1045-1047 رياح المسك العطرة بفوائد الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
بإشراف سيف بن دورة الكعبي
مجموعة عبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والمدارسة والاستفادة.
—————-
صحيح البخاري
بَابُ النِّدَاءِ بِالصَّلاَةُ جَامِعَةٌ فِي الكُسُوفِ
1045 – حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ [ص:35]: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامِ بْنِ أَبِي سَلَّامٍ الحَبَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «لَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُودِيَ إِنَّ الصَّلاَةَ جَامِعَةٌ»
بَابُ خُطْبَةِ الإِمَامِ فِي الكُسُوفِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ، وَأَسْمَاءُ: خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1046 – حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، ح وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ، فَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَكَبَّرَ فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقَامَ وَلَمْ يَسْجُدْ، وَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً هِيَ أَدْنَى مِنَ القِرَاءَةِ الأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ وَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ أَدْنَى مِنَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ، وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ، ثُمَّ قَامَ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: «هُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ» وَكَانَ يُحَدِّثُ كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، كَانَ يُحَدِّثُ يَوْمَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ، بِمِثْلِ حَدِيثِ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: ” إِنَّ أَخَاكَ يَوْمَ خَسَفَتْ بِالْمَدِينَةِ لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ الصُّبْحِ؟ قَالَ: أَجَلْ، لِأَنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ ”
بَابٌ: هَلْ يَقُولُ كَسَفَتِ الشَّمْسُ أَوْ خَسَفَتْ؟
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَخَسَفَ القَمَرُ} [القيامة: 8]
1047 – حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ، فَكَبَّرَ، فَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَقَامَ كَمَا هُوَ، ثُمَّ قَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً وَهِيَ أَدْنَى مِنَ القِرَاءَةِ الأُولَى، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهِيَ أَدْنَى مِنَ الرَّكْعَةِ الأُولَى، ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَلَّمَ وَقَدْ تَجَلَّتِ [ص:36] الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ: «إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا، فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ»
-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_
حديث عبدالله بن عمرو ثبت عند الشيخين من حديث عائشة وهو يوضح لفظة( نودي ) بلفظ البناء للمجهول، ففي حديث عائشة( كسفت الشمس فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فنادى، فقال : إن الصلاة جامعة )
* الفوائد :
1- هذا مما تقتصر عليه صلاة الكسوف ينادى ان الصلاة جامعة.
لا ينادى لغير الكسوف بهذا, لا ينادى للعيد ولا للجمعة و لا للجنازة ولا لغير ذلك..
ينادي مرتين او ثلاث او اكثر بقدر ما يفهمه الناس // شرح ابن عثيمين
وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لا يُؤَذَّن لَهَا وَلا يُقَام” كما قال النووي وابن دقيق العيد .
ويُنادَى لصلاةِ الكُسوفِ بـ(الصَّلَاة جامِعة)، وهذا مذهبُ جمهورِ الفُقهاءِ من الحنفيَّة ، والشافعيَّة ، والحنابلة ، واستحسنه بعضُ المالكيَّة ، وحُكي فيه الإجماعُ .
قلت سيف : وعليه بوب أبوداود فقال : باب ينادي فيها بالصلاة، واستحبها النووي لصلاة العيد وصلاة الإستسقاء، فإذا قلنا : لا دليل على ذلك ، يبقى عندنا إشكال وهو :
ثبت في حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم ورايته الجساسة والدجال، قالت : سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي أن الصلاة جامعة فخرجت فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم…. أخرجه مسلم 2942
ولعل هذا قبل يشرع الأذان
قال صاحبنا نورس :
ينادى لصلاة الكسوف
بقول: “الصلاة جامعة”
س: الأخ م. ج. من الإمارات العربية المتحدة يقول في سؤاله: ورد أنه ينادى لصلاة الكسوف بـ (الصلاة جامعة) فهل يقولها مرة واحدة، أو يشرع تكرارها، وما مقدار التكرار؟ أفتونا مأجورين .
ج: قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «أمر أن ينادى لصلاة الكسوف بقول: الصلاة جامعة » .رواه البخاري في (الجمعة) باب النداء بـ الصلاة جامعة في الكسوف، برقم (١٠٤٥) ومسلم في الكسوف برقم (٩٠١) واللفظ له
والسنة للمنادي أن يكرر ذلك حتى يظن أنه أسمع الناس، وليس لذلك حد محدود فيما نعلم، والله ولي التوفيق.
