*مشكل الحديث رقم (7)
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
جمع واختصار سيف بن دورة الكعبي
————
ورد في حديث (بينما رجل يتبختر يمشي في برديه قد اعجبته نفسه، فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) أخرجه البخاري ومسلم، بل ورد في قوله تعالى (إن الله لا يحب الفرحين).
يعارضها في الظاهر قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)}
——-
جواب سيف غدير:
سئل سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله-
السؤال:
ما تفسير قول الله سبحانه وتعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)) [القصص:76]؟
الْجَواب:
هذه الآية فِي قصة قارون (إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) والْمُراد بذلك الفرح الذي يصحبه الكبْر والبَغي على الناس والعدوان والبطر، هذا الْمَنهي عنه، فرح البطر والكبر، أما الفرح بنصر الله وبرحْمَته ونعمه وإحسانه فهذا مشروع؛ كما قال الله -عز وجل-: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (58) سورة يونس. اهـ
(موقع الشيخ -رحمه الله-)
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله: {فالفرح بالله وبرسوله وبالإيمان وبالسنة وبالعلم وبالقرآن من أعلى مقامات العارفين.
قال تعالى (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) سورة التوبة [124] , وقال تعالى (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ) سورة الرعد [36].
نقلاً من كتاب [مدارج السالكين 3/ 158].
قال باحث:
قال الله تعالى:” قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون ”
قلت: في هذه الآية الأمر بالفرح بفضل الله عز وجل خلافاً لما عليه كثيرٌ من أهل النسك المجرد عن العلم النافع، فتجدهم يحمدون الحزن كمثل قول قائلهم:” أحزان قلبي لا تزول حتى أبشر بالقبول “، وهذا مع ركاكته مخالفٌ للشرع
وربما احتجوا بقوله تعالى: (وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً)
وهذه الآية ذم الفرح المقترن بالكبر والفخر وبهذا فسر علماء السلف الآيات كما تراه في تفسير الطبري
وأما الحزن فقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (10/ 16):” وأما الحزن فلم يأمر الله به ولا رسوله بل قد نهى عنه في مواضع وان تعلق بأمر الدين كقوله تعالى: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) وقوله: (ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون) وقوله (إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) وقوله: (ولا يحزنك قولهم) وقوله (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم)
وأمثال ذلك كثير وذلك لأنه لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة فلا فائدة فيه ومالا فائدة فيه لا يأمر الله به نعم لا يأثم صاحبه إذا لم يقترن بحزنه محرم كما يحزن على المصائب”
فإن قيل: أليس المرء يستاء من سيئته إذا فعلها ويحزن؟
فيقال: ولكن ما ينبغي أن يدوم هذا بل ينبغي أن يتبعها بحسنة الإستغفار …
واعلم _ رحمك الله _ أن الفرح المأمور به في هذه الآية لا يتعارض مع النهي عن الفرح المنهي عنه في قوله تعالى: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم)، فالفرح المنهي عنه هنا هو الفرح بنعيم الدنيا الزائل كما فسره بذلك ابن جرير الطبري، ولا يخفى أن هناك فرحاً فطرياً مباحاً كالحزن الفطري المباح، والمنهي الإفراط في هذا أو ذاك على وجهٍ يوقع في المعصية والإثم، ولا شك أن الفرح بالرزق الحلال الذي يسوقه الله للعبد لا ضير فيه بل إذا اقترن فيه شكران النعمة كان هذا من أكمل الأحوال، ولهذا وعد المجاهدون بالغنائم تحفيزاً لهم لما علم من انطباع حب المال في نفوس بني آدم إذا فهمت هذا، علمت أن الفرح المأمور في قوله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون)
المراد به أصالةً النعم الدينية.
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (16/ 49):” ففضل الله ورحمته القرآن والإيمان، من فرح به فقد فرح بأعظم مفروحٍ به، ومن فرح بغيره فقد ظلم نفسه ووضع الفرح في غير موضعه ”
ونعم الله الدينية كثيرة:
فأولها: نعمة الإيمان الذي به تحصل حياة القلب
وثاني النعم: نعمة السنة …
وثالث النعم: نعمة العلم الشرعي، وفضائله كثيرةٌ مبسوطة ……
——
جواب حمد الكعبي:
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره:
قوله تعالى (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)
قوله تعالى (قل بفضل الله وبرحمته) قال أبو سعيد الخدري وابن عباس رضي الله عنهما: فضل الله القرآن، ورحمته الإسلام. وعنهما أيضا: فضل الله القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله. وعن الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة: فضل الله الإيمان، ورحمته القرآن ; على العكس من القول الأول. وقيل غير هذا.
