بسم الله الرحمن الرحيم
(10) سلسلة الوصايا العشركما جاءت في سورة الأنعام. الوصية العاشرة:
{التمسك بشرائع الدين، وعدم اتباع أي طريق غيرها}
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
مراجعة سيف بن دورة الكعبي.
جمع وتأليف سيف بن غدير النعيمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوصية العاشرة:
{التمسك بشرائع الدين، وعدم اتباع أي طريق غيرها}
قال البقاعي رحمه الله:
هذا أي الذي شرعته لكم {صراطي} حال كونه {مستقيماً فاتبعوه} أي بغاية جهدكم لأنه الجامع للعباد على الحق الذي فيه كل خير.
ولما كان الأمر باتباعه متضمناً للنهي عن غيره، صرح به تأكيداً لأمره فقال: {ولا تتبعوا السبل} أي المنشعبة عن الأهوية المفرقة بين العباد، ولذا قال مسبباً {فتفرق بكم} أي تلك السبل الباطلة {عن سبيله} ولما مدحه آمراً به ناهياً عن غيره مبيناً للعلة في ذلك، أكد مدحه فقال: {ذلكم} أي الأمر العظيم من اتباعه {وصّاكم به}.
تنبيه:
هكذا جاءت [المنشعبة] كما في بعض المعاجم اللغوية، وإنما نبهنا على ذلك لأنها قليلة الإستعمال، فقد يتبادر إلى الذهن بأنها مصحفة، وكلمة [المتشعبة] أكثرمنها استعمالا.
ولما كان قد حذر من الزلل عنه، وكان من المعلوم أن من ضل عن الطريق الأقوم وقع في المهالك، وكان كل من يتخيل أنه يقع في مهلك يخاف، قال: {لعلكم تتقون} أي اتبعوه واتركوا غيره ليكون حالكم حال من يرجى له أن يخاف من أن يزل فيضل فيهلك، وهذا كما مدحه سبحانه سابقاً في قوله {وهذا صراط ربك مستقيماً} [الأنعام: 126]، {قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون} [الأنعام: 126] وفصل ما هنا من الأحكام في ثلاث آيات، وختم كل آية لذلك بالوصية ليكون ذلك آكد في القول فيكون أدعى للقبول، وختم كل واحدة منها بما ختم لأنه إذا كان العقل دعا إلى التذكير فحمل على التقوى.
[نظم الدرر في تناسب الآيات والسور]
__________
قال ابن كثير رحمه الله:
قوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)}
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: {فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}
وقوله {أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13]، ونحو هذا في القرآن، قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله ونحو هذا.
قاله مجاهد، وغير واحد.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا الأسود بن عامر: شاذان، حدثنا أبو بكر هو ابن عياش عن عاصم هو ابن أبي النجود عن أبي وائل، عن عبد الله هو ابن مسعود، رضي الله عنه قال: خَطَّ رسول الله ل
خطًا بيده، ثم قال: “هذا سَبِيل الله مستقيما”.
وخط على يمينه وشماله، ثم قال: “هذه السُّبُل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه”.
ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}
قلت: قال عنه الشيخ مقبل رحمه اللهفي الصحيح المسند برقم [(836)] هذا حديث حسن.
وقوله: {فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ [فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ]}
إنما وحد [سبحانه] سَبيله لأن الحق واحد؛ ولهذا جمع لتفرقها وتشعبها، كما قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:257].
[تفسير القرآن العظيم]
__________
قال ابن سعدي رحمه الله:
ولما بين كثيرا من الأوامر الكبار، والشرائع المهمة، أشار إليها وإلى ما هو أعم منها فقال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} أي: هذه الأحكام وما أشبهها، مما بينه الله في كتابه، ووضحه لعباده، صراط الله الموصل إليه، وإلى دار كرامته، المعتدل السهل المختصر.
{فَاتَّبِعُوهُ} لتنالوا الفوز والفلاح، وتدركوا الآمال والأفراح.
{وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} أي: الطرق المخالفة لهذا الطريق {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} أي: تضلكم عنه وتفرقكم يمينا وشمالا فإذا ضللتم عن الصراط المستقيم، فليس ثم إلا طرق توصل إلى الجحيم.
{ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فإنكم إذا قمتم بما بينه الله لكم علما وعملا صرتم من المتقين، وعباد الله المفلحين، ووحد الصراط وأضافه إليه لأنه سبيل واحد موصل إليه، والله هو المعين للسالكين على سلوكه.
[تيسير الكريم الرحمن]
__________
قال الشيخ ابن عثيمين: رحمه الله:
الوصية العاشرة: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ)
وهذه هي الوصية العاشرة، وهي جامعة لكل الشرع فيقول:
هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه، وصراط الله تعالى هو دينه الذي أرسل به رسله ودين محمدل هو آخر الأديان، فيجب على كل أحد من الناس أن يتبع هذا الدين وأن لا يتبع السبل فتفرق به عن سبيل الله ويضل ويهلك وقد حذر النبيلمن التفرق واتباع السبل ومن ذلك ما أخرجه الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (خط رسول اللهل
خطاً بيده، ثم قال: ” هذا سبيل الله مستقيماً” وخط عن يمينه وشماله ثم قال: ” هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه”، ثم قرأ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ)، وفي الآية وحّد الله تعالى سبيله لأن الحق واحد، ولهذا جمع السبل لتفرقها وتشعبها وكثرتها.
[شرح الوصايا العشر من سورة الأنعام]
__________
قال الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله:
ثم قال بعد ذلك: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}
ويدخل في هذا الصراط المستقيم هذه الأمور التي وصانا الله بها؛ من توحيده وإخلاص الدين له، ومن اجتناب الشرك، ومن اجتناب العقوق، والقيام بالبرّ ومن، ومن .. إلى آخر الأشياء التي ذُكرت في هذه الوصايا؛ كلها داخلة في صراط الله المستقيم، وعلينا أن نتبعه {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} وهذه الوصية باتباع الصراط جاءت في آيات كثيرة، بأساليب مختلفة، منها: الأمر بالاعتصام بحبل الله وأن لا نتفرق، وهنا قال {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} فنتبع صراط الله المستقيم، في عقائدنا وفي عباداتنا، وفي معاملاتنا، وفي مناهجنا وفي سياستنا، وفي كل أمر شرعه الله تبارك وتعالى؛ فإنه صراطه، وإنه عدله سبحانه وتعالى، ولن تستقيم للمسلمين حياة إلا إذا اتبعوا صراط الله المستقيم، وإلا فهي حياة منحرفة، وحياة حقيرة ودنيئة، حياة الذلّ والهوان، لعدم التزامنا وسلوكنا هذا الصراط المستقيم وعدم إتباعنا لمنهج الله الحقّ.
(وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) نهي عن التفرق ونهي عن الضلال: (وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ): كل الملل والنحل لا يجوز أن نتبع منها شيئا، طرق البدع والضلال لا نتبع منها شيئا، نلتزم صراط الله المستقيم، لا عوج فيه ولا أمتا، (الصراط المستقيم) هو المعتدل الذي يوصلك إلى الله تبارك وتعالى ومرضاته.
أما السبل الأخرى فكما جاء في حديث ابن مسعود وحديث جابر وغيرهما: قال: {خط لنا رسول الله ل خطا وقال: ” هذا سبيل الله ” ثم خط خطوطا عن يمينه وعن يساره وقال: ” هذه سبل على كل سبيل شيطان يدعو إليه}
فللشيطان سبل كثيرة؛ سبيل اليهود، سبيل النصارى، سبيل الوثنيين؛ المجوس، الهندوك، سبيل مشركي العرب آنذاك، ولمن بقي منهم على الشرك، سبل للروافض وللخوارج، للمعتزلة، للمرجئة، لاثنتين والسبعين فرقة، على كل سبيل منها شيطان يزينه ويزخرفه ويلمعه للسخفاء الذين لا يعقلون ولا يتبصرون ولا يتّعظون ولا يتذكرون!!
