سلسلة الوصايا العشركما جاءت في سورة الأنعام.
الوصية الأولى:
{عدم الإشراك بالله}
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
-مراجعة سيف بن دورة الكعبي.
-جمع وتأليف سيف بن غدير النعيمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
{الوصية الأولى عدم الإشراك بالله}
قال تعالى: {أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}.
{تعريف الشرك}
الشرك لغة: هو النصيب، ومنه قوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} [سورة سبأ (22)]
وقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ َ} [سورة ا?حقاف (4)]
قال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في: “الكبائر” في تعريف الشرك:
{الشرك: هو جعل شريك لله سبحانه وتعالى في ربوبيته وإلهيته، والغالب الإشراك في الألوهية بأن يدعو مع الله غيره، أو يصرف له شيئاً من أنواع العبادة كالذبح لغير الله أو النذر أو الخوف أو الدعاء}.
وهناك فوائد كثيرة تترتب على معرفة حقيقة الشرك، منها:
(1) – خوف الإنسان على نفسه من أن يقع في شيء من صور الشرك أو شيء من فروعه.
(2) -اكتساب معرفة تامة بحقيقة الشرك، وقدرة على التمييز بين صوره المختلفة، بحيث يعرف الطالب أن هذه المسألة من الشرك أو أنها ليست كذلك.
__________
قوله تعالى: {أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}.
هذه أولى الوصايا العشر، وبدأ سبحانه وتعالى هذه الوصايا بتحريم الشرك وذلك لأمرين:
(1) -إن الشرك أكبر الكبائر وأعظم الذنوب قال تعالِى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً}
وقال رسول الله?: “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر- ثلاثاً-؟
قالوا: بلى يا رسول الله، قال الإشراك بالله، وعقوق الوالدين- وجلس وكان متكئا- فقال: ألا وقول الزور … ” الحديث.
ويلاحظ هنا أن رسول الله? قدم الإشراك على غيره من الكبائر مما يشير إلى أنه أعظم الذنوب وأفدحها.
2 – أن من حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ولذلك خلقهم قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاِّ لِيَعْبُدُونِ} الآية.
وقال رسول الله ?: “يا معاذ أتدري ماحق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، أتدري ما حقهم عليه؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أن لا يعذبهم”.
قوله: {شيئاَ} من النكرات فيعم جميع الأشياء، ولم يبح عز وجل لعباده أن يشركوا به شيئاً، فإن الشرك أظلم الظلم وأقبح القبائح، قال تعالى حكاية عن لقمان عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
قال البقاعي عند قوله تعالى {ألا تشركوا به شيئاً}
الآيات مرتباً جملها أحسن ترتيب، فبدأ بالتوحيد في صريح البراءة من الشرك إشارة إلى أن التخلي عن الرذائل قبل التحلي بالفضائل، فإن التقية بالحمية قبل الدواء، وقرن به البر لأنهما من باب شكر المنعم وتعظيماً لأمر العقوق، ثم أولاه القتل الذي هو أكبر الكبائر بعد الشرك، وبدأه بقتل الولد لأنه أفحشه وأفحش من مطلقه فعله خوف القلة، فلما وصى بأول واجب للمنعم الأول الموجد من العدم، أتبعه ما لأول منعم بعده بالتسبب في الوجود، فقال ناهياً عن الإساءة في صورة الأمر بالإحسان على أوكد وجه لما للنفوس من التهاون في حقهما، وكذا جميع المأمورات ساقها هذا السياق المفهم لأن أضدادها منهي عنها ليكون مأموراً بها منهياً عن أضدادها، فيكون ذلك أوكد لها وأضخم ….
{نظم الدرر في تناسب الآيات والسور} لبرهان الدين البقاعي.
__________
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
قوله تعالى: {أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}.
أي أن لا تجعلوا معه شريكاً والنهي عن الشرك بالله يشمل ثلاثة أقسام:
القسم الأول:
النهي عن الشرك به في ربوبيته.
القسم الثاني:
النهي عن الشرك به في ألوهيته.
القسم الثالث:
النهي عن الشرك به في أسمائه وصفاته.
