[مختلف الحديث رقم: ((73))]
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
جمع واختصار سيف بن دورة الكعبي
ومشاركة سيف بن غدير ونورس وأحمد بن علي
-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_
كيف التوفيق بين حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، رضي الله عنهما، قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْتَعْ هَذِهِ، تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ َلا خََلاقَ لَهُ.
فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ، فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ قُلْتَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ َلا خََلاقَ لَهُ، وَأَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ الْجُبَّةِ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ.
[صحيح البخاري، 948].
وبين حديث: (إنَّ الله إِذَا حَرَّمَ شَيْئاً حَرَّمَ ثَمَنَهُ) رواه أبو داود (3488) وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود “.
-_-_-_-_-_-_-_-_-_
جواب سيف بن غدير النعيمي
مختلف الحديث رقم (73)
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم:
((وأما الحديث المشهور في كتب السنن عن أبن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه فمحمول على ما المقصود منه الأكل بخلاف ما المقصود منه غير ذلك كالعبد والبغل والحمار الأهلي فإن أكلها حرام وبيعها جائز بالاجماع))
كلام ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم و الحكم, قال رحمه الله:
“وأما بقية الحيوانات التي لاتؤكل فما لانفع فيه كالحشرات ونحوه لا يجوز بيعه وما يذكر من نفع في بعضها فهو قليل فلا يكون مبيحا للبيع كما لم يبح النبي صلى الله عليه وسلم بيع الميتة لما ذكر له ما فيها من الانتفاع ولهذا كان الصحيح أنه لايباح العلق لمص الدم ولا الديدان للاصطياد ونحو ذلك وأما ما فيه نفع للاصطياد منها كالفهد والبازي والصقر فحكي أكثر الأصحاب في جواز بيعها روايتين عن أحمد ومنهم من أجاز بيعها وذكر الإجماع عليه وتأول رواية الكراهة كالقاضي أبي يعلي في المجرد ومنهم من قال لا يجوز بيع الفهد والنسروحكي فيه وجها آخر بالجواز وأجاز بيع البزاة والصقور ولم يحك فيه خلافا وهو قول أبي موسي وأجاز بيع الصقر والبازي والعقاب ونحو أكثر العلماء منهم الثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق والمنصوص عن أحمد في أكثر الروايات عنه جواز بيعها وتوقف في رواية عنه في جوازه إذا لم تكن معلمة قال الخلال العمل على ما رواه الجماعة أنه يجوز بيعها بكل حال وجعل بعض أصحابنا الفيل حكمه حكم الفهد ونحوه وفيه نظروالمنصوص عن أحمد في رواية حنبل أنه لا يحل بيعه ولا شراؤه وجعله كالسبع وحكي عن الحسن أنه قال لا يركب ظهره وقال هو مسخ وهذا كله يدل على أنه لا منفعة فيه ولا يجوز بيع الدب قاله القاضي في المجرد وقال ابن أبي موسي لايجوز بيع القرد قال ابن عبد البر لا أعلم في ذلك خلافا بين العلماء وقال القاضي في المجرد إن كان ينتفع به في موضع لحفظ المتاع فهو كالصقر والبازي وإلا فهو كالأسد لا يجوز بيعه والصحيح المنع مطلقا وهذه المنفعة يسيرة وليست هي المقصودة منه فلا يبيح البيع كمنافع الميتة ”
————–
إجابة نورس الهاشمي:
مشكل الحديث 73
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله صلى عليه وسلم، أما بعد:
فلا منافاة بين الحديثين، لأن الأصل في اللباس الحل إلا إذا جاء الدليل على تحريم اللبس مثاله: كلبس الحرير للرجال، وكذلك لبس الأحمر الخالص فقد جاء النهي بذلك.