مجموع فتاوى أبن باز
وقال بعض العلماء المعاصرين :وإذا كانوا مجتمعين فلا ينادى لها.
وفي جواب للجنة الدائمة :
ج٥: إذا قام الإمام لصلاة العيد فإنه يبدأ بتكبيرة الإحرام، ولا يقول للناس قبلها: الصلاة جامعة، ولا صلاة العيد، ولا غير ذلك من الألفاظ؛ لعدم ورود ما يدل عليه، وإنما ينادى بالصلاة جامعة في كسوف الشمس وخسوف والقمر.
اللجنة الدائمة
قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى ( ٥ /٣٢٣ ) : والسنة أن ينادى للكسوف ب ” الصلاة جامعة “، لحديث عائشة: «خسفت الشمس على عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – فبعث مناديا الصلاة جامعة» .
ولا ينادى للعيد والاستسقاء، وقاله طائفة من أصحابنا؛ ولهذا لا يشرع للجنازة ولا للتراويح على نص أحمد، خلافا للقاضي؛ لأنه لم ينقل عن النبي – صلى الله عليه وسلم – والقياس على الكسوف فاسد الإعتبار . وقال الآمدي: السنة أن يكون المؤذن من أولاد من جعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيهم الأذان، وإن كان من غيرهم جاز.
انتهى نقل نورس
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” وقال بعض العلماء ؛ وهو المذهب : إنه ينادى للاستسقاء ، والعيدين : ” الصلاة جامعة ” لكن هذا القول ليس بصحيح ، ولا يصح قياسهما على الكسوف لوجهين :
الوجه الأول : أن الكسوف يقع بغتة ، خصوصاً في الزمن الأول لما كان الناس لا يدرون عنه إلا إذا وقع .
الوجه الثاني : أن الإستسقاء والعيدين لم يكن النبي صلّى الله عليه وسلّم ينادي لهما ؛ وكل شيء وجد سببه في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يفعله : ففعله بدعة ؛ لأنه ليس هناك مانع يمنع الرسول صلّى الله عليه وسلّم من النداء ، ولو كان هذا السبب يشرع له النداء لأمر المنادي أن ينادي لها .
فالصواب : أن العيدين والاستسقاء لا ينادى لهما ” انتهى.
” الشرح الممتع ” (5/199) .
وهو اختيار الشيخ السعدي رحمه الله ، كما في ” المختارات الجلية ” (ص/53)
وذكر ابن رجب من مراسيل الحسن أن الأذان شرع في المدينة وإنما كان ينادى الصلاة جامعة.
2- حكم خطبة الكسوف ؟
ذكر النووي أن مستحب وهو قول جمهور السلف ونقله ابن المنذر عن الجمهور .
راجع المجموع للنووي 95/5
ورجحه ابن باز وابن عثيمين .
وقد ذهب الإمامان أبو حنيفة وأحمد في المشهور عنه أنه لا يستحب الخطبة بعدها .
وأجابوا عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، بأنه صلى الله عليه وسلم خطب بعد الصلاة ليبين للصحابة بعض الأحكام المتعلقة بصلاة الكسوف .
وانظر : “المغني” (2/144) .
ومذهب المالكية : أنه يستحب الوعظ بعدها ولكن لا يكون على صفة الخطبة .
وانظر : “بلغة السالك لأقرب المسالك” (1/350) .
وقد أجاب ابن دقيق العيد رحمه الله على المذهبين فقال في شرح حديث عائشة السابق :
” ظاهر في الدلالة على أن لصلاة الكسوف خطبة ، ولم ير ذلك مالك ولا أبو حنيفة .
قال بعض أتباع مالك : ولا خطبة , ولكن يستقبلهم ويذكرهم .
وهذا خلاف الظاهر من الحديث , لا سيما بعد أن ثبت أنه ابتدأ بما تبتدأ به الخطبة من حمد الله والثناء عليه .
والذي ذُكر من العذر عن مخالفة هذا الظاهر : ضعيف , مثل قولهم : إن المقصود إنما كان الإخبار ” أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله , لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ” للرد على من قال ذلك في موت إبراهيم . والإخبار بما رآه من الجنة والنار , وذلك يخصه .
وإنما استضعفناه لأن الخطبة لا تنحصر مقاصدها في شيء معين بعد الإتيان بما هو المطلوب منها من الحمد والثناء والموعظة .