فبذلك فليفرحوا إشارة إلى الفضل والرحمة …. فبذلك فليفرحوا أي بالقرآن والإسلام فليفرحوا
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرة:
(ولا تفرحوا بما آتاكم) أي: جاءكم، ويقرأ: ” آتاكم ” أي: أعطاكم. وكلاهما متلازمان، أي: لا تفخروا على الناس بما أنعم الله به عليكم، فإن ذلك ليس بسعيكم ولا كدكم، وإنما هو عن قدر الله ورزقه لكم، فلا تتخذوا نعم الله أشرا وبطرا، تفخرون بها على الناس ; ولهذا قال: (والله لا يحب كل مختال فخور) أي: مختال في نفسه متكبر فخور، أي: على غيره.
وقال عكرمة: ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن، ولكن اجعلوا الفرح شكرا والحزن صبرا.
———–
جواب احمد بن علي: مشكل الحديث رقم 7
قال الشنقيطي في العَذْبُ النَّمِيرُ مِنْ مَجَالِسِ الشَّنْقِيطِيِّ فِي التَّفْسِيرِ:
{حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا} أي: ما أُعْطُوا من الصحةِ بدلَ المرضِ، ومن الغِنَى بدلَ الفقرِ، ومن الرِّيِّ والشبعِ بدلَ الجوعِ، فرحوا بهذا فَرَحَ أَشَرٍ وبَطَرٍ، … أما الْفَرَحُ بالخيرِ، والفرحُ بالدينِ ومعرفةِ القرآنِ فهذا أمرٌ مطلوبٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ،.اهـ
وإلى هذا المعنى أشار الشوكاني في فتح القدير وصديق حسن خان في فتحُ البيان في مقاصد القرآن
وغيرهم من أصحاب التفاسير
——-
جواب سيف بن دورة الكعبي وأهله:
قال الفوزان فالفرح نوعان:
-نوع مشروع وهو الفرح في عيد الفطر بتفضل الله وشكره على إتمام الصيام والقيام في شهر رمضان، والفرح بإتمام مناسك الحج في عيد الأضحى: لما قال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) قال بعدها: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) وفضل الله هو القرآن ورحمته الدين والإيمان.
منه حديث “أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله”
-والفرح بالدنيا الزائلة هو الفرح المذموم؛ لأن الفرح بالدين فرح شكر لله والفرح بالدنيا فرح أشر وبطر، كفرح قارون وكقوله تعالى (ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ) انتهى بتصرف يسير
قال ابن جزي في التسهيل: الفرح هنا هو الذي يقود إلى الإعجاب والطغيان، ولذلك قال: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ. وقيل: السرور بالدنيا، لأنه لا يفرح بها إلا من غفل عن الآخرة، ويدل على هذا قوله: وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ. انتهى.
وقال الراغب في المفردات: الفرح وإن كان في أغلب أحواله مذموماً، لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ. فقد يحمد تارة إذا كان على قدر ما يجب وفي الوضع الذي يجب. انتهى.
قال بعض لجان الفتوى: هذا وإن كان الفرح بالدنيا لا يذم إذا انضبط واعتدل، إلا أن الأكمل أن يتعلق القلب بالآخرة، ولا يكترث بأحوال الدنيا، كما قال تعالى: اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ {الرعد:26}، وقال: لِكَيْلَا تَاسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ {الحديد:23}
ولذلك لم يأمر الله تعالى بالفرح في كتابه إلا بأمور الدين والآخرة، فقال تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {يونس:58}، قال ابن القيم في بدائع الفوائد: ولا شيء أحق أن يفرح العبد به من فضل الله ورحمته التي تتضمن الموعظة وشفاء الصدور من أدوائها بالهدى والرحمة .. فذلك خير من كل ما يجمع الناس من أعراض الدنيا وزينتها .. وقد جاء الفرح في القرآن على نوعين مطلق ومقيد، فالمطلق جاء في الذم كقوله تعالى: لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ. وقوله: إنه لفرح فخور. والمقيد نوعان أيضاً، مقيد بالدنيا ينسي صاحبه فضل الله ومنته، فهو مذموم، كقوله: إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ. والثاني: مقيد بفضل الله وبرحمته، وهو نوعان أيضاً، فضل ورحمة بالسبب وفضل بالمسبب، فالأول كقوله: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون. والثاني كقوله: فرحين بما آتاهم الله من فضله. انتهى.
-أما قول القائل: ألم يكن السلف الصالح في حزن دائم
فقال باحث هذا خطأ، ففي “زاد المسير”:
[قوله تعالى لا تفرح قال ابن قتيبة المعنى لا تأشر ولا تبطر انتهى
ولا تعارض بين سرور الإنسان وحرصه على أسباب ذلك، وبين ما يصيب الإنسان من حزن وغم وهم لسبب أو لآخر، فهذا سيد الأولين نبينا صلى الله عليه وسلم يضحك حتى تبدو نواجذه، ويكثر تبسمه مع صحابته وسائر الخلق، ومع ذا فإنه حزن حزنا شديدا يوم قتل حمزة – رضي الله عنه -، وحزن لموت خديجة – رضي الله عنها -، وحزن لقتل القراء، بل وغضب ودعا على رعل وذكوان، فلا تعارض البتة. والله الموفق.
تنبيه: روي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما في سؤاله لخاله هند بن أبي هالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متواصل الأحزان دائم الفكرة …
الحديث ضعيف لا يثبت. انتهى كلام الباحث
وقال السعدي: [ومن الأسباب الموجبة للسرور وزوال الهم والغم: السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال، وأن ذلك حمق وجنون، فيجاهد قلبه عن التفكر فيها وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله، مما يتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته. فيعلم أن الأمور المستقبلة مجهول ما يقع فيها من خير وشر وآمال وآلام، وأنها بيد العزيز الحكيم، ليس بيد العباد منها شيء إلا السعي في تحصيل خيراتها، ودفع مضراتها، ويعلم العبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره، واتكل على ربه في إصلاحه، واطمأن إليه في ذلك، إذا فعل ذلك اطمأن قلبه وصلحت أحواله، وزال عنه همه وقلقه].
انتهى من ” الوسائل المفيدة للحياة السعيدة “.
قال الشيخ العلامة ابن عثيمين:
[كل ما يُحْدِث الندم فإنّ الشرع يأمرنا بالابتعاد عنه، ولهذا أيضا أصول منها: أن الله سبحانه وتعالى قال: (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين ءامنوا وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله) … ثم ذكر قريب من كلام السعدي
“شرح بلوغ المرام” (كتاب البيوع).
ولابن القيم في طريق الهجرتين كلام حول دفع الحزن الذي يقطع صاحبه عن السير مع أنه حزن يدل على حياة القلب وهو الحزن على تقصيره في حق الله، قال:
ولكن الحزن لا يجدي عليه فإنه يضعفه كما تقدم بل الذي ينفعه أن يستقبل السير ويجد ويشمر ويبذل جهده وهذا نظير من انقطع عن رفقته في السفر فجلس في الطرريق حزينا كئيبا يشهد انقطاعه ويحدث نفسه باللحاق بالقوم فكلما فتر وحزن حدث نفسه باللحاق برفقته ووعدها إن صبرت أن تلحق بهم ويزول عنها وحشة الانقطاع فهكذا السالك إلى منازل الأبرار وديار المقربين، وأخص من هذا الحزن حزنه على قطع الوقت بالتفرقة المضعفة للقلب عن تمام سيره وجده في سلوكه فإن التفرقة من أعظم البلاء على السالك ولا سيما في ابتداء أمره فالأول حزن على التفريط في الأعمال وهذا حزن على نقص حاله مع الله وتفرقة قلبه وكيف صار وقته ظرفا لتفرقة حاله واشتغال قلبه بغير معبوده، وأخص من هذا الحزن حزنه على جزء من أجزاء قلبه كيف هو خال من محبة لله وعلى جزء من أجزاء بدنه كيف هو منصرف في غير محاب الله فهذا حزن الخاصة ويدخل في هذا حزنهم على كل معارض يشغلهم عما هم بصدده من خاطر أو إرادة أو شاغل من خارج فهذه المراتب من الحزن لا بد منها في الطريق ولكن الكيس لا يدعها تملكه وتقعده بل يجعل عوض فكرته فيها فكرته فيما يدفعها به.