مشكل الحديث رقم: ((12))
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
جمع واختصار سيف بن دورة الكعبي
حديث: [إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة واجعلهن آخر ما تتكلم به قال فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت قلت ورسولك قال لا ونبيك الذي أرسلت].
مختصر صحيح البخاري ((1) / (99))
*وجه الأشكال: من جهة أن كل رسول يعتبر نبي، فلماذا صحح له النبي صلى الله عليه وسلم.
———-
جواب ناصر الكعبي:
قال ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري1/ 366:
وقال بعض العلماء: لم يرد النبى برده على البراء تحرى قوله فقط، وإنما أراد بذلك ما في قوله: “ونبيك الذى أرسلت” من المعنى الذى ليس في قوله: “ورسولك الذى أرسلت”.
وذلك أنه إذا قال: “ورسولك الذى أرسلت”؛ يدخل فيه جبريل وغيره من الم?ئكة الذين هـم رسل الله إلى أنبيائه، وليسوا بأنبياء، كما قال تعالى في كتابه: (الله يصطفي من الم?ئكة رس? ومن الناس)
[الحج: 75]
فأراد بقوله: “ونبيك الذى أرسلت” تلخيص الك?م من اللبس أنه المراد (صلى الله عليه وسلم) بالتصديق بنبوته بعد التصديق بكتابه الذي أوحى الله تعالى إليه، وأمرهـم با?يمان به، وإن كان غيره من رسل الله أيضا واجب ا?يمان بهم، وهـذه شهادة ا?خ?ص والتوحيد الذى من مات عليها دخل الجنة، أ? ترى قوله (صلى الله عليه وسلم): “فإن مت مت على الفطرة” – يعنى فطرة ا?يمان. انتهى
قال ابن حجر في الفتح11/ 112:
وأولى ما قيل في الحكمة في رده صلى الله عليه وسلم على من قال الرسول بدل النبي؛ أن ألفاظ ا?ذكار توقيفية، ولها خصائص وأسرار ? يدخلها القياس، فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به، وهـذا اختيار المازري. انتهى
———–
جواب عبدالله الديني:
قال النووي رحمه الله: ”
قوله: (فرددتهن لأستذكرهن، فقلت: آمنت برسولك الذي أرسلت، قال: قل آمنت بنبيك الذي أرسلت) اختلف العلماء في سبب إنكاره صلى الله عليه وسلم ورده اللفظ، فقيل: إنما رده لأن قوله: (آمنت برسولك) يحتمل غير النبي صلى الله عليه وسلم من حيث اللفظ، واختار المازري وغيره أن سبب الإنكار أن هذا ذكر ودعاء، فينبغي فيه الاقتصار على اللفظ الوارد بحروفه، وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف، ولعله أوحي إليه صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمات، فيتعين أداؤها بحروفها، وهذا القول حسن، وقيل: لأن قوله: (ونبيك الذي أرسلت) فيه جزالة من حيث صنعة الكلام، وفيه جمع النبوة والرسالة، فإذا قال: رسولك الذي أرسلت، [ص: 198] فإن هذا الأمر مع ما فيه من تكرير لفظ (رسول وأرسلت) جائز وأهل البلاغة يعيبونه، وقد قدمنا في أول شرح خطبة هذا الكتاب أنه لا يلزم من الرسالة النبوة ولا عكسه واحتج بعض العلماء بهذا الحديث لمنع الرواية بالمعنى، وجمهورهم على جوازها من العارف، ويجيبون عن هذا الحديث بأن المعنى هنا مختلف ولا خلاف في المنع إذا اختلف المعنى.
