(بحث مجموع من أجوبة الإخوة وممن شارك الأخ أحمد بن علي)
[جمعها الأخ؛ سيف الكعبي]
مسألة: صوم يوم الشك:
القول الأول: يوم الشكّ لا يلزم صومه. وهو مذهب الجمهور
القول الثاني: لأحمد بن حنبل، فإنه أوجب صومه احتياطًا، فإن صح أنه من رمضان أجزأه.
ونحوه قال الكوفيون؛ إلا أنهم لم يوجبوا صومه.
والجمهور على أنه لا يصومه عن رمضان، ولا يجزئه إن صامه.
وللماوردي تفصيل أكثر في الحاوي للمذاهب
أدلة المانعين:
– كان بعض الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ يأمر بالفصل ما بين رمضان وشعبان بفطر يوم أو يومين. وكره محمد بن مسلمة تحرِّي فطره، كما كره تحرِّي صومه.
– والأصل: أنه محكوم له بأنه من شعبان حتى يدل الدليل على أنه من رمضان. والأدلة الناقلة عن حكم شعبان: الرؤية، أو الشهادة، أو إكمال عدة شعبان بثلاثين، ولم يوجد واحد منها في يوم الشك.
– قال النبى، عليه السلام: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غمى عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين).
فذهب كافة الفقهاء إلى أن معنى قوله عليه السلام: (فاقدروا له)، مجمل يفسره قوله: (فأكملوا العدة ثلاثين يوما).
ولذلك جعل مالك فى الموطأ (فأكملوا العدة ثلاثين يوما)، بعد قوله: (فاقدروا له)، كما صنع البخارى، لأنه مفسر ومبين لمعنى قوله: (فاقدروا له).
– وقد انضاف إلى أمره باعتبار العدد ثلاثين عند عدم الرؤية فعله فى نفسه. فروى عن عائشة أنها قالت: (كان رسول الله يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من سائر الشهور، فإذا رأى هلال رمضان صام، وإن غم عليه عد شعبان ثلاثين يوما وصام)، ولو كن هاهنا علم آخر لكان يفعله أو يأمر به.
واستدل المجوزون لصومه بأدلة:
-منها ما أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي عن أم سلمة «أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يصومه»
قلت: لم أجده بهذا اللفظ
وأجيب عنه بأن مرادها أنه كان يصوم شعبان كله لما أخرجه أبوداود والترمذي والنسائي من حديثها قالت «ما رأيته يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان» وهو غير محل النزاع لأن ذلك جائز عند المانعين من صوم يوم الشك لما في الحديث الصحيح المتفق عليه من قوله – صلى الله عليه وسلم -: «إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه».
وأيضا قد تقرر في الأصول أن فعله – صلى الله عليه وسلم – لا يعارض القول الخاص بالأمة ولا العام له ولهم لأنه يكون فعله مخصصا له من العموم.
– ومنها ما أخرجه الشافعي عن علي – رضي الله عنه – قال: ” لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان ”
وقيل: أنه ثبت عن عائشة رضي الله عنها
وأجيب بأن أثر علي رضي الله عنه من رواية فاطمة بنت الحسين عن علي وهي لم تدركه فالرواية منقطعة ولو سلم الاتصال فليس بنافع لأن لفظ الرواية ” أن رجلا شهد عند علي على رؤية الهلال فصام وأمر الناس أن يصوموا ثم قال: لأن أصوم. . . إلخ ” فالصوم لقيام شهادة واحدة عنده لا لكونه يوم شك
وأيضا الاحتجاج بذلك على فرض أنه -رضي الله عنه – استحب صوم يوم الشك من غير نظر إلى شهادة الشاهد إنما يكون حجة على من قال بأن قوله حجة على أنه قد روي عنه القول بكراهة صومه حكى ذلك عنه صاحب الهدى.
أما أثر عائشة: فإن صح فالعبرة برواية الراوي لا برأيه (راجع الإرواء 904)
قال ابن عبد البر: وممن روي عنه كراهة صوم يوم الشك عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعمار وابن مسعود وحذيفة وابن عباس وأبو هريرة وأنس بن مالك.
