(34) (906) تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ المقام في مسجد / الشيخ طحنون آل نهيان ومسجد محمد بن رحمة الشامسي
(للأخ؛ سيف بن دورة الكعبي)
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2، والمدارسة، والاستفادة
صححها إملائياً سيف بن غدير النعيمي
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
906 – قال أبوداود رحمه الله::حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد, قَالَ أَخْبَرَنَا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ, عن مطرف بن عبدالله, عن عثمان بن أبي العاص, قال: قلت: وقال موسى في موضع آخر: ان عثمان بن أبي العاص, قال: وقال: قلت: وقال موسى في موضع آخر: ان عثمان بن أبي العاص قال: يا رسول الله, اجعلني امام قومي, قال: ((أنت امامهم, واقتد بأضعفهم, واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا)).
هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
——————
-تخريج الحديث:
-سنن أبي داود [1/ 363] وأخرج الترمذي القسم الأخير برقم 209، ومسلم أخرج القسم الأول برقم 468 وسيأتي في آخر الشرح ذكر لفظه، وكذا أحمد برقم (4/ 21،217)، وأخرج ابن ماجة القسم الأخير 714،.
مقدمه:
-وردت نصوص تدل على فضيلة التأذين والمؤذنين، حتى أن بعضهم فضله على الإمامة، لكن قال من فضل الإمام بأن الله لم يكن ليختار لنبيه إلا أفضل الأمرين.
-الصلاة والأذان: عبادتان جليلتان، وكل عبادة لابد في قبولها من الإخلاص لله جل وعلا، وكل عمل لا يخلص العبد فيه ذلك العمل لربه جل جلاله فإنه مردود عليه، ومن ذلك التأذين وإمامة الناس. ومعنى الإخلاص في هذا الموطن أنه يعمل هذا العمل تقرُّبا إلى الله جل وعلا، لا لنيل مال أو لنيل رياسة، أو لكي يثني عليه الناس بحسن صوته أو بأنه كذا وكذا، إنما لأداء العبادة هذه، من عبادة الأذان ومن عبادة الصلاة وإمامة الناس في ذلك وقد قال جل وعلا: {{مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}} [هود:15 – 16] وقد ساق الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هذه الآية في أن من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا. انتهى من كلام لبعض المشايخ.
-ولهذا قال العلماء: إن ما يأخذه الإمام أو المؤذن من رَزق يفرضه ولي الأمر للإمام أو المؤذن إنما هو رَزق له ليستعين به على أداء هذا الواجب الشرعي، واجب التأذين وواجب الإمامة، فالتأذين واجب كفائي، والإمامة كذلك.
-ابن عمر رضي الله عنهما أتاه رجل وسلم عليه فلم يرد عليه السلام، فقال لابن عمر: يا ابن عمر لم ترد علي السلام. قال: نعم، إنك مؤذن تأخذ على أذانك أجرا.
الرزق جائز بالإتفاق إنما وقع الخلاف في الأجرة:
-قال الموفق ابن قدامة المقدسي في المغني ج2 ص 70 ط. عالم الكتب:
ولا نعلم خلافا في جواز أخذ الرزق عليه – أي الأذان-وهذا قول الشافعي والأوزاعي؛ لأن بالمسلمين حاجة إليه، وقد لا يوجد متطوع به … ويرزقه الإمام من الفئ؛ لأنه المعد للمصالح، فهو كأرزاق القضاة والغزاة، وإن وجد متطوع به لم يرزق غيره؛ لعدم الحاجة إليه. انتهى
وورد أن أبابكر الصديق قال حين تولى الخلافة: لقد علمتم أن مهنة أبي بكر ما كانت لتعجز عن مؤنة أهله، ولقد شغل أبوبكر بهذا الأمر، فسوف يأكل أبوبكر وأهله من هذا المال، ويحترف للمسلمين. بمعناه
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاختيارات:
وأما ما يؤخذ من بيت المال فليس عوضا و أجرة بل رزق للإعانة على الطاعة، فمن عمل منهم لله أثيب، وما يأخذه فهو رزق للمعونة على الطاعة، وكذلك المال الموقوف على أعمال البر والموصى به كذلك، والمنذور كذلك ليس كالأجرة.
قال الشيخ ابن عثيمين: وأما أخذ الرَّزق من بيت المال على الإمامة فإن هذا لا بأس به؛ لأن بيت المال يُصرف في مصالح المسلمين، ومن مصالح المسلمين إمامتهم في مساجدهم … وكذلك لو قُدر أن المسجد بناه أحد المحسنين وتكفل بجعل شيء من ماله لهذا الإمام فإنه لا بأس بأخذه.