————
جواب أحمد بن علي:
قال البغوي في شرح السنة:
وقول البراء: ” ورسولك الذي أرسلت ” وتلقين النبي (صلى الله عليه وسلم) إياه:
” ونبيك ” حجة لمن يرى متابعة اللفظ في الرواية. اهـ
قال الحافظ في الفتح:
قال الخطابي فيه حجة لمن منع رواية الحديث على المعنى قال ويحتمل أن يكون أشار بقوله ونبيك إلى أنه كان نبيا قبل أن يكون رسولا أو لأنه ليس في قوله ورسولك الذي أرسلت وصف زائد بخلاف قوله ونبيك الذي أرسلت وقال غيره ليس فيه حجة على منع ذلك لأن لفظ الرسول ليس بمعنى لفظ النبي ولا خلاف في المنع اذا اختلف المعنى فكأنه أراد أن يجمع الوصفين صريحا وأن كان وصف الرسالة يستلزم وصف النبوة أو لأن ألفاظ الأذكار توقيفية في تعيين اللفظ وتقدير الثواب فربما كان في اللفظ سر ليس في الآخر ولو كان يرادفه في الظاهر أو لعله أوحى إليه بهذا اللفظ فرأى أن يقف عنده أو ذكره احترازا ممن أرسل من غير نبوة كجبريل وغيره من الملائكة لأنهم رسل لا أنبياء فلعله أراد تخليص الكلام من اللبس أو لأن لفظ النبي امدح من لفظ الرسول لأنه مشترك في الإطلاق على كل من أرسل بخلاف لفظ النبي فإنه لا اشتراك فيه عرفا وعلى هذا فقول من قال كل رسول نبي من غير عكس لا يصح إطلاقه وأما من استدل به على أنه لا يجوز إبدال لفظ قال نبي الله مثلا في الرواية بلفظ قال رسول الله وكذا عكسه ولو اجزنا الرواية بالمعنى فلا حجة فيه وكذا لا حجة فيه لمن أجاز الأول دون الثاني لكون الأول أخص من الثاني لأنا نقول الذات المخبر عنها في الرواية واحدة فبأي وصف وصفت به تلك الذات من اوصافها اللائقة بها علم القصد بالمخبر عنه ولو تباينت معاني الصفات كما لو أبدل اسما بكنية أو كنية باسم فلا فرق بين أن يقول الراوي مثلا عن أبي عبد الله البخاري أو عن محمد بن إسماعيل البخاري وهذا بخلاف ما في حديث الباب فإنه يحتمل ما تقدم من الأوجه التي بيناها من إرادة التوقيف وغيره والله أعلم اهـ
قال صاحب كتاب كوثَر المَعَاني الدَّرَارِي في كَشْفِ خَبَايا صَحِيحْ البُخَاري:
وقوله: “قال: لا، ونبيِّك الذي أرسلت” أي: لا تقل: ورسولك، بل قل: ونبيِّك الذي أرسلت. وفي رواية جرير بن منصور: “فقال: قل: وبنبيك”.
وأولى ما قيل في الحكمة في رده عليه الصلاة والسلام على من قال الرسول بدل النبي، أن ألفاظ الأذكار توقيفية، ولها خصائص وأسرار لا يدخُلها القياس، فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به، فيُقْتَصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه، وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف، ولعله أوحي إليه بهذه الكلمات، فيتعين أداؤها بحروفها.
أو وجه الحكمة هو أنه لو قال: ورسولك، لكان تكراراً مع قوله: “أرسلت”، فلما كان نبيًّا قبل أن يُرسل، صرَّح بالنبوة للجمع بينها وبين الرسالة، وإن كان وصف الرسالة مستلزمًا وصف النبوة، مع ما فيه من تعديد النعم وتعظيم المنة في الحالين.
أو احترز به ممن أُرسل من غير نبوة، كجبريل وغيره من الملائكة؛ لأنهم رسل لا أنبياء، فلعله أراد تخليص الكلام من اللَّبْس. اهـ
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة:
س 2: إذا قال المسلم بعد الأذان: «اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد» فهل قوله في ذلك: (إنك لا تخلف الميعاد) بدعة؟
ج 2: الأصل في الأذكار المقيدة وسائر العبادات التوقيف عند ما ورد من عباراتها وكيفياتها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لما رواه البخاري وغيره عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت
ونبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة واجعلهن آخر ما تتكلم ” قال فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت: ” اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت قلت: ورسولك ” قال: ” لا , ونبيك الذي أرسلت» فأبى النبي صلى الله عليه وسلم على البراء بن عازب أن يضع كلمة (ورسولك) مكان كلمة (ونبيك) في الذكر والدعاء عند النوم. وكلمة: (إنك لا تخلف الميعاد) وإن لم ترد في دعاء طلب الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان في دواوين السنة الستة، ولكن رواها البيهقي في (سننه) من طريق علي بن عياش قال: حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وذكر الحديث، وزاد في آخره: ((إنك لا تخلف الميعاد)) وعلى هذا لا تكون زيادتها في دعاء طلب الوسيلة بعد الأذان للنبي صلى الله عليه وسلم بدعة. اهـ
جواب سيف بن غدير النعيمي:
بعض البدع الإضافية في ألفاظ الذكر ومعانيه ومقداره:
1 – استبدال لفظ وارد بآخر غير وارد: عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوَّضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبةً ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت. فإن متَّ من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهنَّ آخرَ ما تتكلم به)). قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت: ((اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت)) قلت: ورسولك، قال: ((لا، ونبيك الذي أرسلت)).
