64 جامع الأجوبة الفقهية
بإشراف سعيد الجابري وسيف الكعبي ومشاركة ناصر الريسي وناصر الكعبي
مسألة نجاسة بول الرضيع؟
يعني: هل كون النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنضح بوله، يدل أن بوله غير نجس،
وهل ما نسب إلى الشافعي وأحمد من القول بأن بول الصبي طاهر، ثابت عنهما؟
””’
إجابة: ناصر الريسي ونقل أبوبلال بعض الأدلة:
قلت: الجواب على هذا من خلال مسألتين:
الأولى: حكم بول الرضيع:
اختلف العلماء هل بول الصبي الذي لم يأكل الطعام طاهر أو نجس؟.
على مذهبين:
الأول: نجس، وهو قول عامة أهل العلم انظر إلى تبيين الحقائق والمنتقى للباجي، والمجموع والإنصاف والمبدع في شرح المقنع (1/ 212)
والمذهب الثاني:
طاهر، وهو مذهب داود الظاهري انظر إلى التثريب واختاره بعض الحنابلة في الإنصاف ونصره الشوكاني (السيل الجرار (1/ 31، 35)
دليل من قال بطهارته:
الأول: عن أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه، ولم يغسله. (صحيح البخاري، ومسلم).
الدليل الثاني:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى بالصبيان، فيدعو لهم، فأتي بصبي، فبال على ثوبه، فدعا بماء، فأتبعه إياه ولم يغسله. ورواه مسلم (صحيح البخاري، ومسلم).
فهذان الحديثان دليلان على أنه يكفي في بول الصبي النضح، وأن الغسل غير واجب لقوله في الحديث: ولم يغسله.
وهذا النضح خاص في بول الصبي، وأما الجارية فيجب غسله.
الثالث:
عن أبي السمح، قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أراد أن يغتسل قال: ولني قفاك، فأوليه قفاي، فأستره به، فأتي بحسن أو حسين رضي الله عنهما، فبال على صدره، فجئت أغسله فقال: يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام
(سنن أبي داود).
فأخذوا من الاكتفاء بنضح بول الصبي أن بوله طاهر، إذ لو كان نجساً لوجب غسله كبول الجارية، بل وكغيره من النجاسات.
الرابع:
قالوا أن الذكر خلق من تراب والأنثى من ضلع، فإذا لم يأكلا الطعام رُدَّا إلى أصلهما، فالتراب طاهر والضلع نجس.
وأجيب عنه:
أن هذا ليس بشيء لأنه يقتضي الحكم بطهارة الرجيع يعني رجيع الرضيع وأجمعت الأمة على نجاسته. وإنما الخلاف في البول. وأيضاً فإن المخلوق [من تراب ومن ضلع هما أصل الخلقة، آدم وحواء. وأما من بعدهما فهو مخلوق من نطفة وهو] يتغذى في الرحم بدم الحيض، فلا يقال فيه يرجع إلى الأصل. التنبيه على مبادئ التوجيه قسم العبادات التنوخي (1/ 288)
ادلة من قال انه نجس:
الأول: أن الأمر بنضحه وبإتباع الماء إياه دليل على نجاسته، ولو كان البول طاهراً لم يكن هناك حاجة إلى تطهيره؛ إذ الطاهر لا يطهر.
قال القرطبي في [المفهم]: والعجب ممن يستدل برش بول الصبي، أو بالأمر بنضحه على طهارته، وليس فيه ما يدل على ذلك؛ وغاية دلالته على التخفيف في نوع طهارته، إذ قد رخص في نضحه ورشه وعفا عن غسله تخفيفاً خص هذا التخفيف الذكر دون الأنثى لملازمتهم حمل الذكران لفرط فرحهم بهم لمحبتهم لهم واللَّه أعلم (المفهم].
