1365 تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ (من المجلد الثاني)
بإشراف ومراجعة سيف بن دورة الكعبي
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3 والمدارسة، والاستفادة، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
مشاركة مجموعة عبدالحميد البلوشي
———
1365 – قال الإمام أبو داود رحمه الله (ج10 ص91): حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا علي بن مسهر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هـريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” حدثوا عن بني إسرائيل و? حرج ”
هذا حديث حسن.
————————-?
وأخرجه البخاري (3461) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ” بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل و? حرج، ومن كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار ”
قال المناوي في ” فيض القدير ” (3/ 206):
(بلغوا عني) أي انقلوا عني ما أمكنكم ليتصل با?مة نقل ما جئت به … والتبليغ أشد إذ ? مندوحة عن تواتر ألفاظه باتصال السند بنقل عدل ثقة عن مثله إلى منتهاه؛ ?ن التبليغ من البلوغ وهـو انتهاء الشيء إلى غايته، وأن يراد أداء اللفظ كما سمعه من غيره، قال: والمطلوب بالحديث ك? الوجهين لوقوع قوله (بلغوا عني) مقاب? لقوله ا?ن حدثوا عن بني إسرائيل و? حرج إذ ليس في التحديث ما في التبليغ من الحرج والضيق ويعضد هـذا التأويل آية {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}
أي وإن لم تبلغ لما هـو حقه فما بلغت ما أمرت به وحديث (نضر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها) الحديث وقوله (ولو آية) أي ع?مة تتميم ومبالغة أي ولو كان المبلغ فع? أو إشارة بنحو يد أو أصبع فإنه يجب تبليغه حفظا للشريعة …
وفي الجليس للمعافى النهرواني: ا?ية لغة تطلق على الع?مة الفاصلة وا?عجوبة الحاصلة والبلية النازلة؛ فمن ا?ول قوله تعالى {أن ? تكلم الناس}
ومن الثاني {إن في ذلك ?ية}
ومن الثالث جعل ا?مير ف?نا اليوم آية.
ويجمع بين هـذه المعاني أنه قيل لها آية: لد?لتها وفضلها وإبانتها وقال: ولو آية أي واحدة ليسارع كل سامع إلى تبليغ ما عنده من ا?ي ولو قل ليتصل بذلك نقل جميع ما جاء به الشارع اه.
قلت سيف: وبدا لي لو حملنا معنا الآية على القرآن، لأنه اسهل في الحفظ من السنة، فيصير المعنى بلغوا عني ما يمكن أن تقوموا بتبليغه، كل بحسب ما يحفظ، فأسهله عليكم آية من كتاب الله، ومن حفظ السنة فليبلغها.
(وحدثوا عن بني إسرائيل و? حرج) ? ضيق عليكم في التحديث به إ? أن يعلم أنه كذب أو ? حرج أن ? تحدثوا وعليه فزاده دفعا لتوهـم وجوب التحديث من صورة صدور ا?مر به.
قال الطيبي: و? منافاة بين إذنه هـنا ونهيه في خبر آخر عن التحديث وفي آخر عن النظر في كتبهم؛ ?نه أراد هـنا التحديث بقصصهم نحو قتل أنفسهم لتوبتهم وبالنهي العمل با?حكام لنسخها بشرعه أو النهي في صدر ا?س?م قبل استقرار ا?حكام الدينية والقواعد ا?س?مية فلما استقرت أذن ?من المحذور (ومن كذب علي متعمدا) يعني ومن لم يبلغ حق التبليغ ولم يحفظ في ا?داء ولم يراع صحة ا?سناد (فليتبوأ) بسكون ال?م فليتخذ (مقعده من النار) أي فليدخل في زمرة الكاذبين نار جهنم وا?مر بالتبوئ تهكم كما مرَّ. وقد استفدنا وجوب تبليغ العلم على حامليه وهـو الميثاق الذي أخذه الله على العلماء قال البغوي: ولهذا الحديث كره قوم من الصحب والتابعين إكثار الحديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم خوفا من الزيادة والنقصان والغلط حتى أن من التابعين من كان يهاب رفع المرفوع فيقفه على الصحابي.
?قال أحد الباحثين:
حدثوا عن بين إسرائيل ولا حرج:
من التوراة وشروحها، والأسفار وما اشتملت عليه، والتلمود وشروحه، والأساطير والخرافات، والأباطيل التي افتروها
أو تناقلوها عن غيرهم: كانت معارف اليهود وثقافتهم، وقيل يدخل ما كان من معارف النصارى التي تدور.
حول الأناجيل وشروحها، والرسل وسيرهم ونحو ذلك؛ وإنما سميت إسرائيليات؛ لأن الغالب والكثير منها إنما هو من ثقافة
بني إسرائيل، أو من كتبهم ومعارفهم، أو من أساطيرهم وأباطيلهم.