قال الحافظ ابن حجر: “وأولى ما قيل في الحكمة في ردِّه صلى الله عليه وسلم على من قال الرسول بدل النبي أن ألفاظ الأذكار توقيفية، ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس، فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به، وهذا اختيار المازري قال:
فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه، وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف، ولعله أوحي إليه بهذه الكلمات فيتعين أداؤها بحروفها”.
2 – الذكر بالاسم المفرد (الله) والضمير المفرد (هو):قال شيخ الإسلام: “قد دلَّ الكتاب والسنة وآثار سلف الأمة على جنس المشروع المستحب في ذكر الله ودعائه كسائر العبادات … أن الشرع لم يستحب من الذكر إلا ما كان كلاما تاما مفيدا مثل: لا إله إلا الله، ومثل: الله أكبر، ومثل: سبحان الله والحمد لله … فأما الاسم المفرد مُظهَرًا مثل: الله الله، أو مضمَرًا مثل: هو هو، فهذا ليس بمشروع في كتاب ولا سنة، ولا هو مأثور أيضا عن أحد من سلف الأمة، ولا عن أعيان الأمة المقتدى بهم، وإنما لهج به قوم من ضلال المتأخرين، وربما اتبعوا فيه حال شيخ مغلوب فيه، مثلما يروى عن الشبلي أنه كان يقول: الله الله، فقيل له: لم لا تقول: لا إله إلا الله؟ فقال: أخاف أن أموت بين النفي والإثبات. وهذه من زلات الشبلي التي تُغفر له لصدق إيمانه وقوة وجده وغلبة الحال عليه … وله أشياء من هذا النمط التي لا يجوز الاقتداء به فيها … وربما غلا بعضهم في ذلك حتى يجعلوا ذكر الاسم المفرد للخاصة وذكرَ الكلمة التامة للعامة. وربما قال بعضهم: (لا إله إلا الله) للمؤمنين، و (الله) للعارفين، و (هو) للمحققين. وربما اقتصر أحدهم في خلوته أو في جماعته على (الله الله الله)، أو على (هو) أو (يا هو) أو (لا هو إلا هو). وربما ذكر بعض المصنفين في الطريق تعظيمَ ذلك، واستدلَّ عليه تارة بوجد، وتارة برأي، وتارة بنقل مكذوب”.ثم قال: “وكذلك بالأدلة العقلية الذوقية، فإن الاسم وحده لا يعطي إيمانا ولا كفرا، ولا هدى وضلالا، ولا علما ولا جهلا، وقد يذكر الذاكر اسم نبي من الأنبياء، أو فرعون من الفراعنة، أو صنم من الأصنام، ولا يتعلق بمجرد اسمه حكم إلا أن يقرن به ما يدل على نفي أو إثبات، أو حب أو بغض، وقد يذكر الموجود والمعدوم”.ثم قال: “فثبت بما ذكرناه أن الاسم المجرد ليس مستحبا، فضلا عن أن يكون هو ذكر الخاصة.
وأبعد من ذلك ذكر الاسم المضمر وهو: (هو)، فإن هذا بنفسه لا يدل على معين، وإنما هو بحسب ما يفسره من مذكور أو معلوم، فيبقى معناه بحسب قصد المتكلم. ومن أسباب هذه الاعتقادات والأحوال الفاسدة الخروج عن الشرعة والمنهاج الذي بعث به الرسول إلينا صلى الله عليه وسلم، فإن البدع هي مبادئ الكفر ومظان الكفر، كما أن السنن المشروعة هي مظاهر الإيمان ومقوية للإيمان”
3 – الأوراد والأحزاب المبتدعة:
من البدع الإضافية ما يسمى بالأوراد والأحزاب الطرقية، وهي من البدع الإضافية لأن أصل الذكر مشروع، وإنما السبب في كونه بدعة ما قارنه من الكيفية التي لم تكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وأكثر الأدعية والأذكار المبتدعة هي من هذا الباب.
