1567 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي
وهشام السوري وعبدالله المشجري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان رحمه الله ووالديهم )
——–‘——–‘———
الصحيح المسند :
1567- قال الإمام أحمد رحمه الله : ثنا يحيى عن إسماعيل ثنا قيس قال: لما أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلا نبحت الكلاب قالت أي ماء هذا قالوا ماء الحوأب قالت ما أظنني إلا أني راجعة فقال بعض من كان معها بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله عز و جل ذات بينهم قالت إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لها ذات يوم (( كيف بأحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب )) .
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله : هذا حديث صحيح .
————————-
*أولاً : ما يتعلق بسند الحديث :*
* قال الشيخ الألباني في الصحيحة 474 : و إسناده صحيح جدا ، رجاله ثقات أثبات من رجال الستة : الشيخين و الأربعة رواه السبعة من الثقات عن إسماعيل بن أبي خالد و هو ثقة ثبت كما في” التقريب ” . و قيس بن أبي حازم مثله ، إلا أنه قد ذكر بعضهم فيه كلاما يفيد ظاهره أنه مجروح ، فقال الذهبي في ” الميزان ” :
” ثقة حجة كاد أن يكون صحابيا ، وثقه ابن معين و الناس .
و قال علي ابن عبد الله عن يحيى بن سعيد منكر الحديث ، ثم سمى له أحاديث
استنكرها ، فلم يصنع شيئا ، بل هي ثابتة ، لا ينكر له التفرد في سعة ما روى ،
من ذلك حديث كلاب الحوأب …
إلى أن قال : و على
هذا فالحديث من أصح الأحاديث ، و لذلك تتابع الأئمة على تصحيحه قديما و حديثا .
الأول : ابن حبان فقد أخرجه في صحيحه كما سبق .
الثاني : الحاكم بإخراجه إياه في ” المستدرك ” كما تقدم و لم يقع في المطبوع
منه التصريح بالتصحيح منه ، و لا من الذهبي ، فالظاهر أنه سقط من الطابع
أو الناسخ ، فقد نقل الحافظ في ” الفتح ” ( 13 / 45 ) عن الحاكم أنه صححه ،
و هو اللائق به لوضوح صحته .
الثالث : الذهبي فقد قال في ترجمة السيدة عائشة من كتابه العظيم ” سير النبلاء
” ( ص 60 بتعليق الأستاذ الأفغاني ) :
” هذا حديث صحيح الإسناد ، و لم يخرجوه ” .
الرابع : الحافظ ابن كثير ، فقال في ” البداية ” بعد أن عزاه كالذهبي لأحمد في
” المسند ” : ” و هذا إسناد على شرط الشيخين ، و لم يخرجوه ” .
الخامس : الحافظ ابن حجر فقد قال في ” الفتح ” بعد أن عزاه لأحمد و أبي يعلى
و البزار : ” و صححه ابن حبان و الحاكم ، و سنده على شرط الصحيح ” .
فهؤلاء خمسة من كبار أئمة الحديث صرحوا بصحة هذا الحديث …
* ضعف الحديث صاحب كتاب الدراية بما زيد من أحاديث معلة الرواية برقم 176 فقال : هذا الحديث إذا نظرت إليه وجدت رجاله ثقات وقد صححه ابن حبان (6732) والحاكم (3/ 120) وشيخنا رحمه الله في “الصحيح المسند” (2/ 489) (1567) ولكن قال ابن المديني: قال لي يحيى بن سعيد قيس بن أبي حازم: منكر الحديث ثم ذكر لي يحيى أحاديث مناكير منها حديث كلاب الحوأب. كما في “التهذيب”
* قال محققو المسند (40/299) : إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين.
* قال ابن الجوزي في العلل المتناهية (3/848) : 1420 حديث اخر ان عائشة مرت بماء يقال له الحوأب فسمعت نباح الكلاب فقالت ردوني فاني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول كيف بإحداكن اذا نبحت عليها كلاب الحوأب
قال المصنف يرويه عبد الرحمن بن صالح الازدي الكوفي قال موسى بن هارون يروي احاديث سوء في مثالب الصحابة وقال ابن عدي احترق بالتشيع .
* قال الهيثمي في المجمع (7/ 234): “رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح”.
*ثانياً : ما يتعلق بمتن الحديث وفقهه :*
* قال السندي: قوله: لما أقبلت، أي: إلى البصرة.
الحوأب: بفتح مهملة، وسكون واو، فهمزة مفتوحة، فموحدة: هو ماء من البصرة على طريق مكة.
* الحوأب، قال ابن الأنباري: وتخفف الهمزة فيقال: حَوْب. وهو مشتق من قولهم: دار حوأب: أي: واسعة، وهو ماء قريب من البصرة على طريق مكة إليها. وسمي هذا الموضع بالحوأب قلت كلب بن وبرة. وقال الجعدي:
وَدَسْكَرَةٍ صَوْتُ أَبْوَابِهَا … كَصَوْتِ الْمَواتِحِ بِالْحَوْأَبِ
سَبَقْت صِيَاحَ فَرَارِيجهَا … وَصَوْتَ نَوَاقِيسَ لَمْ تُضْرَب
وانظر “معجم ما استعجم” للبكري 1/ 472، ومعجم البلدان 2/ 314.
* وردت رواية : ” فجاؤا إلى ماء الحوأب ، و نبحت كلابه ، فسألت عائشة ؟ فقيل لها : هذا ماء الحوأب ، فردت خطامها عنه ، و ذلك لما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
” أيتكن صاحبة الجمل الأدبب التي تنبحها كلاب الحوأب ، فشهد طلحة و الزبير أنه
ليس هذا ماء الحوأب ، و خمسون رجلا إليهم ، و كانت أول شهادة زور دارت في
الإسلام ” .
قال ابن العربي في العواصم من القواصم ص 161 : ” و أما الذي ذكرتم من الشهادة على ماء الحوأب ، فقد بؤتم في ذكرها بأعظم حرب ، ما كان شيء مما ذكرتم ، و لا قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحديث ، و لا جرى ذلك الكلام ، و لا شهد أحد بشهادتهم ، و قد كتبت شهادتهم بهذا الباطل ، و سوف تسألون ” .
قال الألباني في الصحيحة 474 :
قلت : و نحن و إن كنا نوافقه على إنكار ثبوت تلك الشهادة ، فإنها مما صان الله
تبارك و تعالى أصحابه صلى الله عليه وسلم منها ، لاسيما من كان منهم من العشرة المبشرين بالجنة كطلحة و الزبير ، فإننا ننكر عليه قوله ” و لا قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحديث ” ! كيف و هو قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم بالسند الصحيح في عدة مصادر من كتب السنة المعروفة عند أهل العلم ؟ !
و لعل عذره في ذلك أنه حين قال ذلك لم يكن مستحضرا للحديث أنه وارد في شيء من
المصادر ، بل لعله لم يكن قد اطلع عليها أصلا ، فقد ثبت عن غير واحد من العلماء المغاربة أنه لم يكن عندهم علم ببعض الأصول الهامة من تأليف المشارقة ، فهذا ابن حزم مثلا لا يعرف الترمذي و ابن ماجه و لا كتابيهما ! و قد تبين لي أن الحافظ عبد الحق الإشبيلي مثله في ذلك ، فإنه لا علم عنده أيضا بسنن ابن ماجه ، و لا بمسند الإمام أحمد ، فقد رأيته يكثر العزو لأبي يعلى و البزار ، و لا يعزو لأحمد و ابن ماجه إطلاقا . و ذلك في كتابه ” الأحكام الكبرى ” الذي أنا في صدد تحقيقه بإذن الله تعالى .
فليس من البعيد أن أبا بكر بن العربي مثلهما في ذلك ، و إن كان رحل إلى الشرق ، و الله أعلم .
—–
*بوب البخاري رحمه الله في صحيحه تحت كتاب الفتن، باب الفتنة التي تموج كموج البحر*
*قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح:*
قوله لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة ذكر عمر بن شبة بسند جيد أنهم توجهوا من مكة بعد أن أهلت السنة وذكر بسند له آخر أن الوقعة بينهم كانت في النصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين
وأخرج الطبري من طريق عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه قال رأيت في زمن عثمان أن رجلا أميرا مرض وعند رأسه امرأة والناس يريدونه فلو نهتهم المرأة لانتهوا ولكنها لم تفعل فقتلوه ثم غزوت تلك السنة فبلغنا قتل عثمان فلما رجعنا من غزاتنا وانتهينا إلى البصرة قيل لنا هذا طلحة والزبير وعائشة فتعجب الناس وسألوهم عن سبب مسيرهم فذكروا أنهم خرجوا غضبا لعثمان وتوبة مما صنعوا من خذلانه .
وقالت عائشة غضبنا لكم على عثمان في ثلاث إمارة الفتى وضرب السوط والعصا فما أنصفناه إن لم نغضب له في ثلاث حرمة الدم والشهر والبلد قال فسرت أنا ورجلان من قومي إلى علي وسلمنا عليه وسألناه فقال عدا الناس على هذا الرجل فقتلوه وأنا معتزل عنهم ثم ولوني ولولا الخشية على الدين لم أجبهم ثم استأذنني الزبير وطلحة في العمرة فأخذت عليهما العهود وأذنت لهما فعرضا أم المؤمنين لما لا يصلح لها فبلغني أمرهم فخشيت أن ينفتق في الإسلام فتق فأتبعتهم فقال أصحابه والله ما نريد قتالهم إلا أن يقاتلوا وما خرجنا إلا للإصلاح فذكر القصة
وفيها أن أول ما وقعت الحرب أن صبيان العسكرين تسابوا ثم تراموا ثم تبعهم العبيد ثم السفهاء فنشبت الحرب وكانوا خندقوا على البصرة فقتل قوم وجرح آخرون وغلب أصحاب علي ونادى مناديه لا تتبعوا مدبرا ولا تجهزوا جريحا ولا تدخلوا دار أحد ثم جمع الناس وبايعهم واستعمل بن عباس على البصرة ورجع إلى الكوفة
وأخرج أيضا بسند صحيح عن زيد بن وهب قال فكف علي يده حتى بدءوه بالقتال فقاتلهم بعد الظهر فما غربت الشمس وحول الجمل أحد فقال علي لا تتمموا جريحا ولا تقتلوا مدبرا ومن أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن وأخرج الشافعي من رواية علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال دخلت على مروان بن الحكم فقال ما رأيت أحدا أكرم غلبة من أبيك يعني عليا ما هو إلا أن ولينا يوم الجمل فنادى مناديه لا يقتل مدبر ولا يذقف على جريح
وأخرج الطبري وابن أبي شيبة وإسحاق من طريق عمرو بن جاوان عن الأحنف قال حججت سنة قتل عثمان فدخلت المدينة فذكر كلام عثمان في تذكيرهم بمناقبه وقد تقدم في باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما ثم ذكر اعتزاله الطائفتين قال ثم التقوا فكان أول قتيل طلحة ورجع الزبير فقتل
قوله فصعد المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه وقام عمار أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه فسمعت عمارا يقول زاد الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي بكر بن عياش صعد عمار المنبر فحض الناس
وفي رواية إسحاق بن راهويه عن يحيى بن آدم بالسند المذكور فقال عمار إن أمير المؤمنين بعثنا إليكم لنستنفركم فإن أمنا قد سارت إلى البصرة وعند عمر بن شبة عن حبان بن بشر عن يحيى بن آدم في حديث الباب فكان عمار يخطب والحسن ساكت
قوله إن عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي في رواية إسحاق ليعلم أنطيعه أم إياها
وفي رواية الإسماعيلي من طريق أحمد بن يونس عن أبي بكر بن عياش بعد قوله قد سارت إلى البصرة ووالله إني لأقول لكم هذا ووالله إنها لزوجة نبيكم زاد عمر بن شبة في روايته وأن أمير المؤمنين بعثنا إليكم وهو بذي قار ووقع عند بن أبي شيبة من طريق شمر بن عطية عن عبد الله بن زياد قال قال عمار إن أمنا سارت مسيرها هذا وإنها والله زوج محمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلانا بها ليعلم إياه نطيع أو إياها ومراد عمار بذلك أن الصواب في تلك القصة كان مع علي وأن عائشة مع ذلك لم تخرج بذلك عن الإسلام ولا أن تكون زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة فكان ذلك يعد من إنصاف عمار وشدة ورعه وتحريه قول الحق
وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن أبي يزيد المديني قال قال عمار بن ياسر لعائشة لما فرغوا من الجمل ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليكم يشير إلى قوله تعالى وقرن في بيوتكن فقالت أبو اليقظان قال نعم قالت والله إنك ما علمت لقوال بالحق قال الحمد لله الذي قضى لي على لسانك وقـوله ليعلم إياه تطيعون أم هي قال بعض الشراح الضمير في إياه لعلي والمناسب أن يقال أم إياها لا هي وأجاب الكرماني بأن الضمائر يقوم بعضها مقام بعض انتهى وهو على بعض الآراء وقد وقع في رواية إسحاق بن راهويه في مسنده عن يحيى بن آدم بسند حديث الباب ولكن الله ابتلانا بها ليعلم أنطيعه أم إياها فظهر أن ذلك من تصرف الرواة وأما قوله إن الضمير في إياه لعلي فالظاهر خلافه وأنه لله تعالى والمراد إظهار المعلوم كما في نظائره
_________
*قال الإمام ابن باز رحمه الله في كلمة له بعنوان “موقف المؤمن من الفتن “:*
وتطلق الفتنة أيضًا على الاختبار والامتحان، كما قال جل وعلا:( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ) ، يعني اختبارًا وامتحانًا، وقال جل وعلا: ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ) يعني اختبارًا وامتحانًا حتى يتبين من يستعين بالأموال والأولاد في طاعة الله، ومن يقوم بحق الله، ويتجنب محارم الله، ويقف عند حدود الله ممن ينحرف عن ذلك، ويتبع هواه.
وتقع أيضًا على المصائب والعقوبات كما قال تعالى:( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) يعني: بل تعم.
جاء عن الزبير بن العوام رضي الله عنه وجماعة من السلف في هذه الفتنة أنهم قالوا: (ما كنا نظن أنها فينا حتى وقعت) وكانت بسبب مقتل عثمان رضي الله عنه، فإن قومًا جهلة وظلمة، وفيهم من هو متأول خفي عليه الحق واشتبهت عليه الأمور، فتابعهم حتى قتلوا عثمان رضي الله عنه بالشبه الباطلة والتأويلات الفاسدة، ثم عمت هذه الفتنة وعظمت، وأصابت قومًا ليس لهم بها صلة، وليسوا في زمرة الظالمين، وجرى بسببها ما جرى بين علي رضي الله عنه ومعاوية رضي الله عنه، وما حصل يوم الجمل، ويوم صفين كلها بأسباب الفتنة التي وقعت بسبب ما فعله جماعة من الظلمة بعثمان رضي الله عنه، فقام قوم وعلى رأسهم معاوية بالمطالبة بدم القتيل عثمان رضي الله عنه، وطلبوا من علي رضي الله عنه وقد بايعه المسلمون خليفة رابعًا وخليفة راشدًا، تسليمهم القتلة،
وعلي رضي الله عنه أخبرهم أن المقام لا يتمكن معه من تسليم القتلة ووعدهم خيرًا، وأن النظر في هذا الأمر سيتم بعد ذلك، وأنه لا يتمكن من قتلهم الآن، وجرى من الفتنة والحرب يوم الجمل ويوم صفين ما هو معلوم،
حتى قال جمع من السلف رضي الله عنهم منهم الزبير رضي الله عنه: إن الآية نزلت في ذلك؛ لأنها تعم هذا المعنى،
وهذه أول فتنة دخلت في الآية في هذه الأمة ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ط، فأصابت جمًّا غفيرًا من الصحابة وغير الصحابة، وقتل فيها عمار بن ياسر وطلحة بن عبيد الله، وهو من العشرة المبشرين بالجنة، والزبير وهو من العشرة أيضًا، وقتل فيها جمع غفير من الصحابة وغيرهم في الجمل وفي صفين بأسباب هذه الفتنة……..
إلى أن قال ابن باز رحمه الله:
*أما ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن والقعود عنها فمعروف عند أهل العلم، وتفصيل ذلك فيما يلي:*
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنها ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي، من يستشرف لها تستشرفه فمن استطاع أن يعوذ بملجأ أو معاذ فليفعل
هذه الفتنة هي الفتن التي لا يظهر وجهها ولا يعلم طريق الحق فيها بل هي ملتبسة، فهذه يجتنبها المؤمن ويبتعد عنها بأي ملجأ، ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: يوشك أن يكون خير مال المرء المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن أخرجه البخاري في الصحيح،
ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل: أي الناس أفضل؟ قال: مؤمن مجاهد في سبيل الله، قيل: ثم؟ قال: مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ويدع الناس من شره ، فالمقصود أن هذا عند خفاء الأمور، وعند خوف المؤمن على نفسه يجتنبها، أما إذا ظهر له الظالم من المظلوم والمبطل من المحق فالواجب أن يكون مع المحق ومع المظلوم ضد الظالم وضد المبطل،
كما قال صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا قيل يا رسول الله كيف أنصره ظالمًا؟ قال تحجزه عن الظلم فذلك نصره أي منعه من الظلم هو النصر.
ولما وقعت الفتنة في عهد الصحابة رضي الله عنهم اشتبهت على بعض الناس، وتأخر عن المشاركة فيها بعض الصحابة، من أجل أحاديث الفتن،كسعد بن أبي وقاص ، ومحمد بن مسلمة ، وجماعة رضي الله عنهم، ولكن فقهاء الصحابة الذين كان لهم من العلم ما هو أكمل قاتلوا مع علي ؛ لأنه أولى الطائفتين بالحق، وناصروه ضد الخوارج ، وضد البغاة الذين هم من أهل الشام ؛ لما عرفوا الحق، وأن عليا مظلوم، وأن الواجب أن ينصر، وأنه هو الإمام الذي يجب أن يتبع، وأن معاوية ومن معه بغوا عليه بشبهة قتل عثمان .
والله جل وعلا يقول في كتابه العظيم: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ، ما قال فاعتزلوا قال: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، فإذا عُرف الظالم وجب أن يساعد المظلوم لقوله سبحانه: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ، والباغون في عهد الصحابة معاوية وأصحابه، والمعتدلة علي وأصحابه فبهذا نصرهم أعيان الصحابة نصروا عليًّا وصاروا معه كما هو معلوم.
وقال في هذا المعنى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في قصة الخوارج : تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق فقتلهم علي وأصحابه وهم أولى الطائفتين بالحق.وقال صلى الله عليه وسلم في حديث عمار : تقتل عمارًا الفئة الباغية فقتله معاوية وأصحابه في وقعة صفين .
فمعاوية وأصحابه بغاة لكن مجتهدون ظنوا أنهم مصيبون في المطالبة بدم عثمان ، كما ظن طلحة والزبير يوم الجمل ومعهم عائشة رضي الله عنها، لكن لم يصيبوا، فلهم أجر الاجتهاد وفاتهم أجر الصواب.
وعلي له أجر الاجتهاد وأجر الصواب جميعًا، وهذه هي القاعدة الشرعية في حق المجتهدين من أهل العلم، أن من اجتهد في طلب الحق ونظر في أدلته من قاض أو مصلح أو محارب فله أجران إن أصاب الحق، وأجر واحد إن أخطأ الحق أجر الاجتهاد، كما قال صلى الله عليه وسلم: إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد وأخطأ فله أجر متفق على صحته………
* وانظر خلاصة موقعة الجمل في التعليق على الصحيح المسند 955
عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله (إن لكل نبي حواريا، وإن حواري الزبير بن العوام)
وعن زر استأذن ابن جرموز على عليٍّ فقال: من هذا؟ فقال: ابن جرموز يستأذن. قال: ائذنوا له، ليدخل قاتل الزبير النار، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن لكل نبيٍّ حواري، وحواري الزبير)
وذكرنا أن الذي أشعل الفتنة بين الصفين هم قتلة عثمان .
وفي شرح حديث رقم 915 من الصحيح المسند :
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ وَدِدْتُ أَنَّ عِنْدِي بَعْضَ أَصْحَابِي قُلْنَا يَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا نَدْعُو لَكَ أَبَا بَكْرٍ فَسَكَتَ قُلْنَا أَلَا نَدْعُو لَكَ عُمَرَ فَسَكَتَ قُلْنَا أَلَا نَدْعُو لَكَ عُثْمَانَ قَالَ نَعَمْ فَجَاءَ فَخَلَا بِهِ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّمُهُ وَوَجْهُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ قَالَ قَيْسٌ فَ أَبُو سَهْلَةَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ يَوْمَ الدَّارِ إِنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا فَأَنَا صَائِرٌ إِلَيْهِ وَقَالَ عَلِيٌّ فِي حَدِيثِهِ وَأَنَا صَابِرٌ عَلَيْهِ قَالَ قَيْسٌ فَكَانُوا يُرَوْنَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ
ذكرنا قصة مقتل عثمان رضي الله عنه وبراءة الصحابة من دمه وأنهم كانوا معه . وهو الذي طلب أن لا يقاتلوا عنه خوف الفتنة ، وسفك الدماء .