? وقال أحد الباحثين:
دخل الكثير من الإسرائيليات إلى كتب التفسير الإسلامية عن طريق اليهود الذين اعتنقوا الإسلام في مرحلة مبكرة مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه , ولكن بعد فترة لم يَعُد اليهود الذين أسلموا وحدهم مصدر الإسرائيليات فكثير من المفسرين المسلمين كانوا يعودون بأنفسهم إلى الكتب الدينية اليهودية لتفسير القصص.
ولقد اختلفت موقف العلماء ولا سيما المفسرون من هذه الإسرائيليات على ثلاثة أنحاء:
أ- فمنهم من أكثر منها مقرونة بأسانيدها، ورأي أنه بذكر أسانيدها خرج من عهدتها، مثل ابن جرير الطبري.
ب- ومنهم من أكثر منها، وجردها من الأسانيد غالبا، مثل البغوي الذي
قال شيخ الإسلام ابن تيميه عن تفسيره: إنه مختصر من الثعلبي، لكنه صانه عن الأحاديث الموضوعة والآراء المبتدعة، وقال عن الثعلبي: إنه حاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع.
ج- ومنهم من ذكر شيئاً منها، وتعقب البعض مما ذكره بالتضعيف أو الإنكار مثل ابن كثير.
د- ومنهم من بالغ في ردها ولم يذكر منها شيئا يجعله تفسيرا للقرآن، ومنهم الشوكاني وهو من المفسرين المعاصرين يمتاز تفسيره عن غيره بقلة الإسرائيليات بل لا تكاد توجد فيه إلا للرد عليها, بل كان – رحمه الله – من أشد المفسرين انتقاداً للإسرائيليات فهو لم يدع فرصة تمر دون أن يوجه نقده اللاذع إليها.
والإمام الألوسي رحمه الله (ت: 1270 هـ) يمحص في تفسيره ” روح المعاني ”
الروايات ويدقق فيه الأخبار، فيرفض الإسرائيليات رفضاً باتاً.
وكذلك الشيخ السعدي في تفسيره وقد وضع قواعد في تفسيره يسير عليها.
وقد كان لهذه الإسرائيليات أثر سيء في التفسير، إذ أدخلت فيه كثيرا من القصص الخيالي المخترع، والأخبار المكذوبة، وهذا ما دفع العلماء لمقاومتها، وإخضاعها لمعابير نقد الرواية، وموازين الشريعة لتمييز المقبول من المردود.
ولذا فقد قسم العلماء حكم رواية الإسرائيليات إلى ثلاثة أقسام:
الأول: مقبول: وهو ما علم صحته بالنقل الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك كاسم الخضر عليه السلام، إذ ورد فيه حديث صحيح عند البخاري في صحيحه، في كتاب التفسير، أخرجه “البُخَارِي” (122) و”مسلم” (6239).
أو ما كان له شاهد من الشرع يؤيده , وله أمثلة كثيرة في القصص النبوي كقصة الكفل وغيرها , عَنْ سَعْدٍ مَوْلَى طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلاَّ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَلَكِنِّى سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: كَانَ الْكِفْلُ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ لاَ يَتَوَرَّعُ مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ أُرْعِدَتْ وَبَكَتْ فَقَالَ مَا يُبْكِيكِ أَأَكْرَهْتُكِ قَالَتْ لاَ وَلَكِنَّهُ عَمَلٌ مَا عَمِلْتُهُ قَطُّ وَمَا حَمَلَنِى عَلَيْهِ إِلاَّ الْحَاجَةُ فَقَالَ تَفْعَلِينَ أَنْتِ هَذَا وَمَا فَعَلْتِهِ اذْهَبِى فَهِىَ لَكِ. وَقَالَ لاَ وَاللَّهِ لاَ أَعْصِى اللَّهَ بَعْدَهَا أَبَدًا. فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِلْكِفْلِ. أَخْرَجَهُ أحمد
(4747). والترمذي (2496).
قلت سيف: قصة الكفل ضعيفه فيها سعد مولى طلحة مجهول، فال أبوحاتم: هذا الرجل لا يعرف إلا بحديث واحد (محققو المسند 8/ 369) والضعيفة 40 83
وقصة بغي بني إسرائيل التي سقت كلباً فغفر الله لها وأدخلها الجنة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ، قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنَ الْعَطَشِ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا، فَغُفِرَ لَهَا. أخرجه أحمد (10591) و”البُخاري” (3467) و”مسلم” (5922).
وقصة الثلاثة من بني إسرائيل: أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى َأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ.
أخرجه البخاري (3464).
وقصة المتسلف الأمين , والمتألي على الله , وغيرها.