وقد يكون بعض هذه الأمور داخلا في مقاصدها , مثل ذكر الجنة والنار , وكونهما من آيات الله ، بل هو كذلك جزما ” انتهى.
” إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام ” (2/352) .
وابن المنذر في الأوسط قال : وممن اثبت الخطبه بعد صلاه الخسوف من أصحابنا الشافعي وإسحاق وعامه أصحابنا الا مالكا فإنه قال ليس للكسوف خطبه وهذه غفله منه لأنه ممن روى حديث هشام بن عروه عن أبيه عن عائشه ان النبي صلى الله عليه وسلم صلي بالناس صلاه الخسوف ثم خطب والأخبار إذا ثبتت لم يضرها تخلف من تخلف عن القول بها ووافقه يعقوب فقال ليس في صلاه الكسوف خطبه ولا خروج انما الصلاه في مسجد الجماعه
وبوب ابن خزيمة : باب خطبة الإمام بعد صلاة الكسوف.
قال النووي رحمه الله في ” المجموع ” (5/59) عن القول باستحباب الخطبة بعد الصلاة : “وبه قال جمهور السلف ، ونقله ابن المنذر عن الجمهور” انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
” تسن الخطبة بعد صلاة الكسوف ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك , وقد قال الله عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (من رغب عن سنتي فليس مني) ، ولما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين , وتفقيههم في الدين, وتحذيرهم من أسباب غضب الله وعقابه ، ويكفي أن يفعل ذلك وهو في المصلى بعد الفراغ من الصلاة ” انتهى.
” مجموع فتاوى ابن باز ” (13/44) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن استحباب الخطبة بعد صلاة الكسوف :
“وهو الصحيح ، وذلك لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما انتهى من صلاة الكسوف قام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، ثم وعظ الناس .
وهذه الصفات صفات الخطبة . وقولهم : إن هذه موعظة ؛ لأنها عارضة . نقول : نعم ، لو وقع الكسوف في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم مرة أخرى ولم يخطب لقلنا : إنها ليست بسنة ، لكنه لم يقع إلا مرة واحدة ، وجاء بعدها هذه الخطبة العظيمة التي خطبها وهو قائم ، وحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أما بعد ، ثم إن هذه المناسبة للخطبة مناسبة قوية من أجل تذكير الناس وترقيق قلوبهم ، وتنبيههم على هذا الحدث الجلل العظيم ” انتهى.
” الشرح الممتع ” (5/188) ، وانظر : “الإنصاف” (2/448) للمرداوي الحنبلي .
قال حمد بن دورة الكعبي :
المسألة العاشرة : مشروعية الخطبة في صلاة الكسوف
اختلف العلماء رحمهم الله في خطبة صلاة الكسوف.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار 2/ 635: ” فيه استحباب الخطبة بعد صلاة الكسوف “.
واختار الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع 5/249 أن صلاة الكسوف يُسًنُّ لها خطبة واحدة، قال: ” وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لَمّا انتهى من صلاة الكسوف قام فحمد الله ، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد ، ثم وعظ الناس ، وهذه الصفات صفات الخطبة … “.
3- موضوع خطبة الكسوف، الوعظ ؟
خُطبة الكسوف إنما هي موعظة يُذكّر الناس بِما نَزَل بهم ، ويُخوّفون بالله ، ويُحثّون على ترك المعاصي .
قال ابن عبد البر :
واختلفوا أيضا في الخطبة بعد صلاة الكسوف
فقال الشافعي ومن اتبعه وهو قول إسحاق والطبري : يخطب بعد الصلاة في الكسوف كالعيدين والاستسقاء . اهـ .
قال ابن القيم : ثم انصرف ، فخطب بهم خطبة بليغة . اهـ . ثم ذَكَر ما حَفِظ منها ، فليُرجَع إليه في ” زاد المعاد ” .
وهي وإن سُمِّيت خُطبة إلاّ أنها ليست خُطبة مرتبة مثل خطبة الجمعة ، وإنما هي موعظة بليغة وتذكير للناس .
والدليل على أنها موعظة ويُخوّف بها الناس ما جاء في الأحاديث ، ومنها ما في حديث عائشة رضي الله عنها هذا ، وفيه : يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ , وَاَللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ , أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ , يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ , وَاَللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً .
وفي حديث أسماء رضي الله عنها : فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ : مَا قَال ؟ قَالَتْ : قَالَ : مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا ، حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ ، وَإِنَّهُ قَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ أَوْ قَرِيبَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ . رواه البخاري ومسلم .
قال الباجي : وَعَظَهُمْ فِي أَوَّلِ كَلامِهِ ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِأَعْمَالِ الْبِرِّ ، وَنَهَاهُمْ عَنْ الْمَعَاصِي ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنْ اللَّهِ .
وَإِذَا كَانَ الْوَاحِدُ مِنَّا يَغَارُ عَلَى أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ أَمَتُهُ ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنْ الْبَارِي تَعَالَى فَيَجِبُ أَنْ يُجَدِّدَ عُقُوبَتَهُ فِي مُوَاقَعَةِ الزِّنَا . اهـ .
والخطبة قد تُطلَق على الموعظة ، كما في خُطبة الكسوف ، وقد قال فيها ابن عباس رضي الله عنهما : لم يَخطب كَخُطْبَتِكم هذه . رواه الإمام أحمد ، وقال محققو المسند : إسناده حسن .
وفي حديث أنس رضي الله عنه : نَظَرْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى كَانَ شَطْرُ اللَّيْلِ يَبْلُغُهُ ، فَجَاءَ فَصَلَّى لَنَا ، ثُمَّ خَطَبَنَا . رواه البخاري ومسلم .
والأحاديث في هذا الشأن كثيرة ، أي : أن الخطبة تُطلَق على الموعظة .
قلت سيف؛ واختلف : هل هي خطبتان أم واحدة :
وقال الشافعي رحمه الله في “الأم” (1/272) : “عن عبيد الله بن
عبد الله بن عتبة قال : السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس
( قال الشافعي ) : وكذلك خطبة الاستسقاء وخطبة الكسوف ، وخطبة الحج ، وكل خطبة
جماعة ” انتهى .
وينظر : “بدائع الصنائع” (1/276) ، “المغني” (2/121) .
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المستحب أن يخطب خطبتين يجلس بينهما جلسة يسيرة ، كما يفعل في خطبة الجمعة ، وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله .
وانظر : “الأم” (1/280) .
وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب خطبة واحدة ، وهو ما اختاره بعض الحنابلة ، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
انظر : “الإنصاف” (2/448) ، “الشرح الممتع” (5/188) .
أما طول الخطبة ، فالمستحب بوجه عام هو تقصير الخطبة ، بحيث تفي بالمقصود من وعظ الناس وتذكيرهم ، ولا تملهم أو ترهقهم ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ – أي علامة – مِنْ فِقْهِهِ ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ ، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ) رواه مسلم (869) .
والله أعلم .
4- اختُلِف في صِفة صلاة الكسوف
قال الباجي : اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي صِفَةِ صَلاةِ الْكُسُوفِ أَصَحُّهَا حَدِيثُ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَرُوَاتُهُ أَئِمَّةٌ : هِشَامٌ وَالزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ ، وَقَدْ تَابَعَهَا عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَبِهِ أَخَذَ الْفُقَهَاءُ ؛ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ . اهـ .
وفي ما أخرجه البخاري حديث أَبِي بَكْرَةَ قَال : فذكره فهذه الرواية مُختصرة على أصل الصلاة ، وهو ركعتين ، دون ذِكر التفصيل الوارد في حديث عائشة رضي الله عنها .
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما :… وفيه التفصيل رواه البخاري ومسلم .
قال ابن عبد البر : وقال العراقيون منهم أبو حنيفة وأصحابه والثوري : صلاة الكسوف كهيئة صلاتنا ركعتان ، نحو صلاة الصبح ، ثم الدعاء حتى تنجلي ، وهو قول إبراهيم النخعي . اهـ .
وهذا القول الأخير لا عِبرة به ؛ لأن العِبْرة بِما ثَبت مِن فِعله عليه الصلاة والسلام ، والثابت مِن فِعله عليه الصلاة والسلام ما جاء في حديث الباب .
وما خالفه فضعيف ، إما مُضطرب ، وإما شاذّ .
و قال ابن القيم : والمنصوصُ عن أحمد أيضاًَ أخذه بحديث عائشة وحده ، في كل ركعة ركوعان وسجودان . قال في رواية المروزي : وأذهب إلى أن صلاة الكسوف أربعُ ركعات، وأربعُ سجدات، في كل ركعة ركعتان وسجدتان، وأذهب إلى حديث عائشة، أكثرُ الأحاديث على هذا.