قال شيخ الإسلام: “والمشروع للإنسان أن يدعو بالأدعية المأثورة؛ فإن الدعاء من أفضل العبادات، وقد نهانا الله عن الاعتداء فيه، فينبغي لنا أن نتبع ما شرع وسن، كما أنه ينبغي لنا ذلك في غيره من العبادات، والذي يعدل عن الدعاء المشروع إلى غيره ـ وإن كان من أحزاب بعض المشايخ ـ الأحسن له أن لا يفوته الأكمل الأفضل، وهي الأدعية النبوية، فإنها أفضل وأكمل باتفاق المسلمين من الأدعية التي ليست كذلك، وإن قالها بعض الشيوخ فكيف وقد يكون في عين الأدعية ما هو خطأ أو إثم أو غير ذلك. ومن أشد الناس عيبا من يتخذ حزبا ليس بمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان حزبا لبعض المشايخ، ويدع الأحزاب النبوية التي كان يقولها سيد بني آدم وإمام الخلق وحجة الله على عباده، والله أعلم.
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: “الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على الاتباع، وليس لأحد أن يسنَّ منها غير المسنون، ويجعله عادة راتبة يواظب الناس عليها، بل هذا ابتداع دين لم يأذن به الله، بخلاف ما يدعو به المرء أحيانا من غير أن يجعله سنة”.
ولفظ (الحزب) أو (الورد) على وزن (فِعل) بمعنى: ما يجعله الإنسان على نفسه من القرآن أو الصلاة، ولكن المتصوِّفة أصحاب الطرق أطلقوهما على ما يجعله الإنسان على نفسه من الأدعية والأذكار، واشتهرت بذلك مصنفاتهم في هذا الباب فيما يخترعونه ويرتبونه من الأدعية والأذكار، وامتد ذلك إلى مصطلحات أخر، وإلى صلوات على النبي صلى الله عليه وسلم مخترعة، فمن هذه المصطلحات والألقاب المنسوبة: البردة، وتوسلات الصاوي، وتوسلات الخلوتي، وتوسلات النقشبندي، والحزب الكبير، وحزب الصغير، وحزب الأسرار، ودعاء عاشوراء، ودلائل الخيرات.
وهكذا لدى كل أصحاب طريقة من الأوراد المخترعة، وهي على أقسام: فمنها للعامة وهي لأهل الإسلام والسنة، ومنها للخاصة وهي للطرقية الصوفية، ومنها لخاصة الخاصة وهي حزب الملاحدة المنتسبين للإسلام ظلما.
فالقسم الثاني المسمى لدى الطرقية باسم: (حزب الخاصة) إنما هو أوراد وأحزاب بدعية محرمة، لا تجوز شرعا، لما فيها من هجر المشروع والاستدراك على الشرع واستحباب ما لم يشرع وإيهام العامة بمشروعيته واشتمالها على أدعية شركية، وأذكار بدعية.
4 – بدع في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
الصلوات المبتدعة لدى الطرقية مثل: صلاة ابن مشيش وصلاة الرفاعي وصلاة الفاتح وغيرها. وصلاة واحدة من هذه الصلوات تعدل عندهم قراءة القرآن كذا وكذا ألف مرة، فكيف لا يهجر القرآن بعد ذلك؟!!
المبحث الثاني: بدع في هيئة الذكر وفي كيفية الأداء:
1 – المواظبة على الاجتماع للذكر والذكر الجماعي:
قال شيخ الإسلام: “الاجتماع على القراءة والذكر والدعاء حسن مستحب إذا لم يُتَّخذ ذلك عادة راتبة ـ كالاجتماعات المشروعة ـ ولا اقترن به بدعة منكرة”.
وقال الشيخ بكر أبو زيد في الذكر الجماعي: ” … إن هذه هيئة داخلت الذكر والدعاء في عامة مواطن الذكر والدعاء في العبادات المطلقة والمقيدة والأوراد الراتبة وفي أعقاب الصلوات المكتوبات وفي مشاعر الحج وشعائره كالتلبية وفي التكبير أيام العيدين، وغير ذلك.
وليعلم هنا أن قاعدة هذه الهيئة التي يرد إليها حكمها هي: أن الذكر الجماعي بصوت واحد سرا أو جهرا، لترديد ذكر معين وارد أو غير وارد، سواء كان من الكل أو يتلقنونه من أحدهم، مع رفع الأيدي أو بلا رفع لها، كل هذا وصف يحتاج إلى أصل شرعي يدل عليه من كتاب أو سنة؛ لأنه داخل في عبادة، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع لا على الإحداث والاختراع؛ لهذا نظرنا في الأدلة لذلك من الكتاب والسنة فلم نجد دليلا يدل على هذه الهيئة المضافة، فتحقق أنه لا أصل لها في الشرع المطهَّر، وما لا أصل له في الشرع فهو بدعة؛ إذاً فيكون الذكر والدعاء الجماعي بدعة، يجب على كل مسلم مقتد برسول الله صلى الله عليه وسلم تركها والحذر منها، وأن يلتزم بالمشروع”.
2 – بدع في كيفية أداء الذكر:
ومنها الذكر بالحلق، وأزيز الصدر، وعدم إخراج الحروف من مخارجها. وهذه مخرقة لا يعلمها ـ في زعم الطرقية ـ إلا من وصل، نعوذ بالله من التلبيس.
3 – كيفية عقد الذكر:
ثبت من هدي النبي صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا وتقريرا عدُّ الذكر بالأنامل أصابع اليد لا غير. ودرج على ذلك الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا، فهو من العمل المتوارث لدى الأمة، تأسيا بنبيها صلى الله عليه وسلم … دون ما حاجة إلى وسيلة أخرى من حصى أو نوى أو سبحة منظومة أو آلة مصنوعة”.
4 – الغلو في البكاء والخشوع حال الذكر:
وفي هذا محدثات جمة، من تلاعب الشيطان، وتضليل الضالين للعوام، ومنها: التواجد والصعق والغشيان ودعوى الاستغراق والصياح والاضطراب والاختلاج والإغماء والموت والشهيق والهيام، إلى آخر ما هنالك من مقامات الفناء والشهود.
5 – الذكر بالسماع الشيطاني:
وهو اتخاذ السماع الشيطاني من الغناء وما يصحبه من وسيلة لعبادة الله في الذكر، وأنه قربة يتقرب بها الذاكرون إلى الله، وإحاطة ذلك بعبارات التحسين والتمليح، كقولهم: إنه يزيد في الشوق إلى الله، ويقوي الذوق والوجد، بل لا يفعل ذلك ـ بزعمهم ـ إلا الواصلون أهل الحقيقة.
وقد أجمع المسلمون على أن هذا من أسوأ أنواع الاعتداء في الذكر والدعاء، وأنه بدعة ضلالة، وعمل محرم قبيح لا يبيح التعبّد به مسلم، وأنه من الفتون واتباع الهوى، وإفساد الدين، والصد عن الذكر والدعاء المشروع، ومشاقة لله فيما شرع لعباده، ومعصية لرسوله فيما بلّغ من وحيه، وخروج على شرعه المطهر.
وأول من أحدثه الزنادقة، إذ أوجدوا الذكر بنوع من التغني بالشعر مع ضرب قضيب على جلد أو مخدة، يسمونه التغبير، قال الإمام الشافعي: “خرجت من بغداد وخلفت بها شيئا أحدثه الزنادقة يسمونه التغبير، يصدون الناس به عن القرآن”. ثم تطورت حال الذكر بالتغبير فسموها: القول، ثم دخلت هذه البدعة طورها الثالث: وهو اتخاذ الغناء، وما يصحبه من رقص وزمر وصفير وتصفيق وآلات لهو من الدف وهو الغربال.
6 – من بدع القراء للقرآن الكريم:
من ذلك قراءة الأنغام والتمطيط، والتطريب بترديد الأصوات، والتلحين في القراءة.
ومن ذلك التخصيص بلا دليل قراءةَ آية أو سورة في صلاة فريضة أو نافلة، أو في زمان، أو في مكان، أو حال أخرى، وهكذا من قصد التخصيص وترتيب التعبد بما لم يرد عليه دليل.
ومن ذلك بدع الختم، منها: اجتماع المؤذنين ليلة الختم وتكبيرهم جماعيا، والختم عند القبر، ودعاء الختم داخل الصلاة.
ومن ذلك التزام قول: (صدق الله العظيم) بعد قراءة القرآن.
ومن ذلك الاجتماع للقراءة الجماعية مطلقة، أو مقيدة بزمان أو مكان، بنية التعبد المطلق، واستئجار قارئ وإهداء ثوابها لميت أو حي.
قال شيخ الإسلام: (وليس لأحد أن يسن للناس نوعاً من الأذكار والأدعية غير المسنون ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس بل هذا ابتداع في دين الله لم يأذن الله به بخلاف ما يدعو به المرء أحياناً من غير أن يجعله للناس سنة.