68 جامع الأجوبة الفقهية:
قررنا نجاسة دم الحيض ونقل النووي الإجماع عليه: لكن: ما حكم بقية الدماء؟
يشرف على البحث: سعيد الجابري، وناصر الريسي وناصر الكعبي وسيف الكعبي
”””’
مشاركة: ناصر الريسي
أجمع العلماء على نجاسة دم الإنسان الخارج من السبيلين (شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 200، شرح العمدة 1/ 106،1/ 162)، واختلفوا في حكم دم الإنسان الخارج من غير السبيلين كدم الجروح ونحوها من حيث الطهارة والنجاسة على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
الدم نجس قليله وكثيره وهو مذهب الجمهور:
الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
المرجع: (بدائع الصنائع 1/ 19) والتمهيد لابن عبد البر 22/ 230)
والمغني 1/ 414)
وهو وقول شيخ الإسلام بن تيمية (مجموع الفتاوى) 21/ 66)
وابن حزم (المحلى 1/ 94)،
وحكى بعض العلماء الاتفاق كالقرطبي، والنووي (الجامع لأحكام القرآن 2/ 221، المجموع 2/ 514).
القول الثاني:
إذا كان الدم مسفوحا أي سائلاً فإنه نجس، أما إذا لم يسل فإنه ليس بنجس.
وذهب إلى هذا القول أبو يوسف من الحنفية، وابن عبدالبر وابن العربي من المالكية. راجع: (بدائع الصنائع 1/ 61) والتمهيد (22/ 230)
القول الثالث:
الدم طاهر سال أو لم يسل، إلا دم الحيض، وذهب إلى هذا القول الشوكاني، وصديق حسن خان وابن عثيمين والألباني
انظر: (السيل الجرار 1/ 4) والروضة الندية (1/ 115) والشرح الممتع (1/ 441) وسلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 542).
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول:
قال الله تعالى:لا قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ … ل الأنعام الآية 145
وجه الاستدلال:
حكم الله عز وجل على الدم بأنه رجس،
والرجس النجس كما هو مذكور في لسان العرب (6/ 94)،
فلأجل نجاسته حرم.
إعتراض من ثلاثة أوجه:
أ أنكر بعض أهل العلم ورود لفظ الرجس بمعنى النجس، وجعل ما ورد منه مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الروثة أنها ركس رواه (البخاري 1/ 39)
والركس النجس، على أن في الآية الأولى ما يمنع من حملها على أن المراد بالرجس النجس وذلك اقتران الخمر بالميسر والأنصاب، والأزلام، فإنها طاهرة بالإجماع.
ب أن القول بأن الرجس بمعنى النجس لغة تمسكاً بما في الصحاح وغيرها من كتب اللغة أن الرجس القذر فقد استدل بما هو أعم من المتنازع فيه فإن القذر يشمل كل ما يستقذر، والحرام مستقذر شرعاً، والأعيان الطاهرة إذا كانت منتنة أو متغيرة مستقذرة طبعاً.
ج الآية لم تسق لبيان الطهارة والنجاسة بل لبيان ما يحل ويحرم من المذكورات في قول الله تعالى: ل قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً … ل
الدليل الثاني:
قول الله عز وجل: ل إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ … ل البقرة الآية 173
الدليل الثالث:
قول الله عز وجل: ل حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ … ل المائدة الآية 3.
وجه الاستدلال:
أن الله عز وجل حرم الدم لنجاسته بدلالة قول الله تعالى: ل قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً … ل الأنعام الآية 145
الدليل الرابع:
حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: (أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على بئر أدلو ماء في ركوة لي فقال: يا عمار ما تصنع؟ قلت: يا رسول الله بأبي وأمي أغسل ثوبي من نخامة أصابته فقال: يا عمار إنما يغسل الثوب من خمس من الغائط والبول والقيء والدم والمني يا عمار ما نخامتك ودموع عينيك والماء في ركوتك إلا سواء (الدارقطني في السنن 1/ 127)
وجه الإستدلال:
أن ما يغسل الثوب منه يكون نجساً، فدل على أن الدم نجس.
إعتراض:
الحديث ضعيف ولا تقوم به حجة، حيث لم يروه غير ثابت بن حماد وهو ضعيف جدا. رواه الدارقطني في السنن 1/ 127) وخلاصة البدر المنير (1/ 15)
الدليل الخامس:
حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة: إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي (راوه البخاري) (331)
وجه الإستدلال:
قوله: (فاغسلي عنك الدم) عموم من النبي صلى الله عليه وسلم لنوع الدم، ولا نبالي بالسؤال إذا كان جوابه عليه السلام قائما بنفسه غير مردود بضمير إلى السؤال.
