1027 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة طارق أبي تيسير وصالح الصيعري
ومحمد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———‘——–‘———
مسند أحمد
15184 حدثنا يزيد بن هارون، قال أخبرنا يحيى، أن محمد بن إبراهيم التيمي، أخبره أن عيسى بن طلحة بن عبيد الله أخبره أن عمير بن سلمة الضمري أخبره عن رجل، من بهز أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد مكة حتى إذا كانوا في بعض وادي الروحاء وجد الناس حمار وحش عقيرا فذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال أقروه حتى يأتي صاحبه فأتى البهزي وكان صاحبه فقال يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقسمه في الرفاق وهم محرمون قال ثم مررنا حتى إذا كنا بالأثاية إذا نحن بظبي حاقف في ظل فيه سهم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا أن يقف عنده حتى يجيز الناس عنه.
———-‘——-
قال أبو عمر وذكر الاختلاف في اسانيده والقول عندي قول من جعل الحديث لعمير بن سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم …. ولعل المشيخة الأولى كان ذلك جائزا عندهم في كلامهم أن يقولوا بمعنى عن فلان بمعنى قصة فلان لقول من قال عن البهزي يريد عن قصة البهزي قال أبو عمر عمير بن سلمة هذا الصاحب الذي روى قصة حمار البهزي عن النبي عليه السلام والبهزي هو الصائد للحمار وهو صاحبه الذي في الحديث من قول النبي عليه الصلاة والسلام دعوه يعني الحمار فإنه يوشك أن يجيء صاحبه واسمه زيد بن كعب للمحرم . وقد مضى القول في هذا المعنى وما للعلماء في ذلك .
وفي ذلك أيضا دليل على أن المحرم لا يجوز له أن ينفر الصيد ولا يعين عليه ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أن يقف عند الظبي الحاقف حتى يجاوزه الناس لا يريبه أحد يعني لا يمسه ولا يهيجه قال أبو عمر الحاقف الواقف المنثني والمنحني وكل منحن فهو محقوقف هذا قول الأخفش وقال غيره من أهل اللغة الحاقف الذي يلجأ إلى حقف وهو ما انعطف من الرمل وقال العجاج سماوة الهلال حتى احقوقف يعني انعطف وسماوته شخصه والروحاء والأثابة والعرج والرويثة مواضع ومناهل بين مكة والمدينة وفيه من الفقه جواز أكل الصيد إذا غاب عنه صاحبه أو مات عنه وذلك محمول على أنه قد بلغت رميته الرامي منه موضع الذكاة ولذلك والله أعلم أمر صلى الله عليه وسلم بقسمته بينهم وليس في حديث مالك ما يدل على أن ذلك الظبي كان قد غاب عنه صاحبه ليله وذلك في حديث حماد بن زيد لأنه قال فيه بالإسناد المذكور عن عمير بن سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل مع صحبة وهم محرمون حتى إذا كانوا بالروحاء وإذا في بعض أفيائها حمار وحش عقير فقيل يا رسول الله هذا حمار عقير فقال دعوه حتى يأتي طالبه فقال قال فجاء رجل من بهز فقال يا رسول الله أصبت هذا بالأمس فشأنكم به وذكر تمام الحديث
وفيه أيضا من الفقه إن الصائد إذا أثبت الصيد برمحه أو سهمه وأصاب مقاتله فقد ملكه بذلك إذا كان الصيد لا يمتنع من أجل فعله به عن أحد ألا ترى قوله عليه السلام يوشك صاحبه أن يأتي فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبه يصحب ملكه له
وقد استدل قوم بهذا الحديث أيضا على جواز هبة المشاع لقول البهزي للجماعة شأنكم به ثم قسمه أبو بكر بينهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنذكر ما للفقهاء في هبة المشاع من التنازع في موضعه إن شاء الله.
وأما مسألة الصيد يغيب عن صاحبه فيجده ميتا بعد ليلة أو قبل ذلك فإن الفقهاء اختلفوا في ذلك ……وذكر ابن عبدالبر الخلاف ثم قال : وروى أبو ثعلبه الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يدرك صيده بعد ثلاث يأكله ما لم ينتن وهو حديث صحيح قد ذكرناه في موضعه من هذا الكتاب وفي حديث عدي بن حاتم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصيد يغيب عن صاحبه الليلة والليلتان فقال إذا وجدت فيه سهمك ولم تجد أثر سبع وعلمت أن سهمك قتله فكله وتأتي هذه المسألة بأكثر من هذا في كتاب الصيد إن شاء الله.
