ولم لا يعتبرون ما دون القلتين؟ وهذا الشرط خالفوا فيه الشافعية.الأمر الثاني: هل يزول تغيره بنفسه؟ فالمشهور من المذهب أنه إذا زال تغيره بنفسه وهو قلتان، طهر، وفيه وجه آخر في المذهب أنه لا يطهر؛ بناء على أن النجاسة في المذهب لا تطهر بالاستحالة، وهذا على رأي من يرى أن النجاسة نجاسة عينية وليست حكمية.
وقيل: إنه طاهر؛ لأنه لا يكون طهورًا وقد أزيلت به النجاسة، ولا يكون نجسًا وهو ماء كثير غير متغير، قاسوه على الماء القليل إذا كان آخر غسلة زالت بها النجاسة.
الحالة الثالثة: إذا كان الماء أكثر من قلتين، فلهم ثلاثة طرق:
الأولى: أن تضيف إليه قلتين بشرط أن يزول التغير، وقد سبق التعليل من اشتراط القلتين.
الثانية: أن يزول تغيره بنفسه، وهذا هو المشهور من المذهب، وسبق في المذهب ثلاثة أوجه.
الثالثة: أن ينزح منه فيبقى بعد النزح قلتين فأكثر غير متغير.
مثاله: عندنا ماء ثلاث قلال أو أربع … سقطت فيه ميتة فغيرت رائحة الماء، فقام رجل فنزح منها ماء حتى ذهبت رائحة النجاسة، فهل يطهر الماء؟
الجواب: إن كان الماء الباقي قلتين فأكثر، فقد طهر.
وهذه هي الطريقة في تطهير الماء على المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
وأما التراب، ففيه وجهان:
الأول: أنه لا يطهر، قال في الإنصاف: على الصحيح من المذهب؛ لأن النجاسة عندهم لا تزال إلا بالماء المطلق.
قال ابن عقيل: التراب لا يطهر؛ لأنه يستر النجاسة بخلاف الماء.
الثاني: يطهر بذلك؛ لأن علة نجاسته التغير وقد زال، فيزول الحكم بنجاسته كما لو زال بمكثه.
القسم الثاني: من الماء النجس: أن يكون متنجسًا ببول آدمي أو عذرته المائعة، فإن كانت النجاسة لم تغيره وكان لا يشق نزحه، فتطهيره بإضافة ما يشق نزحه إليه، وإن كان الماء يشق نزحه، وقد تغير بالنجاسة، فله ثلاث حالات:
الأولى: أن يضاف إليه ما يشق نزحه.
الثانية: أن يزول تغيره بنفسه.
الثالثة: أن ينزح منه فيبقى بعده قلتان غير متغيرتين. أنظر (المبدع (1/ 56)
والمغني (1/ 52)،
والإنصاف (1/ 66)،
والمحرر (1/ 2، 3)،
والكافي (1/ 10)،
وكشاف القناع (1/ 38).
تلخيص ما سبق من الأقوال:
التطهير تارة يكون بالإضافة، وتارة يكون بنفسه، وتارة يكون بالنزح.
فإن كان التطهير بالإضافة، فيشترط له شروط:
الأول: أن يكون الماء طهورًا، وهذا شرط عند المالكية، والحنابلة، وليس بشرط عند الشافعية؛ إذ لا مانع أن تضيف عندهم ماء نجسًا إذا كان بإضافته سوف يزول تغير الماء بالنجاسة.
الثاني: أن يكون المضاف كثيرًا قلتين فأكثر وهذا شرط للحنابلة، وليس بشرط عند المالكية، والشافعية.
الثالث: أن يبلغ الماء قلتين بعد الإضافة. وليس بشرط عند المالكية، وأما الحنابلة فلا يكفي هذا عندهم؛ لأنهم يشترطون أن يكون المضاف نفسه قلتين.
تطهير الماء بزوال تغيره بنفسه:
المالكية، والشافعية، والحنابلة يشترطون أن يكون الماء كثيرًا، والمالكية لم أقف على حد لهم في القليل والكثير، بينما الحنابلة والشافعية يحدونه بالقلتين.
أما التغير بالنزح، فالشافعية والحنابلة يشترطون أن يبقى بعد النزح ماء كثير غير متغير.
قال ابن عثيمين رحمه الله تعالى: في الشرح الممتع (1/ 75)
والقول الصَّحيح: أنه متى زال تغيُّر الماء النَّجس طَهُرَ بأي وسيلة كانت.
سئل فضيلة الشيخ كما في مجموع فتاوى الشيخ (11/ 89): عن تكرير الماء المتلوث بالنجاسات حتى يعود الماء نقيّاً سليماً من الروائح الخبيثة ومن تأثيرها في طعمه ولونه؟
فأجاب بقوله: في حال تكرير الماء التكرير المتقدم، الذي يُزيل تلوثه بالنجاسة حتى يعود نقيّاً سليماً من الروائح الخبيثة ومن تأثيرها في طعمه ولونه، مأمون العاقبة من الناحية الصحية، في هذه الحال لا شّك في طهارة الماء، وأنه يجوز استعماله في طهارة الإنسان وشربه وأكله وغير ذلك، لأنه صار طهوراً لزوال أثر النجاسة طعماً ورائحة ً ولوناً.
وقال رحمه الله في تعليقاته على الكافي لابن قدامة (1/ 25)
والصحيح أن العلة هي التغير وأن الحكم يدور مع علته متى زال تغير الماء بالنجاسة فإنه يطهر بأي وسيلة وقد سبق لنا أيضا أن تطهير النجاسات يكون بغير الماء بخلاف الأحداث فلا يكون إلا بالماء.
”””’
مشاركة سعيد الجابري:
طرق تطهير الماء النجس: وقد ذكر ثلاث طرق في تطهير الماء النجس:
إحداها: أن يضيف إليه طهورا كثيرا غير تراب ونحوه،
الثانية: زال تغير النجس الكثير بنفسه،
الكثير: هو ما بلغ قلتين،
مثاله: ماء في إناء يبلغ قلتين وهو نجس، ولكنه بقي يومين أو ثلاثة وزالت رائحته ولم يبق للنجاسة أثر، ونحن لم نضف إليه شيئا، فيكون طهورا، لأن الماء الكثير يقوى على تطهير غيره، فتطهير نفسه من باب أولى.
الثالثة: ينزح منه حتى يبقى بعد النزح طهور كثير.
ففي هذه الصورة لا بد أن يكون الماء المتنجس أكثر من قلتين؛
فإن كان عند الإنسان إناء فيه أربع قلال وهو نجس، ونزح منه شيء وبقي قلتان، وهذا الباقي لا تغير فيه فيكون طهورا.
(والخلاصة):
أن ما زاد على القلتين يمكن تطهيره بثلاث طرق:
1 ـ الإضافة كما سبق.
2 ـ زوال تغيره بنفسه.
3 ـ أن ينزح منه؛ فيبقى بعده كثير غير متغير.
والقول الصحيح: أنه متى زال تغير الماء النجس طهر بأي وسيلة كانت.
(الشرح الممتع): (ج1 ص65)
”””’