__________
القسم الأول:
{الشرك في الربوبية}
من المعلوم أن الله عز وجل هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر، الآية: 3] أبداً, الخالق هو الله وحده ولهذا حرم الله عز وجل أن يخلق أحد مثله ولو بالصورة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في المصورين: أنه يقال لهم: {أحيوا ما خلقتم}
فلا يمكن أن يشرك بالله في خلقه أو ملكه أو تدبيره فمن اعتقد أن لله تعالى مشاركاً في الخلق فقد أشرك به، لو قال: إن هذا بمقتضى الطبيعة وهذا بمقتضى الزمن وهذا بكذا وكذا مما يضاف إلى غير الله فإنه مشرك بالله ومن العجب أن هذا الشرك أعني الشرك في الربوبية لا يذهب إليه، ولا الكفار الذين قاتلهم النبي -?.
الكفار الذين قاتلهم النبي -عليه الصلاة والسلام- هل كانوا يشركون في الربوبية؟
الجواب: لا {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}.
ويُقِرون بأن الله هو الخالق ولكن يوجد في عهدنا هذا من يكابر وينكر الخالق ويدعي -والعياذ بالله- أن هذا الكون ليس له مدبر وليس له خالق وإنما هي أشياء تتفاعل ويتولد بعضها من بعض وأرحام تدفع وأرض تبلع وليس هناك خالق.
ولكن عجباً لهؤلاء كيف ينكرون أن يكون للعالم خالق وهم يعلمون أنه لا يمكن أن يوجد الشيء بلا مُوجد هل يمكن أن يوجد الشيء بلا موجد؟
أبداً، لأنه إما أن يُقال: أوجد نفسه أو وُجد بلا موجد والأول ممتنع، لا يمكن أن يُوجِد الشيء نفسه لأنه قبل الوجود كان عدماً والعدم ليس بشيء فضلاً عن أن يُوجِد شيئاً ولا يمكن أن يوجَد بلا موجِد ولهذا قال الله -عز وجل-: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}. [الطور، الآية: 35].
إذاً فلابد من مُوجد وهو الله عز وجل هو الذي أوجد هذا الكون وخلقه بقدرته ودبره بحكمته.
من الشرك في الربوبية:
أن يحلف الإنسان بغير الله لكنه شرك لا يخرج من الملة إلا أن يعتقد الحالف بأن المحلوف به له من العظمة ما لله عز وجل فيكون شركاً أكبر وإلا فهو من الشرك الأصغر ودليل ذلك قول رسول الله?-: “من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ” وقال -?- “من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ”
لكن لو قال القائل: “ورسول الله”، وحلف بالرسول-?- وقال: إن رسول الله هو أعظم الخلق فلماذا لا يجوز القسم به؟
فالجواب:
أن أعظم الخلق هو الذي قال: ” من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك” فيكون الحلف بالنبي من الشرك.
فإذا قال إنسان: إن بعض الناس يجري على لسانهم هذا القسم يقول: “والنبي” بدون قصد؟
فالجواب:
أن نقول: إذا كان بغير قصد فإنه يلزمه أن يطهر لسانه منه، وأن لا يعود نفسه على هذا القسم المحرم حتى يتخلص منه.
من الشرك بالربوبية:
أن يتخذ الإنسان أنداداً يشرعون تشريعات تخالف شرع الله، فيوافقهم فيها مع علمه بمخالفتها للشريعة، ولهذا ترجم الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- ترجم على ذلك في كتاب التوحيد بقوله: ” باب من أطاع العلماء والأمراء في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله فقد اتخذهم أربابا” فإذا وجد قوم يتبعون القوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية مع علمهم بمخالفتها للشريعة فإننا نقول: هؤلاء قوم مشركون لأنهم اتخذوا حاكماً يحكم بين الخلق غير الله عز وجل ومن المعلوم أن الحكم بين الخلق من مقتضيات الربوبية فقد اتخذوهم أرباباً من دون الله ولهذا يروى من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه قال للرسول-?- في قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) قال: يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم قال: ” أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه” قال: نعم يا رسول الله قال: ” فتلك عبادتهم” فجعل النبي -?-هذا من الشرك ولهذا منع النبي-?-من طاعة ولي الأمر في معصية الله منع من أن يطاع أحد من الخلق في معصية الله.
فقال? “إنما الطاعة في المعروف”.
قال سيف بن دورة الكعبي:
[تنبيه]
ننبه هنا أن العلماء لا يكفرون من لم يحكم بغير ما أنزل الله مطلقاً بل يقولون: إن اعتقد أن القوانين الوضعية أفضل من حكم الله أو مساوية فهذا هو الذي يكفر، ولهم تفاصيل أخرى تراجع في مظانها، ويراجع أثر ابن عباس رضي الله عنهما (كفر دون كفر)
فقد أرسل سرية وأمَّر عليهم رجلاً وقال لهم: أطيعوا أميركم.
