مختصر تفسير ابن كثير، سورة الزمر آية 53 – 59
(اختصره بعض طلاب العلم، بإشراف سيف الكعبي)
{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ? تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هـو الغفور الرحيم (53) وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم ? تنصرون (54) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم ? تشعرون (55) أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين (56) أو تقول لو أن الله هـداني لكنت من المتقين (57) أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين (58) بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين (59)}
هـذه ا?ية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهـم إلى التوبة وا?نابة، وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر. و? يصح حمل هـذه [ا?ية] على غير توبة؛ ?ن الشرك ? يغفر لمن لم يتب منه. روى البخاري عن ابن عباس [رضي الله عنهما]؛ أن ناسا من أهـل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا. فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة. فنزل: {والذين ? يدعون مع الله إلها آخر و? يقتلون النفس التي حرم الله إ? بالحق و? يزنون}، ونزل [قوله]: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ? تقنطوا من رحمة الله}.
وهـكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي. والمراد من ا?ية ا?ولى قوله: {إ? من تاب وآمن وعمل صالحا}
ا?ية.
وروى الإمام أحمد عن عمرو بن عبسة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، شيخ كبير يدعم على عصا له، فقال: يا رسول الله إن لي غدرات وفجرات، فهل يغفر لي؟ فقال: “ألست تشهد أن ? إله إ? الله؟ ” قال: بلى، وأشهد أنك رسول الله. فقال: “قد غفر لك غدراتك وفجراتك”. تفرد به أحمد (صححه محققوا المسند بالشواهد).
وروى ا?مام أحمد: عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: {إنه عمل غير صالح} وسمعته يقول: ” {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ? تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} و? يبالي {إنه هـو الغفور الرحيم} ورواه أبوداود والترمذي.
فهذه ا?حاديث كلها دالة على أن المراد: أنه يغفر جميع ذلك مع التوبة، و? يقنطن عبد من رحمة الله، وإن عظمت ذنوبه وكثرت؛ فإن باب التوبة والرحمة واسع، قال الله تعالى: {ألم يعلموا أن الله هـو يقبل التوبة عن عباده}، وقال تعالى: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما}، وقال تعالى في حق المنافقين: {إن المنافقين في الدرك ا?سفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إ? الذين تابوا}، وقال {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ث?ثة وما من إله إ? إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم}، ثم قال {أف? يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم}، وقال {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا}.
قال الحسن البصري: انظر إلى هـذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه وهـو يدعوهـم إلى التوبة والمغفرة!.
وا?يات في هـذا كثيرة جدا.
وفي الصحيحين عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث الذي قتل تسعا وتسعين نفسا، ثم ندم وسأل عابدا من عباد بني إسرائيل: هـل له من توبة؟ فقال: ?. فقتله وأكمل به مائة. ثم سأل عالما من علمائهم: هـل له من توبة؟ فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ثم أمره بالذهـاب إلى قرية يعبد الله فيها، فقصدهـا فأتاه الموت في أثناء الطريق، فاختصمت فيه م?ئكة الرحمة وم?ئكة العذاب، فأمر الله أن يقيسوا ما بين ا?رضين، فإلى أيهما كان أقرب فهو منها. فوجدوه أقرب إلى ا?رض التي هـاجر إليها بشبر، فقبضته م?ئكة الرحمة. وذكر أنه نأى بصدره عند الموت، وأن الله أمر البلدة الخيرة أن تقترب، وأمر تلك البلدة أن تتباعد هـذا معنى الحديث، وقد كتبناه في موضع آخر بلفظه.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما [في] قوله: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ? تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} إلى آخر ا?ية، قال: قد دعا الله إلى مغفرته من زعم أن المسيح هـو الله، ومن زعم أن المسيح هـو ابن الله، ومن زعم أن عزيرا ابن الله، ومن زعم أن الله فقير، ومن زعم أن يد الله مغلولة، ومن زعم أن الله ثالث ث?ثة، يقول الله تعالى لهؤ?ء: {أف? يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم} ثم دعا إلى توبته من هـو أعظم قو? من هـؤ?ء، من قال: {أنا ربكم ا?على}، وقال {ما علمت لكم من إله غيري}. قال ابن عباس [رضي الله عنهما] من آيس عباد الله من التوبة بعد هـذا فقد جحد كتاب الله، ولكن ? يقدر العبد أن يتوب حتى يتوب الله عليه.
وروى الطبراني من طريق الشعبي، عن شتير بن شكل أنه قال: سمعت ابن مسعود يقول إن أعظم آية في كتاب الله: {الله ? إله إ? هـو الحي القيوم}، وإن أجمع آية في القرآن بخير وشر: {إن الله يأمر بالعدل وا?حسان}، وإن أكثر آية في القرآن فرجا في سورة الغرف: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ? تقنطوا من رحمة الله}، وإن أشد آية في كتاب الله تصريفا (6) {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث ? يحتسب} فقال له مسروق: صدقت.
ومر ابن مسعود-على قاص، وهـو يذكر الناس، فقال: يا مذكر لم تقنط الناس؟ ثم قرأ: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ? تقنطوا من رحمة الله}
رواه ابن أبي حاتم. (قلت سيف: وفيه ابوالكنود، لكن ثبت عن عائشة قالت لعبيد بن عمير: فإياك وإهلاك الناس وتقنيطهم).