انتهى من الإستذكار لابن عبد البر
قال العباد :
المقصود من ذلك: أن هذا الحمار الوحشي الذي أتى به صاحبه وهو البهزي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأعطاه إياه، وقال: [شأنكم به]، أي: تصرفوا فيه كما تريدون، [فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر بأن يقسمه بين أصحابه]، فهذا يدل على أن المحرم يأكل من صيد البر ما يهدى إليه، وهذا كما أشرت آنفاً إذا لم يكن قد صيد من أجله كما سيأتي في حديث الصعب بن جثامة الليثي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رد هديته إليه).
ووفق بينهم العلماء بأن حديث الصعب بن جثامة كان صاده من أجل النبي صلى الله عليه وسلم، وأما هؤلاء فلم يكونوا كذلك، فصار ما صيد للمحرم لا يجوز للمحرم أكله، وما صيد ليس للمحرم، ثم أهدي للمحرم منه، فإنه يجوز له أكله، كما جاء في حديث أبي قتادة وغيره.
وكما هو معلوم المحرم لا يصيد، إلا إذا جاء صاحبه الذي صاده وأهداه إليهم، وأما هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم خشي أن يتعرضوا له وهم محرمون، وذلك حرام عليهم لا يجوز لهم.
وسواء أصابه حلال أو محرم، ما دام أنه صيد، ولم يأت الذي صاده، ويهديه، فإن ذلك لا يتعرض له المحرم.
الذي يبدو أن الضبي حي؛ لأنه قال: [إنه حاقف وقد انحنى]، أي: انعطف بعضه إلى بعض. وحتى لو وجد أنه قد مات، فإنه لا يجوز أكله، لماذا؟ لأنه قد يكون أصابه أو صاده محرم، وإذا اشتبه بين أن يكون حلالاً، وأن يكون حراماً، فالأصل أن تترك المشتبهات .
انتهى من شرح العباد لسنن النسائي.
————
اختلاف العلماء :
اختلف العلماء في أكل الصيد المصيد للمحرم.
فمذهب أبي حنيفة، وعطاء، ومجاهد، وسعيد بن جبير، جواز أكل المحرم
لما صاده الحلال من الصيد، سواء أصاده لأجله أم لا.
وهو مرويٌّ عن جملة من الصحابة، منهم عمر بن الخطاب، والزبير، وأبو هريرة.
وحجة هؤلاء، حديث أبي قتادة المذكور في هذا الباب.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم أكل منه، وأقر رفقة أبي قتادة على أكلهم قبل أن يأتوا إليه، وأمرهم بالأكل منه أيضاً.
وذهب طائفة إلى تحريم لحم الصيد على المحرم مطلقاً، سواء صيد لأجله أم لم يصد لأجله.
ومن هؤلاء، على بن أبي طالب، وابن عباس، وابن عمر، ومَرْوِيٌّ عن طاوس، وسفيان الثوري.
وحجة هؤلاء عموم قوله تعالى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَادُمْتُمْ حُرُمَاً}.
وحديث “الصعب بن جثامة” الذي معنا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رده وعلَّل الرد بمجرد الإحرام.
وذهب جمهور العلماء – ومنهم الأئمة، مالك، والشافعي، وأحمد،. وإسحاق وأبو ثور- إلى التوسط بين القولين.
فما صاده الحلال لأجل المحرم، حرم على المحرم، وما لم يصده لأجله، حل له. وقد صح هذا التفصيل، عن عثمان بن عفان.
وأراد بهذا التفصيل، الجمع بين حديث أبي قتادة، وحديث الصعب بن جثامة، لأن كليهما صحيح، لا يمكن رده.
ومما يؤيد هذا الرأي، ما روى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “صيد البر لكم حلال، وأنتم حرم، مالم تصيدوه أو يُصَدْ لكم”.
وبهذا تجتمع الأدلة، وإعمالها أحسن من إهمال بعضها مع صحتها.
وهو جمع مستقيم، ليس فيه تكلُّف أو تعسُّف.
قد يستبعد أن يصيد أبو قتادة الحمار الوحشي لأجله وحده، دون رفقته، وهو إشكال في موضعه.
والذي يزيل هذا الإشكال هو أن نفهم أن الصيد عند العرب هواية محببة لديهم، وظرف يتعشقه ملوكهم وكبارهم.
فلا يبعد أن أبا قتادة، لما رأى حمر الوحش، شاقه طرادها قبل أن يفكر في أنه سيصيدها ليأكل لحمها هو وأصحابه.
تنبيه : قال صاحبنا ابوصالح :
“صيد البر لكم حلال، وأنتم حرم، مالم تصيدوه أو يُصَدْ لكم”.
كأنه من رواية المطلب بن عبد الله عن جابر قال أبو حاتم لم يسمع منه.
ثم هو مدلس وكثير الإرسال.
فهل هناك طريق أخرى غيره؟
قلت سيف : ضعفه الألباني وكذلك ضعفه بعض مشايخ مصر بعلة الانقطاع : قال الترمذي : المطلب لا نعرف له سماعا من أحد من الصحابة. وكذلك قال البخاري : لا أعرف له سماعا من أحد من الصحابة إلا قوله حدثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ثم علة أخرى قال النسائي : عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي في الحديث وإن كأن قد روى عنه مالك.
ودافع ابن الملقن عن الحديث فصححه . ونقل توثيق عمرو بن أبي عمرو . أما الانقطاع فنقل عن بعض الأئمة احتمال الإدراك . راجع البدر المنير.
لكن مع تنصيص الأئمة لا نستطيع الاعتراض بالاحتمالات.
——-‘——
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في شرح عمدة الفقه:
وذكر حديث أبي قتادة : ….. فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عن ذلك فقال هل معكم منه شيء فقلت نعم فناولته العضد فأكلها وهو محرم
وفي رواية هو حلال فكلوه متفق عليه
وللبخاري قال منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها قالوا لا قال فكلوا ما بقى من لحمها
ولمسلم هل أشار إليه إنسان منكم أو أمره بشيء قالوا لا قال فكلوا
وقد روى عبد الرزاق ثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية وأحرم أصحابي ولم أحرم فرأيت حمارا فحملت عليه فإصطدته فذكرت شأنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرت أني لم أكن أحرمت وأني إنما صدته لك فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأكلوا ولم يأكل منه حين أخبرته أني إصطدته له رواه أحمد وابن ماجة والدارقطني وقال أبو بكر النيسابوري قوله إني أصطدته لك وقوله لم يأكل منه لا أعلم أحدا ذكره في هذا الحديث غير معمر وهو موافق لما روي عن عثمان أنه صيد له طائر وهو محرم فلم يأكل وهذا إسناد جيد الا أن الروايات المشهورة فيها أنه أكل منه صلى الله عليه وسلم فينظر!
قلت سيف : وأشار في التنقيح لتفرد معمر بلفظ ( صطدته لك ) .
قال ابن خزيمة : هذه الزيادة : إنما إصطدته لك . وقوله : ولم يأكل منه حين أخبرته أني إصطدته لك . لا أعلم أحدا ذكره في خبر أبي قتادة غير معمر في هذا الإسناد فإن صحت هذه اللفظة فيشبه أن يكون صلى الله عليه وسلم أكل من لحمه ذلك الحمار قبل أن يعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله فلما أعلمه أنه إصطاده من أجله امتنع من أكله بعد إعلامه
وتعقبه ابن حجر في الاتحاف بأن الأحسن أن نقول وقع ذلك لأبي قتادة مرتين.
وكذلك قال بالتعدد النووي. ( نقله في البدر المنير )
قال البيهقي : هذه لفظة غريبة لما نكتبها إلا من هذا الوجه وقد روينا عن أبي حازم بن دينار عن عبدالله بن أبي قتادة في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل منها وتلك الرواية أودعها صاحبا الصحيح كتابيهما دون رواية معمر وان كان الاسنادان صحيحان. .