الثاني:
قالوا لو أخذنا بقاعدة، أن كل ما ثبت التخفيف في طهارته كان طاهراً لقلنا: بطهارة النعل الذي تصيبه النجاسة، فإن طهارته الدلك بالتراب، ومع ذلك هو نجس قبل الدلك، ولا يجب غسل النعل منها. ولقلنا بطهارة ذيل المرأة إذا أصابته نجاسة، فإن تطهيره بأن يمر على مكان طاهر، فيطهره ما بعده، ولا يجب غسله، وهو نجس قبل أن يمر على مكان طاهر، وهكذا، فليس التخفيف في طهارة بعض الأماكن دليلا على طهارتها، بل هي نجسة، وإن خفف الشارع في تطهيرها.
الثالث:
النضح: هو صب الماء لأن العرب تسمي ذلك نضحا، وقد يذكر ويراد به الغسل، وكذلك الرش يذكر ويراد به الغسل.
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (3/ 130)
قلت: (ناصر الريسي)
قول القائلين بنجاسة بول الصبي أقوى حجة وأحوط لدين الله. وقد أفتى بذلك الإمام ابن باز رحمه الله في برنامج نور على الدرب، حيث قال السائل:
أحياناً تكون ثياب ابني الصغير مبللة بالنجاسة، فيلمس بثيابه تلك دون شعور ثياب أخيه الكبير أو ثيابي، ولكن آثار البلل لا تظهر على ثياب الكبير نتيجة الملامسة، فهل يلزم الكبير غسيل ثيابه لتطهيرها أم أنها لا تعتبر نجاسة؛ لأنها لم تظهر عليه آثار البلل، وهل هناك طريقة للتطهير من النجاسة غير الغسيل كالتعريض للشمس مثلاً، وهل هناك سنٌ يكون فيها بول الولد غير نجس أم أنه نجس منذُ الولادة؟
ج: بول الطفل نجس مطلقا من حين الولادة إلى آخر حياته، لكن في حال الطفولة وعدم أكل الطعام تكون نجاسته مخففة يكفيها الرش والنضح حتى يأكل الطعام ويتغذى بالطعام، فإذا تغذى بالطعام صار يغسل لقول النبيصلى الله عليه وسلم : (بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل) , فالمقصود أنه ما دام لا يتغذى بالطعام فبوله نجاسة خفيفة يكفي فيها الرش والنضح، وإذا كان بول الصبي مبلل بالنجاسة, ثم باشر ثوباً آخر طاهر فإن هذا البلل ينجس الثوب الذي يلامسه؛ لأنه رطب إذا كان رطباً, أما إذا كانت رطوبته خفيفة ولم يؤثر في الثوب الذي يلامسه فلا باس لا يتنجس, لكن إذا كانت رطوبته واضحة وبينه فإنه لا بد تؤثر في الثوب الذي تلامسه ولو ما بان ذلك بينونة ظاهرة، فينبغي غسل ما أصاب الثوب الجديد الطاهر من هذا البلل, يتحراه ويغسله بالماء, وليس هناك طريق غير الماء، الشمس ما تكفي لا بد من غسله بالماء, ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلمإذا أصابه بول الصبي صب عليه الماءعليه الصلاة والسلاموإذا كان صغيراً أتبعه الماء ولم يغسله بل يكفي رشه بالماء كما تقدم. (نور على الدرب)
المسألة الثانية:
هل ما نسب إلى الشافعي وأحمد من القول بأن بول الصبي طاهر، ثابت عنهما؟
الجواب:
قال الخطّابيّ: ليس تجويز من جوّز النّضح من أجل أنّ بول الصّبيّ غير نجس , ولكنّه لتخفيف نجاسته. انتهى.
وأثبت الطّحاويّ الخلاف , فقال: قال قومٌ بطهارة بول الصّبيّ قبل الطّعام، وكذا جزم به ابن عبد البرّ وابن بطّالٍ ومن تبعهما عن الشّافعيّ وأحمد وغيرهما , ولَم يَعرف ذلك عن الشّافعيّة ولا الحنابلة.
وقال النّوويّ: هذه حكاية باطلة. انتهى
وكأنّهم أخذوا ذلك من طريق اللازم , وأصحاب المذهب أعلم بمراده من غيرهم. والله أعلم. فتح السلام شرح عمدة الأحكام، لابن حجر (1/ 227)، التعليق الممجد على موطأ محمد.