إعتراض:
المراد بالدم هو دم الحيض، لأن ” ال ” في الدم للعهد الذكري الدال عليه ” الحيضة فهو كعود الضمير سواء.
الدليل السادس:
حديث أسماء رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيض كيف تصنع به؟ قال: تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه (رواه البخاري، ومسلم)
وجه الإستدلال:
الحديث صريح في نجاسة دم الحيض، وتدخل سائر الدماء قياساً عليه.
إعتراض:
أن هذا قياس مع الفارق، إذ أن بين دم الحيض وبين الدم الخارج من السبيلين فرقاً: فدم الحيض غليظ مُنتن له رائحة مستكرهة، يشبه البول والغائط، بخلاف الدم الخارج من غير السبيلين، فلا يصح قياس الدم الخارج من غير السبيلين على الدم الخارج من السبيلين.
الدليل السابع:
أثر ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا رأى في ثوبه دماً وهو يصلي وضعه ومضى في صلاته (البخاري 1/ 54)
وجه الاستدلال:
لو لم يكن الدم نجساً لما وضعه.
الدليل الثامن:
الإجماع منعقد على نجاسة الدم.
المرجع: (التمهيد لابن عبدالبر) (22/ 230)
وأحكام القرآن لابن العربي (1/ 79)
والجامع لأحكام القرآن (2/ 221) والمجموع (2/ 514).
إعتراض:
إن دعوى الإجماع فيها اضطراب، بدليل أن بعض العلماء الذين حكوا الإجماع على نجاسة الدم أطلقوا في نجاسة الدم، فلم يستثنوا شيئاً منه مع أن الخلاف واقع في نجاسة القليل من الدم، ودم الشهيد.
أدلة أصحاب القول الثاني:
الدليل الأول:
قول الله عز وجل: ل قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ … ل الأنعام الآية 145
وجه الاستدلال:
أن النجس هو الدم المسفوح وظاهر الآية يقتضي ألا محرم سوى ما نص على تحريمه في الآية ومنها الدم فيقتضي ألا محرم سواها إذ لو كان محرماً لكان نجساً إذ النجس محرم وهذا خلاف ظاهر الآية.
إعتراض:
الآية لم تسق لبيان الطهارة والنجاسة بل لبيان ما يحل ويحرم من المذكورات في قول الله تعالى: ل قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً … ل
قلت: (سعيد الجابري):
( … قال الإمام الصنعاني:
والحق أن الأصل في الأعيان الطهارة وأن التحريم لا يلازم النجاسة، فإن الحشيشة محرمة طاهرة، وكذا المخدرات والسموم القاتلة، لا دليل على نجاستها؛ وأما النجاسة فيلازمها التحريم، فكل نجس محرم ولا عكس، وذلك لأن الحكم في النجاسة هو المنع عن ملابستها على كل حال، فالحكم بنجاسة العين حكم بتحريمها بخلاف الحكم بالتحريم، فإنه يحرم لبس الحرير والذهب وهما طاهران ضرورة شرعية وإجماعا، فإذا عرفت هذا فتحريم الحمر والخمر الذي دلت عليه النصوص لا يلزم منه نجاستهما، بل لا بد من دليل آخر عليه وإلا بقيتا على الأصل المتفق عليه من الطهارة، فمن ادعى خلافه فالدليل عليه.
(سبل السلام للصنعاني)
(ج1 ص49)
الدليل الثاني:
أن صيانة الثياب والأواني عن الدم غير المسفوح متعذر، فلو أعطي له حكم النجاسة لوقع الناس في الحرج وهو منفي شرعاً.
الدليل الثالث:
أن الدم غير السائل لاينقض الوضوء، وإذا كان كذلك فإنه ليس بنجس.
إعتراض:
وكذلك الدم السائل فإنه لا ينقض الوضوء، فيكون طاهرا.
الدليل الرابع:
أن الدم إذا لم يسل علم أنه دم العضو وقد انتقل عن العروق، وانفصل عن النجاسات، وحصل له هضم آخر في الأعضاء، وصار مستعداً لأن يصير عضواً فأخذ طبيعة العضو، فأعطاه الشرع حكمه، فيكون طاهرا، بخلاف دم العروق، فإذا سال عن رأس الجرح علم أنه دم انتقل من العروق في هذه الساعة وهو الدم النجس، وهذه حكمة غامضة بني عليها التفريق بين الدم المسفوح وبين الدم غير المسفوح.
إعتراض:
إن التفريق بين الدم المسفوح والدم غير المسفوح في حكم النجاسة فيه تناقض، فإذا كان القليل منه طاهرا، فإن الكثير أيضاً طاهر، لأن تركيب الدم لا يختلف بين القلة والكثرة.
أدلة أصحاب القول الثالث:
الدليل الأول:
أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما دخل عليه المسور بن مخرمة من الليلة التي طعن فيها فأيقظ عمر لصلاة الصبح، فقال عمر: نعم ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى عمر وجرحه يثعب دماً (موطأ الإمام مالك) (82)
وجه الاستدلال:
أن عمر رضي الله عنه صلى وجرحه يثعب دما، فهذا دليل على أن الدم ليس نجسا.
اعتراض:
صلاة عمر رضي الله عنه وجرحه يثعب دماً يقاس على من به سلس البول فلا يمكن أن يصلي إلا وهو في تلك الحالة، فيكون من باب الضرورة.
الجواب:
أن دعوى الضرورة لا يسلم بها، لأن أفعال الصحابة عموما لا تحمل على الضرورة،
لأنه بإمكان الواحد منهم أن يعصب جرحه ويصلي.
الدليل الثاني:
ما رواه جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة ذات الرقاع فرمي رجل بسهم فنزفه الدم فركع وسجد ومضى في صلاته (البخاري 1/ 42)
وجه الاستدلال:
لو كان الدم نجساً لأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن خطأ فعله، ولنبه على بطلان صلاته
إعتراض:
حديث جابر رضي الله عنه ضعيف: فقد رواه البخاري معلقا بصيغة التمريض (صحيح البخاري 1/ 42)،
ولأن فيه محمد بن إسحاق، قال عنه الحافظ بن حجر: صدوق يدلس. أ هـ
(تقريب التهذيب) (1/ 467)
وفيه عقيل بن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال عنه الذهبي: فيه جهالة ما روى عنه غير صدقة بن يسار. أ هـ (ميزان الاعتدال (5/ 110)
الجواب:
هذا الحديث روي موصولا وهو صحيح (فتح الباري 1/ 281) فقد أخرجه أبو داود في سننه 1/ 50، وابن حبان في صحيحه3/ 375، والحاكم في مستدركه1/ 258، وصححه ابن خزيمة في صحيحه (1/ 24)، وأحمد في مسنده (14745) والدارقطني في سننه (1/ 223)
الدليل الثالث:
حديث عائشة رضي الله عنها في قصة سعد بن معاذ رضي الله عنه قالت: أصيب سعد يوم الخندق … فضرب النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب … فانفجرت من لبته فلم يرعهم وفي المسجد خيمة من بني غفار إلا الدم يسيل إليهم فقالوا ياأهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه دماً فمات منها (البخاري (1/ 849) ومسلم (1/ 682)
وجه الاستدلال:
أن سعداً لما انفجر جرحه كان في خيمة في المسجد، ولا شك أنه سيلوث المسجد بدمه، فلو كان الدم نجساً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتنظيف المسجد كما أمر بتنظيفه من بول الأعرابي (البخاري) (1/ 51)
إعتراض:
حديث عائشة رضي الله عنها في قصة سعد رضي الله عنه، فإن خروج دم سعد كان على سبيل الغلبة، ولا يلزم من عدم نقل تطهير أرض المسجد أنها لم تطهر أو أن الدم لم يزل.
الجواب:
بيان هذا الأمر مما تدعوا الحاجة إليه كما ورد بيان تنزيه المساجد من البول والقذر.
الدليل الرابع:
عصر ابن عمر بثرة في وجهه، فخرج شيء من دمه، فحكه بين أصبعيه، ثم صلى ولم يتوضأ.
رواه عبدالرزاق برقم (553) وابن أبي شيبة برقم1469 والبخاري بنحوه معلقا.
الدليل الخامس:
بزق ابن أبي أوفى دماً فمضى في صلاته (البخاري تعليقا رقم (34)
الدليل السادس:
قال الحسن: ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم (البخاري تعليقا 34)
الدليل السابع:
أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يقوم دليل النجاسة، ولا نعلم أنه صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الدم إلا دم الحيض مع كثرة ما يصيب الإنسان من جروح ورعاف وحجامة وغير ذلك فلو كان نجساً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لدعاء الحاجة إلى ذلك.
(الشرح الممتع على زاد المستقنع (1/ 376)
قلت: (ناصر الريسي)
أدلة القول الثالث بطهارة الدم الغير خارج من السبيلين قوية وإعتراضات المخالفين لأدلته غير شافية.
”””
مشاركة نورس الهاشمي
قال الامام الالباني في تمام المنة: في رده على سيد سابق حول نجاسة الدم، فرد عليه من الناحية الحديثية و الفقهية …
2 وأما من الناحية الفقهية ففيها:
أولا: التسوية بين دم الحيض وغيره من الدماء كدم الإنسان ودم مأكول اللحم من الحيوان وهذا خطأ بين وذلك لأمرين اثنين:
1 أنه لا دليل على ذلك من السنة بله الكتاب والأصل براءة الذمة إلا نص.
2 أنه مخالف لما ثبت في السنة أما بخصوص دم الإنسان المسلم فلحديث الأنصاري الذي صلى وهو يموج دما وقد مضى قريبا.
وأما دم الحيوان فقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه نحر جزورا فتلطخ بدمها وفرثها ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يتوضأ.
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1/ 125) وابن أبي شيبة 1/ 392 والطبراني في المعجم الكبير (9/ 28 4) بسند صحيح عنه ورواه البغوي في الجعديات.
وروى عقبه عن أبي موسى الأشعري: “ما أبالي لو نحرت جزورا فتلطخت بفرثها ودمها. ثم صليت ولم أمس ماء” وسنده ضعيف.
ثانيا: تفريقه بين الدم القليل والكثير وهذا وإن كان مسبوقا إليه من بعض الأئمة فإنه مما لا دليل عليه من السنة بل حديث الأنصاري يبطله كما هو ظاهر. ولم يستدل المؤلف على هذا التفريق بغير أثر أبي هريرة المتقدم وقد عرفت ضعفه وإن روي مرفوعا ففي إسناده متروك كما في نيل الأوطار وقد خرجته في الضعيفة” 4386 وقد أجاد الرد على هذا التفريق ابن حزم رحمه الله في آخر الجزء الأول من المحلى” فليراجعه من شاء وكذا القرطبي وابن العربي في تفسيريهما فانظر إن شئت الجامع لأحكام القرآن
(8/ 263)
ومن عجيب أمر المؤلف أنه سوى هنا في النجاسة بين الدماء ولم يستثن منها دماء الحيوانات المأكولة اللحم وفرق فيما يأتي بين بول الآدمي النجس وبول ما يؤكل لحمه من الحيوانات فحكم بطهارته تمسكا بالأصل واستصحابا للبراءة الأصلية فهلا تمسك بذلك هنا أيضا لأن الدليل واحد هنا وهناك؟!
قال العلامة العثيمين في الشرح الممتع (ج 2/ 236):
ولكن ذهب كثير من أهل العلم، إلى أن دم الآدمي طاهر، وقالوا: إذا كان العضو لا ينجس بالبينونة، فالدم من باب أولى، وليس هناك دليل على نجاسة دم الآدمي؛ إلا ما خرج من السبيلين كالحيض؛ فقد قام الدليل على نجاسته.
وقال ايضا في الممتع: والقول بأن دم الآدمي طاهر ما لم يخرج من السبيلين قول قوي، والدليل على ذلك ما يلي:
1 أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يقوم دليل النجاسة، ولا نعلم أنه صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الدم إلا دم الحيض، مع كثرة ما يصيب الإنسان من جروح، ورعاف، وحجامة، وغير ذلك، فلو كان نجسا لبينه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحاجة تدعو إلى ذلك.
2 أن المسلمين ما زالوا يصلون في جراحاتهم في القتال، وقد يسيل منهم الدم الكثير، الذي ليس محلا للعفو، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بغسله، ولم يرد أنهم كانوا يتحرزون عنه تحرزا شديدا؛ بحيث يحاولون التخلي عن ثيابهم التي أصابها الدم متى وجدوا غيرها.
ولا يقال: إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أكثرهم فقراء وقد لا يكون له من الثياب إلا ما كان عليه، ولا سيما أنهم في الحروب يخرجون عن بلادهم فيكون بقاء الثياب عليهم للضرورة.
فيقال: لو كان كذلك لعلمنا منهم المبادرة إلى غسله متى وجدوا إلى ذلك سبيلا بالوصول إلى الماء، أو البلد، وما أشبه ذلك.
3 أن أجزاء الآدمي طاهرة، فلو قطعت يده لكانت طاهرة مع أنها تحمل دما؛ وربما يكون كثيرا، فإذا كان الجزء من الآدمي الذي يعتبر ركنا في بنية البدن طاهرا، فالدم الذي ينفصل منه ويخلفه غيره من باب أولى.
4 أن الآدمي ميتته طاهرة، والسمك ميتته طاهرة، وعلل ذلك بأن دم السمك طاهر؛ لأن ميتته طاهرة، فكذا يقال: إن دم الآدمي طاهر، لأن ميتته طاهرة.
