9 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
شرحه وجمعه نورس الهاشمي
سنن أبي داود
حديث 3448
عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل يبيع يبيع طعاما فسأله: كيف تبيع ‘
فأخبره’ فأوحى إليه أن أدخل يدك فيه ‘ فأدخل يده فيه فإذا هو مبلول ‘ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من غش)
أخرجه مسلم لكن زاد أبو داود (فأوحي إليه)
الجواب: على شرط الذيل على الصحيح المسند
__________
تحريم الغش
قال الطيبي: قوله: ((أصابته السماء)) أي المطر؛ لأنها مكانه، وهو نازل منها. [شرح المشكاة]
[من هدي النبي صلى الله عليه وسلم النزول الى الاسواق وينظر الى احوال الناس ومعاملاتهم فوقع نظره الى صاحب طعام فوجد بللا، فنصحه بإظهار العيب امام الناس حتى لا يفضي الى الغش والخداع والمكر.
و على الدعاة و اصحاب الشأن النزول الى الاسواق ويبنون للناس ما يحتاجونه من البيوع وتحذيرهم المعاملات المحرمة،
و يجب على اصحاب البضائع أن يعتنوا بفقه البيوع وما يحرم منها، وان يدرسوا احكام البيوع دراسة تاصيلية حتى لا يقعوا في امور محرمة]. بين القوسين من فهمي
قال ابن العربي: الغش حرام بإجماع الأمة, لأنه نقيض النصح، وهو من الغشش وهو الماء الكدر، فلما خلط السالم بالمعيب وكتم ما لو أظهره لما أقدم عليه المبتاع. عارضة الأحوذي (6/ 45).
قال النووي على شرح مسلم (1/ 109): ومعناه عند أهل العلم أنه ليس ممن اهتدى بهدينا واقتدى بعلمنا وعملنا وحسن طريقتنا كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله لست مني وهكذا القول في كل الأحاديث الواردة بنحو هذا القول كقوله صلى الله عليه وسلم من غش فليس منا وأشباهه.
و كان سفيان بن عيينة رحمه الله يكره قول من يفسره بليس على هدينا ويقول بئس هذا القول يعني بل يمسك عن تأويله ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر والله أعلم. النووي على مسلم (2/ 108).
قال البغوي: ” وقوله من غش فليس مني ” لم يرد به نفيه عن دين الإسلام، إنما أراد أنه ترك اتباعي، إذ ليس هذا من أخلاقنا وأفعالنا، أو ليس هو على سنتي وطريقتي في مناصحة الإخوان، هذا كما يقول الرجل لصاحبه: أنا منك يريد به الموافقة والمتابعة، قال الله سبحانه وتعالى إخبارا عن إبراهيم عليه السلام: (فمن تبعني فإنه مني) [إبراهيم: 36]
والغش:
نقيض النصح مأخوذ من الغشش، وهو المشرب الكدر.
قال الإمام: والتدليس في البيع حرام مثل أن يخفي العيب أو يصري الشاة، أو يغمر وجه الجارية، فيظنها المشتري حسناء، أو يجعد شعرها غير أن البيع معه يصح، ويثبت للمشتري الخيار إذا وقف عليه.
وروي أن عبد الرحمن بن عوف ابتاع وليدة من عاصم بن عدي، فوجدها ذات زوج فردها.
ولو اطلع المشتري على العيب بعد ما هلك ما اشتراه في يده، أو كان عبدا قد أعتقه، فيرجع بالأرش وهو أن ينظر: كم نقص العيب من قيمته، فيسترجع بنسبته من الثمن. شرح السنة [8/ 167]. انتهى
المراد بالغش هنا، كتم عيب المبيع أو الثمن، والمراد بعيبه هنا: كل وصف يعلم من حال آخذه، أنه لو اطلع عليه لم يأخذه بذلك الثمن، الذي يريد بدله فيه. [دليل الفالحين لشرح رياض الصالحين، 8/ 423].
قال ابن تيمية: والغش يدخل في البيوع بكتمان العيوب وتدليس السلع؛ مثل أن يكون ظاهر المبيع خيرا من باطنه؛ كالذي مر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر عليه. ويدخل في الصناعات مثل الذين يصنعون المطعومات من الخبز والطبخ والعدس والشواء وغير ذلك أو يصنعون الملبوسات كالنساجين والخياطين ونحوهم أو يصنعون غير ذلك من الصناعات فيجب نهيهم عن الغش والخيانة والكتمان. المجموع [28/ 72].
وفي الحديث دلالة على تحريم الغش، وأن فاعله ليس من المقتدين بالنبي صلى الله عليه وسلم . والغش مجمع على تحريمه عند المتَشرعين، مذموم مرتكبه بفطرة العقول. [البدر التمام لشرح بلوغ المرام، 6/ 133].
قال ابن باز: فإن الله سبحانه وتعالى أوجب على المسلمين الصدق والنصح في جميع المعاملات، وحرم عليهم الكذب والغش والخيانة، وما ذاك إلا لما في الصدق والنصح وأداء الأمانة من صلاح أمر المجتمع والتعاون السليم بين أفراده والسلامة من ظلم بعضهم لبعض وعدوان بعضهم على بعض، ولما في الغش والخيانة والكذب من فساد أمر المجتمع وظلم بعضه لبعض وأخذ الأموال بغير حقها وإيجاد الشحناء والتباغض بين الجميع. المجموع (4/ 103).