-أما مسألة أخذ الأجرة على التأذين، فقد وقع الخلاف فيها على أربعة أقوال: أرجحها:
إنه لا يجوز أخذ الأجرة على الأذان والإمامة إلا في حالة الضرورة والحاجة، وبه قال متأخرو الحنفية كما في الدر المختار (ج6 ص 756)، وهو قول في مذهب أحمد اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الفتاوي ج30 ص 202 حيث قال – رحمه الله تعالى-: ” وفي الاستئجار على هذا ونحوه كالتعليم قول ثالث في مذهب أحمد وغيره أنه يجوز مع الحاجة، ولا يجوز دون الحاجة والله أعلم.”انتهى
وورد من حديث سهل: [اقرأوه قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه كما يقوم السهم، يتعجل أجره ولا يتأجله] صحيح سنن أبي داود برقم (831)
وأما تجويزه للحاجة فقد دل عليه قوله تعالى: {{ومن كان غنيا فليستعفف، ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف}} وأيضا لحديث البخاري ومسلم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لخاطب المرأة: [ملكتكها بما معك من القرآن] (خ 5030، م 1425)
– وهل يلحق تعليم القرآن وغسل الميت بالأذان:
تعليم القرآن قيل أنه لا بأس بأخذ الأجرة عليه؛ لما ثبت في صحيح البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله. وحديث الرجل الذي أنكحه رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على أن يعلمها شئ من القرآن.
وبعضهم منع لحديث الصحابي الذي علم رجلا آيات من القرآن فأعطاه وتر، فقال صلى الله عليه وسلم: أتريد أن تطوق وترا من نار. بمعناه، لكنه حديث ضعيف.
ونقول: إن أعطاهم الإمام أرزاق فهو أفضل
– تغسيل الموتى كذلك لا بأس بأخذ الأجرة عليه إذا لم يوجد من يتبرع.
………..
أما مسألة مراعاة الضعيف فهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم ورد في مسلم 470 عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأدخل الصلاة أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأخفف من شدة وجد أمه به)
-إذاً لا بد من مراعاة حال المأمومين بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (أنت امام قومك واقتد بأضعفهم)
وان درء الفتنة والمفسدة واجب، وأنه لا يجوز المشقة بالناس.
{عن أنس رضي الله عنه قال: ما صليت خلف أحد أوجز صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام , كانت صلاته متقاربة , وصلاة أبي بكر متقاربة , فلما كان عمر مد في صلاة الفجر}.
ومن طريق وكيع عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي رجاء العطاردي قال: قلت للزبير بن العوام: ما لكم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من أخف الناس صلاة؟ قال: نبادر الوسواس.
وأخرج مسلم 467 عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء)
وعن طلحة التخفيف أيضا , وعن عمار كذلك، وعن سعد بن أبي وقاص: أنه كان يطيل الصلاة في بيته , ويقصر عند الناس , ويحض على ذلك.
وأخرج مسلم 468 وعن عثمان بن أبي العاص قال (آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أممت قوما فأخف بهم الصلاة). وسبق الإشارة لهذا الحديث في تخريج حديث الباب
وأخرج مسلم 465 عن جابر رضي الله عنه أنه قال: صلى معاذ بن جبل الأنصاري لأصحابه العشاء فطول عليهم، فانصرف رجل منا فصلى، فأخبر معاذ عنه فقال: إنه منافق، فلما بلغ ذلك الرجل دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ما قال معاذ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أتريد أن تكون فتانا يا معاذ؟ إذا أممت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى واقرأ باسم ربك والليل إذا يغشى)
ويحاول الإمام أن يهيأ الناس للوصول بهم إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي اعتبرها ابن القيم هي الصلاة المعتدلة الخفيفة:
قال ابن القيم في كتاب الصلاة وحكم تاركها:
الإيجاز والتخفيف المأمور به والتطويل المنهي عنه لا يمكن أن يرجع فيه إلى عادة طائفة وأهل بلد وأهل مذهب ولا إلى شهوة المأمومين ورضاهم ولا إلى اجتهاد الأئمة الذين يصلون بالناس ورأيهم في ذلك، فإن ذلك لا ينضبط وتضطرب فيه الآراء والإرادات أعظم اضطراب ويفسد وضع الصلاة ويجعل مقدارها تبعا لشهوة الناس, ومثل هذا لا تأتي به شريعة بل المرجع في ذلك والتحاكم إلى ما كان يفعله من شَرَعَ الصلاة للأمة وجاءهم بها من عند الله وعلمهم حقوقها وحدودها وهيآتها وأركانها, وكان يصلي وراءه الضعيف والكبير والصغير وذو الحاجة … فالذي كان يفعله صلوات الله عليه وسلامه {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} , وقد سئل بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما لك في ذلك من خير؟ فأعادها عليه فقال: كانت صلاة الظهر تقام فينطلق أحدنا إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي أهله فيتوضأ ثم يرجع إلى المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطولها. رواه مسلم في الصحيح.
