:عقيدة
(بحث مجموع من أجوبة الأخوة وممن شارك الأخ أحمد بن علي وعلي البلوشي)
(قام بجمعه الأخ سيف الكعبي)
حديث عتبان (فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله) أخرجه البخاري ومسلم
وعلاقته بالتوحيد
ورد في البخاري ومسلم كذلك من حديث معاذ ( … ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله تعالى على النار … ) وهذا لفظ البخاري وفي رواية للبخاري (من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة)
فبهذا السياق يتبين معنى لا إله إلا الله، وأنها تتضمن ترك الشرك لمن قالها بصدق، ويقين، وأخلاص.
قال بعض أهل العلم: وفي حديث عتبان حجة لأهل السنة ورد على من زعم من الخوارج والمعتزلة أن صاحب الكبيرة إذا مات عن غير توبة يخلد في النار لكن في الاستدلال به لذلك نظر لما مر من سياق كعب بن ذهل عن أبي الدرداء أن ذلك في حق من عمل سوءا أو ظلم نفسه ثم استغفر وسنده جيد عند الطبراني وحمله بعضهم على ظاهره وخص به هذه الأمة لقوله فيه (بشر أمتك) (وان من مات من أمتي) وتعقب بالأخبار الصحيحة الواردة في أن بعض عصاة هذه الأمة يعذبون ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة (المفلس من أمتي … ) الحديث وفيه تعقب على من تأول في الأحاديث الواردة في (أن من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة) وفي بعضها (حرم على النار) ان ذلك كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهي وهو مروي عن الزهري ووجه التعقب ذكر الزنا والسرقة فيه، وحمله الحسن البصري على من قال الكلمة وأدى حقها بأداء ما وجب واجتناب ما نهى ورجحه الطيبي الا أن هذا الحديث يخدش فيه وأشكل الأحاديث وأصعبها؛ قوله: (لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما الا دخل الجنة) وفي آخره (وان زنى وان سرق)، وقيل أشكلها حديث أبي هريرة عند مسلم بلفظ (ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله الا حرمه الله على النار)؛ لأنه أتى فيه بأداة الحصر ومن الاستغراقية وصرح بتحريم النار بخلاف قوله: (دخل الجنة)؛ فإنه لا ينفي دخول النار أولا، قال الطيبي: لكن الأول يترجح بقوله (وان زنى وان سرق)؛ لأنه شرط لمجرد التأكيد؛ ولا سيما وقد كرره ثلاثا مبالغة، وختم بقوله: وإن رغم أنف أبي ذر تتميما للمبالغة والحديث الآخر مطلق يقبل التقييد فلا يقاوم قوله (وان زنى وان سرق).
وقال النووي بعد أن ذكر المتون في ذلك: والاختلاف في هذا الحكم مذهب أهل السنة بأجمعهم أن أهل الذنوب في المشيئة، وأن من مات موقنا بالشهادتين يدخل الجنة فإن كان سليما من المعاصي دخل الجنة برحمة الله وحرم على النار، وإن كان من المخلطين بتضييع الأوامر أو بعضها وارتكاب النواهي، أو بعضها ومات عن غير توبة فهو في خطر المشيئة وهو بصدد أن يمضي عليه الوعيد إلا أن يشاء الله أن يعفو عنه فإن شاء أن يعذبه فمصيره إلى الجنة بالشفاعة. انتهى
وقال طائفة من العلماء: إن كلمة التوحيد سبب مقتض لدخول الجنة وللنجاة من النار، لكن له شروط، وهي الإتيان بالفرائض، وموانع وهي إتيان الكبائر. قال الحسن للفرزدق: إن للا إله إلا الله شروطا، فإياك وقذف المحصنة. وروي عنه أنه قال: هذا العمود، فأين الطنب، يعني أن كلمة التوحيد عمود الفسطاط، ولكن لا يثبت الفسطاط بدون أطنابه، وهي فعل الواجبات، وترك المحرمات.
