*سلسلة التسهيل لأسماء الله الحسنى (23)
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
-مراجعة سيف بن دورة الكعبي.
-جمع وتأليف سيف بن غدير النعيمي.
=======================
(الغني، المغني)
(الغني)
_ورد اسم الغني في ثماني عشرة آية من كتاب الله:
قال تعالى (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَا يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) (133:سورة الأنعام)
قال تعالى (وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) (8:سورة ابراهيم)
ومن السنة:
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مرفوعا: (اللهُمَّ أَنْتَ اللهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَنْتَ الْغَنِىُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ أَنْزِلْ عَليْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لنَا قُوَّةً وَبَلاَغًا إِلى حِينٍ)
رواه أبوداود وحسنه الألباني.
*قال الراغب الأصفهاني: الغِنَى يقال على ضُروب:
أحدها: عدم الحاجات، وليس ذلك إلا لله تعالى وهو المذكور في قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحج: 64].
الثاني: قلة الحاجات؛ وهو المشار إليه بقوله: {وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى: 8].
الثالث: كثرة القنيات؛ كما جاء في قوله: {مَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء: 6].
الرابع: وقد يعني عدم الاحتياج إلى ما عند الناس فلا يفتقر إليهم فيتعفف عما عندهم، كما قال تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273].
وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس)).
وكما قال الشاعر:
العيش لا عيش إلا ما قنعت به
قد يَكْثُرُ المالُ والإنسانُ مُفْتَقِر
الخامس: قد يعني ((الكفاية)) يقال: أغناني كذا، وأغنى عنه كذا إذا كفاه، كما في قوله تعالى: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة: 28]، وكما قال تعالى: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [آل عمران: 10].
وقيل: ((تَغَنَّى)) بمعنى استغنى، وحُمِل قوله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منَّا من لم يتغنَّ بالقرآن)) على ذلك.
مفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني (515 – 516)
قلت (سيف الكعبي): قال ابن حجر: ورد في فتح الباري:
” وَالْحَاصِل أَنَّهُ يُمْكِن الْجَمْع بَيْن أَكْثَر التَّاوِيلَات الْمَذْكُورَة، وَهُوَ أَنَّهُ يُحَسِّن بِهِ صَوْته جَاهِرًا بِهِ مُتَرَنِّمًا عَلَى طَرِيق التَّحَزُّن، مُسْتَغْنِيًا بِهِ عَنْ غَيْره مِنْ الْأَخْبَار، طَالِبًا بِهِ غِنَى النَّفْس رَاجِيًا بِهِ غِنَى الْيَد، وَقَدْ نَظَمْت ذَلِكَ فِي بَيْتَيْنِ:
تَغَنَّ بِالْقُرْآنِ حَسِّنْ بِهِ الصَّوْ ت حَزِينًا جَاهِرًا رَنِّمِ وَاسْتَغْنِ عَنْ كُتْب الْأُلَى طَالِبًا غِنَى يَد وَالنَّفْس ثُمَّ اِلْزَمِ”
وورد في فتح الباري:
” وَإِنْ كَانَتْ ظَوَاهِر الْأَخْبَار تُرَجِّح أَنَّ الْمُرَاد تَحْسِين الصَّوْت وَيُؤَيِّدهُ قَوْله ” يَجْهَر بِهِ ” فَإِنَّهَا إِنْ كَانَتْ مَرْفُوعَة قَامَتْ الْحُجَّة … “انتهى
وبعض الأئمة ضعف الحديث بلفظ (يجهر به) مع أنه في البخاري، وأن المحفوظ بهذا الإسناد (ما أذن الله لشئ …. )
المهم ثبت حديث سعد بن أبي وقاص (ليس منا من لم يتغنى بالقرآن) قال ابن عيينة ووكيع: يعني يستغني به، قال ابن جرير: كان سفيان يقول: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم، لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم) فأمره بالاستغناء بالقرآن عن المال.
والمعنى الأول وهو تحسين الصوت ورد في أكثر من حديث ومنه حديث (ما أذن الله لشئ ما أذن لنبي حسن الصوت أن يتغنى بالقرآن يجهر به) أخرجه مسلم. فجمع ابن حجر جيد. انتهى كلامي
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
قوله تعالى: {والله غني} أي عن غيره؛ فهو سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى أحد؛ وكل من في السموات والأرض فإنه محتاج إلى الله تعالى؛ هو غني بذاته عن جميع مخلوقاته؛ فله الغنى المطلق من جميع الوجوه.
تفسير سورة البقرة.
(المغني)
*تنبيهان: (المغني)
أولا: لم يرد في القرآن الكريم فليس من المذكورة وفق ما اشترطه المصنف رحمه الله في القرآن هذا الاسم.
ثانيا: أن التحقيق أن المغني ليس من أسماء الله عزوجل، وإنما هو استنباط من الفعل في قوله تعالى ((وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى)
قاله بعض المحققين.
*قال ابن سعدي _رحمه الله في فتح الرحيم الملك العلام: (الغني، المغني)
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} [النجم]، فهو تعالى الغني بذاته، الذي له الغنى التام المطلق من جميع الوجوه والاعتبارات لكماله وكمال صفاته التي لا يتطرق إليها نقص بوجه، ولا يمكن إلا أن يكون غنياً لأنَّ غناه من لوازم ذاته، فكما لا يكون إلا خالقاً رازقاً رحيماً محسناً، فلا يكون إلا غنياً عن جميع الخلق لا يحتاج إليهم بوجه من الوجوه، ولا يمكن أن يكونوا كلُّهم إلا مفتقرين إليه من كلِّ وجه، لا يستغنون عن إحسانه وكرمه وتدبيره وتربيته العامة والخاصة طرفة عين.
ومن كمال غناه: أنَّ خزائن السموات والأرض بيده، وأنَّ جوده على خلقه متواصل آناء الليل والنهار، وأنَّ يديه سحاء في كلِّ وقت.
ومن كمال غناه: أنَّه يدعو عباده إلى سؤاله كلَّ وقت ويعدهم عند ذلك بالإجابة، ويأمرهم بعبادته، ويعدهم القبول والإثابة، وقد آتاهم من كلِّ ما سألوه، وأعطاهم كلَّ ما أرادوه وتمنوه.
ومن كمال غناه: أنَّه لو اجتمع أهل السموات والأرض، وأول الخلق وآخرهم في صعيد واحد، فسألوه كلَّما تعلقت به مطالبهم، فأعطاهم سؤلهم، لم ينقص ذلك مما عنده إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر.
ومن كمال غناه العظيم الذي لا يقادر قدره ولا يمكن وصفه، ما يبسطه على أهل دار كرامته من اللذات المتتابعات والكرامات المتنوعات، والنعم المتفننات مما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
فهو الغني بذاته، المُغني جميع مخلوقاته، أغنى عباده بما بسط لهم من الأرزاق، وما تابع عليهم من النعم التي لا تعد ولا تحصى، وبما يسَّره من الأسباب الموصلة إلى الغنى.
وأخصُّ من ذلك أنَّه أغنى خواص عباده بما أفاضه على قلوبهم من المعارف والعلوم الربانية والحقائق الإيمانية، حتى تعلقت قلوبهم به ولم يلتفتوا إلى أحد سواه.
وهذا هو الغنى العالي كما قال (صلى الله عليه وسلم): «ليس الغنى عن كثرة العرض، إنَّما الغنى غنى القلب».
فمتى غَنِيَ القلبُ بالله وبما فيه من المعارف وحقائق الإيمان، وغني برزقه وقنع به وفرح بما أعطاه الله، صار العبد الذي وصل إلى هذه الحال لا يَغْبِطُ الملوكَ وأهلَ الرئاسات، لأنَّه حصل له الغنى الذي لا يبغي به بدلاً، والذي به يطمئن القلب وتسرُّ به الروح، وتفرح به النفس.
فنسأل الله أن يغني قلوبنا بالهدى والنور والمعرفة والقناعة، وأن يمدنا من واسع فضله وحلاله.