وأشار ابن حزم لشذوذها 7/253
تتمة كلام ابن تيمية :
وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه أقبل من البحرين حتى إذا كان بالربذة وجد ركبا من العراق محرمين فسألوه عن صيد وجدوه عند أهل الربذة فأمرهم بأكله قال ثم إني شككت فيما أمرتهم فلما قدمت المدينة ذكرت ذلك لعمر بن الخطاب فقال ماذا أمرتهم به قال بأكله فقال عمر لو أمرتهم بغير ذلك لفعلت بك يتواعده . وعن ابن عمر قال قدم أبو هريرة من البحرين حتى إذا كان بالربذة سئل عن قوم محرمين أهدى لهم لحم صيد أهداه حلال فأمرهم بأكله فلما قدم على عمر ذكر ذلك له فقال عمر ما أمرتهم قال أمرتهم بأكله قال لو أمرتهم بغير ذلك لأوجعتك ضربا فقال رجل لابن عمر أتأكله فقال أبو هريرة خير مني وعمر خير مني رواه سعيد
أثر عمر مع أبي هريرة صحيح ( دراسة نقدية في مرويات شخصية عمر )
تتمة كلام ابن تيمية :
وروي عن الشعبي ومجاهد قال إذا رأيتم الناس يختلفون فأنظروا ما فعل عمر فاتبعوه وأيضا فإن الله سبحانه قال ^ أحل لكم صيد البحر وطعامه متعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ^ والمراد بالصيد نفس الحيوان المصيد لا كما قال بعضهم أنه مصدر صاد يصيد صيدا وأصطاد يصطاد
إصطيادا وأن المعنى حرم عليكم الاصطياد في حال من الاحرام لوجوه
أحدها أن الله حيث ذكر الصيد فإنما يعني به ما يصاد كقوله ^ لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ^ قوله
خاصة ودل على ذلك أشياء أحدها أنه إنما حرم أكل الصيد لأن إباحته تفضي إلى قتله …… فإذا كان الحلال هو الذي قد صاده كما أباحه الله له وذكاة لم يقع شيء من الفعل المكروه فلا وجه للتحريم على المحرم وخرج على هذا ما إذا كان قصد الحلال إصطياده للحرام فإن المحرم صار له سبب في قتل الصيد وإن لم يقصده فإذا علم الحلال إنما صاده الحلال لا يحل كف الحلال عن الاصطياد لأجل الحرام فلم يبق للمحرم سبب في قتله بوجه من الوجوه وصار وجود المحرم في قتل الصيد كعدمه
الثاني أن الصيد اسم للحيوان الذي يصاد وهذا إنما يتناوله إذا كان حيا فأما بعد الموت فلم يبق يصد فإذا صاد المحرم الصيد وأكله فقد أكل لحم الصيد وهو محرم أما إذا كان قد صيد قبل إحرامه أو صاده حلال لنفسه ثم جاء به قديدا أو شواء أو قديرا فلم يعترض المحرم لصيد البر وإنما تعرض لطعامه وقد فرق الله بين صيد البحر وطعامه فعلم أن الصيد هو ما إصطيد منه والطعام ما لم يصطد منه إما لكونه قد طفا أو لكونه قد ملح ثم إن ما حرم على المحرم صيد البر خاصة دون طعام صيد فعلم أنه إنما حرم ما إصطيد في حال الاحرام فإذا كان قد إصطاده هو أو صيد لاجله فقد صار للمحرم سبب في قتله حين هو صيد فلا يحل أما إذا صاده الحلال وذبحه لنفسه ثم أهداه أو باعة للمحرم فلم يصادفه المحرم إلا وهو طعام لا صيد فلا يحرم عليه وهذا بين حسن وقد روي عن عروة عن الزبير أنه كان يتزود صفيف الظباء في الاحرام رواه مالك
الثالث أن الله إنما حرم الصيد ما دمنا حرما ولو أحل الرجل وقد صاد صيدا أو قتله وهو محرم لحرم عليه بعد الاحرام فعلم أن المقصود تحريمه إذا كان صيدا وقت الاحرام فإذا صيد قبل الاحرام أو صاده غير محرم فلم يتناول الصيد وقت الاحرام ولا تناوله أحد بسبب محرم فلا يكون حراما في حال الاحرام كما أنه لو تناوله أحد في حال الاحرام كان حراما في حال الاحلال
—–
قال ابن القيم كما في كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد
فصل رَدّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِمَارَ الْوَحْشِ مَعَ تَعْلِيلِهِ بِأَنّهُ مُحْرِمٌ:
ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا كَانَ بِالْأَبْوَاءِ، أَهْدَى لَهُ الصّعْبُ بْنُ جَثّامَةَ عَجُزَ حِمَارٍ وَحْشِيّ فَرَدّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: إنّا لَمْ نَرُدّهُ عَلَيْكَ إلّا أَنّا حُرُمٌ وَفِي الصّحِيحَيْنِ: أَنّهُ أَهْدَى لَهُ حِمَارًا وَحْشِيّا، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ لَحْمَ حِمَارِ وَحْشٍ وَقَالَ الْحُمَيْدِيّ كَانَ سُفْيَان يَقُولُ فِي الْحَدِيثِ أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَحْمُ حِمَارِ وَحْشٍ وَرُبّمَا قَالَ سُفْيَانُ يَقْطُرُ دَمًا، وَرُبّمَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَكَانَ سُفْيَانُ فِيمَا خَلَا رُبّمَا قَالَ حِمَارَ وَحْشٍ ثُمّ صَارَ إلَى لَحْمِ حَتّى مَاتَ. وَفِي رِوَايَةٍ شِقّ حِمَارِ وَحْشٍ وَفِي رِوَايَةٍ رِجْلَ حِمَارِ وَحْشٍ. وَرَوَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ الصّعْبِ أَهْدَى لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَجُزَ حِمَارِ وَحْشٍ وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ فَأَكَلَ مِنْهُ وَأَكَلَ الْقَوْمُ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ. فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا، فَكَأَنّهُ رَدّ الْحَيّ وَقَبِلَ اللّحْمَ. وَقَالَ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ فَإِنْ كَانَ الصّعْبُ بْنُ جَثّامَةَ أَهْدَى لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحِمَارَ حَيّا، فَلَيْسَ لِلْمُحْرِمِ ذَبْحُ حِمَارِ وَحْشٍ وَإِنْ كَانَ أَهْدَى لَهُ لَحْمَ الْحِمَارِ فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ أَنّهُ صِيدَ لَهُ فَرَدّهُ عَلَيْهِ وَإِيضَاحُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ. قَالَ وَحَدِيثُ مَالِكٍ أَنّهُ أَهْدَى لَهُ حِمَارًا أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ مَنْ حَدّثَ لَهُ مِنْ لَحْمِ حِمَارٍ. قُلْت: أَمّا حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جَعْفَرٍ فَغَلَطٌ بِلَا شَكّ فَإِنّ الْوَاقِعَةَ وَاحِدَةٌ وَقَدْ اتّفَقَ الرّوَاةُ أَنّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ إلّا هَذِهِ الرّوَايَةَ الشّاذّةَ الْمُنْكَرَة. وَأَمّا الِاخْتِلَافُ فِي كَوْنِ الّذِي أَهْدَاهُ حَيّا، أَوْ لَحْمًا، فَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى لَحْمًا أَوْلَى لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنّ رَاوِيَهَا قَدْ حَفِظَهَا، وَضَبَطَ الْوَاقِعَةَ حَتّى ضَبَطَهَا: أَنّهُ يَقْطُرُ دَمًا، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى حِفْظِهِ لِلْقِصّةِ حَتّى لِهَذَا الْأَمْرِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ.
الثّانِي: أَنّ هَذَا صَرِيحٌ فِي كَوْنِهِ بَعْضَ الْحِمَارِ وَأَنّهُ لَحْمٌ مِنْهُ فَلَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ أَهْدَى لَهُ حِمَارًا، بَلْ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَى لَحْمًا، تَسْمِيَةً لِلّحْمِ بِاسْمِ الْحَيَوَانِ وَهَذَا مِمّا لَا تَأْبَاهُ اللّغَةُ.
