447 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: أحمد بن علي وعبدالله المشجري وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد ومحمد سيفي وسلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل رحمه الله:
447 – قال الإمام البخاري رحمه الله في “الأدب المفرد” (ص 250): حدثنا أحمد بن أبي بكر، قال: حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن، عن يزيد، عن سلمة، قال: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا اشتدت الريح يقول: «اللهم لاقحًا لا عقيمًا».
هذا حديث صحيحٌ.
* وأخرجه ابن حبان كما في “الإحسان” (ج 3 ص 288) فقال رحمه الله: أخبرنا أبو يعلى، [قال: حدثنا أحمد بن عبدة،] حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن، قال: حدثني يزيد بن أبي عبيد، قال: سمعت سلمة بن الأكوع، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: كان إذا اشتدت الريح يقول: «اللهم لقحًا لا عقيمًا».
حسنه الألباني في الصحيحة
بوب عليه البخاري في الأدب المفرد:
297 – باب الدعاء عند الريح
بوب عليه ابن حبان:
ذِكْرُ مَا يَقُولُ الْمَرْءُ عِنْدَ اشْتِدَادِ الرِّيَاحِ إِذَا هَبَّتْ.
بوب عليه البيهقي في الكبرى:
بَابُ أِيِّ رِيحٍ يَكُونُ بِهَا الْمَطَرُ
بوب عليه مقبل في الجامع:
220 – قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ}
قال البخاري في الصحيح:
باب قول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: ((نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور
1035 – حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ».
قال ابن بطال:
وفيه: تفضيل المخلوقات بعضها على بعض. وفيه: إخبار المرء عن نفسه بما خصه الله به على جهة التحدث بنعمة الله، والاعترافات بها والشكر له لا على الفخر. وفيه: الإخبار عن الأمم الماضية وإهلاكها.
[شرح صحيح البخاري لابن بطال 3/ 25]
قال القسطلاني:
(نصرت بالصبا) الريح التي تجيء من قبل ظهرك إذا استقبلت القبلة وأنت بمصر، ويقال لها: القبول، بفتح القاف، لأنها تقابل باب الكعبة إذ مهبها من مشرق الشمس.
وقال ابن الأعرابي: مهبها من مطلع الثريا إلى بنات نعش.
ونُصْرَته عليه الصلاة والسلام بالصبا كانت يوم الأحزاب، وكانوا زهاء اثني عشر ألفًا حين حاصروا المدينة، فأرسل الله عليهم ريح الصبا باردة، في ليلة شاتية، فسفت التراب في وجوههم، وأطفأت نيرانهم، وقلعت خيامهم، فانهزموا من غير قتال. ومع ذلك فلم يهلك منهم أحد، ولم يستأصلهم، لما علم الله من رأفة نبيه عليه الصلاة والسلام بقومه رجاء أن يسلموا.
(وأهلكت) بضم الهمزة وكسر اللام (عاد) قوم هود (بالدبور) بفتح الدال، التي تجيء من قبل وجهك إذا استقبلت القبلة أيضًا، فهي تأتي من دبرها.
وقال ابن الأعرابي: الدبور من مسقط النسر الطائر إلى سهيل، وهي الريح العقيم، وسميت عقيمًا لأنها أهلكتهم، وقطعت دابرهم.
وبقية مباحث الحديث تأتي، إن شاء الله تعالى، في بدء الخلق.
وأما الريح التي مهبها من جهة يمين القبلة: فالجنوب، والتي من جهة شمالها: الشمال.
ولكل من الأربعة طبع: فالصبا: حارة يابسة؟ والدبور: باردة رطبة، والجنوب: حارة رطبة والشمال: باردة يابسة، وهي ريح الجنة التي تهب عليهم، رواه مسلم.