وقيل للحسن: إن ناسا يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال: من قال: لا إله إلا الله، فأدى حقها وفرضها، دخل الجنة.
وقيل لوهب بن منبه: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان، فتح لك، وإلا لم يفتح لك.
ويشبه هذا ما روي عن ابن عمر أنه سئل عن لا إله إلا الله: هل يضر معها عمل، كما لا ينفع مع تركها عمل؟ فقال ابن عمر: عش ولا تغتر.
وقالت طائفة: هذه النصوص المطلقة جاءت مقيدة بأن يقولها بصدق وإخلاص، وإخلاصها وصدقها يمنع الإصرار على معصية. وسبق ذكر دليلهم
فإن تحقق القلب بمعنى ” لا إله إلا الله ” وصدقه فيها، وإخلاصه بها يقتضي أن يرسخ فيه تأله الله وحده، إجلالا، وهيبة، ومخافة، ومحبة، ورجاء، وتعظيما، وتوكلا، ويمتلئ بذلك، وينتفي عنه تأله ما سواه من المخلوقين، ومتى كان كذلك، لم يبق فيه محبة، ولا إرادة، ولا طلب لغير ما يريد الله ويحبه ويطلبه، وينتفي بذلك من القلب جميع أهواء النفوس وإراداتها، ووساوس الشيطان، فمن أحب شيئا وأطاعه، وأحب عليه وأبغض عليه، فهو إلهه، فمن كان لا يحب ولا يبغض إلا لله، ولا يوالي ولا يعادي إلا له، فالله إلهه حقا، ومن أحب لهواه، وأبغض له، ووالى عليه، وعادى عليه، فإلهه هواه، كما قال تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} [الجاثية: 23]ـ قال الحسن: هو الذي لا يهوى شيئا إلا ركبه، وقال قتادة: هو الذي كلما هوى شيئا ركبه، وكلما اشتهى شيئا، أتاه لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى.
وكذلك من أطاع الشيطان في معصية الله، فقد عبده، كما قال عز وجل: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} [يس: 60] [يس: 60].
فتبين بهذا أنه لا يصح تحقيق معنى قول: لا إله إلا الله إلا لمن لم يكن في قلبه إصرار على محبة ما يكرهه الله، ولا على إرادة ما لا يريده الله، ومتى كان في القلب شيء من ذلك، كان ذلك نقصا في التوحيد، وهو نوع من الشرك الخفي. ولهذا قال مجاهد في قوله تعالى: {ألا تشركوا به شيئا} [الأنعام: 151] [الأنعام: 151] قال: لا تحبوا غيري.
وفي ” صحيح الحاكم ” عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” «الشرك أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على شيء من الجور، وتبغض على شيء من العدل، وهل الدين إلا الحب والبغض؟ قال الله عز وجل: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران: 31]» [آل عمران: 31] وهذا نص في أن محبة ما يكرهه الله، وبغض ما يحبه متابعة للهوى، والموالاة على ذلك والمعاداة عليه من الشرك الخفي.
فتبين بهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ” «من شهد أن لا إله إلا الله صادقا من قلبه حرمه الله على النار» “، وأن من دخل النار من أهل هذه الكلمة، فلقلة صدقه في قولها، فإن هذه الكلمة إذا صدقت طهرت من القلب كل ما سوى الله، فمن صدق في قوله: لا إله إلا الله لم يحب سواه، ولم يرج إلا إياه، ولم يخش أحدا إلا الله، ولم يتوكل إلا على الله، ولم تبق له بقية من إيثار نفسه وهواه، ومتى بقي في القلب أثر لسوى الله، فمن قلة الصدق في قولها.
جامع العلوم والحكم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وحقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله تعالى فمن شهد أن لا إله إلا الله خالصًا من قلبه وهو أن ينجذب بكليته إليه دخل الجنة لأن إخلاصه يجذب قلبه إلى الله فيتوب من الذنوب إليه فإذا مات على هذه الحال دخل الجنة.
وثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اخرُج فمن لقيته يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه فبشره بالجنة)
وقال: (لا يشهد أحد أنه لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو قال فتطعمه النار).
وقال (ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة وإن زنا وإن سرق إذا تاب وندم قبل الموت وقال لا إله إلا الله)
وقال (الموجبتان من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار)
فهذه الأحاديث إنما هي فيمن قالها ومات عليها كما جاءت مقيدة فإنه قد تواترت الأحاديث بأنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة وما يزن خردلة وما يزن ذرة بل كثير ممن يقول لا إله إلا الله يدخل النار أو أكثرهم ثم يخرج منها.
وتواترت الأحاديث بأنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ولكن جاءت مقيدة بالإخلاص واليقين وبموتٍ عليها فكلها مقيدة بهذه القيود الثقال.
وأكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص ولا اليقين ومن لا يعرف ذلك يُخشى عليه من أن يفتن عنها عند الموت فيحال بينه وبينها.
وغالب من يقولها إنما يقولها تقليدًا أو عادة ولم يخالط الإيمان بها بشاشة قلبه وغالب من يفتن عند الموت وفي القبور أمثال هؤلاء كما في الحديث الصحيح فيقول: (لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته).
وغالب أعمال هؤلاء إنما هي تقليد واقتداء بأمثالهم وهم أقرب الناس من قوله تعالى {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يزال مدفوع عنهم بلا إله إلا الله ما لم يؤثروا الدنيا على الآخرة فإذا آثروا الدنيا على الآخرة ردها الله عليهم وقال كذبتم لستم من أهلها) كما قد بسط هذا في مواضع وبين فيها أهل الإخلاص واليقين في توحيد الله من غيرهم.
وحينئذٍ فلا منافاة بين الأحاديث (فإنه إذا قالها بإخلاص ويقين ومات على ذلك امتنع أن تكون سيئاته راجحة على حسناته بل كانت حسناته راجحة فيحرم على النار لأنه إذا قالها العبد بإخلاص ويقين تام لم يكن في هذه الحال مصرًّا على ذنب فإن كمال إخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحب إليه من كل شيء وأخوف عنده من كل شيء فلا يبقى في قلبه حينئذٍ إرادة لما حرم الله ولا كراهة لما أمر الله.
فهذا هو الذي يحرم على النار وإن كان له ذنوب قبل ذلك.
فهذا الإيمان وهذه التوبة وهذا الإخلاص وهذه المحبة وهذا اليقين وهذه الكراهة لا يتركون له ذنبًا إلا مُحِيَ عنه كما يمحي النهار الليل.
فإن قالها على وجه الكمال المانع من الشرك الأصغر والأكبر فهذا غير مصر على ذنب أصلًا فيغفر له ويحرم على النار.
وإن قالها على وجه خلص به من الشرك الأكبر دون الأصغر ولم يأت بعدها بما يناقض ذلك فهذه الحسنة لا يقاومها شيء من السيئات فيرجح بها ميزان الحسنات كما في حديث البطاقة فيحرم على النار ولكن تنقص درجته في الجنة بقدر ذنوبه.
وهذا خلاف من رجحت سيئاته على حسناته ومات على ذلك فإنه يستوجب النار وإن كان قال لا إله إلا الله وخلص بها من الشرك الأكبر لكنه لم يمت على ذلك بل قالها وأتى بعدها بسيئات رجحت على هذه الحسنات فإنه في حال قوله لها مخلصًا مستيقنًا بها قلبه تكون حسناته راجحة ولا يكون مُصِرًّا على سيئة فإن مات قبل ذلك دخل الجنة.