الثّالِثُ أَنّ سَائِرَ الرّوَايَاتِ مُتّفِقَةٌ عَلَى أَنّهُ بَعْضٌ مِنْ أَبْعَاضِهِ وَإِنّمَا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ هَلْ هُوَ عَجُزُهُ أَوْ شِقّهُ أَوْ رِجْلُهُ أَوْ لَحْمٌ مِنْهُ؟ وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ هَذِهِ الرّوَايَاتِ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الشّقّ هُوَ الّذِي فِيهِ الْعَجُزُ وَفِيهِ الرّجْلُ فَصَحّ التّعْبِيرُ عَنْهُ بِهَذَا وَهَذَا، وَقَدْ رَجَعَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ قَوْلِهِ حِمَارًا وَثَبَتَ عَلَى قَوْلِهِ لَحْمَ حِمَارٍ حَتّى مَاتَ. وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ تَبَيّنَ لَهُ أَنّهُ إنّمَا أَهْدَى لَهُ لَحْمًا لَا حَيَوَانًا، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَكْلِهِ لَمّا صَادَهُ أَبُو قَتَادَةَ، فَإِنّ قِصّةَ أَبِي قَتَادَةَ كَانَتْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتّ وَقِصّةُ الصّعْبِ قَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنّهَا كَانَتْ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ مِنْهُمْ الْمُحِبّ الطّبَرِيّ فِي كِتَابِ حَجّةِ الْوَدَاعِ لَهُ. أَوْ فِي بَعْضِ عُمْرِهِ وَهَذَا مِمّا يُنْظَرُ فِيهِ. وَفِي قِصّةِ الظّبْيِ وَحِمَارٍ يَزِيدُ بْنُ كَعْبٍ السّلَمِيّ الْبَهْزِيّ، هَلْ كَانَتْ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ أَوْ فِي بَعْضِ عُمْرِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ؟ فَإِنّ حَمْلَ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى أَنّهُ لَمْ يَصِدْهُ لِأَجْلِهِ وَحَدِيثَ الصّعْبِ عَلَى أَنّهُ صِيدَ لِأَجْلِهِ زَالَ الْإِشْكَالُ وَشَهِدَ لِذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ الْمَرْفُوعُ صَيْدُ الْبَرّ لَكُمْ حَلَالٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادُ لَكُمْ كَانَ الْحَدِيثُ قَدْ أُعِلّ بِأَنّ الْمُطّلِبَ بْنَ حَنْطَبٍ رَاوِيَهُ عَنْ جَابِرٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْهُ قَالَهُ النّسَائِيّ. قَالَ الطّبَرِيّ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ لَهُ فَلَمّا كَانَ فِي بَعْضِ الطّرِيقِ اصْطَادَ أَبُو قَتَادَةَ حِمَارًا وَحْشِيّا، وَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا، فَأَحَلّهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَصْحَابِهِ بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُمْ هَلْ أَمَرَهُ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشَيْءٍ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ؟ وَهَذَا وَهْمٌ مِنْهُ رَحِمَهُ اللّهُ فَإِنّ قِصّةَ أَبِي قَتَادَةَ إنّمَا كَانَتْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، هَكَذَا رُوِيَ فِي الصّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ ابْنِهِ عَنْهُ قَالَ انْطَلَقْنَا مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ أُحْرِمْ فَذَكَرَ قِصّةَ الْحِمَارِ الْوَحْشِيّ.
——‘
وهذا بحث في مجلة البحوث الإسلامية
العدد السابع والعشرون – الإصدار : من ربيع الأول إلى جمادى الثانية لسنة 1410هـ > موضوع العدد المواشي السائبة على جوانب الطرق العامة
(الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 17)
المواشي السائبة على الطرق العامة
إعداد: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الحمد لله وحده وبعد:
فبالإشارة إلى ما جاء في المحضر رقم (1) وتاريخ 11 \ 8 \ 1396هـ من محاضر جلسات هيئة كبار العلماء في دورتها التاسعة المنعقدة في شهر شعبان ابتداءً من 11 \ 8 \ 1396هـ بخصوص رغبة المجلس من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء إعداد بحث مختصر لموضوع المواشي السائبة المهملة من قبل أهلها . بالإشارة إلى ذلك أعدت اللجنة الدائمة في ذلك البحث التالي مستمدة من الله العون والتوفيق .
لعل موضوع المواشي السائبة لا يخرج عن الصور الآتية:
الأولى: مواش ذات قيمة مالية ولها سوق نافقة ويغلب على الظن أن لها ملاكا .
الثانية: مواش لا قيمة لها ويغلب على الظن تخلي ملاكها عنها ، وهذه إما تكون مما يباح أكله فالغالب أن أصحابها قد تخلوا عنها لعدم الاستفادة منها إما لمرضها أو لكبرها أو نحو ذلك .
الثالثة: أن تكون مما يباح أكله كالحمير وقد تخلى عنها ملاكها ويمكن الانتفاع بها ركوبا ونقلا ونحو ذلك .
الرابعة: أن تكون من الصورة الثالثة إلا أنه لا يمكن الانتفاع بها لمرضها أو كبرها أو عرجها أو نحو ذلك .