فغضب عليهم الأمير ذات يوم وقال: اجمعوا لي حطباً فجمعوا حطباً ثم قال: أوقدوها النار فأوقدوها النار ثم قال: ادخلوا فيها.
طاعتهم في جمع الحطب صحيحة، وطاعتهم في إضرام النار صحيحة.
لكن لما قال: ادخلوها توقفوا وقالوا: كيف ندخل في النار ونحن لم نؤمن إلا فراراً من النار فامتنعوا ولم يدخلوها فلما رجعوا إلى رسول الله-?-وأخبروه الخبر قال: ” إنهم لو دخلوا فيها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف “.
إذاً متابعة الكبراء في مخالفة شريعة الله من الشرك بالربوبية لأن الحكم بين الناس من مقتضيات الربوبية والسلطان.
القسم الثاني:
{الشرك في الألوهية}
وهذا هو الذي يكثر بين الناس، وهو الذي كان عليه المشركون في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام.
فكيف يكون الشرك في الألوهية؟
يتخذ الإنسان مخلوقاً من المخلوقات يعبده ويتأله إليه كما يعبد الله عز وجل يسجد للصنم يسجد للشمس يسجد للقمر يسجد للقبر يسجد للكبير يسجد لأبيه يسجد لأمه .. وهكذا.
المهم أن يتعبد لمخلوق، نقول: هذا شرك في الألوهية لأنه اتخذ هذا المعبود إلهاً يعبده من دون الله.
ومن ذلك: هؤلاء الذين يذبحون القربان للقبور يذبح عند القبر قرباناً ليتقرب به إلى صاحب القبر يعظمه بالذبح كما يعظم الله تعالى بالذبح هذا أيضاً من الشرك الأكبر المخرج عن الملَّة لأن الله يقول: {أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [الأنعام، الآية: 151].
وهذا الشرك هو الذي دعا النبي -?- المشركين إلى نبذه.
ولما أبوا قاتلهم فاستحلّ دماءهم وسبى ذريتهم وغنم أموالهم لأنهم مشركون …
القسم الثالث:
{الشرك في أسماء الله وصفاته}
الشرك في أسماء الله وصفاته أن يجعل الإنسان لله مثيلاً فيما وصف به نفسه كلنا نقرأ: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه، الآية: 5].
والعرش مخلوق عظيم لا يعلم قدره إلا الله جاء في الحديث: ” أن السموات السبع والأرضين السبع بالنسبة للكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض. وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة “.
إذاً مخلوق عظيم اختصه الله عز وجل بالاستواء عليه.
هل أنت أيها الإنسان تستوي على الفلك؟ تستوي على البعير؟
تستوي عليه؟
قال الله تعالى لنوح: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (المؤمنون: الآية: 28).
لو قال قائل: إن استواء الله على عرشه كاستوائنا على الفلك أو على البعير، نقول: هذا مشرك لأنه جعل صفة الخالق كصفة المخلوق فجعل لله تعالى شريكاً في الصفة ولكننا نقول: نحن نؤمن بأن الله استوى على العرش لكن بدون تمثيل لا مثيل لاستوائه كما لا مثيل لذاته عز وجل وهكذا بقية الصفات.
إذاً من أثبت الصفات مع التمثيل فهو مشرك لأنه شرك بين الخالق والمخلوق في الصفة.
لكن ما تقولون فيمن نفى حقيقة الصفات هل يكون ممثلاً؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “كل معطل ممثل، كل من عطل فقد مثل” الذي ينكر الصفات هو منكر وممثل، قد يقول قائل: كيف يكون منكراً وممثلاً لأن التمثيل إثبات والإنكار نفي وهل هذا إلا جمع بين النقيضين؟
نقول: استمع: لماذا عطل المعطل صفات الله؟
لأنه اعتقد أن إثباتها يستلزم التمثيل.
قال: أنا لو أثبت الصفة إذاً أثبت التمثيل إذاً يجب أن أنكر حقيقة الصفة لأسلم من التمثيل فمثل أولاً وعطل ثانياً.