فيما نقله المزني رحمه الله خلل، لأنه قال: “فكل ذلك نجس إلا ما دلت عليه السنة من الرش قلى بول الصبي”، فأوهم الاستثناء من النجاسة طهارة بول الصبي، ولا يختلف المذهب في نجاسته، وإنما قال الشافعي رضي الله عنه: “فكل ذلك نجس يغسل إلا ما دلت عليه السنة وبه قال أحمد واسحق وأبو عبيد رحمهم الله. بحر المذهب (في فروع المذهب الشافعي) (2/ 189).
وقال الشافعي رحمه الله تعالى: يُنضح من بول الغلام ما لم يطعم ويغسل من بول الجارية, فسّره البغوي بأن بول الصبي نجس غير أنه يُكتفى فيه بالرش وهو أن ينضح الماء عليه بحيث يصل إلى جميعه فيطهّر من غير مَرْس ولا دلك. الروضة الندية شرح الدرر البهية (1/ 15)
وجاء في توضيح الاحكام:
(1/ 185): أن بول الغلام الذي لم يأكل الطعام لشهوة: نجس؛ ولكن نجاسته أخفُّ نجاسةً من بول البنت، فبول الطفل الذي لم يطعم ذكراً كان أو أنثىنجس، أما الأنثى فباتفاق. وأما الذكر، فعلى قول جمهور أهل العلم وحكاه بعض العلماء اتفاقاً، ولم يعتبر قول المخالف.
قال الإمام النووي رحمه الله: بعد بيان كيفية تطهير بول الطفل الذي لم يطعم، وأنه يفرق بين الذكر والأنثى.
واعلم أن هذا الخلاف إنما هو في كيفية تطهير الشيء الذي بال عليه الصبي، ولا خلاف في نجاسته، وقد نقل بعض أصحابنا إجماع العلماء على نجاسة بول الصبي، وأنه لم يخالف فيه إلا داود الظاهري.
قال الخطابي وغيره: وليس تجويز من جوز النضح في الصبي من أجل أن بوله ليس بنجس، ولكنه من أجل التخفيف في إزالته، فهذا هو الصواب. وأما ما حكاه أبو الحسن بن بطال ثم القاضي عياض عن الشافعي وغيره أنهم قالوا: بول الصبي طاهر، فينضح فحكاية باطلة قطعاً.
قلت: (ناصر الريسي)
من خلال النقول الوارده أعلاه يتبين لنا بأن مذهب كلاً من الإمام الشافعي والإمام أحمد القول بنجاسة بول الصبي وأن ما نسب لهما بخلاف ذلك لا يصح عنهما رحمهما الله جميعاً.
”””’
جواب سعيد الجابري
جاء من النصوص في التخفيف في تطهيره، وهذا لا يدل على طهارته، بل هو نجس، لكنها نجاسة مخففة، يكفي فيها النضح كالمذي، ولا يفهم من الأحاديث الواردة في النضح طهارته، وسبب التفريق بين بول الصبي وبول الصبية ما ذكره بعضهم أن النفوس تتعلق بالصبي أكثر من تعلقها بالصبية، فيكثر حمل الصبي، ويشق التحرز من بوله،
قال أبو عيسى في نجاسة بول الصبي: وهذا قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم يعني العمل بمقتضى هذا الحديث وهو أن الذكر من الأولاد إذا لم يطعم الطعام فإن بوله نجس، لكنها نجاسة مخففة، يكفي فيها النضح والرش، وقال بعضهم بطهارته؛ لأنه لو كان نجسا لغسل كما تغسل النجاسات، وهذا ليس بصحيح، لو كان نجسا لترك، وعلى كل حال هو نجس كالمذي يكفي فيه النضح والرش، وهذا هو ما يفيده الحديث بالقيد المعروف المذكور المنصوص عليه لم يأكل الطعام، أولا: لا بد أن يكون ذكرا، وأن يكون صغيرا لم يأكل الطعام.
(شرح سنن الترمذي).
””’