وهذا اختيارُ أبي بكر وقدماء الأصحاب، وهو اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية .كان يضعف كُلَّ ما خالفه من الأحاديث ، ويقول : هي غلط ، وإنما صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم الكسوفَ مرة واحدة يومَ مات ابنه إبراهيم . واللّه أعلم . اهـ .
قال ابن تيمية : وَقَدْ تَوَاتَرَ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى الْكُسُوفَ يَوْمَئِذٍ رُكُوعَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ، كَمَا رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ عَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عَمْرٍو وَغَيْرُهُمْ ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَرْوِ الْبُخَارِيُّ إلاَّ هَذِهِ الأَحَادِيثَ . اهـ .
وقال ابن القيم : وقد رُوي عنه أنه صلاَّها على صفات أخر :وقال :
ولكن كِبار الأئمة لا يُصححون ذلك ، كالإِمام أحمد ، والبخاري ، والشافعي ، ويرونه غلطًا . اهـ .
وهذا الخسوف كان يوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن حجر : قصة الكسوف متأخرة جدا . فقد تقدم أن موت إبراهيم كان في العاشرة ، كما اتفق عليه أهل الأخبار . اهـ .
5 – مَن فاته الركوع الأول ، فإنه لا يعتدّ بالركوع الثاني من الركعة الأولى ، ويقضي إذا سلّم الإمام ركعة كاملة بِرُكوعين وسجودين .
وكذلك مَن فاته الركوع الأول من الركعة الثانية ، فإنه يقضي مثل صلاة إمامه ، لعموم قوله عليه الصلاة والسلام : إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه . رواه البخاري ومسلم .
ولِعُموم قوله عليه الصلاة والسلام : مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا ، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا . رواه البخاري
6- الجمهور على أن الكسوف والخسوف يكونان لذهاب ضوء الشمس والقمر بالكلية .
” عون الباري ” (327/2 )
قلت سيف : تتمات :
– في قوله( ثم قال في الركعة الآخرة مثل ذلك ): فيه إطلاق القول على الفعل
-قوله( فافزعوا ) : فيه إشارة إلى المبادرة إلى المأمور به، وأن الالتجاء إلى الله عند المخاوف بالدعاء والاستغفار سبب لمحو ما فرط من العصيان، وأن الذنوب سبب للبلايا
– قوله ( إلى الصلاة ) المعهودة التي تقدم فعلها قبل الخطبة واخطأ من استدل به على مطلق الصلاة.
-ويستنبط أن الجماعة ليست شرط لأن فيه إشعار بالمبادرة إلى الصلاة والمسارعة، وانتظار الجماعة قد يفوتها أو يخلو وقت دون صلاة
– التابعي إذا ايد قوله بالسنة فالاخذ به أولى من فعل الصحابي.
-وأن الصحابي إذا خالف السنة فيرد فعله ويخطأ إذا لم يكن له وجه.
مشاركة خميس العميمي :وهذا ملخص لصلاة الكسوف لابن باز :
صلاة الخسوف ويقال لها صلاة الكسوف بينها النبي صلى الله عليه وسلم بفعله عليه الصلاة والسلام، وهي سنة مؤكدة إذا كسفت الشمس أو خسف القمر سواء ذهب النور كله أو بعض النور فإن السُّنَّة أن يصلي المسلمون ركعتين، في كل ركعة قراءتان وركوعان وسجدتان هذا هو أصح ما ورد في ذلك، يصلي المسلمون في أي وقت حتى ولو بعد العصر -على الصحيح- متى وقع الكسوف ولو في وقت النهي، السنة أن يصلى أن تصلى صلاة الكسوف،….. ثم ذكر صفة صلاة الكسوف وقال :-