__________
{أسباب ووسائل الشرك}
حذر النبي? عن كل ما يوصل إلى الشرك ويسبب وقوعه، وبين ذلك بيانًا واضحًا، ومن ذلك على سبيل الإيجاز ما يأتي:
(1) ـ الغلو في الصالحين هو سبب الشرك بالله تعالى، فإن الشيطان يدعو إلى الغلو في الصالحين وإلى عبادة القبور، ويُلقي في قلوب الناس أن البناء والعكوف عليها من محبة أهلها من الأنبياء والصالحين، وأن الدعاء عندها مستجاب، ثم ينقلهم من هذه المرتبة إلى الدعاء بها والإقسام على الله بها، وشأن الله أعظم من أن يُسأل بأحد من خلقه، فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم إلى دعاء صاحب القبر وعبادته وسؤاله الشفاعة من دون الله، واتخاذ قبره وثنًا تعلق عليه الستور، ويطاف به، ويستلم ويقبل، ويذبح عنده، ثم ينقلهم من ذلك إلى مرتبة رابعة: وهي دعاء الناس إلى عبادته واتخاذه عيدًا، ثم ينقلهم إلى أن من نهى عن ذلك فقد تَنَقَّصَ أهل هذه الرتب العالية من الأنبياء والصالحين، وعند ذلك يغضبون.
ولهذا حذّر الله عباده من الغلو في الدين، والإفراط بالتعظيم بالقول أو الفعل أو الاعتقاد، ورفع المخلوق عن منزلته التي أنزله الله تعالى، كما قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} سورة النساء، الآية: 171.
(2) ـ الإفراط في المدح والتجاوز فيه، والغلو في الدين: حذّر رسول? عن الإطراء فقال: “لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله” {البخاري}
(3) ـ بناء المساجد على القبور، وتصوير الصور فيها: حذَّر-?-عن اتخاذ المساجد على القبور، وعن اتخاذها مساجد؛ لأن عبادة الله عند قبور الصالحين وسيلة إلى عبادتهم؛ ولهذا لَمَا ذكرت أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما لرسول الله ?كنيسة في الحبشة فيها تصاوير قال: “إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة” {البخاري}.
(4) ـ اتخاذ القبور مساجد: حذّر ? أمته عن اتخاذ القبور مساجد فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمْ الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ. {البخاري}
(5) ـ إسراج القبور وكثرة زيارة النساء لها: حذر?-عن إسراج القبور؛ لأن البناء عليها، وإسراجها، وتجصيصها والكتابة عليها، واتخاذ المساجد عليها من وسائل الشرك، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “لعن رسول الله ? زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج”.
(6) ـ الجلوس على القبور والصلاة إليها: لم يترك? بابًا من أبواب الشرك التي تُوصِّل إليه إلا سده، ومن ذلك قوله?
: “لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها” {مسلم}.
(7) ـ اتخاذ القبور عيدًا، وهجر الصلاة في بيوت الله.
(8) ـ الصور وبناء القباب على القبور: كان? يطهر الأرض من وسائل الشرك، فيبعث بعض أصحابه إلى هدم القباب المشرفة على القبور، وطمس الصور، فعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ?؟ “ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته” {مسلم}.
(9) ـ شدّ الرّحال إلى غير المساجد الثلاثة: وكما سدّ ? كل باب يوصّل إلى الشرك فقد حمى التوحيد عما يقرب منه ويخالطه من الشرك وأسبابه، فقال?
: “لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى”
{البخاري}.
فدخل في هذا النهي شدّ الرحال لزيارة القبور والمشاهد،
(10) ـ الزيارة البدعية للقبور من وسائل الشرك؛ لأن زيارة القبور نوعان:
النوع الأول: زيارة شرعية يقصد بها السلام عليهم والدعاء لهم، كما يقصد الصلاة على أحدهم إذا مات صلاة الجنازة، ولتذكر الموت -بشرط عدم شدِّ الرِّحال – ولاتباع سنة النبي?.
النوع الثاني: زيارة شركية وبدعية (فتاوى ابن تيمية 1/ 233)، وهذا النوع ثلاثة أنواع:
أ ـ من يسأل الميت حاجته، وهؤلاء من جنس عُبَّاد الأصنام.
ب ـ من يسأل الله تعالى بالميت، كمن يقول: أتوسل إليك بنبيك، أو بحق الشيخ فلان، وهذا من البدع المحدثة في الإسلام، ولا يصل إلى الشرك الأكبر، فهو لا يُخرج عن الإسلام كما يُخرِج الأول.
ج ـ من يظنّ أن الدعاء عند القبور مُستجاب، أو أنه أفضل من الدعاء في المسجد، وهذا من المنكرات بالإجماع (الدرر السنية في الأجوبة النجدية 6/ 165 – 174).