قال النووي:
(فرع)
في مسائل تتعلق بباب الاستسقاء
(إحداها) ذكرنا أنه يخطب للاستسقاء بعد الصلاة فلو خطب قبلها صحت خطبته وكان تاركا للأكمل صرح به صاحب التتمة وغيره وأشار ابن المنذر إلى استحباب تقديم الخطبة وحكاه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره وحكاه العبدرى عن عبد الله ابن الزبير وعمر بن عبد العزيز والليث بن سعد قال ومذهب العلماء كافة سوى هؤلاء تقديم الصلاة على الخطبة ودليل جواز تقديم الخطبة حديث عبد الله بن زيد قال ” خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القلبلة ثم صلى ركعتين) رواه البخاري ومسلم وعن عائشة رضي الله عنها قالت ” شكي الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له بالمصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر وذكرت الخطبة والدعاء وأنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين ” رواه أبو داود بإسناد صحيح قال الشيخ أبو حامد قال أصحابنا تقديم الخطبة في هذه الأحاديث محمول على بيان الجواز في بعض الأوقات
(الثانية) قال الشافعي والأصحاب إذا ترك الامام الاستسقاء لم يتركه الناس قال الشافعي في الأم إذا كان جدب
أو قلة ماء في نهر أو عين أو بئر في حاضر أو باد من المسلمين لم أحب للإمام التخلف عن الاستسقاء فإن تخلف فقد أساء في تخلفه وتركه السنة ولا قضاء عليه ولا كفارة وقال في الأم أيضا إذا خلت الأمصار من الولاة قدموا أحدهم للجمعة والعيد والكسوف والاستسقاء كما قدم الناس أبا بكر رضي الله عنه حين ذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليصلح بين بني عمرو بن عوف وقدموا عبد الرحمن ابن عوف في غزوة تبوك حين تأخر النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته وكان ذلك في الصلاة المكتوبة ” وهذان الحديثان في الصحيحين قال الشافعي فإذا جاز ذلك في المكتوبة فغيرها أولى
(الرابعة) قال الشافعي والاصحاب وإذا كثرت المطار وتضرر الناس بها فالسنة أن يدعى برفعها اللهم حوالينا ولا علينا قال الشافعي في الأم والأصحاب ولا يشرع لذلك صلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل لذلك ودليل هذه المسألة حديث أنس قال ” …. فقال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس ” رواه البخاري ومسلم وأما قول المصنف في التنبيه في أثناء دعاء الاستسقاء لطلب المطر اللهم حوالينا ولا علينا فمما أنكروه عليه وإنما يقال هذا عند كثرة الأمطار وحصول الضرر بها كما صرح به في الحديث ونص عليه الشافعي والأصحاب رحمهم الله
(الخامسة) ثبت في الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال ” صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ” قال الشافعي في الأم وأصحابنا وغيرهم من العلماء إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا لأنه كان في بلاد الكفار الملحدين في دين الله تعالى فأخبر أن العباد قسمان قالوا فيسن أن يقول في إثر المطر مطرنا بفضل الله ورحمته فإن قال مطرنا بنوء كذا وأراد أن النوء هو الفاعل حقيقة وليس لله فيه صنع فهو كافر مرتد خارج من الملة وإن أراد أن النوء وقت يوقع الله المطر فيه من غير أثر للنوء وإنما الفعل لله تعالى فليس بكافر كفر جحود بل هو لفظ مكروه وليس
بحرام ويصح أن يطلق عليه كفر النعمة والله أعلم
(السادسة) يستحب الدعاء عند نزول المطر نص عليه الشافعي في الأم وروى فيه حديثا ضعيفا مرسلا إن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش وإقامة الصلاة ونزول الغيث ” قال الشافعي وحفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند نزول الغيث وإقامة الصلاة
* (السابعة) قال الشافعي في الأم لم تزل العرب تكره الإشارة إلى البرق والمطر قال الشافعي أخبرني الثقة أن مجاهدا كان يقول الرعد ملك والبرق أجنحته يسقن السحاب قال الشافعي ما أشبه ما قال مجاهد بظاهر القرآن
(الثامنة) يكره سب الريح قال الشافعي في الأم ولا ينبغي لأحد أن يسب الرياح فإنها خلق لله تعالى مطيع وجند من أجناده يجعلها رحمة ونقمة إذا شاء
* والسنة أن يقول عند هبوب الريح ما روت عائشة رضي الله عنها قالت ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به) رواه مسلم في صحيحه وعن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” الريح من روح الله تعالى تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فإذا رأيتموها فلا تسبوها واسألوا الله خيرها واستعيذوا بالله من شرها) رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد حسن (قوله) صلى الله عليه وسلم من روح الله بفتح الراء قال العلماء معناه من رحمة الله بعباده وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال ” قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لا نسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح قال وفي الباب عن عائشة وعثمان بن أبي العاصي وأبي هريرة وأنس وابن عباس وجابر وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتدت الريح يقول اللهم لقحا لا عقيما ” رواه ابن السني باسناد صحيح ومعنى لقحا حامل للماء كاللقحة من الإبل والعقيم التي لا ماء فهي كالعقيم من الحيوان لا ولد فيها
وعن أنس عن رسول الله صلي لله عليه وسلم قال ” إذا وقعت كبيرة أو هاجت ريح عظيمة فعليكم بالتكبير فإنه يجلي العجاج الأسود ” رواه ابن السني وقال الشافعي في الام اخبرني من لا اتهم وذكر إسناده إلى ابن عباس قال ” ما هبت ريح إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وقال اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا) قال ابن عباس في كتاب الله تعالى (انا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا وأرسلنا عليهم الريح العقيم) وقال تعالى (وأرسلنا الرياح لواقح وأرسلنا الرياح مبشرات ” الضعيفه (4217) وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور ” رواه البخاري ومسلم
قال ابن كثير: “وَقَوْلُهُ: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} أَيْ: تُلَقِّحُ السَّحَابَ فَتُدِرُّ مَاءً، وَتُلَقِّحُ الشَّجَرَ فَتَتَفَتَّحُ عَنْ أَوْرَاقِهَا وَأَكْمَامِهَا.