والثاني: مسكوت عنه: وهو ما لم يعلم صحته ولا كذبه، وهذا القسم تجوز حكايته للعظة والعبرة، ولا نؤمن بصدقه ولا كذبه امتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: (آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) الآيَةَ. أخرجه البخاري (4485 و7362 و7582).
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ , عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ تَكْتُبُوا عَنِّى شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ فَمَنْ كَتَبَ عَنِّى شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ. وَقَالَ: حَدِّثُوا عَنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ , حَدِّثُوا عَنِّى وَلاَ تَكْذِبُوا عَلَىَّ , قَالَ: وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ (قَالَ هَمَّامٌ: أَحْسَبُهُ قَالَ مُتَعَمِّدًا) فَلْيَتَبَوَّا مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. رواه مسلم (7620).
قال الإمام مالك – رحمه الله تعالى -: المراد جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن، أما ما علم كذبه فلا. فتح الباري شرح صحيح البخاري (6/ 575).
والثالث: مرفوض: وهو ما علم كذبه لتناقضه مع شريعتنا أو مخالفته للعقل، ولا يصح تصديقه ولا قبوله ولا روايته، وإذا رواه المفسر في تفسيره وجب عليه بيانه. قال ابن كثير في مقدمة تفسيره -بعد أن ذَكر حديثَ “بلّغُوا عنِّي ولو آيةً، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حَرَجَ، ومن كذب عليّ متعمدًا فليتبوا مقعده من النار”-: “ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تُذكر للاستشهاد، لا للاعتضاد.
فإنها على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علمنا صحتَه مما بأيدينا مما نشهدُ له بالصدق، فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبَه بما عندنا مما يخالفه. والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمِنُ به ولا نكذّبه، وتجوزُ حكايتُه لما تقدّم. وغالبُ ذلك مما لا فائدة فيه تعودُ إلى أمرٍ دينيّ. ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرًا، ويأتي عن المفسرين خلافٌ بسبب ذلك. كما يَذكرون في مثل أسماء أصحاب الكهف ولون كلبهم وعِدّتهم، وعصا موسى من أيِّ شجر كانت؟ وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضُرِبَ به القتيلُ من البقرة، ونوع الشجرة التي كلَّم الله منها موسى إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم. ولكن نقلُ الخلاف عنهم في ذلك جائز. كما قال تعالى: ” سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُم “ْ. إلى آخر الآية [الكهف: 22].تفسير ابن كثير: 1/ 31.
فلا بد من أن نستوعب الأقوال في ذلك المقام , وأن ينبه على الصحيح منها ويبطل الباطل وفي الصحيح مندوحة عن الضعيف والموضوع.
? قال ابن كثير رحمه الله:
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّا مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»؛ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا عِنْدَنَا، فَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا يُصَدِّقُهَا وَلَا مَا يُكَذِّبُهَا؛ فَيَجُوزُ رِوَايَتُهَا لِلِاعْتِبَارِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَسْتَعْمِلُهُ فِي كِتَابِنَا هَذَا؛ فَأَمَّا مَا شَهِدَ لَهُ شَرْعُنَا بِالصِّدْقِ فَلَا حَاجَةَ بِنَا إِلَيْهِ اسْتِغْنَاءً بِمَا عِنْدَنَا، وَمَا شَهِدَ لَهُ شَرْعُنَا مِنْهَا بِالْبُطْلَانِ فَذَاكَ مَرْدُودٌ لَا يَجُوزُ حِكَايَتُهُ؛ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ وَالْإِبْطَالِ.
((البداية والنهاية)) (1/ 8).
? قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
قوله وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهم لأنه كان تقدم منه صلى الله عليه و سلم الزجر عن الأخذ عنهم والنظر في كتبهم ثم حصل التوسع في ذلك وكأن النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية والقواعد الدينية خشية الفتنة ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار وقيل معنى قوله لا حرج لا تضيق صدوركم بما تسمعونه عنهم من الأعاجيب فإن ذلك وقع لهم كثيرا …. ؟
” فتح الباري ” لابن حجر
? قال أحد الباحثين:
الأصل في الكتب السماوية الصدق، والتحريف عارض على الأصل، فالحكم على تحريق التوراة مختلف فيه بين المسلمين إلى ثلاثة أقوال:
قال قوم: إنها كلها أو أكثرها مبدلة مغيرة، وليست هي التوراة التي أنزلها الله على موسى – عليه السلام -.
وذهبت طائفة أخرى من أئمة الحديث والفقه والكلام إلى أن التبديل وقع في التأويل لا في التنزيل وهذا مذهب البخاري.
وذهبت طائفة ثالثة إلى أنه قد زيد فيها، وغيِّر ألفاظ يسيرة، ولكن أكثرها باق على ما أنزل عليه، والتبديل في يسير منها جداً. وممن أختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في كتابه: “الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح” ومثل لذلك بما جاء فيها: أن الله سبحانه وتعالى قال لإبراهيم – عليه السلام -: “اذبح ولدك بكرك – أو واحدك – إسحاق” فإسحاق زيادة منهم في لفظ التوراة”.
قال الحافظ ابن القيم: “وقد اختلفت أقوال الناس في التوراة – التي بأيديهم – هل هي مبدلة؟ أم التبديل والتحريف وقع في التأويل دون التنزيل؟ على ثلاثة أقوال طرفين ووسط. فأفرطت طائفة وزعمت أنها كلها أو أكثرها مبدلة مغيرة. ليست التوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى – عليه السلام -، وتعرض هؤلاء لتناقضها وتكذيب بعضها لبعض، وغلا بعضهم، فجوز الاستجمار بها من البول. وقابلهم طائفة أخرى من أئمة الحديث والفقه والكلام، فقالوا: بل التبديل وقع في التأويل، لا في التنزيل. وهذا مذهب أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري”.
انظر: إغاثة اللهفان، 2/ 351 – 352.
وبما أن ما عند بني إسرائيل أصابه من التحريف، لذلك نعرض ما عندهم على ما صح عندنا، ليس شكاً في السنّة النبوية الصحيحة، بل شكاً في كتبهم. فلا نحدث ما عندهم إلا ما وافق الصحيح عندنا قطعاً، حتى نتجنب الشرك والكفر والبدع.
فيجب علينا تصديق ما عند أهل الكتاب من حق، وتكذيب ما عندهم من باطل، والوقوف في حكم على ما عندهم إذ لم يكن لدينا ما يصدقه أو يكذبه، لذلك قال رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حين أتاه بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي: “أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان فيكم حياً ما وسعه إلا أن تبعني”. قال الهيثمي في مجمع الزوائد، (ص421 – 422): “رواه أحمد وأبو يعلى والبزار وفيه مجالد بن سعيد ضعفه أحمد ويحيى بن سعيد وغيرهما”، غير إن من العلماء من حسن الحديث كالألباني، إذ قال في تخريجه لكتاب السنة لابن أبي عاصم (ص44): “حديث حسن، إسناده ثقات غير مجالد وهو ابن سعيد فإنه ضعيف، ولكن الحديث حسن له طريق أشرت إليها في المشكاة (177)، ثم خرجت بعضها في الإرواء (1589) “.
والشاهد من هذا الحديث بأن الكتاب الذي كان عند عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فيه من الأمور التي يجب الوقوف في حكمها لقول رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: ” … لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به … ” فإن تصديق الباطل عندهم حرام، كذلك تكذيب الحق عندهم.
قلت سيف: حديث إحضار عمر بن الخطاب بصحيفة انتسخها من اليهود، ذكره العقيلي في ترجمة خليفة بن قيس فيما أنكر عليه: وفي هذا رواية أخرى من غير هذا المعنى بإسناد فيه أيضاً لين
ومن الأمور التي يجب تصديقها في التوراة، التوحيد الذي في سفر التثنية (7: 9)، إذ جاء فيها: “فاعلم إن الرب إلهك هو الله”.
ولعل في هذا الكلام رداً على شبهة المبتدعة الواهية في قبول أهل السنّة والجماعة ما في التوراة، فإننا لا نقبل ما في التوراة إلا ما تواطأ مع ما صح عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “فلو كان ما في التوراة من الصفات التي تقول النفاة إنها تشبيه وتجسيم فإن فيها من ذلك ما تنكره النفاة وتسميه تشبيهاً وتجسيماً بل فيها إثبات الجهة، وتكلم الله بالصوت، وخلق آدم على صورته وأمثال هذه الأمور، فإن كان هذا مما كذبته اليهود وبدلته، كان إنكار النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لذلك، وبيان ذلك أولى من ذكر ما هو دون ذلك، فكيف والمنصوص عنه موافقٌ للمنصوص في التوراة فإنك تجد عامة ماجاء به الكتاب والأحاديث في الصفات موافقاً مطابقاً لما ذكر في التوراة وقد قلنا قبل ذلك إن هذا كله مما يمتنع في العادة توافق المخبرين به من غير مواطأة وموسى لم يواطئ محمداً، ومحمد لم يتعلم من أهل الكتاب، فدل ذلك على صدق الرسولين العظيمين وصدق الكتابين الكريمين”.
انظر: العقل في فهم القرآن، ص88.
تنبيه: سأل بعض مشايخ الإمارات عما نقل عن ابن تيميه رحمه الله أن التغيير في التوراة يسير، فقال: لعل هذا في زمنه.
قلت سيف: وليست المسألة عندي كثيرة النفع لنتوسع في بحثها، فقد اغنانا الله بالانشغال ببحوث في القرآن والسنة وتمييز صحيحها من ضعيفها.