ونقل ابن المنذر في كتابه الاختلاف: أكثر أهل العلم أوجبوا صوم الثلاثين إذا حال غيم أو قتر بعد التاسع والعشرين، وممن روي عنه ذلك: عمر بن الخطاب وحذيفه وعلي وابن مسعود …
والحاصل أن الصحابة مختلفون في ذلك وليس قول بعضهم بحجة على أحد والحجة ما جاءنا عن الشارع وقد عرفته وقد استوفيت الكلام على هذه المسألة في الأبحاث التي كتبتها على رسالة الجلال وسيأتي الكلام على استقبال رمضان بيوم أو يومين في آخر الكتاب – إن شاء الله تعالى -.انتهى من نيل الأوطار
ومما احتجوا به قال علي وأبو هريرة وعائشة: لان أصوم يوما من شعبان أحب الي من أن أفطر يوما من رمضان، ولأن الصوم يحتاط له ولذلك وجب الصوم بخبر واحد ولم يفطروا إلا بشهادة اثنين.
فأما خبر أبي هريرة الذي احتجوا به فانه يرويه محمد بن زياد وقد خالفه سعيد بن المسيب فرواه عن أبي هريرة ” فان غم عليكم فصوموا ثلاثين ” وروايته أولى لإمامته واشتهار ثقته وعدالته وموافقته لرأي أبي هريرة ومذهبه ولخبر ابن عمر الذي رويناه ويمكن حمله على ما إذا غم في طرفي الشهر … .
الشرح الكبير لابن قدامة
وأما صيام ابن عمر فلأنه وافق يوما كان يصومه، بدليل ما روي عنه أنه قال: ” لو صمت الدهر لأفطرت يوم الشك ”
قلت: وبه أفتت اللجنة الدائمة
ونقلوا عن ابن قدامة
قال ابن قدامه رحمه الله في ذلك: وعن أحمد رواية ثالثة لا يجب ولا يجزئه عن رمضان إن صامه، وهو قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي ومن تبعهم؛ لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» رواه البخاري وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين» رواه مسلم وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم الشك متفق عليه، وهذا يوم شك؛ ولأن الأصل بقاء شعبان فلا ينتقل عنه بالشك (انتهى) المغني.
تنبيه:
فأما استقبال الشهر بأكثر من يومين فغير مكروه فإن مفهوم حديث أبي هريرة أنه غير مكروه لتخصيصه النهي باليوم واليومين وقد روى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة [أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا كان النصف من شعبان فامسكوا عن الصيام حتى يكون رمضان] قال الترمذي هذا حديث حسن الصحيح إلا أن أحمد قال: ليس هو بمحفوظ قال وسألنا عنه عبد الرحمن بن مهدي فلم يصححه ولم يحدثني به وكان يتوقاه قال أحمد و العلاء ثقة لا ينكر من حديثه إلا هذا لأنه خلاف ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يصل شعبان برمضان
***********
(قال الشافعي):
ولو أصبح يوم الشك لا ينوي الصوم ولم يأكل ولم يشرب حتى علم أنه من شهر رمضان فأتم صومه رأيت إعادة صومه، وسواء رأى ذلك قبل الزوال أو بعده إذا أصبح لا ينوي صيامه من شهر رمضان.
مسألة: ولا فرق بين رؤيته قبل الزوال، أو بعده، وهو المشهور من مذاهب العلماء، ومن مذهب مالك. وقال ابن وهب، وابن حبيب، وعيسى بن دينار: إذا رؤي قبل الزوال فهو لليلة الماضية، ويفطرون ساعة رؤيته إن كان هلال شوال. وقال بعض أهل الظاهر: أما في الصوم فيجعل للماضية، وأما في الفطر فيجعل للمستقبلة، وهو أخذ بالاحتياط منهم. والحديث المتقدِّم حجة عليهم على ما قررناه
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم