*مختلف الحديث رقم: (62)
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
جمع واختصار سيف بن دورة الكعبي
كيف التوفيق بين حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).
البخاري (2067) ومسلم (2557)
وحديث (إن ابن آدم يكتب فى بطن أمه أثره وأجله ورزقه) وقال تعالى: {فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولايستقدمون}
———-
جواب أحمد بن علي:
قال بدر الدين العيني في شرح البخاري:
فإن قلت الآجال مقدرة وكذا الأرزاق لا تزيد ولا تنقص فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، قلت: أجيب عن هذا بوجهين:
(أحدهما) أن هذه الزيادة بالبركة في العمر بسبب التوفيق في الطاعات وصيانته عن الضياع وحاصله أنها بحسب الكيف لا الكم
(والثاني) أن الزيادة على حقيقتها وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر وإلى ما يظهر له في اللوح المحفوظ بالمحو والإثبات فيه يمحو الله ما يشاء ويثبت كما أن عمر فلان ستون سنة إلا أن يصل رحمه فإنه يزاد عليه عشرة وهو سبعون وقد علم الله عز وجل بما سيقع له من ذلك فبالنسبة إلى الله تعالى لا زيادة ولا نقصان ويقال له القضاء المبرم وإنما يتصور الزيادة بالنسبة إليهم ويسمى مثله بالقضاء المعلق.
ويقال المراد بقاء ذكره الجميل بعده فكأنه لم يمت وهو إما بالعلم الذي ينتفع به أو الصدقة الجارية أو الخلف الصالح. اهـ
قال ابن بطال في شرح البخاري:
قال الطبرى: فإن قيل كيف ينسأ له فى أجله، وقد قال تعالى: {فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولايستقدمون} وقال النبى – صلى الله عليه وسلم -: «إن ابن آدم يكتب فى بطن أمه أثره وأجله ورزقه»؟.
فالجواب: أنه إن فعل ذلك به جزاء له على ما كان له من العمل الذى يرضاه، فإنه غير زائد فى علم الله تعالى شيئًا لم يكن له عالما قبل تكوينه، ولا ناقص منه شيئًا، بل لم يزل عالمًا بما العبد فاعل وبالزيادة التى هو زائد فى عمره بصلة رحمه، والنقص الذى هو بقطعه رحمة من عمره ناقص قبل خلقه لا يعزب عنه شاء من ذلك … أ هـ
قال الطحاوي في مشكل الآثار:
هذا مما لا اختلاف فيه إذ كان قد يحتمل أن يكون الله عز وجل إذا أراد أن يخلق النسمة جعل أجلها إن برت كذا وإن لم تبر كذا لما هو دون ذلك وإن كان منها الدعاء رد عنها كذا وإن لم يكن منها الدعاء نزل بها كذا وإن عملت كذا حرمت كذا وإن لم تعمله رزقت كذا ويكون ذلك مما يثبت في الصحيفة التي لا يزاد على ما فيها ولا ينقص منه وفي ذلك بحمد الله التئام هذه الآثار واتفاقها وانتفاء التضاد عنها والله عز وجل نسأله التوفيق. اهـ
قال الشيخ عبدالمحسن العباد في شرح سنن أبي داود:
الذي كتب في اللوح المحفوظ لا يغير ولا يبدل، وإنما قدّر الله عز وجل الأسباب وقدر المسببات، فقدر أن هذا يكون عمره طويلاً، وقدر أن يكون باراً واصلاً لرحمه، فحصل له السبب والمسبب، فالسبب مقدر، والمسبب مقدر، وقد جعل الله صلة الرحم سبباً لإطالة العمر، فهذا هو المقصود من الحديث. أ هـ
قال شيخنا إبراهيم المزروعي في درس الإيمان بالقضاء والقدر:
*شبهةٌ والجواب عنها: يقول بعض الناس: إذا كان الله علم كل ما هو كائنٌ وكتب ذلك كله عنده في كتاب، فما معنى قوله تعالى (يمحو الله ما يشاء ويثبت) الرعد (39) ويقول: إذا كانت الأرزاق والأعمار والآجال مكتوبة لا تزيد ولا تنقص فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم “” من سرّه أن يُبسط له في رزقه وأن يُنسأ له في أثره فليصل رحمه “” متفق عليه 10/ 429 مسلم (16/ 114)