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
انظروا! قال في الوصية الأولى: {لعلكم تعقلون} ثم قال في الثانية: {لعلكم تذكرون} ثم قال هنا: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، قال بعض العلماء وأظن منهم ابن عطية: لأنه إذا عقِل تذكر، وإذا عقل وتذكر حصلت التقوى؛ إذا عقل وصية الله وعمل بها، وإذا تذكر هذه الوصايا العظيمة واستفاد من هذه الذكرى، قاده ذلك إلى تقوى الله ومراقبته وخشيته، استقام على الصراط المستقيم، وأخذ بمواعظ الله ونصائحه ووصاياه، لابدّ أن يكون من أفضل المتقين إن شاء الله.
وفي هذه الآيات رعاية وحفاظ على مقاصد الشريعة والمصالح العظيمة ودرء المفاسد الكبرى؛ حفظ المال، حفظ النفس، حفظ النسب، وحفظ الدين.
فمن هذه المقاصد العظيمة:
الحفاظ على الدين وحماية العقيدة، ولهذا شرع الجهاد لإعلاء كلمة الله، وحرّم الشرك وأوجب التوحيد وشرع الجهاد لتحقيق هذه الغاية؛ توحيد الله ونبذ الشرك بالله تبارك وتعالى.
الحفاظ على الدماء، فحرّم قتل النفس وأوجب فيها القصاص.
الحفاظ على المال: {وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، {وَلاَ تَاكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّام} (البقرة: 188) إلى آخره من الآيات التي حرمت الاعتداء على المال بأي شكل من الأشكال؛ لأن المال به قوام الحياة أو كما يقال: عصب الحياة، فلابد من حمايته.
حماية الأعراض {وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} هذا لحماية الأعراض.
فهذه آيات عظيمة جامعة لمصالح الدين والدنيا، فلابد من العناية بها؛ فهما وتطبيقا.
[شرح الوصايا العشر من سورة الأنعام]
__________
سُئل الشيخ الفوزان حفظه الله:
كيف نرد على من يقول: كيف يتركنا الرسول لعلى المحجة البيضاء والخلاف لا زال قائما في المسائل الشرعية؟
الجواب: نعم، تركنا على المحجة البيضاء التي نعرف بها الخلاف، حقه وباطله، فنأخذ الحق ونترك الباطل. “إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي”، كما قال الرسولل، نعم.
__________
قال الشيخ العباد حفظه الله:
فالرسول لما خط هذا الخط، وخط هذه الخطوط الجانبية العرضية التي هي طرق الضلال والإنحراف، رغب في إتباع ذلك الطريق، وسلوك تلك الجادة المستقيمة، التي هي ما كان عليه رسول اللهوأصحابه، وأن يحذروا من سلوك هذه المسالك التي هي مخالفة لطريق الإستقامة … والرسورغب في اتباع السنة، وحذر من البدع.
[شرح سنن ابن ماجه الشريط: (2)]
__________
قال الشيخ عبيد الجابريحفظه الله:
من فقههمما أتاه الله من الفقه وجمع له من الكلم واختصره له اختصاراً، أنه ضرب للأمة مثلاً محسوساً ليعملوا على ما هو معنويٌّ، إذاً تشبيه المعنوي الواجب بالأمر المحسوس …. وهذا الحديث له روايات متعددة، جملتها أن رسول اللهلحض الأمة على التمسك بسنته، والبيان بأنها هي الوسط وهي طريق النجاة، وأن ما عدا السنة من المحدثات والبدع هي سبل الشيطان، وليست هي سبيل الله ..
[قطع اللجاجة بشرح صحيح
المقدمة من سنن الإمام ابن ماجه]
وبعد، فهذه وصايا عظيمة، أحببت أن أُذكر بها نفسي أولا، ثم قارئها، فما أحسنتُ فيه فمن الله وتوفيقه، وما أخطأتُ فيه فمن نفسي، ولا يسعُني إلا أن أقول: اللهم انفَعْني بما علمتني، وعلِّمني ما ينفعني، وزِدْني علمًا، وفقِّهْني في الدين، والحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.