و أما ما جاء عن إعطاء عمر رضي الله الجبة للنبي صلى الله عليه وسلم لكي يتجمل بها في العيدين وللوفود، فردها النبي صلى الله عليه وسلم لكون هذا اللباس فيه التجمل بالحرير وهذا منهي عنه للرجال وقال: هذا لباس من لا خلاق له، و لا منافاة بين حديث (إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه) المقصود منه أنَّ ما حرَّم الله الانتفاعَ به، فإنَّه يحرم بيعُه وأكلُ ثمنه، وما أباح الله به الإنتفاع فليس مما عنى الله به في الحديث.
قال الشوكاني في النيل (3/ 338): وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّجَمُّلِ لِلْعِيدِ تَقْرِيرُهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِعُمَرَ عَلَى أَصْلِ التَّجَمُّلِ لِلْعِيدِ، وَقَصْرُ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَبِسَ مِثْلَ تِلْكَ الْحُلَّةِ لِكَوْنِهَا كَانَتْ حَرِيرًا.
قال الجامع (محمد بن آدم الأثيوبي) – عفا اللَّه تعالى عنه -: دلالة حديث الباب على الترجمة واضحة؛ حيث إن النبي – صلى اللَّه عليه وسلم – قرّر عمر – رضي اللَّه عنه – في قوله: “فتجمّلْ بها للعيد”، وإنما أنكر عليه كون التجمل بالحرير، حيث لا يحلّ لبسه للرجال. واللَّه تعالى أعلم بالصواب. المجتبى (17/ 160)
قال ابن بطال: في حديث الحلة الاستبرق التجمل فى العيدين بحسن الثياب سنة مندوب إليها كل من يقدر عليها. قال المهلب: وكذلك التجمل فى الجماعات والوفود بحسن الثياب مما جرى به العمل، وترك عليه السلام، لباس الجبة زهدًا فى الدنيا، وأراد أن يؤخر طيبات الدنيا للآخرة التى لا انقضاء لها، ورأى أن تعجيل طيباته فى الدنيا المنقطعة وبيع الدائم بها ليس من الحزم، فزهد فى الدنيا للآخرة وأمر بذلك، ونهى عن كل سرف وحرَّمه. شرح صحيح البخاري (2/ 547).
قال ابن الملقن في التوضيح: أن من السنة المعروفة التجمل للوفد والعيد بحسن الثياب؛ لأن فيه جمالًا للإسلام وأهله وإرهابًا للعدو وتعظيمًا للمسلمين.
قال ابن رجب: فالحاصل من هذه الأحاديث كُلِّها أنَّ ما حرَّم الله الانتفاعَ به، فإنَّه يحرم بيعُه وأكلُ ثمنه، كما جاء مصرحاً به في الراوية المتقدمة: ((إنَّ الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه))، وهذه كلمةٌ عامَّةٌ جامعة تَطَّرِدُ في كُلِّ ما كان المقصودُ من الانتفاع به حراماً، وهو قسمان:
أحدهما: ما كان الانتفاعُ به حاصلاً مع بقاء عَينِه، كالأصنامِ، فإنَّ منفعتها المقصودة منها هوَ الشرك بالله، وهو أعظمُ المعاصي على الإطلاق، ويلتحِقُ بذلك ما كانت منفعته محرَّمة، ككتب الشِّركِ والسِّحر والبِدعِ والضَّلالِ، وكذلك الصورُ المحرمةُ، وآلات الملاهي المحرمة كالطنبور، وكذلك شراءُ الجواري للغنا …….
القسم الثاني: ما ينتفع به مع إتلاف عينه، فإذا كان المقصود الأعظم منه محرماً، فإنَّه يحرم بيعُه، كما يحرمُ بيعُ الخنزير والخمر والميتة، مع أنَّ في بعضها منافع غيرَ محرمة، كأكل الميتة للمضطرِّ، ودفع الغصَّة بالخمر، وإطفاءِ الحريق به. والخرْز بشعر الخنْزير عند قوم، والانتفاع بشعره وجلده عند من يرى ذلك، ولكن لمَّا كانت هذه المنافعُ غيرَ مقصودة، لم يعبأ بها، وحرم البيعُ بكون المقصودِ الأعظم من الخنزير والميتة أكلَهما، ومن الخمر شربَها، ولم يلتفت إلى ما عدا ذلك، وقد أشار – صلى الله عليه وسلم – إلى هذا المعنى لمَّا قيل له: أرأيتَ شحومَ الميتةِ، فإنَّه يُطلى بها السُّفُن، ويُدهن بها الجُلودُ، ويَستصبِحُ بها الناسُ، فقال: ((لا، هو حرام)).
