سلسلة التسهيل لأسماء الله الحسنى ((32))
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
-مراجعة سيف بن دورة الكعبي.
-جمع وتأليف سيف بن غدير النعيمي.
=======================
{الأول الآخر، الظاهر الباطن}
قال تعالى: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الحديد: 3].
[الأول الآخر]
قال ابن جرير: هو (الأول) قبل كل شيء بغير حد، و (الآخر) بعد كل شيء بغير نهاية، وإنما قيل ذلك كذلك، لأنه كان ولا شيء موجوداً سواه، وهو كائن بعد فناء الأشياء كلها، كما قال جل ثناؤه كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: 88].
((جامع البيان)) (27/ 124).
*قال ابن أبي زيد القيرواني في مقدمة رسالته في عقيدة السلف: ليس لأوليته ابتداء، ولا لآخريته انقضاء. اهـ.
قال الشيخ العباد في شرحها (قطف الجني الداني): معنى قول ابن أبي زيد هذا: أنَّ الله لم يسبقه عدمٌ، ولا يلحقه عدم، وأمَّا المخلوقات فلها بداية سبقها عدم، ولها نهاية يلحقها عدم. اهـ.
وقال حافظ حكمي في (سلم الوصول):
الأول المبدي بلا ابتداء
والآخر الباقي بلا انتهاء.
قال الشيخ ابن سعدي:
وهذه الأسماء فسرها النبي صلى الله عليه وسلم تفسيراً كاملاً واضحاً فقال:
(أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء)
رواه مسلم (2713)،من حديث سهيل بن سعد رضي الله عنه.
ففسر كل اسم بكل معناه، ونفى عنه كل ما يضاده وينافيه فمهما قدر المقدرون وفرض الفارضون من الأوقات السابقة المتسلسلة إلى غير نهاية فالله قبل ذلك، وكل وقت لاحق مهما قدر وفرض الله بعد ذلك.
[توضيح الكافية الشافية لعبد الرحمن السعدي- ص 116]
قال الشيخ زيد المدخلي – رحمه
الله:
الحديث دل على إثبات جملة من أسماء الله تبارك وتعالى الدالة على صفات الكمال، فالله عز وجل هو الذي ليس لأوليته بداية، وهو الآخر الذي ليس لآخريته نهاية، وهو الظاهر أي فوق كل شيء بذاته وقهره وعظمته، وهو الباطن المطلع على خفايا الأمور لاتخفي عليه خافية من ذوات المخلوقات ولا من أعمالها ولا شيء من أحوالها.
[السبيكة الذهبية حلية العقيدة الواسطية: ص:155]
قال الشيخ ابن سعدي:
فالأول: يدل على أن كل ما سواه حادث كائن بعد أن لم يكن، ويوجب للعبد أن يلحظ فضل ربه في كل نعمة دينية أو دنيوية، إذ السبب والمسبب منه تعالى.
والآخر: يدل على أنه هو الغاية، والصمد الذي تصمد إليه المخلوقات بتأهلها، ورغبتها، ورهبتها، وجميع مطالبها.
الحق الواضح المبين لعبد الرحمن السعدي [ص:25]
[الظاهر الباطن]
قال ابن جرير الطبري: (وقوله: (والظاهر) يقول: وهو الظاهر على كل شيء دونه، وهو العالي فوق كل شيء فلا شيء أعلى منه).
((تفسير الطبري 27/ 124)).
قال ابن جرير الطبري: و (الباطن) يقول: وهو الباطن لجميع الأشياء فلا شيء أقرب إلى شيء منه، كما قال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] (15).
(جامع البيان) (27/ 124)
وبنحوه قال النحاس: (إعراب القرآن) (4/ 350) وزاد: ويدل على هذا أن بعده (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي لا يخفى عليه شيء.