الشرح الممتع: (1/ 441 442)
والشيخ ذكر الفرق بين دم الحيض و الدم.
”””’
مشاركة محمد بن خادم
سؤال: هل الدم نجس أم طاهر؟
الإجابة: هذه المسألة فيها تفصيل:
أولاً: الدم الخارج من حيوان نجسٍ، نجسٌ قليله وكثيرهُ، ومثالُه: الدم الخارج من الخنزير أو الكلب فهذا نجس قليله وكثيره بدون تفصيل سواء خرج منه حياً أم ميتاً.
ثانياً: الدم الخارج من حيوان طاهر في الحياة، نجس بعد الموت فهذا إذا كان في حال الحياة فهو نجس، لكن يُعفى عن يسيره، مثال ذلك: الغنم والإبل فهي طاهرة في الحياة نجسة بعد الموت، والدليل على نجاستها بعد الموت، قوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلى محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس}.
ثالثاً: الدم الخارج من حيوان طاهر في الحياة وبعد الموت وهذا طاهر، إلا أنه يستثنى منه عند عامة العلماء دم الآدمي، فإن دم الآدمي دمُ خارج من طاهر في الحياة وبعد الموت، ومع ذلك فإنه عند جمهور العلماء نجس لكنه يُعفى عن يسيره.
رابعاً: الدم الخارج من السبيلين: القُبُل أو الدبر، فهذا نجس ولا يُعفي عن يسيره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، لمّا سألته النساء عن دم الحيض يصيب الثوب أمر بغسله بدون تفصيل.
وليُعلم أنَّ الدم الخارج من الإنسان من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، لا قليله ُ ولا كثيرهُ كدم الرُّعاف، ودم الجرح، بل نقول: كل خارج من غير السبيلين من بدن الإنسان، فإنه لا ينقض الوضوء مثل الدم وماء الجروح وغيرها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الحادي عشر باب نواقض الوضوء.
”””’
مشاركة سعيد الجابري:
قلت دم الإنسان: وهو مختلف فيه، فالمشهور عند أصحاب المذاهب الفقهية أن الدم نجس، وليس عندهم حجة، إلا أنه محرم بنص القرآن في قوله تعالى: {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس}. فاستلزموا من التحريم النجاسة كما فعلوا في الخمر ولايخفى ما فيه، لكن نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على نجاسته،
بينما ذهب جماعة من المتأخرين منهم الشوكاني وصديق خان والألباني وابن عثيمين رحمهم اللهإلى القول بطهارته لعدم ثبوت الإجماع عندهم،
قلت: أن الإجماع في المسألة ثابت، قد نقله غير واحد من أهل العلم ولم يثبت ما ينقضه، وأعلى هذه النقولات ما نقل عن الإمام أحمد ثم ما نقله ابن حزم خلافا لمن ظن أن مذهبه القول بالطهارة!! ومما وقفته من ذلك:
قال ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان (1/ 240):
سئل أحمد: الدم والقيح عندك سواء؟ قال: لا، الدم لم يختلف الناس فيه.
وقال مرة: القيح والصديد والمدة عندي أسهل من الدم. اهـ.
وقد نقل ابن حزم في مراتب الإجماع: اتفاق العلماء على نجاسة الدم.
وكذا نقل هذا الاتفاق الحافظ في «الفتح» (1/ 420).
وقال ابن عبد البر في التمهيد (22/ 230):
وحكم كل دم كدم الحيض إلا أن قليل الدم متجاوز عنه لشرط الله عز وجل في نجاسة الدم أن يكون مسفوحا فحينئذ هو رجس والرجس نجاسة وهذا إجماع من المسلمين أن الدم المسفوح رجس نجس. اهـ.
وقال ابن العربي في أحكام القرآن (1/ 79): اتفق العلماء عل أن الدم حرام نجس لما يؤكل ولا ينتفع به، وقد عينه الله تعالى هاهنا مطلقا، وعينه في سورة الأنعام مقيدا بالمسفوح، وحمل العلماء هاهنا المطلق على المقيد إجماعا. اهـ.
وقال النووي رحمه الله في المجموع (2/ 576): والدلائل على نجاسة الدم متظاهرة، ولا أعلم فيه خلافا عن أحد من المسلمين إلا ما حكاه صاحب الحاوي عن بعض المتكلمين أنه قال: هو طاهر، ولكن المتكلمين لا يعتد بهم في الإجماع والخلاف. اهـ.
تنبيه: فعلى المسلم إذا رأى في ثوبه أو جسده دما فليغسله إذا كان يستطيع ذلك ومتوفر عنده الماء أو الملابس فليغيرها لأن المسالة ذكر فيها الإجماع.
والله أعلم