ولكن بعد ذلك قد يأتي بسيئات راجحة ولا يقولها بالإخلاص واليقين المانع من جميع السيئات ويخشى عليه من الشرك الأكبر والأصغر، فإن سلم من الأكبر بقى معه الشرك الأصغر ويأتي بعد ذلك بسيئاتٍ تنضم إلى ذلك الشرك فترجح سيئاته فإن السيئات تضعف الإيمان واليقين فيضعف بسبب ذلك قول لا إله إلا الله فيمتنع الإخلاص في القلب فيصير المتكلم بها كالهاذي أو النائم أو من يحسن صوته بآيةٍ من القرآن يُختبر بها من غير ذوق طعم ولا حلاوة.
فهؤلاء لم يقولوها بكمال الصدق واليقين بل قد يأتون بعدها بسيئات تنقص ذلك الصدق واليقين الضعيف وقد يقولونها من غير يقين وصدق تام ويموتون على ذلك ولهم سيئات كثيرة فالذي قالها بيقين وصدق تام إما أن لا يكون مُصِرًّا على سيئة أصلًا أو يكون توحيده المتضمن لصدقه ويقينه رجح حسناته.
والذين دخلوا النار قد فات فيهم أحد الشرطين إما أنهم لم يقولوها بالصدق واليقين التام المنافي للسيئات أو لرجحانها على الحسنات أو قالوها واكتسبوا بعد ذلك سيئات رجحت على حسناتهم فضعف لذلك صدقهم ويقينهم فلم يقولوها بعد ذلك بصدق ويقين يمحو سيئاتهم أو يرجح حسناتهم.) (وإذا كثرت الذنوب؛ ثقل على اللسان قولها، وقسا القلب عن قولها، وكره العمل الصالح، وثقل عليه سماع القرآن، واستبشر بذكر غيره، واطمأن إلى الباطل، واستحلى الرفث، ومخالطة أهل الباطل، وكره مخالطة أهل الحق، فمثل هذا إذا قالها قال بلسانه ما ليس في قلبه، وبفيه ما لا يصدقه عمله.
وراجع فتح المجيد شرح كتاب التوحيد.
وكثير من الناس إذا كثرت عليه الذنوب جرته إلى النفاق والكفر (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) (والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذله)
وفي التمهيد لشرح كتاب التوحيد
ومن عرف هذا عرف معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله»، وقوله: «لا يدخل النار من قال: لا إله إلا الله». وما جاء من هذا النوع من الأحاديث التي أشكلت على كثير من الناس، حتى ظنها بعضهم منسوخة، وظنها بعضهم قبل
ورود الأوامر والنواهي، وحملها بعضهم على نار المشركين والكفار، وأول بعضهم الدخول بالخلود، ونحو ذلك.
والشارع صلوات الله وسلامه عليه لم يجعل ذلك حاصلا بمجرد قول اللسان فقط، فإن هذا من المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام، فإن المنافقين يقولونها بألسنتهم، وهم تحت الجاحدين في الدرك الأسفل من النار، فإن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب.
وتأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة، ويقابلها تسعة وتسعون سجلا، كل سجل منها مد البصر، فتثقل البطاقة، وتطيش السجلات، فلا يعذب صاحبها (1).
ومعلوم أن كل موحد له مثل هذه البطاقة، وكثير منهم يدخل النار. وتأمل ما قام بقلب قاتل المائة من حقائق الإيمان، التي لم تشغله عند السياق عن السير إلى القرية، وحملته وهو في تلك الحال أن جعل ينوء بصدره وهو يعالج سكرات الموت (2).
وتأمل ما قام بقلب البغي من الإيمان، حين نزعت موقها وسقت الكلب من الركية، فغفر لها (3).
وهكذا العقل أيضا، فإنه يقبل التفاضل، وأهله في أصله سواء، مستوون في أنهم عقلاء غير مجانين، وبعضهم أعقل من بعض.
وفي شرح الطحاوية لابن أبي العز؛
هذه: كلمات في معرفة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وقد غلط أهل زماننا فيها، وأثبتوا لفظها دون معانيها، وقد يأتون بأدلة على ذلك، تلتبس على الجاهل المسكين، ومن ليس له معرفة في الدين، وذلك يفضي إلى أعظم المهالك.
فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ” أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإذا قالوها، عصموا مني دماءهم وأموالهم ” الحديث، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن شفاعته: من أحق بها يوم القيامة؟ قال: ” من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه ” وقوله صلى الله عليه وسلم: ” من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة “، وكذلك حديث عتبان: ” فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله “.
وهذه الأحاديث الصحيحة، إذا رآها هذا الجاهل، أو بعضها، أو سمعها من غيره، طابت نفسه وقرت عينه، واستفزه المساعد على ذلك، وليس الأمر كما يظنه هذا الجاهل المشرك، فلو أنه دعا غير الله، أو ذبح له، أو حلف به، أو نذر له، لم ير ذلك شركا، ولا محرما، ولا مكروها، فإذا أنكر عليه أحد بعض ما ينافي التوحيد لله، والعمل بما أمر الله، اشمأز ونفر، وعارض بقوله: قال رسول الله، وقال رسول الله.
وهذالم يدر حقيقة الحال، فلو كان الأمر كما قال، لما قال الصديق رضي الله عنه في أهل الردة: (والله لو منعوني عناقا، أو قال عقالا، كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه)، أفيظن هذا الجاهل أنهم لم يقولوا لا إله إلا الله؟
وما يصنع هذا الجاهل، بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخوارج: ” أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم، فإنهم شر قتيل تحت أديم السماء “، أفيظن هذا الجاهل أن الخوارج الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا، أنهم لم يقولوا لا إله إلا الله؟ وقال صلى الله عليه وسلم (في هذه الأمة”) ولم يقل: منها” ” قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم)
وقال بعض أهل العلم:
وهذه طريقة أهل الزيغ الذين، يأخذون من النصوص ما يظنون أنه حجة لهم من النصوص المجملة، ويتركون ما تبينه وتوضحه النصوص المفصلة كحال الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض وقد قال الله في هذا النوع من الناس: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَاوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}
(وقد فسر أهل العلم هذه الأحاديث وما جاء في معناها: بأن من تلفظ بهاتين الشهادتين والتزم بحقهما من أداء الفرائض وترك المحرم وإخلاص العبادة لله وحده، فإن الله يدخله الجنة من أول وهلة. أما من مات على شيء من المعاصي دون الشرك ولم يتب منها فهو تحت مشيئة الله إن شاء سبحانه غفر له وأدخله الجنة على ما كان عليه من عمل، وإن شاء عذبه على قدر معصيته ثم يدخله الجنة، كما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن القرآن يفسر بعضه بعضا وهكذا السنة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (3) وهذه الآية في غير التائبين.
وأما قوله سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}، فهي في التائبين بإجماع أهل العلم، وهذا قول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن سار على نهجهم من أهل العلم والإيمان، كالأئمة الأربعة وأتباعهم.
(قال شيخ الإسلام: إنّ المبتغي لا بد أن يكمّل وسائل البغية، وإذا أكملها حرمت عليه النار تحريماً مطلقاً، وإن أتى بالحسنات على الوجه الأكمل؛ فإنّ النار تحرم عليه تحريماً مطلقاً، وإن أتى بشيء ناقص، فإن الابتغاء فيه نقص، فيكون تحريم النار عليه فيه نقص، لكن يمنعه ما معه من التوحيد من الخلود في النار، وكذا من زنى، أو شرب الخمر، أو سرق، فإذا فعل شيئاً من ذلك ثم قال حين فعله: أشهد أن لا إله إلا الله ابتغي بذلك وجه الله؛ فهو كاذب في زعمه؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن”، فضلاً عن أن يكون مبتغياً وجه الله.
وفي هذه الأحاديث يث ردٌّ على المرجئة، وهم فرق شتى.
وفيه ردٌّ على الخوارج والمعتزلة؛ لأن ظاهر الحديث أن من فعل هذه المحرمات لا يخلد في النار، لكنه مستحق للعقوبة، وهم يقولون: إن فاعل الكبيرة مخلد في النار.)