الجواب: إنّ القدر قدران قدرٌ مثبت أو مطلق أو مبرم، وهو في اللوح المحفوظ، فهذا ثابت لا يتغير ولا يتبدل، وقدرٌ معلق أو مقيد وهو ما في كتب الملائكة، فهذا الذي يقع فيه المحو والإثبات. فالآجال والأرزاق والأعمار وغيرها مثبتةٌ في أم الكتاب لا تتغير ولا تتبدل أما في صحف الملائكة فيقع فيها المحو والإثبات والزيادة والنقص. قال ابن تيمية (والأجل أجلان، أجل مطلق يعلمه الله، وأجل مقيد. ولهذا يتبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم “” من سره أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه “” فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلاً وقال: إن وصل رحمه زدته كذا وكذا، والملك لا يعلم أيزداد أم لا لكنّ الله يعلم ما يستقر عليه الأمر فإذا جاء الأجل لا يتقدم ولا يتأخر) الفتاوى (8/ 517) وكذلك قال في الرزق ـ الفتاوى (8/ 540) قال ابن حجر (كأن يقال للملك إن عمر فلان مائة عام إن وصل رحمه، وستون إن قطعها، وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع، فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص وإليه الإشارة بقوله (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملك) فتح (10/ 430) وهذا هو الراجح من أقوال العلماء الثلاثة. اهـ
——–
جواب سيف بن غدير النعيمي:
قال الشيخ الألباني رحمه الله في “صحيح الأدب المفرد” (1/ 24):
” الحديث على ظاهره، أي: أن الله جعل بحكمته صلة الرحم سبباً شرعياً لطول العمر وكذلك حسن الخلق وحسن الجوار كما في بعض الأحاديث الصحيحة، ولا ينافي ذلك ما هو معلوم من الدين بالضرورة أن العمر مقطوع به؛ لأن هذا بالنظر للخاتمة، تماماً كالسعادة والشقاوة، فهما مقطوعتان بالنسبة للأفراد فشقي أو سعيد، فمن المقطوع به أن السعادة والشقاوة منوطتان بالأسباب شرعاً.
وكما أن الإيمان يزيد وينقص، وزيادته الطاعة ونقصانه المعصية، وأن ذلك لا ينافي ما كتب في اللوح المحفوظ، فكذلك العمر يزيد وينقص بالنظر إلى الأسباب فهو لا ينافي ما كتب في اللوح أيضاً ” انتهى
وقال الحليمي رحمه الله في معناه: ” أن من الناس من قضى الله عز وجل بأنه إذا وصل رحمه عاش عددا من السنين مبينا، وإن قطع رحمه عاش عددا دون ذلك، فحمل الزيادة في العمر على هذا ” انتهى.
“شعب الإيمان” (6/ 219).
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
” معناه: أن الله سبحانه وتعالى وعد من يصل رحمه أن يثيبه وأن يجزيه بأن يطيل في عمره، وأن يوسع له في رزقه جزاءً له على إحسانه.
ولا تعارض بين هذا الحديث وبين الحديث الذي فيه أن كل إنسان قد قدر أجله ورزقه وهو في بطن أمه؛ لأن هناك أسبابًا جعلها الله أسبابًا لطول العمر وأسبابًا للرزق، فهذا الحديث يدل على أن الإحسان وصلة الرحم سبب لطول الأجل وسبب لسعة الرزق، والله جل وعلا هو مقدر المقادير ومسبب الأسباب، هناك أشياء قدرها الله سبحانه وتعالى على أسباب ربطها بها ورتبها عليها إذا حصلت مستوفية لشروطها خالية من موانعها ترتبت عليها مسبباتها قضاءً وقدرًا وجزاءً من الله سبحانه وتعالى ” انتهى.
“المنتقى من فتاوى الفوزان” (98/ 1).
قال الشيخ ابن عثيمين:
مكتوب أنك ستصل رحمك، لكنك أنت لا تعلم عن هذا فحثك النبي صلى الله عليه وسلم، وبين لك أنك إذا وصلت الرحم فإن الله يبسط لك في الرزق، وينسأ لك في الأثر …
ثم اعلم أن امتداد الأجل، وبسط الرزق أمرٌ نسبي، ولهذا نجد بعض الناس يصل رحمه، ويبسط له في رزقه بعض الشيء، ولكن عمره يكون قصيراً وهذا مشاهد، فنقول: هذا الذي كان عمره قصيراً مع كونه واصلاً للرحم لو لم يصل رحمه لكان عمره أقصر، ولكن الله قد كتب في الأزل أن هذا الرجل سيصل رحمه وسيكون منتهى عمره في الوقت الفلاني.
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين – المجلد الثاني – باب القضاء والقدر.
———
جواب ناصر المرزوقي:
قال النووي رحمه:
“وأما التأخير في الأجل ففيه سؤال مشهور وهو أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تزيد ولا تنقص فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، وأجاب العلماء بأجوبة الصحيح منها: أن هذه الزيادة بالبركة في عمره والتوفيق للطاعات وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة وصيانتها عن الضياع في غير ذلك، والثاني أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه فإن وصلها زيد له أربعون وقد علم الله سبحانه وتعالى ما سيقع له من ذلك وهو من معنى قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت … ”
شرح النووي على مسلم ((16) / (114)).
قلت: والقول الأولى والأظهر والله أعلم هو حمل الحديث على ظاهره، فنقول أن الزيادة في العمر حقيقي لمن وصل رحمه، ولا تعارض بين الأدلة لقوله تعالى: “يمحوا الله مايشاء ويثبت وعنده أم الكتاب”.
———-
جواب أبي أيوب المغربي ونقل كثيراً مما سبق ومنها ما قرره ابن عثيمين أن الخيرية ليست بطول العمر مجردة وإنما طول العمر والعمل الصالح:
فتوى للإمام بن باز رحمه الله:
لا منافاة بين الحديث والآيات، فكون الإنسان يبسط له في الرزق، وينسأ له في الأجل بسبب صلة الرحم، أو بسبب بر الوالدين لا يمنع قوله تعالى: وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا [(11) سورة المنافقون]. فالمعنى أن الله – جل وعلا – يجعل صلة الرحم، ويبر والديه من أسباب تأخير أجله في الأجل السابق والقدر السابق، فالله – جل وعلا – يعلم أن هذا يصل رحمه ويبر والديه، فلهذا أجل له زيادة في العمر، وفسح له في العمر، وذاك يقطع رحمه، ويعق والده، فلن يفسح له في العمر، وجعل عمره كذا، لحكمة بالغة، وقد يطول عمر هذا العاق وعمر هذا العاق، ويعجل أجل المطيع لأسبابٍ أخرى، وحكمة بالغة من الله -سبحانه وتعالى -، وفي الحديث الصحيح: (لا يرد قدره إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر) يعني بر الوالدين، فهو من جنس حديث أنس: (من أحب أن يبسط له في رزقه). يقول النبي – صلى الله عليه وسلم-: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أجله، فليصل رحمه). وصلة الرحم وبر الوالدين وكثرة الدعاء بطول الحياة على خير من أسباب تأخير الأجل فيما مضى في علم الله، ليس معناه أن هذا قد كتبه الله يموت في كذا ثم أُخَّر، لا. المقصود أن الله – جل وعلا – جعل بر هذا لوالديه، وصلته لأرحامه، وكثرة دعائه من أسباب تأخير أجله الذي مضى به علم الله، فعلم الله لا يتغير، ولا يعقبه جهل، ولا يسبقه جهل، بل علم الله شامل – سبحانه وتعالى -، لا يعتريه جهل ولا نقص، فهذا إذا جاء أجله تمت حياته والآخر كذلك، والآخر كذلك، وكلٌ له أسبابه، هذا أطيل في أجله لبره وصلة رحمه وكثرة دعاءه، وهذا عجل له الأجل لأسبابٍ أخرى، وهذا مد له في الأجل لأسبابٍ أخرى، فربك حكيم – جل وعلا -، وليس هناك منافاة بين الأسباب؛ لأن الآجال معلقة بأسبابها، والأرزاق معلقة بأسبابها، والله هو المقدر لهذا ولهذا – سبحانه وتعالى –