قال ابن القيم في نونيته:
هو أولٌ هو آخرٌ هو ظاهرٌ
هو باطنٌ هي أربعٌ بوزان
ما قبله شيءٌ كذا ما بعده
شيءٌ تعالى الله ذو السلطان
ما فوقه شيءٌ كذا ما دونه
شيءٌ وذا تفسير ذي البرهان
فانظر إلى تفسيره بتدبر
وتبصرٍ وتعقلٍ لمعان
وانظر إلى ما فيه من أنواع معرفةٍ
لخالقنا العظيمِ الشان
قلت: سيف غدير: راجع تعليق الشيخ ابن عثيمين رحمه الله على هذه الأبيات في شرحه للكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية [79/ 3]
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى:
“اسمه (الظاهر) من لوازمه أن لا يكون فوقه شيء كما في الصحيح: ((وأنت الظاهر فليس فوقك شيء))
بل هو سبحانه فوق كل شيء فمن جحد فوقيته سبحانه فقد جحد لوازم اسمه (الظاهر).
ولا يصح أن يكون (الظاهر) هو من له فوقية القدر فقط، كما يقال: الذهب فوق الفضة؛ والجوهر فوق الزجاج؛ لأن هذه الفوقية تتعلق بالظهور، بل قد يكون المفوَّق أظهر من الفائق فيها، ولا يصح أن يكون ظهور القهر والغلبة فقط، وإن كان سبحانه ظاهرا بالقهر والغلبة لمقابلة الاسم (الباطن) وهو: الذي ليس دونه شيء، كما قابل (الأول) الذي ليس قبله شيء؛ بـ (الآخر) الذي ليس بعده شيء).
((مدارج السالكين)) (1/ 31).
في الشريعة للآجري – (ج 1 / ص 282):
(قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى: ومما يحتج به الحلولية مما يلبسون به على من لا علم معه: قول الله عز وجل: هو الأول والآخر والظاهر والباطن.
وقد فسر أهل العلم هذه الآية: هو الأول: قبل كل شيء من حياة وموت، والآخر: بعد كل شيء بعد الخلق، وهو الظاهر: فوق كل شيء، يعني ما في السموات، وهو الباطن: دون كل شيء يعلم ما تحت الأرضين، دل على هذا آخر الآية: وهو بكل شيء عليم، كذا فسره مقاتل بن حيان و مقاتل بن سليمان، وبينت ذلك السنة فيما:
حدثني أبو عبد الله أحمد بن محمد بن شاهين قال: حدثنا يوسف بن موسى القطان قال: حدثنا جرير عن مطرف، عن الشعبي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم أنت الأول، فليس قبلك شيء، وأنت الآخر، فليس بعدك شيء وأنت الظاهر، فليس فوقك شيء، وأنت الباطن، فليس دونك شيء).
[معنى كلمة اسمه تعالى ” الظاهر “]
*سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
مارأي سماحتكم في من قال في معنى اسم الله (الظاهر) أي الظاهر في كل شيء، هل يدخل هذا في القول بالحلول أم لا؟
هذا باطل؛ لأنه خلاف ما فسر به النبي صلى الله عليه وسلم الآية الكريمة، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عني الدين وأغننا من الفقر)
أخرجه مسلم في صحيحه، فالظاهر معناها العالي فوق جميع الخلق، ولكن آياته ودلائل وجوده وملكه وعلمه موجودة في كل شيء، وأنه رب العالمين وخالقهم ورازقهم، فأنت أيها الإنسان الذي أعطاك الله السمع والبصر والعقل، وأعطاك هذا البدن والأدوات التي تبطش بها وتمشي بها من جملة الآيات الدالة على أنه رب العالمين، وهكذا السماء والأرض والليل والنهار والمعادن والحيوانات وكل شيء، كلها آيات له سبحانه وتعالى تدل على وجوده وقدرته وعلمه وحكمته، وأنه المستحق للعبادة، كما قال الشاعر:
فواعجبا كيف يعصي الإله
أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
والله يقول جل وعلا: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيم) ُ ثم قال بعدها: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)