هَذِهِ “الرِّيَاحُ” ذَكَرَهَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، لِيَكُونَ مِنْهَا الْإِنْتَاجُ، بِخِلَافِ الرِّيحِ الْعَقِيمِ فَإِنَّهُ أَفْرَدَهَا، وَوَصَفَهَا بِالْعَقِيمِ، وَهُوَ عَدَمُ الْإِنْتَاجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ ((14)) شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنِ المِنْهَال بْنِ عَمْرٍو، عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّكَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} قَالَ: تُرْسَلُ الرِّيَاحُ، فَتَحْمِلُ الْمَاءَ مِنَ السَّمَاءِ، ثُمَّ تَمْرى السَّحَابَ، حَتَّى تُدِرَّ كَمَا تَدر اللَّقحَة.
وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَقَتَادَةُ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَبْعَثُهَا اللَّهُ عَلَى السَّحَابِ، فتُلقحه، فَيَمْتَلِئُ ((15)) ماء.
وَقَالَ عُبَيْد بْنُ عُمَير اللَّيْثِيُّ: يَبْعَثُ اللَّهُ المُبشرّة فتَقمُّ الأرض قَمًّا ثم بعث اللَّهُ الْمُثِيرَةَ فَتُثِيرُ السَّحَابَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ الْمُؤَلِّفَةَ فَتُؤَلِّفُ السَّحَابَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ اللَّوَاقِحَ فَتُلَقِّحُ الشَّجَرَ، ثُمَّ تَلَا {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ}
(التاسعة) روى ابن السني بإسناد ليس بثابت عن ابن مسعود قال ” أمرنا أن لا نتبع أبصارنا الكواكب إذا انقض وأن نقول عند ذلك ما شاء الله لا قوة إلا بالله ” وروى الشافعي في الأم بإسناد ضعيف مرسل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” ما من ساعة من ليل ولانهار إلا والسماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء ” وبإسناد له ضعيف عن كعب ” أن السيول ستعظم في آخر الزمان) قال الشافعي اخبرنا سفيان عن عمر وبن دينار عن ابن المسيب عن أبيه عن جده قال ” جاء مكة سيل طبق ما بين الجبلين ” إسناد صحيح
(العاشرة) قال صاحب الحاوي زعم بعضهم أنه يكره أن يقال اللهم أمطرنا لأن الله تعالى لم يذكر الإمطار في كتابه إلا للعذاب قال الله تعالى ” وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين) قال وهذا عندنا غير مكروه هذا كلام صاحب الحاوي والصواب أنه لا يكره كما اختاره فقد ثبت عن أنس ابن مالك رضي الله عنه في حديثه المتقدم في المسألة الرابعة (قوله) ثم أمطرت هكذا هو أمطرت بالألف في صحيح مسلم وفي ثلاثة أبواب من صحيح البخاري في كتاب الاستسقاء (وأما) قول المخالف إنه لم يأت في كتاب الله تعالى أمطر إلا في العذاب فليس كما زعم بل قد جاء في القرآن العزيز أمطر في المطر الذي هو الغيث وهو قوله عز وجل (قالوا هذا عارض ممطرنا) وهو من أمطر ومعلوم أنهم أرادوا الغيث ولهذا رد الله تعالى قولهم فقال تعالى (بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم)
[المجموع شرح المهذب 5/ 93 ط المنيرية]
قال ابن رجب:
وهذا مما يدل على أن الريح تأتي تارة بالرحمة، وتارة بالعذاب
وخرج الحاكم من حديث جابر، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، أنه كانَ يدعو: ((اللَّهُمَّ، أعوذ بك من شر الريح، ومن شر ما تجيء به الريح، ومن ريح الشمال؛ فإنها الريح العقيم)).