ثم تشهد قرأ التحيات وتشهد ثم سلم وخطب الناس، خطب الناس ووعظهم عليه الصلاة والسلام، وأخبرهم أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته، وقال: (إذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم) والسنة الخطبة بعد ذلك، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، إذا صلى الإمام يخطب الناس ويذكرهم ويبين لهم أحكام صلاة الكسوف ويحذرهم من المعاصي والشرور، ويدعوهم إلى طاعة الله عز وجل، ويرغبهم في الصدقة والعتق، والإكثار من ذكر الله عز وجل والاستغفار، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الكسوف أنه عرضت عليه الجنة والنار وهم في الصلاة فتقدم لما رأى الجنة لما عرضت عليه الجنة فتقدم وتقدمت الصفوف حتى حاول أن يأخذ منها عنقوداً من العنب قال: (لو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا!). ثم عُرضت عليه النار عليه الصلاة والسلام فتأخر وتأخرت الصفوف وقال: (رأيت فيها) -أي في النار- (عمرو بن لحي الخزاعي) -رئيس أهل مكة في الجاهلية- (يجر قصبه في النار) -يعني يجر أمعاءه في النار، نعوذ بالله- (لأنه أول من سيَّب السَّوائب وغيَّر دين إبراهيم)، يعني سيب السوائب للأصنام من بقر وغنم للأصنام لا تركب ولا تحلب، وأول من غير دين إبراهيم في عبادة الأصنام ودعائها من دون الله؛ فلهذا صار عذابه شديدا، ورآه النبي صلى الله عليه وسلم يجر أمعاءه في النار -نسأل الله العافية- قال: (ورأيت فيها امرأة تعذب بهرة حبستها لا هي أطعمتها وسقتها حين حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) فعذبت بها، هذا يدل على أنه ما يجوز تعذيب الحيوان، لا الهر ولا الكلب ولا الدجاج ولا الحمام ولا الإبل ولا البقر، لا تعذب، بل إما أن يعلفها ويقوم بواجبها وإلا يبيعها إذا أحب البيع أو يطلق سراحها تأكل من أرض الله، أما حبسها وعدم إطعامها وإسقائها هذا ظلم لا يجوز، حتى ولو هرة! حتى ولو كلب، لا يجوز لأنه ظلم، فإذا كان هذا في هرة أو كلب ونحو ذلك فكيف بالذي يحبس المسلم بغير حق ويظلمه أو يتعدى عليه بقتلٍ أو غيره؟! يكون ذنبه أعظم وجريمته أكبر وعذابه أشد، نسأل الله العافية. قال: (ورأيت فيها سارق الحجيج) بـ…..، كان في الجاهلية بعض الناس يسرق الحجاج، معه عصا محنية الرأس مثل …. كان يمر حول الحجيج حول أمتعتهم يجر من أمتعتهم ب…. ما أمكنه، (فإذا فطنوا له قال: تعلق بمحجني!) ما قصدت، (وإذا لم يفطنوا له هرب بذلك الشيء) وأخذه، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم يعذب في النار بمحجنه الذي كان يسرق به الحاج، والعياذ بالله، فهذا يوجب الحذر من السرقة والدعوة إلى الشرك وتعذيب الحيوانات وغير هذا من المعاصي، فإنها من أسباب العذاب في النار، نسأل الله العافية. فالواجب على المؤمن أن يحذر ظلم الناس، وظلم الحيوان وأخذ الأموال بغير حق، سواء غصباً أو سرقةً أو خيانة، يجب الحذر من ذلك.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن بازـ رحمه الله ـ.
——
أما مسألة هل يقال لكسوف الشمس خسوف وهل هما مترادفان ام بينهما فروق لغوية فأورد باحث في المستدرك على معجم المناهي اللفظية : الأقوال وجنح إلى ترجيح فروق لغوية وما ورد في بعض الروايات( إن الشمس والقمر لا ينخسفان… ) فهو من باب التغليب
قال الباحث : قال ثعلب، إذ ذكر أن أجود الكلام أن يُقال: كسفت الشمس وخسف القمر207.
. وكذلك فإن دواوين الشعر قد حفلت بتخصيص الكسوف والخسوف، من ذلك ما ذكره جرير في قوله:
فالشمس كاسفة ليست بطالعة تبكي عليك نجوم الليل والقمرا210)
أما ما ذُكر في الحديث الشريف السابق الذكر، من ورود الخسوف مع الشمس، فإنما يُحمل- والله أعلم- على التغليب، إذ ورد ذكر كل من الكسوف والخسوف مع الشمس والقمر211)، وإنما غُلّب القمر لتذكيره. ولعل الذي سوغ ذلك: الاتحاد الصوتي؛ إذ إن حرفي الكاف والخاء من الحروف المهموسة212).انتهى
قلت سيف : وفصل ابن حجر في ذلك أفضل تفصيل، ورد على من منع كسفت الشمس بأنها وردت في أكثر الروايات وورد خسفت الشمس كما في حديث الباب.