(11) ـ الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها من وسائل الشرك؛ لِمَا في ذلك من التشبه بالذين يسجدون لها في هذين الوقتين، قال?: “لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان” {صحيح مسلم}.
{والخلاصة}
أن وسائل الشرك التي توصل إليه: هي كل وسيلة وذريعة تكون طريقًا إلى الشرك الأكبر، ومن الوسائل التي لم تذكر هنا: تصوير ذوات الأرواح، والوفاء بالنذر في مكان يُعبد فيه صنم أو يقام فيه عيد من أعياد الجاهلية، وغير ذلك من الوسائل.
{نقلاً من أحد الباحثين مع اختصاره}
__________
{مفاسد الشرك وأضراره}
إِن للشرك مفاسدَ وأضرارًا كثيرة في حياة الفرد والمجتمع أهمها:
(1) -الشرك مهانة للإنسانية: إِنه إِهانة لكرامة الإِنسان، وانحطاط لقَدره، ومنزلته، فقد استخلفه الله في الأرض وكرَّمه وعلَّمه الأسماء كلها, وسخر له ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه، وجعل له السيادة على كل ما في هذا الكون، ولكنه جهل قدر نفسه، وجعل بعض عناصر هذا الكون إِلهًا معبودًا يخضع له ويذل؛ وأي إِهانة للإِنسان أكثر من أن يرى -إِلى يومنا هذا- مئات الملايين من البشر في الهند يعبدون البقر التي خلقها الله للإِنسان، لتخدمه وهي صحيحة، ويأكلها وهي ذبيحة، ثم ترى بعض المسلمين يعكفون على قبور الموتى، ويسألونهم حاجتهم، وهم عبيد مثلهم لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، فالحسين -رضي الله عنه- لم يستطع أن يمنع عن نفسه القتل، فكيف يدفع عن غيره البلاء، ويجلب النفع؟
والأموات يحتاجون إلى دعاء الأحياء، فنحن ندعو لهم، ولا ندعوهم من دون الله، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل: 20 – 21].
(2) – الشرك وَكرُ الخرافات والأباطيل: لأن الذي يعتقد بوجود مُؤَثر غير الله في الكون من الكواكب أو الجن أو الأشباح أو الأرواح، يصبح عقله مستعدًا لكل خرافة، وتصديق كل دجال، وبهذا يروج في المجتمع المشرك بضاعة الكهنة والعرافين والسحرة والمنجمين وأشباههم ممن يدعون علم الغيب الذي لا يعلمه إِلا الله، كما يشيع في مثل هذا المجتمع إِهمال الأسباب والسنن الكونية.
(3) -الشرك ظلم عظيم: ظلم للحقيقة، لأن أعظم الحقائق أن لا إِله إِلا الله، ولا رَبَّ غيره .. ولكن المشرك اتخذ غير الله إِلهًا .. والشرك ظلم للنفس، لأن المشرك جعل نفسه عبدًا لمخلوق مثله، أو دونه، وقد خلقه الله حُرًا، والشرك ظلم للغير، لأن من أشرك بالله غيره فقد ظلمه حيث أعطاه من الحق ما ليس له.
(4) – الشرك مصدر المخاوف والأوهام: فإِن الذي يقبل عقله الخرافات، ويُصدق الأباطيل يصبح خائفًا من جهات شتى، لأنه اعتمد على عِدة آلهة، وكلها عاجزة عن جلب النفع، ودفع الضر عن نفسها، ولهذا ينتشر في جو الشرك التشاؤم والرعب من غير سبب ظاهر، كما قال تعالى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَاأَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَاوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 151].
(5) -الشرك يعطل العمل النافع: لأنه يُعلِّم أتباعه الاعتماد على الوسطاء والشفعاء، فيتركون العمل الصالح، ويرتكبون الذنوب، معتقدين أن هؤلاء سيشفعون لهم عند الله، وهذا اعتقاد العَرب قبل الإسلام الذين قال الله فيهم: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18]
(6) -الشرك سبب الخلود في النار: والشرك سبب للضياع في الدنيا والعذاب المؤبد في الآخرَة، قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَاوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72].
وقال -? -: “من مات وهو يدعو مِن دون الله نِدًا دخل النّار” [النِّدُّ: المثيل والشريك] {البخاري}
(7) -الشرك يُفرق الأُمة: قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31، 32].
__________
رسائل التوجيهات الإسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع للشيخ محمد بن جميل زينو رحمه الله.