ومن حديث سلمة بن الأكوع رفعه – إن شاء الله -، أنه كان إذا اشتدت
الريح تقول: ” اللهم، لقحا لا عقيما “.
وروينا عن شريح، قال: ما هاجت ريح قط إلا لسقم صحيح أو برء سقيم.
وفي ” صحيح مسلم “، أن النبي [صلى الله عليه وسلم] كان في سفر، فهبت ريح شديدة،
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]: ” هذه الريح لموت منافق
عظيم النفاق “، فوجدوا قد مات في
ذلك اليوم عظيم من المنافقين. وهو رفاعة بن التابوت.
[فتح الباري لابن رجب 9/ 242]
قال الإتيوبي:
قال الحافظ رحمه الله: ومن لطيف المناسبة كون القَبُول نَصَرت أهل القبول، وكون الدَّبُور أهلكت أهل الإدبار، وأن الدبور أشدّ من الصبا؛ لأنها لما أهلكت عاداً لم يخرج منها إلا قدر يسير، ومع ذلك استأصلتهم، قال الله تعالى: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)} [الحاقة: 8]، ولَمّا عَلِم الله تعالى رأفة نبيه صلى الله عليه وسلم بقومه رجاء أن يسلموا سَلَّط عليهم الصبا، فكانت سبب رحيلهم عن المسلمين؛ لِمَا أصابهم بسببها من الشدّة، ومع ذلك فلم تُهلك منهم أحداً، ولم تستأصلهم.
ومن الرياح أيضاً الْجَنُوب والشمال، فهذه الأربع تَهُبّ من الجهات الأربع، وأيّ ريح هَبّت من بين جهتين منها، يقال لها: النَّكباء – بفتح النون، وسكون الكاف، بعدها موحّدة، ومدّ -. انتهى.
وقال الفيّوميّ رحمه الله: الريح أربع: الشمال، وتأتي من ناحية الشام، وهي حارّة في الصيف، بارح، والجنوب تقابلها، وهي الريح اليمانية، والثالثة: الصبا، وتأتي من مطلع الشمس، وهي القَبُول أيضاً، والرابعة: الدَّبُور، وتأتي من ناحية المغرب. انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
1 – (منها): بيان ما أكرم الله سبحانه وتعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم حيث نصره على أعدائه بريح الصبا، وكان ذلك يوم الخندق.
2 – (ومنها): تفضيل بعض المخلوقات على بعض، مع كونه من جنسه، حيث فُضّلت الصبا على الدبور من جهة إضافة النصر إليها، والهلاك إلى الدبور.
3 – (ومنها): أن فيه ردًّا على الطبائعيين والفلاسفة الذين ينسبون الأشياء إلى الطبيعة، ففي هذا الحديث إثبات أن الرياح مسخّرة بأمر الله تعالى تارة يُسخّرها لنصر أوليائه، وتارةً يسخّرها لإهلاك أعدائه، فسبحان من بيده ملكوت كلّ شيء، وإليه يرجع الأمر كلّه، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)}.
4 – (ومنها): أن فيه إخبار المرء عن نفسه بما فضّله الله سبحانه وتعالى به على سبيل التحدث بالنعمة، لا على سبيل الفخر.
5 – (ومنها): أن فيه الإخبارَ عن الأمم الماضية، وإهلاكها؛ ليكون عبرةً، ويتّعظ بها من أراد الله به الخير والصلاح، اللهم اهدنا فيمن هديت، ولا تجعلنا من الغافلين آمين، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
[البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج 17/ 583]
6 – قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
دعاء الاستسقاء
لقد شرع الله لعباده إذا أجدبت فيهم الديار، وقلت الأمطار، وحصل القحط أن يفزعوا إلى الصلاة والدعاء والاستغفار، وأخبر أنه لا يخيب عبدا دعاه، ولا يرد مؤمنا ناداه، فمن دعاه بصدق وأقبل عليه بإلحاح حقق رجاءه، وأجاب دعاءه، وأعطاه سؤله، فهو القائل سبحانه: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} 1، وأرشد عباده سبحانه عند احتباس المطر عنهم أن يستغفروه من ذنوبهم التي بسببها حبس المطر وسمنع القطر.
وأخبر سبحانه عن أنبيائه ورسله عليهم السلام أنهم كانوا يرغبون أممهم ويحثونهم على التوبة والاستغفار، ويبينون لهم أن ذلك سبب من أسباب إجابة الدعاء ونزول الأمطار وكثرة الخيرات وانتشار البركة في الأموال والأولاد، فذكر تعالى عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا} 2، وذكر عن هود عليه السلام أنه قال: {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين} 3، وقال تعالى: {ولو أنث أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} 1، وقال تعالى: {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا}
وفي هذه النصوص دلالة على أن التوبة والاستغفار سبب لنزول الخيرات وتوالي البركات وإجابة الدعوات.
وليحذر المسلم في هذا المقام من أن يستولي على قلبه اليأس والقنوط، أو أن يتفوه بكلام يدل على التضجر والتسخط، فإن المؤمن لا يزال يسأل ربه، ويطمع في فضله ويرجو رحمته، ولا يزال مفتقرا إليه في جلب المنافع ودفع المضار من جميع الوجوه، يعلم أنه لا رب له غيره يقصده ويدعوه، ولا إله له سواه يؤمله ويرجوه، ليس له عن باب مولاه تحول ولا انصراف، ولا لقلبه إلى غيره تعلق ولا التفات.
وقد جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه الكريم دعوات مباركة يشرع للمسلم أن يدعو بها في الاستسقاء، فيها تذلل لله وخضوع بين يديه، واعتراف بعظمته وكماله وافتقار العباد إليه، وأنه سبحانه الغني الحميد.
روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه: “أن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما فقال: يا رسول الله هلكت المواشي، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئا، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت، ثم أمطرت. قال: والله ما رأينا الشمس سبتا، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائما فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب والأودية ومنابت الشجر. قال: فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس”1.
وسلع المذكور في الحديث جبل معروف بالمدينة.
وقوله: “سحابة مثل الترس” أي: في الاستدارة والكثافة.
وقوله: “اللهم على الآكام والظراب” الآكام: التلال، والظراب: الجبال الصغيرة.
وقول الرجل: “فادع الله أن يمسكها”، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “حوالينا ولا علينا … ” إلى آخر الدعاء فيه دلالة على مشروعية الاستصحاء حينما تطول الأمطار وتكثر، ويحصل بها الضرر.
وروى أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت: “شكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوما يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر فكبر، وحمد الله عز وجل، ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: {الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين}، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني، ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين، ثم رفع يديه، فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه فقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله”1.
قحوط المطر، أي: انحباسه وانقطاعه.
وقوله: “حين بدا حاجب الشمس” أي: حين ظهر ولاح طرف الشمس.
وقوله: “عن إبان زمانه” أي: وقت نزوله.
وقوله: “وبلاغا إلى حين” أراد به المطر الكافي إلى وقت انقطاع الحاجة.
وقوله: “فلما رأى سرعتهم إلى الكن” الكن: ما يرد الحر والبرد من الأبنية والمساكن.
وروى أبو داود في سننه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: “أتت النبي صلى الله عليه وسلم بواكي، فقال: اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نافعا، غير ضار، عاجلا غير آجل. قال: فأطبقت عليهم السماء”
قوله: “أتت النبي صلى الله عليه وسلم بواكي” جمع باكية، وفي بعض النسخ: “رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يواكي” ومعناه: التحامل على يديه إذا رفعهما ومدهما في الدعاء.
وعلى المسلم إذا دعا الله في الاستسقاء أو غيره أن يحسن ظنه بالله وأن يعظم رجاؤه فيه، وأن يلح عليه في الدعاء، وأن لا يقنط من رحمته سبحانه، فخزائنه ملأى، وجوده عظيم، ورحمته وسعت كل شيء.
[فقه الأدعية والأذكار 3/ 239]
====