وهذا يدل على أن الذي أنكره أبو سعيد وأنس وعمران بن الحصين والبراء بن عازب إنما هو حذف الصلاة والاختصار فيها والاقتصار على بعض ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله, ولهذا لما صلى بهم أنس قال: إني لا آلو أن أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثابت فكان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه: كان إذا انتصب قائما يقوم يقول القائل قد أوهم وإذا جلس بين السجدتين مكث حتى يقول القائل قد أوهم, فهذا مما أنكره أنس على الائمة حيث كانوا يقصرون هذين الركنين كما أنكر عليهم تقصير الركوع والسجود وأخبر أن أشبههم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن عبد العزيز فحزروا تسبيحه في الركوع والسجود عشرا عشرا ومن المعلوم أنه لم يكن يسبحها هذاً, مسرعا من غير تدبر فحالهم أجل من ذلك.
وقد اتفق الصحابة على أن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت معتدلة فكان ركوعه ورفعه منه وسجوده ورفعه منه مناسبا لقيامه, فإذا كان يقرأ في الفجر بمئة آية إلى ستين آية فلا بد أن يكون ركوعه وسجوده مناسبا لذلك, ولهذا قال البراء ابن عازب: إن ذلك كله كان قريبا من السواء, وقال عمران بن حصين كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم معتدلة وكذلك كان قيامه بالليل وصلاة الكسوف, وقال عبد الله بن عمر: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمرنا بالتخفيف وإن كان ليؤمنا بالصافات”. رواه الإمام أحمد والنسائي.
فهذا أمره وهذا فعله المفسر له لا ما يظن الغالط المخطيء أنه كان يأمرهم بالتخفيف ويفعل هو خلاف ما أمر به، وقد أمر صلاة الله وسلامه عليه الائمة أن يصلوا بالناس كما كان يصلي بهم.
وله كلام قريب من هذا في تهذيب السنن
قال ابن رجب 4/ 209:
فالصلاة الَّتِيْ كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يصليها بالناس هِيَ التخفيف الَّذِي أمر بِهِ غيره، وإنما أنكر عَلَى من طول تطويلاً زائداً عَلَى ذَلِكَ، فإن معاذ بن جبل كَانَ يصلي مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة صلاة العشاء، وكان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يؤخرها كثيراً، كما سبق ذكره فِي المواقيت، ثُمَّ ينطلق إلى قومه فِي بني سَلَمَة فيصلي بهم، وقد استفتح حينئذ بسورة البقرة، فهذا هُوَ الَّذِي أنكره عَلَى معاذ.
ويشهد لهذا: حَدِيْث ابن عُمَر، قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ليأمرنا بالتخفيف، وإن كَانَ ليؤمنا بالصافات.
خرجه الإمام أحمد والنسائي وابن خزيمة فِي صحيحه
والمراد: أن التخفيف المأمور بِهِ هُوَ مَا كَانَ يفعله.
قال ابن تيمية 5/ 575: وفعله الذي سنه لأمته هو من التخفيف الذي أمر به الأئمة … وذكر حديث (افتان أنت يا معاذ) وغيره من الأحاديث، وذكر السبب الذي جعل طائفة من فقهاء العراق وغيرهم يخفى عليهم سنة الطمأنينة، فذكر: أن الأمير في ذلك الوقت هو الإمام. وكانت عند الأمراء مخالفات في الصلاة، فشاع ذلك في الناس ..
ثم بين ابن تيمية: أن السنة في التسبيح أكثر من ثلاث تسبيحات.
وقرر أن التخفيف أمر نسبي إضافي، فهو أمر يختلف باختلاف عادات الناس … وقال: فعلم أن الواجب على المسلم أن يرجع في مقدار التخفيف والتطويل إلى السنة، وبهذا يتبين أن أمره صلى الله عليه وسلم بالتخفيف لا ينافي أمره بالتطويل أيضا في حديث عمار الذي في الصحيح لمّا قال: (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مؤنه من فقهه، فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة) فهنا الإطالة بالنسبة للخطبة …
ثم فرق ابن تيمية: بين المنفرد والإمام … انتهى باختصار
وأجاب بعضهم عن حديث معاذ: بأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليه التطويل الزائد مع أنه يتأخر حيث يصلي عنده ثم يذهب فيصلي بقومه. وبعضهم قال: هذا المقدار الذي علمه معاذ هو السنة.