فهذه أربع صور . أما الصورة الأولى فنظرا إلى أن تركها سائبة على
جانبي الطرق العامة مهددة أمن الطريق يعتبر ضررا بالغا وخطرا على الأموال والأنفس وحيث إن الشريعة الإسلامية تعني بتحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم وتتخذ في سبيلي هذا الوسائل الكفيلة بتحقيق ذلك فترتكب أدنى المفسدتين لتفويت كبراهما وتؤثر مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد في حال التعارض وتؤثر درء المفاسد على جلب المصالح لذلك كله فإن لولي الأمر أن يأمر باحتجاز هذه المواشي وبيعها في المزاد العلني بعد التعرف على صفاتها فإن جاء أصحابها أعطى ما يبقى من قيمتها بعد خصم مصاريف الاحتجاز والعلف والنقل والبيع إلا أن يرى ولي الأمر معاقبته على إهمالها وتركها مهددة أمن الطريق فله أن يصادر قيمتها عليه عقوبة له . وإن لم يتقدم لها مالك أدخلت قيمتها في بيت المال وهذا كله بعد إعلام المواطنين بضرورة حماية جوانب الطرق من مواشيهم وإخطارهم بعواقب المخالفة وذلك في وسائل الإعلام المختلفة من إذاعة وصحافة وتلفزة .
الصورة الثانية: حيث إن مثل هذه المواشي المباح ذبحها للأكل يغلب على الظن الرغبة عن أكلها لمرضها أو كبرها أو نحو ذلك من أسباب التخلي عنها وبالتالي انتفاء قيمتها المالية أو تفاهتها ، وحيث إن تركها سائبة على جوانب الطرق العامة فيه تعريض لأمن الطريق وخطر على الأنفس والأموال ، فإن لولي الأمر أن يأمر بذبحها وإطعامها من يرغب في أكلها من الفقراء أو حيوانات أخرى .
الصورة الثالثة: حيوانات لا تؤكل ويمكن الانتفاع بها ركوبا ونقلا ونحو ذلك . فهذا النوع من الحيوان إن وجد من يأخذه للتملك على شرط إبعادها عن جوانب الطرق بحيث يؤمن شرها ويتفادى خطرها أعطيها وبذلك ينتهي إشكالها . وإن أمكن نقلها إلى جهات أهلها بحاجة إليها فكذلك ، وإن لم يتيسر شيء من ذلك وبقي إشكالها على حالة مهددة
أمن الطريق موفرة أسباب الدعس والصدم والحوادث وما يتبع ذلك في الغالب من إتلاف الأنفس والأموال وبذل جهات الاختصاص جهودا مكثفة في الإسعاف والتحقيق وفصل الخصومات فهذه الصورة قد يكون النظر في حكمها متفقا مع النظر في حكم الصورة الرابعة . ويتلخص النظر فيهما فيما يلي:
أن النظر في مآل هذه الحيوانات السائبة على جوانب الطرق العامة قد لا يتجاوز أمرين أحدهما: القول بذبحها وإطعامها حيوانات أخرى ويعلل ذلك بما يلي:
الأول: انتفاء ماليتها بانتفاء الانتفاع بها وحرمة أكلها على الناس .
الثاني: ثبوت أذيتها والضرر اللاحق من توافرها في الطرق وعلى جوانبها بما تسببه من الصدم والدهس والحوادث وتلف ما يتلف من ذلك من الأموال والأنفس . وقد جاءت الشريعة الإسلامية بتحصيل المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها وارتكاب أدنى المفسدتين لتفادي أشدهما ولا شك أن مفسدة ذبحها إن وجدت فهي قليلة مغمورة في جنب مصالح الخلاص منها ودرء مفاسدها .
الثالث: إن جمعها والإبقاء عليها فيه تحميل لبيت المال للإنفاق عليها وفي ذلك مضرة حيث إن النفقة عليها من بيت المال أو غيره خسارة محضة وجهود ضائعة ليس لها مقابل في تحقيق أي مصلحة حاضرة ولا منتظرة ، ومما لا شك فيه أن بيت المال مرصود لمصالح المسلمين في الحاضر والمستقبل ، وأنه لا يجوز الصرف منه فيما لا فائدة للمسلمين منه .
الرابع: جواز ذبح المأكول لحمه مما تعافه الأنفس في الغالب لمرضه أو كبره أو نحو ذلك لإراحته أو للخلاص من مشقة النفقة عليه
ورعايته . فإذا جاز ذبح ذلك لغير الأكل فقد لا يكون فارق مؤثر بينه وبين ما لا يؤكل لحمه مما لا فائدة في بقائه إذا كان في ذبحه جلب مصلحة أو دفع مضرة .
الخامس: ما جاءت به النصوص وقال به أهل العلم من جواز قتل ما منه الأذى كالخمس الفواسق والهر المؤذي وغير ذلك من الحيوانات والحشرات المؤذية ، قال العلامة ابن مفلح – رحمه الله – ما نصه:
ويكره قتل النمل إلا من أذية شديدة فإنه يجوز قتلهن وقتل القمل بغير النار ويكره قتلهما بالنار ، ويكره قتل الضفادع ، ذكر ذلك في المستوعب
استدل بحديث : فهلا نملة واحدة – إلى أن قال – وقال في المستوعب في محظورات الإحرام: فأما النمل وكل ما لا يضر ولا ينفع كالخنافس والجعلان والديدان والذباب والنمل غير التي تلسع . فقال أحمد – رحمه الله -: إذا آذته – يعني هذه الأشياء – قتلها ويكره قتلها من غير أذية فإن فعل فلا شيء عليه . – إلى أن قال- عن إبراهيم النخعي قال: إذا آذاك النمل فاقتله . ورأى أبو العالية نملا على بساط فقتلهن . وعن طاووس قال: إنا لنفرق النمل بالماء ، يعني إذا آذتنا روى ذلك ابن أبي شيبة في مصنفه وسئل الشيخ تقي الدين هل يجوز إحراق بيوت النمل
بالنار فقال: يدفع ضرره بغير التحريق .
وذكر في المغني في مسألة قتل الكلب أن ما لا مضرة فيه لا يباح قتله واستدل بالنهي عن قتل الكلاب .
الأمر الثاني: القول بعدم إباحة ذبحها على أي حال كانت ولو ميؤوسا منها واستدل لذلك بما يلي:
روى مسلم في صحيحه : عن جابر بن عبد الله قال: أمرنا رسول الله
– صلى الله عليه وسلم- بقتل الكلاب حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها لتقتله ، ثم نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن قتلها وقال: عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان . فكيف بالحمر بحجة أنه لا ينتفع بها؟
قال الشيخ أحمد بن محمد الصاوي المالكي في حاشيته على الشرح الصغير: ودخل في الدابة الواجبة نفقتها هرة عمياء فتجب نفقتها على من انقطعت عنده حيث لم تقدر على الانصراف فإن قدرت عليه لم تجب لأن له طردها .
وخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: إن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر قد اندلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها فغفر لها .
قال النووي في الكلام على هذا الحديث معناه: في الإحسان إلى كل حيوان حي يسقيه ونحوه أجر وسمي الحي ذا كبد رطبة لأن الميت يجف جسمه وكبده .
ففي هذا الحديث الحث على الإحسان إلى الحيوان المحترم وهو ما لا يؤمر بقتله فأما المأمور بقتله فيتمثل أمر الشرع في قتله والمأمور بقتله كالكافر والحربي والمرتد والكلب العقور والفواسق الخمس المذكورات في الحديث وما في معناهن .
وأما المحترم: فيحصل الثواب بسقيه والإحسان إليه أيضا بإطعامه وغيره سواء كان مملوكا أو لا ، وسواء كان مملوكا له أو لغيره . . والله أعلم .
قال في كشاف القناع: ولا يجوز قتلها أي البهيمة ولا ذبحها للإراحة لأنها مال ما دامت حية وذبحها إتلاف لها وقد نهي عن إتلاف المال كالآدمي المتألم بالأمراض الصعبة أو المصلوب بنحو حديد لأنه معصوم ما دام حيا . . ومعنى هذا كثير في كتب الحنابلة ولا نطيل بذكره مما يدل
على تحريم قتل ما لا يؤكل لحمه كالحمر ونحوها حتى لقصد راحتها أو كانت في النزع مثلاً فيحرم قتلها . لذلك كما قرره ( شيخ الإسلام ابن تيمية ) وغيره . .
اللجنة الدائمة العلمية للبحوث والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبد الله بن سليمان بن منيع عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز