سلسلة التسهيل لأسماء الله الحسنى (19)
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
-مراجعة سيف بن دورة الكعبي.
-جمع وتأليف سيف بن غدير النعيمي.
=======================
(الحَكَمُ العدل)
(الحَكَمُ)
*وروده في القرآن الكريم:
ورد اسمه (الحكم) في آية واحدة وهو قوله تعالى: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا) [الأنعام: 114].
قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى:
(أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا) [الأنعام: 114]: قل فليس لي أن أتعدى حكمه وأتجاوزه لأنه لا حكم أعدل منه ولا قائل أصدق منه.
((جامع البيان)) (8/ 7).
قال القرطبي: والمعنى أفغير الله أطلب لكم حاكماً.
((الجامع لأحكام القرآن)) (7/ 70).
قال ابن كثير: وقوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِين) َ [التين: 8] أي أما هو أحكم الحاكمين الذي لا يجور ولا يظلم أحداً.
((تفسير ابن كثير)) (4/ 527).
*ومن السنة:
حديث هانئ بن يزيد أنه لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه سمعهم يكنونه بأبي الحكم فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
((إن الله هو الحكم، وإليه الحكم، فلم تكنى أبا الحكم؟
فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحسن هذا.
فما لك من الولد؟ قال: لي شريح ومسلم وعبد الله.
قال: فمن أكبرهم؟
قلت: شريح.
قال: فأنت أبو شريح)).
قال ابن الأثير: وإنما كره له ذلك لئلا يشارك الله تعالى في صفته.
((النهاية)) (1/ 419).
(العدل)
هل العدل من أسماء الله سبحانه و تعالى؟
*اختلف العلماء في عد العدل من أسماء الله تعالى:
فجماعة منهم عدوه من الأسماء، كما فعل الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في آخر تفسيره حيث قال وهو يعدد أسماء الله تعالى ويتكلم عن معانيها –: (الحكم العدل الذي يحكم بين عباده في الدنيا والآخرة بعدله وقسطه.) انتهى.
وأيضا كما في كتابه فتح الرحيم الملك العلام، لأن الشيخ رحمه الله كما سبق أن نبهنا، اشترط في مقدمة كتابه المذكور آنفا ألا يذكر إلا الأسماء الواردة في القرآن، وعد العدل من الأسماء.
وأيضا الشيخ زيد بن هادي المدخلي، يرى أنه اسما لله تعالى، قال رحمه الله في نظمه للأسماء الحسنى:
والدائم القيام ثم القائم
كذا المعين يمنح المكارما
والمبدع العلام جل وعلا
والصاحب (العدل) فدم محوقلا
وقال البيهقي في الأسماء والصفات (1/ 198): (ومنها العدل وهو في خبر الأسامي مذكور) انتهى.
وبهذا القول قال جماعة من أهل العلم منهم الخطابي وابن منده وآخرون.
ومنهم من لايعده اسما لله تعالى، ومن هؤلاء الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى، حيث عد تسعة وتسعين اسماً من الكتاب والسنة في كتابه القواعد المثلى، ولم يذكر اسم (العدل) منها.
وأيضا كما في شرحه للنونية.
*قال ابن القيم رحمه الله:
والعدْلُ من أوصافهِ في فعلهِ
ومقالِهِ والحكم في الميزانِ
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
من أوصاف الله تعالى العدل، ودليل ذلك أن الله نفى الظلم عن نفسه فقال (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) وقال (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) وذلك لكمال عدله عزوجل، هذا العدل أنه عزوجل لا يفرق بين المتماثلين بل بالميزان، ولا يجمع بين المتفرقين، لأنه لو كان كذلك لم يكن عدلا.
إذن من أوصاف الله تعالى العدل، وعده بعض العلماء من أسمائه، ولكن لا شك أن العدل وصفه في فعله وقوله وحكمه، ففعله كله عدل، وما خالف حكمه فهو جور وظلم وإن سماه مشرعوه ما يسمونه به من ديمقراطية وغيرها، فإنه لا أعدل من حكم الله عزوجل، فحكم الله أعدل الأحكام، فمن زعم أن الإسلام يظلم أحدا من الناس، أو يفضل أحدا على أحد بغير موجب بهذا التفصيل فإنه إما جاهل بالإسلام، وإما ملبس على الناس.
واعلم أن المتأخرين ابتلوا بكلمة يقولونها بدل العدل يقولون: ((الدين الإسلامي دين مساواة))،وهذا على إطلاقه غير صحيح، الدين الإسلامي دين العدل، قال الله تعالى ((إِنَّ اللَّهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى)؛ولهذا يجب أن نقول: الدين الإسلامي دين العدل لا دين المساواة؛ إذ إن الدين الإسلامي يساوي بين الناس إذا اتفقوا في الاستحقاق، وإلا فالله يقول (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)
وقال: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ)،
وأكثر ما في القرآن نفي المساواة، قال تعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ٌ)
وقال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ)
والآيات في هذا كثير، فكيف نقول: الدين الإسلامي دين المساواة، ونصوصه في أكثر الأحيان في القرآن على نفي المساواة؟!
وكيف نقول هذا، ولدينا آية في كتاب الله: (إِنَّ اللَّهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)
فقال (بِالْعَدْلِ)؟! لو أن فقيرا سرق وأمرنا بقطع يده، وغنيا سرق ورفعنا عنه الحد هل نقول: الدين الإسلامي يقتضي قطع يد الغني، لأنه دين المساواة، أو نقول: الدين الإسلامي يقتضي قطع يد الغني؛ لأنه دين العدل؟ ا
الجواب: الثاني لا شك، لكن الناس لا سيما الكتاب الذين غالب كتاباتهم أدبية لاينتبهون لهذا الشئ.
شرح نونية ابن القيم للشيخ ابن عثيمين (3/ 190)
*قال ابن سعدي _رحمه الله في فتح الرحيم الملك العلام: (الحَكَمُ العدل)
أي هو تعالى الملك الحكمُ الذي له الحكم في الدنيا والآخرة.
ففي هذه الدار لا يخرج الخلق عن أحكامه القدرية، بل ما حكم
به قدراً نفذ من غير مانع ولا منازع، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
ولا يخرج المكلفون عن أحكامه الشرعية التي هي أحسن الأحكام، والتي هي صلاح الأمور وكمالها، ولا يستقيم لهم دين ورشد إلا باتباع هذه الأحكام
التي شرعها على ألسنة رسله {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]، {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} [الأنعام: 114].
وفي الآخرة لا يحكم على العباد إلا هو، ولا يبقى لأحد قول ولا حكم، حتى الشفاعاتُ كلُّها منطويةٌ تحت إرادته وإذنه، ولا يشفع عنده أحد إلا إذا حكم بالشفاعة.
وهذه الأحكام كلُّها بالحكمة والعدل، فهو الحكم العدل الذي تمت كلماته صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأوامر والنواهي. فأوامره كلُّها عدل لأنَّها منافع ومصالح، فهي عدل ممزوجة بالرحمة، ونواهيه كلُّها عدل لكونه لا ينهى إلا عن الشرور والأضرار.
وهي أيضاً مقرونة برحمته وحكمته، ومجازاته للعباد بأعمالهم، عدلٌ لا يهضم أحداً من حسناته، ولا يزيد في سيئاتهم أو يعذبهم بغير جرم اجترحوه، {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15].
وحكمه بين العباد كلُّه مربوطٌ بالعدل، فلا يمنع أحداً حقه، ولا يغفل عن الظالمين، ولا يضيع حقوق المظلومين، فعدله تعالى شاملٌ للخليقة كلِّها حتى الحيوانات غير المكلفة فإنَّه يقتص للشاة الجمَّاء من الشاة القرناء من كمال عدله.
ومن كمال عدله: أنَّه أرسل الرسل مبشِّرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجةٌ، ولئلا يقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير، {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
ومن كمال عدله: أنَّه أعطى عباده الأسماع والأبصار والعقول والقدرة على أفعالهم والإرادة، ومكنهم من جميع ما يريدون ولم يجبرهم على أفعالهم.
فَعَدْلُهُ وحكمته ورحمته يبطل بها مذهبُ الجبرية، كما أنَّ كمال قدرته ومشيئته وشمولَها لكلِّ شيء حتى أفعال العباد تُبطل مذهب القدرية الذين يزعمون أنَّهم أهل العدل وهم في الحقيقة أهل الظلم.
فالحق هو ما ذهب إليه أهل السنة، وهو ما دلت عليه البراهين العقلية والبراهين النقلية ودلت عليه أسماؤه الحسنى، كما نبّهنا عليه أنَّ أفعال العباد واقعةٌ تحت اختيارهم وإراداتهم خيرَها وشرَها، ومع ذلك فلا خروج لها عن قضائه وقدره.
(31) / (05) / (2015)، (3): (44) م – سيف الكعبي: سُورَةِ الزُّخْرُفِ تفسير آيات 73 – 66
تهذيب تفسير ابن كثير
(بالتعاون مع الإخوة بمجموعات؛ السلام،1،2،3 والمدارسة، والاستفادة، والسلف الصالح، وأهل الحديث همو أهل النبي) تهذيب سيف بن دورة الكعبي وأحمد بن علي وبعض طلاب العلم (من لديه تعقيب أو فائدة من تفاسير أخرى فليفدنا)
………………………
{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَاتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَاكُلُونَ (73)}
…………………………….
يَقُولُ تَعَالَى: هَلْ يَنْتَظِرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْمُكَذِّبُونَ لِلرُّسُلِ {إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَاتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} أَيْ: فَإِنَّهَا كَائِنَةٌ لَا مَحَالَةَ وَوَاقِعَةٌ، وَهَؤُلَاءِ غَافِلُونَ عَنْهَا غَيْرُ مُسْتَعِدِّينَ [لَهَا] فَإِذَا جَاءَتْ إِنَّمَا تَجِيءُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِهَا، فَحِينَئِذٍ يَنْدَمُونَ كُلَّ النَّدَمِ، حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ}
أَيْ: كُلُّ صَدَاقَةٍ وَصَحَابَةٍ لِغَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّهَا تَنْقَلِبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدَاوَةً إِلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ دَائِمٌ بِدَوَامِهِ. وَهَذَا كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِقَوْمِهِ: {إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَاوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [الْعَنْكَبُوتِ:25]
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: صَارَتْ كُلُّ خِلَّةٍ عَدَاوَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا الْمُتَّقِينَ.
وَقَوْلُهُ: {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}
ثُمَّ بَشَّرَهُمْ.
فَقَالَ: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} أَيْ: آمَنَتْ قُلُوبُهُمْ وَبَوَاطِنُهُمْ، وَانْقَادَتْ لِشَرْعِ اللَّهِ جَوَارِحُهُمْ وَظَوَاهِرُهُمْ.
{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ {أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ} أَيْ: نُظَرَاؤُكُمْ {تُحْبَرُونَ} أَيْ: تَنْعَمُونَ وَتَسْعَدُونَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي سُورَةِ الرُّومِ.
{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ} أَيْ: زَبَادِيِّ آنِيَةِ الطَّعَامِ، {وَأَكْوَابٍ} وَهِيَ: آنِيَةُ الشَّرَابِ، أَيْ: مِنْ ذَهَبٍ لَا خَرَاطِيمَ لَهَا وَلَا عُرَى، {وَفِيهَا مَا تَشْهِي الأنْفُسُ}
-وَقَرَأَ بعضهم: “تشتهيه الْأَنْفُسُ”- {وَتَلَذُّ الأعْيُنُ}
أَيْ: طِيبَ الطَّعْمِ وَالرِّيحِ وَحُسْنَ الْمَنْظَرِ.
{وَأَنْتُمْ فِيهَا} أَيْ: فِي الْجَنَّةِ {خَالِدُونَ} أَيْ: لَا تَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلَا تَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا. ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ عَلَى وَجْهِ التَّفَضُّلِ وَالِامْتِنَانِ: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أَيْ: أَعْمَالُكُمُ الصَّالِحَةُ كَانَتْ سَبَبًا لِشُمُولِ رَحْمَةِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ، فَإِنَّهُ لَا يُدْخِلُ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، وَلَكِنْ بِفَضْلٍ من الله ورحمته.
وَإِنَّمَا الدَّرَجَاتُ تَفَاوُتُهَا بِحَسَبِ عَمَلِ الصَّالِحَاتِ.
وروى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “كُلُّ أَهْلِ النَّارِ يَرَى مَنْزِلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ حَسْرَةً، فَيَقُولُ: {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [الزُّمَرِ: 57] وَكُلُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَرَى مَنْزِلَهُ مِنَ النَّارِ فَيَقُولُ: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الْأَعْرَافِ: 43]، لِيَكُونَ لَهُ شُكْرًا”. قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ما من أَحَدٍ إِلَّا وَلَهُ مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَالْكَافِرُ يَرِثُ المؤمنَ منزلَه مِنَ النَّارِ، وَالْمُؤْمِنُ يَرِثُ الكافرَ مَنْزِلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ” وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وَقَوْلُهُ: {لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَاكُلُونَ} أَيْ: مِنْ جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ، {مِنْهَا تَاكُلُونَ} أَيْ: مَهْمَا اخْتَرْتُمْ وَأَرَدْتُمْ. وَلَمَّا ذَكَرَ
[اللَّهُ تَعَالَى] الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، ذَكَرَ بَعْدَهُ الفاكهة لتتم [هذه] النعمة والغبطة.