1566 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان رحمه الله ووالديهم )
——-‘——-‘——-‘
الصحيح المسند :
1566- قال الإمام أبو داود رحمه الله : حدثنا محمد بن سليمان المصيصي لوين حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة وهشام عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرا في المسجد فيقوم عليه يهجو من قال في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن روح القدس مع حسان ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا حديث حسن .
………………………
قال المباركفوري في تحفة الاحوذي :
قوله (يضع لحسان منبرا في المسجد) أي يأمر بوضعه وحسان هو بن ثابت أنصاري خزرجي شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من فحول الشعراء أجمعت العرب على أن أشعر أهل المدر حسان بن ثابت (يقوم عليه قائما) أي قياما (ينافح) بنون ثم فاء فحاء مهملة أي يدافع عنه صلى الله عليه وسلم ويخاصم المشركين ويهجوهم مجازاة لهم (يؤيد حسان بروح القدس) بضم الدال ويسكن أي بجبريل سمي به لأنه كان يأتي الأنبياء بما فيه حياة القلوب فهو كالمبدأ لحياة القلب كما أن الروح مبدأ حياة الجسد
والقدس صفة للروح وإنما أضيف إليه لأنه مجبول على الطهارة والنزاهة عن العيوب وقيل القدس بمعنى المقدس وهو الله فإضافة الروح إليه للتشريف ثم تأييده إمداده له بالجواب وإلهامه لما هو الحق والصواب (ما يفاخر أو ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ما دام مشتغلا بتأييد دين الله وتقوية رسول الله صلى الله عليه وسلم . اهـ
قال ابن رجب في الفتح (2/509) : وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم جبريل وهو روح القدس بنصرة من نصره ونافح عنه ؛ لان جبريل صاحب وحي الله إلى رسله ، وَهُوَ يتولى نصر رسله وإهلاك أعدائهم المكذبين لهم ، كما تولى إهلاك قوم لوط وفرعون في البحر .
فمن نصر رسول الله وذب عنه أعداءه ونافح عنه كان جبريل معه ومؤيدا له كما قال لنبيه (فإن الله هو مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) [ التحريم : 4 ] .اهـ
وفي الحديث جواز إنشاد الشعر في المسجد إذا كان مباحا واستحبابه إذا كان في ممادح الاسلام وأهله . قاله النووي
قال الشيخ الاثيوبي في شرح سنن النسائي (9/31) : في هذا الحديث – عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ تَنَاشُدِ الأَشْعَارِ فِي الْمَسْجِدِ – النهي عن تناشد الأشعار في المسجد، وهو محمول على الأشعار المشتملة على الهجاء والسباب ومدح الظلمة ونحو ذلك، وأما الأشعار التي تشتمل على الخير كمدح الله تعالى ومدح النبي -صلى الله عليه وسلم- والقرآن والإِسلام ونحو ذلك، فيجوز إنشادها في المسجد، لحديث حسان رضي الله عنه الآتي في الباب التالي، كما بينه المصنف رحمه الله تعالى بالترجمة التالية.
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى: وأما إنشاد الأشعار في المسجد، فحديث الباب، وما في معناه يدل على عدم جوازه، ويعارضه ما سيأتي من قصة عمر وحسان رضي الله عنهما، وتصريح حسان بأنه كان ينشد الشعر بالمسجد، وفيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني فلم ينكر عليه .
وكذلك حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه، قال: “شهدت النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مائة مرة في المسجد، وأصحابه يتذاكرون الشعر وأشياء من أمر الجاهلية، فربما تبسم معهم”. رواه أحمد وأخرجه الترمذي، ولفظه: “جالست النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مائة مرة، فكان أصحابه يتناشدون الشعر، ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية، وهو ساكت، فربما تبسم معهم”، وقال: هذا حديث صحيح.
وقد جُمِعَ بين الأحاديث بوجهين:
الأول: حمل النهي على التنزيه، والرخصة على بيان الجواز.
الثاني: حمل أحاديث الرخصة على الشعر الحسن المأذون فيه، كهجاء حسان للمشركين، ومدحه -صلى الله عليه وسلم-، وغير ذلك، ويحمل النهي على التفاخر، والهجاء، ونحو ذلك.
ذكر هذين الوجهين العراقي في شرح الترمذي.
قال ( الاثيوبي ) : والمسلك الثاني هو الأولى في الجمع، وهو الذي سلكه المصنف – الامام النسائي – ، حيث قال في الترجمة التالية: “الرخصة في إنشاد الشعر الحسن في المسجد”.
وقال الشافعي رحمه الله: الشعر كلام، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح. وقد ورد هذا مرفوعًا في غير حديث، فأخرج أبو يعلى عن عائشة رضي الله عنها قالت: “سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الشعر، فقال: “هو كلام, فحسنه حسن وقبيحه قبيح”. قال العراقي: وإسناده حسن، رواه أيضًا البيهقي في سننه من طريق أبي يعلى، ثم قال: وصله جماعة، والصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسل.
وروى الطبراني في الأوسط من رواية إسماعيل بن عياش، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عبد الرحمن بن رافع، وحبان بن أبي جبلة، وبكر بن سوادة، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “الشعر بمنزلة الكلام، فحسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام”. قال الطبراني: لا يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبد الرحمن.
وقال الهيثمي في “المجمع” جـ 6 ص 209 – 210: وإسناده حسن. اهـ. وليس كما قال، بل إسناده ضعيف, لضعف عبد الرحمن بن زياد، لكن الحديث له شواهد، فهو حسن، وقال الشيخ الألباني: صحيح لغيره. انظر “صحيح الأدب المفرد” رقم 664.
وقد جمع الحافظ رحمه الله بين الأحاديث يحمل النهي على تناشد أشعار الجاهلية، والمبطلين، وحمل المأذون فيه على ما سلم من ذلك، ولكن حديث جابر بن سمرة الماضي فيه التصريح بأنهم كانوا يتذاكرون الشعر، وأشياء من أمر الجاهلية.
قال الجامع ( الاثيوبي ) : هذا لا ينافي النهي المذكور؛ لأن المراد بالمنهي عنه هو ما كان على صفة أهل الجاهلية من التفاخر، والسباب، والطعون، وأما ما ذكر من تذاكر الصحابة الشعر الجاهلي، فالمراد به أنهم يتذاكرونه تحدثًا بنعمة الله عليهم حيث هداهم الله إلى الإِسلام عما كانوا عليه من أمور الجاهلية، وعوضهم من أشعارهم المشتملة على الخنا والفجور بالقرآن العظيم، لا أنهم يريدون إحياء ما كانوا عليه، وتجديد ما تابوا منه، فإن هذا لا يُظَنُّ بهم، ولا يقرهم النبي -صلى الله عليه وسلم-. والله أعلم.
وقيل: المنهي عنه ما إذا كان التناشد غالبًا على المسجد حتى يتشاغل به من فيه، وأبعد أبو عبد الله البوني، فأعمل أحاديث النهي، وادعى النسخ في حديث الإذن، ولم يُوافَقْ على ذلك. حكاه ابن التين عنه. انتهى.
قال الشوكاني رحمه الله: وقد تقرر أن الجمع بين الأحاديث ما أمكن هو الجواب، وقد أمكن بلا تعسف كما عرفت.
قال ابن العربي رحمه الله: لا بأس بإنشاد الشعر في المسجد إذا كان في مدح الدين، وإقامة الشرع، وإن كان فيه الخمر ممدوحة بصفاتها الخبيثة من طيب رائحة، وحسن لون إلى غير ذلك مما يذكره من يعرفها. وقد مدح فيه كعب بن زهير رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال (من البسيط):
بَانتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ … .. .. .. .. .. ..
إلى قوله في صفة ريقها:
……………. … كَأَنَّهُ مَنْهَلٌ بِالرَّاحِ مَعْلُولُ
قال العراقي: وهذه القصيدة قد رويناها من طرق لا يصح منها شيء، وذكرها ابن إسحاق بسند منقطع، وعلى تقدير ثبوت هذه القصيدة عن كعب، وإنشادها بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، أو غيره، فليس فيها مدح خمر، وإنما فيها مدح ريقها، وتشبيهه بالراح، قال: ولا بأس بإنشاد الشعر في المسجد إذا لم يرفع به صوته بحيث يشوش بذلك على مصل، أو قارىء، أو منتظر للصلاة، فإن أدى إلى ذلك كره، ولو قيل بتحريمه لم يكن بعيداً. اهـ. “نيل” جـ 2 ص 272 – 273. والله أعلم. اهــــــ