سلسلة التسهيل لأسماء الله الحسنى ((29))
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
-مراجعة سيف بن دورة الكعبي.
-جمع وتأليف سيف بن غدير النعيمي.
=======================
(الرقيب)
*المعنى اللغوي:
قال الجوهري: ((الرقيب)):الحافظ، و (الرقيب):المنتظر.
تقول: رَقَبْتُ الشيء أرقبه رقوبا، ورِقْبَةً ورِقْبَاناً بالكسر فيهما، إذا رصدته))
والترقب: الانتظار، وكذلك الارتقاب، وقوله تعالى (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) [سورة هود 93]
معناه: لم تنتظر قولي، والترقب: تنظر وتوقع شيء.
وراقب الله تعالى في أمره؛ أي: خافه، والرقيب فعيل بمعنى فاعل؛ كعليم بمعنى عالم.
المراقبة اصطلاحا:
قال ابن القيّم: المراقبة دوام علم العبد وتيقّنه باطّلاع الحقّ سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه.
مدارج السالكين (2/ 68).
ورَد اسْمُ الله الرَّقيب في القرآن الكريم ثلاثَ مرَّات:
في قوله – تعالى -:
1 – {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
2 – {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شيء شَهِيدٌ}
[المائدة: 117].
3 – {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب: 52].
قال ابن جرير في قوله: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا) الأحزاب/52
يقول: وكان الله على كل شيء: ما أحل لك، وحرم عليك، وغير ذلك من الأشياء كلها، حفيظًا، لا يعزب عنه علم شيء من ذلك، ولا يؤوده حفظ ذلك كله”
انتهى .. تفسير الطبري” (20/ 304).?
قال ابن كثير عند قول الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} أي: هو مراقب لجميع أعمالكم وأحوالكم كما قال: (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [البروج 9]
وفي الحديث الصحيح {اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك}
وهذا إرشاد وأمر بمراقبة الرقيب …
تفسير ابن كثير ((2) / (206))
يقول ابن القيم في النونية:
وَهْوَ الرَّقِيبُ عَلَى الخَوَاطِرِ واللَّوَا …
حِظِ كَيْفَ بالأَفْعَالِ بالأَرْكَانِ
[القصيدة النونية (244)]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله-:” (كيف بالأفعال بالأركان): أي أنه إذا كان الله – عز وجل-رقيبا على دقائق الخفيات، مطلعا على السرائر و النيات كان من باب أولى شهيدا على الظواهر و الجليات، وهي الأفعال التي تفعل بالأركان أي الجوارح”.
شرح القصيدة النونية للسعدي (ص89).
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
فهوعزوجل رقيب يراقب الخواطرَ والأفعال، ذكر ثلاثة أشياء:
الخواطرَ في القلب،
واللواحظَ في العين،
والأركان في بقية الأعضاء،
ولهذا قال: (كَيْفَ بالأَفْعَالِ بالأَرْكَانِ؟!)
فهو_سبحانه وتعالى_رقيب على خواطرنا، على ما في قلوبنا؛ لقوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)
[سورة ق 16]،
وكذلك اللواحظ لقول الله تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)
[سورة غافر 19]،
وهذه الآية فيها دليل لهذا وهذا، كيف بالأفعال؟ من باب أولى؛ يعني: حركاتُنا الآن يراها الله عزوجل ويراقبُها_تبارك وتعالى_، فما من إنسانٍ يتحرك في أي مكان ولا ملكٍ ولا من أي شيء ٍّ يتحرك إلا والله_سبحانه وتعالى_يعلمُه ويراقبُه_وهذا دليل على إحاطته_سبحانه وتعالى_بكل شيء علماً.
شرح الكافية الشافية ((3) / (152))
وقال الشيخ الفوزان-حفظه الله-:” (الرقيب):الذي يراقب عباده ويراهم ويسمعهم ولا يخفون عليه، بل لا تخفى عليه ضمائرهم ونياتهم، لا يخفى عليه شيء من أمورهم”.
التعليق المختصر على القصيدة النونية ((2) / (781))
قال ابن القيم –رحمه الله-:” فمن راقب الله في سره: حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته والمراقبة هي التعبد باسمه الرقيب الحفيظ العليم السميع البصير فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها: حصلت له المراقبة”.
مدارج السالكين ((2) / (66))
ولقد أحسن من قال:
إذا ما خلوتَ الدَّهر يوما فلا تقل
خلوتُ ولكن قُل عليَّ رقيبُ
ولا تحسبن اللهَ يَغفل ساعةً
ولا أن ما يخفى عليه يَغيبُ.
روضة العقلاء لابن حبان (ص 26)
وقال القحطاني_رحمه الله_في نونيته:
وإذا خلوت بريبةٍ في ظلمة —
والنفس داعية إلى الطغيان
فاستح من نظر الإله وقل لها —
إن الذي خلق الظلام يراني
قال ابن الجوزي: “فقلوب الجهال تستشعر البُعْد؛ ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر لكفوا الأكُفَّ عن الخطايا، والمتيقظون علموا قربه فحضرتهم المراقبة، وكفتهم عن الانبساط”.
صيد الخاطر (236).
وقال ابن القيم: “فإن الإحسان إذا باشر القلب منعه من المعاصي، فإن من عبد الله كأنه يراه لم يكن ذلك إلا لاستيلاء ذِكره ومحبته وخوفه ورجائه على قلبه، بحيث يصير كأنه يشاهده، وذلك يحول بينه وبين إرادة المعصية، فضلاً عن مواقعتها”.
الجواب الكافي (70).
*من فوائد (المراقبة)
(1) الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار.
(2) الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة.
(3) دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(4) تثمر محبّة الله تعالى ورضاه.
(5) دليل على حسن الخاتمة.
(6) مظهر من مظاهر صلاح العبد واستقامته.
قال ابن سعدي _رحمه الله في فتح الرحيم الملك العلام: (الرقيب)
أي المطّلع على ما في القلوب، وما حوَته العوالم من الأسرار والغيوب، المراقب لأعمال عباده على الدوام، الذي أحصى كلَّ شيء، وأحاط بكلَّ شيء، ولا يخفى عليه شيء وإن دقَّ، الذي يعلم ما أسرّته السرائر، من النيات الطيبة والإرادات الفاسدة.
ومن تعبّد الله باسمه الرقيب أورثه ذلك المقام المستولي على جميع المقامات، وهو مقام المراقبة لله في حركاته وسكناته، لأنَّ من علم أنَّه رقيب على حركات قلبه وحركات جوارحه وألفاظه السرية والجهرية، واستدام هذا العلم، فإنَّه لا بد أن يثمر له هذا المقام الجليل، وهذا سرٌ عظيم من أسرار المعرفة بالله.
انظروا إلى ثمراته وفوائده العظيمة وإصلاحه للشؤون الباطنة والظاهرة.