سورة فصلت تفسير آيات 12 – 9 تهذيب تفسير ابن كثير
(بالتعاون مع الإخوة بمجموعات؛ السلام، والمدارسة، والاستفادة) تهذيب سيف بن دورة الكعبي وأحمد بن علي وبعض طلاب العلم (من لديه تعقيب أو فائدة من تفاسير أخرى فليفدنا)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)} فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)
——————-
هذا إنكار من الله على المشركين الذين عبدوا معه غيره، وهو الخالق لكل شيء، القاهر لكل شيء، المقدر لكل شيء، فقال: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا} أي: نظراء وأمثالا تعبدونها معه {ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} أي: الخالق للأشياء هو رب العالمين كلهم.
وهذا المكان فيه تفصيل لقوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: 54]، ففصل هاهنا ما يختص بالأرض مما اختص بالسماء، فذكر أنه خلق الأرض أولا لأنها كالأساس، والأصل أن يُبْدَأَ بالأساس، ثم بعده بالسقف، كما قال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ} الآية [البقرة: 29]،.
فأما قوله: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ} [النازعات: 27 – 33] ففي هذه الآية أن دَحْى الأرض كان بعد خلق السماء، فالدَّحْيُ هو مفسر بقوله: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا}، وكان هذا بعد خلق السماء، فأما خلق الأرض فقبل خلق السماء بالنص، وبهذا أجاب ابن عباس فيما ذكره البخاري عند تفسير هذه الآية من صحيحه، فإنه قال:
وقال المنهال، عن سعيد بن جبير قال: قال رجل لابن عباس: إني أجد في القرآن أشياء تختلف عليّ قال: {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]، {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27]، {وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42]، {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]، فقد كتموا في هذه الآية؟ وقال: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} إلى قوله: {دَحَاهَا} [النازعات: 27 – 30]، فذكر خلق السماء قبل [خلق] الأرض ثم قال: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} إلى قوله: {طَائِعِينَ} فذكر في هذه خلق الأرض قبل خلق السماء؟ وقال: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 96]، {عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 56]، {سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58]، فكأنه كان ثم مضى. قال -يعني ابن عباس-: {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} في النفخة الأولى، ثم ينفخ في الصور، {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: 68]، فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون، ثم في النفخة الأخرى {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}
وأما قوله: {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} {وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}، فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم فقال المشركون: تعالوا نقول: “لم نكن مشركين”، فيختم على أفواههم، فتنطق أيديهم، فعند ذلك يعرف أن الله لا يكتم حديثا، وعنده {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية [الحجر: 2].
وخلق الأرض في يومين، ثم خلق السماء، ثم استوى إلى السماء، فسواهن في يومين آخرين، ثم دَحَى الأرض، ودَحْيُها: أن أخرج منها الماء والمرعى، وخلق الجبال والجماد والآكام وما بينهما في يومين آخرين، فذلك قوله: {دَحَاهَا} وقوله {خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} فَخُلِقت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام، وخلقت السماوات في يومين.
{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 96]، سمى نفسه بذلك، وذلك قوله، أي: لم يزل كذلك؛ فإن الله لم يرد شيئا إلا أصاب به الذي أراد، فلا يختلفن عليك القرآن، فإن كلا من عند الله عز وجل.
قال البخاري: حدثنيه يوسف بن عدي، حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أُنَيْسَة، عن المنهال -هو ابن عمرو-بالحديث.
فقوله: {خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} يعني: يوم الأحد ويوم الاثنين.
{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا} أي: جعلها مباركة قابلة للخير والبذر والغراس، {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا}، وهو: ما يحتاج أهلها إليه من الأرزاق والأماكن التي تزرع وتغرس، يعني: يوم الثلاثاء والأربعاء، فهما مع اليومين السابقين أربعة؛ ولهذا قال تعالى: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} أي: لمن أراد السؤال عن ذلك ليعلمه.
وقال مجاهد وعكرمة في قوله: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} جعل في كل أرض ما لا يصلح في غيرها، ومنه: العصب باليمن، والسابري بسابور والطيالسة بالرّي.
وقال ابن عباس، وقتادة، والسدي في قوله تعالى: {سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} أي: لمن أراد السؤال عن ذلك.
وقال ابن زيد: معناه {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} أي: على وفق مراد من له حاجة إلى رزق أو حاجة، فإن الله قدر له ما هو محتاج إليه.
وهذا القول يشبه ما ذكروه في قوله تعالى: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} [إبراهيم: 34]، والله أعلم.
وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ}، وهو: بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض، {فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} أي: استجيبا لأمري، وانفعلا لفعلي طائعتين أو مكرهتين.
وعن ابن عباس في قوله [تعالى] {فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} قال: قال الله تعالى للسموات: أطلعي شمسي وقمري ونجومي. وقال للأرض: شققي أنهارك، وأخرجي ثمارك. فقالتا: {أَتَيْنَا طَائِعِينَ}
واختاره ابن جرير -رحمه الله.
{قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} أي: بل نستجيب لك مطيعين بما فينا، مما تريد خلقه من الملائكة والإنس والجن جميعا مطيعين لك. حكاه ابن جرير عن بعض أهل العربية قال: وقيل: تنزيلا لهن معاملة من يعقل بكلامهما.
وقيل إن المتكلم من الأرض بذلك هو مكان الكعبة، ومن السماء ما يسامته منها، والله أعلم.
وقال الحسن البصري: لو أبيا عليه أمره لعذبهما عذابا يجدان ألمه. رواه ابن أبي حاتم.
{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} أي: ففرغ من تسويتهن سبع سموات في يومين، أي: آخرين، وهما يوم الخميس ويوم الجمعة.
{وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} أي: ورتب مقررا في كل سماء ما تحتاج إليه من الملائكة، وما فيها من الأشياء التي لا يعلمها إلا هو، {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} وهن الكواكب المنيرة المشرقة على أهل الأرض، {وَحِفْظًا} أي: حرسا من الشياطين أن تستمع إلى الملأ الأعلى.
{ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} أي: العزيز الذي قد عز كل شيء فغلبه وقهره، العليم بجميع حركات المخلوقات وسكناتهم (1)
——————-
(1) وذكر ابن كثير هنا حديث (خلق الله الأرض يوم الأحد … ) وعزاه لابن جرير وقال ابن كثير: هذا الحديث فيه غرابة. فأما حديث أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: “خلق الله التربة يوم السبت … ” فقد رواه مسلم، والنسائي في كتابيهما. وهو من غرائب الصحيح، وقد عَلَّله البخاري في التاريخ فقال: رواه بعضهم عن أبي هريرة [رضي الله عنه] عن كعب الأحبار، وهو الأصح. انتهى مختصراً