قال ابن الملقن في التوضيح: واستدل به أصحاب مالك على سد الذرائع؛ لأن اليهود توجه عليهم اللوم بتحريم أكل الثمن من جهة تحريم أكل الأصل، وأكل الثمن ليس هو أكل الأصل بعينه، لكنه لما كان سببًا إلى أكل الأصل بطريق المعنى استحقوا اللوم، ولهذا قال الخطابي: في هذا الحديث إبطال الحيل والوسائل التي يتوسل بها إلى المحظورات؛ ليعلم أن الشيء إذا حرم عينه حرم ثمنه.
قال ابن عبدالبر في التمهيد (9/ 46): وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا حَرَّمَ أَكْلَ شَيْءٍ وَلَمْ يُبِحْ الِانْتِفَاعَ بِهِ حَرَّمَ ثَمَنَهُ وَأَمَّا مَا أَبَاحَ الِانْتِفَاعَ بِهِ فَلَيْسَ مِمَّا عَنَى بِقَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ ثَمَنَهُ بِدَلِيلِ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى بَيْعِ الْهِرِّ وَالسِّبَاعِ وَالْفُهُودِ الْمُتَّخَذَةِ لِلصَّيْدِ وَالْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ قَالُوا وَكُلُّ مَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ يَجُوزُ بيعه.
—–
جواب أحمد بن علي:
مختلف الحديث 73
قال القسطلاني في إرشاد الساري:
(إنما هذه) الحلة الحرير (لباس من لا خلاق) أي من لا نصيب (له) من الخير في الآخرة وهذا خاص بالرجال وإن كانت كلمة من تدل على العموم لأدلة أخرى على إباحة الحرير للنساء. اهـ
قال ابن بطال في شرح البخاري: وقد نهى (صلى الله عليه وسلم) أن يتشبه الرجال بالنساء. وقيل: إنما نهى عن ذلك؛ لأنه من باب السرف والخيلاء، وقد جوز لباسه فى الحرب للترهيب على العدو، وقد تقدم اختلافهم فى ذلك، وسيأتى ما للعلماء فى ذلك فى كتاب اللباس. وفى قول عمر للنبى (صلى الله عليه وسلم) -: (أكسوتنيها يا رسول الله، وقد قلت فى حلة عطارد ما قلت) أنه ينبغى السؤال عما يشكل، وفى حديث النبى أنه كساها له لغير اللباس، فيه من الفقه أنه لا بأس بالتجارة والانتفاع بما لا يجوز لبسه. اهـ
قال النووي في شرح مسلم:
وفي هذا دليل لجواز صلة الأقارب الكفار والإحسان إليهم , وجواز الهدية إلى الكفار , وفيه جواز إهداء ثياب الحرير إلى الرجال لأنها لا تتعين للبسهم , وقد يتوهم متوهم أن فيه دليلا على أن رجال الكفار يجوز لهم لبس الحرير , وهذا وهم باطل. اهـ
قال الحافظ في الفتح:
(تنبيه): وجه إدخال هذا الحديث في ” باب الحرير للنساء ” يؤخذ من قوله لعمر ” لتبيعها أو تكسوها ” لأن الحرير إذا كان لبسه محرما على الرجال فلا فرق بين عمر وغيره من الرجال في ذلك فينحصر الإذن في النساء , وأما كون عمر كساها أخاه فلا يشكل على ذلك عند من يرى أن الكافر مخاطب بالفروع ويكون أهدى عمر الحلة لأخيه ليبيعها أو يكسوها امرأة. اهـ