فأوضح سبحانه في هذه الآية أنواعا من مخلوقاته الدالة على أنه سبحانه هو الإله الحق الذي لا تجوز العبادة لغيره سبحانه وتعالى، فكل شيء له فيه آية ودليلنا على أنه رب العالمين، وأنه موجود وأنه الخلاق وأنه الرزاق وأنه المستحق لأن يعبد سبحانه وتعالى، وأما معنى الظاهر فهو العالي فوق جميع الخلق، كما تقدم ذلك في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فتاوى ابن باز، المجلد السادس، أسئلة مهمة والإجابة عليها، معنى كلمة اسمه تعالى ‘ الظاهر ‘
قال ابن القيم – رحمه الله:
فمعرفة هذه الأسماء الأربعة [الأول والآخر والظاهر والباطن]
هي أركان العلم والمعرفة فحقيق بالعبد أن يبلغ في معرفتها إلى حيث ينتهي به قواه وفهمه، واعلم أنّ لك أنت أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، بل كل شيء فله أول وآخر وظاهر وباطن، حتى الخطرة واللحظة والنفس وأدنى من ذلك وأكثر، فأولية الله تعالى سابقة على أولية كل ما سواه، وآخريته ثابتة بعد آخرية كل ما سواه، فأوليته سبقه لكل شيء وآخريته بقاؤه بعد كل شيء، وظاهريته سبحانه فوقيته وعلوه على كل شيء، ومعنى الظهور يقتضي العلو، وظاهر الشيء هو ما علا منه، وبطونه سبحانه إحاطته بكل شيء بحيث يكون أقرب إليه من نفسه، وهذا قرب غير قرب المحب من حبيبه، هذا لون وهذا لون، فمدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة وهي إحاطتان زمانية ومكانية، فإحاطة أوليته وآخريته بالقبل والبعد، فكل سابق انتهى إلى أوليته وكل آخر انتهى إلى آخريته، فأحاطت أوليته وآخريته بالأوائل والأواخر، وأحاطت ظاهريته وباطنيته بكل ظاهر وباطن، فما من ظاهر إلا والله فوقه وما من باطن إلا والله دونه، وما من أول إلا والله قبله، وما من آخر إلا والله بعده، فالأول قِدَمه والآخر دوامه وبقاؤه، والظاهر علوه وعظمته، والباطن قربه ودنوه، فسبق كل شيء بأوليته، وبقيّ بعد كل شيء بآخريته، وعلا على كل شيء بظهوره، ودنا من كل شيء ببطونه، فلا توارى منه سماء سماء ولا أرض أرضا، ولا يحجب عنه ظاهر باطنا، بل الباطن له ظاهر والغيب عنده شهادة، والبعيد منه قريب، والسرّ عنده علانية.
فهذه الأسماء الأربعة تشتمل على أركان التوحيد، فهو الأول في آخريته، والآخر في أوليته، والظاهر في بطونه، والباطن في ظهوره، لم يزل أولا وآخرا وظاهرا وباطنا) اهـ.
طريق الهجرتين ص (46).
قلت: سيف غدير: ما ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله ثمرة من ثمرات كثيرة ذكرها أهل العلم في معرفة ثمرات هذه الأسماء، أعني {الأول الآخر، الظاهر الباطن} وغيرها من الأسماء ..
وهناك كتب أعتنت بذكر ثمرات أسماء الله الحسنى، منها على سبيل المثال كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى، للشيخ محمد المحمود النجدي وكذلك كتاب فقه الأسماء الحسنى للشيخ عبدالرزاق البدر، فمن أراد الرجوع إليها فحسن، فهي مما يزيد به المرء إيمانه.
*منها على سبيل الاختصار أي الثمرات للأسماء الحسنى التي معنا:
-إدراك غنى الله تعالى عما سواه، فهو كان ولم يكن شيء معه، وإنّ آخريته لا أمد لها، فوجوده ليس قائما على عبادة الناس له، بل هو خلق الخلق ليعبدوه (لا يسأل عما يفعل وهو يسألون)
-أيضاً: العلم بهذه الصفات الأربع يوحي في النفس تعظيم الله تعالى.
قال ابن سعدي -في فتح الرحيم الملك العلام: (الأول الآخر، الظاهر الباطن)
قد فسَّرها صلى الله عليه وسلم بتفسير جامع واضح، حيث قال في دعاء الاستفتاح:
«أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء».
فبيَّن معنى كلِّ اسم ونفى ما يناقضه، وهذا أعلى درجات البيان.
وهنا نكتفي بهذا التفسير والبيان الذي لا يُحتاج إلى غيره.