1074 التعليق على الصحيح المسند
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا )
———–‘———‘———
——‘——‘——-‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1074):
قال الإمام الترمذي رحمه الله رحمه الله: حدثنا أحمد بن منيع حدثنا مروان بن معاوية عن أيمن بن نابل عن قدامة بن عبد الله رضي الله عنهما، قال:
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار على ناقة ليس ضرب ولا طرد ولا إليك إليك.
قال أبو عيسى: حديث قدامة بن عبد الله حديث حسن صحيح وإنما يعرف هذا الحديث من هذا الوجه وهو حديث أيمن بن نابل وهو ثقة عند أهل الحديث.
قال أبو عبدالرحمن: هذا حديث صحيح.
===================
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في السند. (ترجمة الرواي، تخريجه).
أ – ترجمة الراوي. سيأتي شيء منه في (الوجه الثاني: في شرح الحديث).
– التخريج:
ورواه ابن خزيمة في صحيحه وغيره كما في الترغيب والترهيب (2/184)، بألفاظ مقاربة. وأورده الحاكم في المستدرك (1/466) بلفظ: ” رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة يوم النحر على ناقة صهباء لا ضرب ولا طرد، ولا إليك إليك”. وقال هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه عليه.
قلت سيف بن دورة : والحديث صححه محقق عبد بن حميد. وصاحب كتاب الرياض المستطابة
وذكر باحث أن الحديث رواه عن أيمن واحد وعشرين نفسا فقط روايان قالا أن ذلك كان بين الصفا والمروة وجوز البيهقي أن يكون ذلك تكرر فقال : يحتمل أن يكونا كلاهما صحيحين . سنن البيهقي 5/101
ونقل العقيلي انه لا يصح لقدامة إلا حديث واحد وذكر له هذا الحديث. وصححه كذلك البغوي
وأورد العقيلي في ترجمة الحسن بن سوار حديث حنظلة قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على ناقة لا ضرب ولا طرد . وانكره . ونقل عن أحمد أنه قال : الشيخ ثقة يعني الحسن بن سوار والحديث منكر . ومرة قال : غريب
وقال : وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعير بغير هذا الإسناد بإسناد صالح.
الوجه الثاني: في شرح الحديث.
قوله: (عن قدامة بن عبد الله) رضي الله عنهما، ابن عمار بن معاوية، من بني نفيل بن عمرو بن كلاب العامري، ثم الكلابي، من بني كلاب بن أبي ربيعة بن عامر بن صعصعة، يكنى: أبا عبد الله.
أسلم قديماً، وسكن مكة ولم يهاجر، وشهد حجة الوداع وأقام بركية في البدو من بلاد نجد، وسكنها.
أخرجه الثلاثة. [انظر: ترجمته في أسد الغابة في معرفة الصحابة]
وجاء في (سير أعلام النبلاء): ” عداده في صغار الصحابة الذين لهم رؤية رأى النبي-صلى الله عليه وسلم- يرمي الجمار.
كناه أبو العباس الدغولي: أبا عمران.
كان قدامة يكون بنجد.
عاش إلى بعد الثمانين.
وما علمت من يروي عنه سوى أيمن الحبشي المكي، والحديث: ففي (سنن النسائي) و(الترمذي) و(القزويني)، وفي (مسند الإمام)، ويقع لنا بالإجازة العالية. “. انتهى.
صحابي قليل الحديث.
وقال ابن عبد البر في ترجمة قدامة في الاستيعاب: روى عنه أيمن بن نابل وحميد بن كلاب، فأما حديث أيمن عنه فإنه قال: رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يرمي الجمرة يوم النحر على ناقة صهباء لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك. وأما حديث حميد بن كلاب فإنه قال عنه أنه رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم عرفة وعليه حلة حبرة. لا أحفظ له غير هذين الحديثين – انتهى.
وجاء في (الإصابة في تمييز الصحابة): ” قال البخاري وابن أبي حاتم له صحبة.
وقال البغوي سكن مكة، وله أحاديث منها حديث يعقوب بن محمد الزهري عن عريف بن إبراهيم الثقفي قال حدثنا حميد بن كلاب سمعت عمي قدامة الكلابي قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة وعليه حلة حبرة. قال البغوي لا أعرفه إلا من هذا الوجه وقال بن السكن له صحبة ويكنى أبا عبد الله يقال أسلم قديما ولم يهاجر وكان يسكن نجدًا ولقي النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وذكر الحديث الذي قبله وقال لم يروه إلا يعقوب بن محمد قلت وفيه تعقب على قول مسلم والحاكم والأزدي وغيرهم أن أيمن تفرد بالرواية عنه ونسبه عبد الرزاق حين.
روى حديثه عن أيمن بن نابل عنه إلى جده فقال عن قدامة بن عمار وقال أبو حاتم كان ينزل ركية من البدو”. انتهى.
قوله: (يرمي الجمار على ناقة): المراد جمرة العقبة، وتسمى الجمرة الكبرى، وهي ليست من منى، بل هي حد منى من جهة مكة، وهي أخر الجمرات الثلاث بالنسبة إلى المتوجه إلى مكة من منى، وهي التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار عندها على الهجرة، والجمرة اسم لمجتمع الحصى، سميت بذلك لاجتماع الناس بها، يقال: تجمر بنو فلان إذا اجتمعوا، وقيل: إن العرب تسمي الحصى الصغار جماراً فسميت، من تسمية الشيء بلازمه.
قوله: (.. على ناقة): في رواية مسلم: يرمي على راحلته يوم النحر، وفي رواية أيضًا لمسلم: فرأيته حين رمى جمرة العقبة، وانصرف، وهو على راحلته وفي رواية أيضًا وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى الناس يسألونه وفي رواية أخرى وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فطفق ناس يسألونه وفي رواية بينا هو يخطب يوم النحر وفي ملحق الرواية على ناقة بمنى وفي رواية: وهو واقف عند الجمرة.
ومن الواضح أنه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة راكباً راحلته التي هي ناقته جالساً عليها، ولكن المشكلة في اختلاف الروايات في موقفه صلى الله عليه وسلم، وسؤال الناس له، وهل كان على الراحلة أولاً ؟ وهل كان يخطب؟ أو كان يتلقى الأسئلة فقط ويجيب؟ وهل هو موقف واحد اختلف التعبير عنه؟ أو موقفان؟ وهل كانت هذه الأسئلة عند رمي جمرة العقبة صبحاً ؟ أو بعد الزوال؟.
ظاهر صنيع البخاري وترجمته بقوله: باب الفتيا على الدابة عند الجمرة أنها كانت فتيا له لا خطبة، وأنها كانت على الدابة، وأنها كانت عند الجمرة، فمعنى واقف عند الجمرة أي واقف براحلته، متوقف عن المسير، وليس الوقوف ضد الجلوس، ومعنى وقف على راحلته جلس عليها، متوقفاً عن المسير، ومعنى يخطب يعلم الناس، وليس المراد الخطب المشروعة في الحج، والموقف واحد على هذا التأويل.
ويميل الحافظ ابن حجر إلى أنهما موقفان، فيقول: ويحتمل أن يكون ذلك في موطنين، أحدهما على راحلته عند الجمرة، ولم يقل في هذا: خطب، والثاني يوم النحر بعد صلاة الظهر، وذلك وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج، يعلم الإمام فيها الناس ما بقي عليهم من مناسكهم، وصوب النووي هذا الاحتمال الثاني، ويؤيده ما جاء في رواية ابن عباس أن بعض السائلين قال، رميت بعد ما أمسيت وهذا يدل على أن هذه القصة كانت بعد الزوال، لأن المساء يطلق على ما بعد الزوال، وكأن السائل علم أن السنة للحاج أن يرمي الجمرة أول ما يقدم ضحى، فلما أخرها إلى ما بعد الزوال سأل عن ذلك.
قوله: (لا ضرب ولا طرد)، بالفتح والرفع منونًا فيهما أي لا دفع.
قوله: (ولا إليك إليك)، أي: تنح تنح، وهو اسم فعل بمعنى تنح عن الطريق، قال الطبري: قوله: ((إليك إليك))، نحو قول القائل: الطريق الطريق.
وقال الطيبي: أي ما كانوا يضربون الناس ولا يطردونهم ولا يقولون تنحوا عن الطريق كما هو عادة الملوك والجبابرة، والمقصود التعريض بالذين كانوا يعملون ذلك – انتهى.
[انظر: مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، وفتح المنعم]
الوجه الثالث : ما يستفاد من الحديث، والروايات الملحقة:
ما يؤخذ من الأحاديث:
1- إثبات رمي جمرة العقبة يوم النحر.
قال النووي: وهو مجمع عليه، وهو واجب وهو أحد أسباب التحلل، وهي ثلاثة، رمي جمرة العقبة يوم النحر، وطواف الإفاضة مع سعيه إن لم يكن سعى، والثالث الحلق عند من يقول: إنه نسك، وهو الصحيح.
2- وكون الرمي سبع حصيات، وهو مجمع عليه.
3- واستحباب التكبير مع كل حصاة، وهو مذهب مالك والعلماء كافة.
قال القاضي: وأجمعوا على أنه لو ترك التكبير لا شيء عليه.
4- واستحباب كون الرمي من بطن الوادي.
وأجمعوا على أنه من حيث رماها جاز سواء استقبلها أو جعلها عن يمينه، أو عن يساره، أو رماها من فوقها، أو أسفلها، أو وقف في وسطها ورماها، وأما رمي باقي الجمرات في أيام التشريق فيستحب من فوقها.
5- جواز الرمي راكباً، قال النووي: وفيها دلالة لما قاله الشافعي وموافقوه أنه يستحب لمن وصل منى راكباً أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً ولو رماها ماشياً جاز، وأما من وصلها ماشياً فيرميها ماشياً.
وقال أحمد: يستحب يوم النحر أن يرمي ماشياً.اهـ
وذهب مالك إلى استحباب المشي في رمي أيام التشريق، وأما رمي جمرة العقبة فيرميها على حسب حاله كيف كان.
قال القاضي عياض: ليس من سنة الرمي الركوب له، ولا الترجل، ولكن يرمي الرجل على هيئته التي يكون حينئذ عليها من ركوب أو مشي، ولا ينزل إن كان راكباً لرمي، ولا يركب إن كان ماشياً، وأما الأيام بعدها فيرمي ماشياً، لأن الناس نازلون منازلهم بمنى، فيمشون للرمي، ولا يركبون، لأنه خروج عن التواضع حينئذ.
6- وفيها جواز تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره.
قال النووي: وهو مذهبنا ومذهب جماهير العلماء، سواء كان راكباً أو نازلاً، وقال مالك وأحمد: لا يجوز، وإن فعله لزمته الفدية، وأجمعوا على أنه لو قعد تحت خيمة أو سقف جاز، ووافقونا على أنه إذا كان الزمان يسيراً في المحمل لا فدية، وكذا لو استظل بيده، قال: وقد يحتجون بحديث عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة قال: صحبت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فما رأيته مضرباً فسطاطاً حتى رجع. رواه الشافعي والبيهقي بإسناد حسن.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه أبصر رجلاً على بعيره، وهو محرم، قد استظل بينه وبين الشمس، فقال: اضح لمن أحرمت له؟.
رواه البيهقي بإسناد صحيح، وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من محرم يضحي للشمس حتى تغرب إلا غربت بذنوبه، حتى يعود كما ولدته أمه رواه البيهقي وضعفه.
قال: واحتج الجمهور بحديث أم الحصين المذكور في مسلم ولأنه لا يسمى لبساً.
وأما حديث جابر فضعيف كما ذكرنا، مع أنه ليس فيه نهي، وكذا فعل عمر، وقول ابن عمر، ليس فيه نهي، ولو كان فحديث أم الحصين مقدم عليه. والله أعلم.
والحق أن هذه الأدلة إن دلت على شيء فإنما تدل على أفضلية عدم الاستظلال، لا على وجوب، ولا على لزوم فدية كما ذهبوا، وحتى الأفضلية قد تختلف باختلاف الأزمنة وشدة الشمس وعدم شدتها، ولا شك أن التعرض للشمس الحامية التي قد تضرب المسلم ضربة قاتلة.
وهذا ممنوع، وحتى التعرض لمجرد المشقة قد يكون مفضولاً، فقاعدة الإسلام قوله تعالى: { { ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم } } [النساء: 147] .
وقوله صلى الله عليه وسلم لمن نذرت أن تحج ماشية حافية: إن الله غني عن نذرها.
إن الله لا يصنع بشقائها شيئاً.
مروها فلتركب.
7- استحباب كون الحصى في قدر حصى الخذف، قال النووي: ولو رمى بأكبر أو أصغر جاز مع الكراهة.
8- بيان وقت الرمي، وقد سبق توضيحه قريباً.
9- جواز الاقتصار على الحلق أو التقصير.
10- التصريح بتفضيل الحلق على التقصير، وقد مرت المسألة قريباً مبسوطة.
11- ومشروعية الدعاء لمن فعل الخير.
12- ومن قوله: أتى منى فأتى الجمرة فرماها في رواية أنه يستحب إذا قدم منى ألا يعرج على شيء قبل الرمي، بل يأتي الجمرة راكباً، كما هو فيرمها، ثم يذهب، فينزل حيث شاء من منى.
13- وفيها استحباب نحر الهدي، وأن يكون بمنى، قال النووي: ويجوز حيث شاء من بقاع الحرم.
14- وفيها أن الحلق نسك، وأنه أفضل من التقصير.
15- وأنه يستحب البداءة فيه بالجانب الأيمن من رأس المحلوق.
قال النووي: وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: يبدأ بالجانب الأيسر.
16- وطهارة شعر الآدمي.
قال النووي: وهو الصحيح من مذهبنا، وبه قال جماهير العلماء.
30- ومن وقوفه صلى الله عليه وسلم على راحلة جواز القعود على الراحلة للحاجة.
31- وجواز الفتيا على الدابة.
32- وجواز السؤال والفتيا عند الجمرة.
33- وجوب اتباع أفعاله صلى الله عليه وسلم، لكون الذين خالفوها لما علموا سألوه عن حكم ذلك.
34- ومن قوله: بينما هو يخطب يوم النحر مشروعية الوقوف للخطبة بعد صلاة الظهر يوم النحر، قال النووي: وهي إحدى خطب الحج المشروعة، يعلمهم فيها ما بين أيديهم من المناسك، وخطب الحج المشروعة عندنا أربع.
أولها بمكة عند الكعبة في اليوم السابع من ذي الحجة، والثانية بنمرة يوم عرفة، والثالثة، بمنى يوم النحر، والرابعة بمنى في الثاني من أيام التشريق.
وكلها خطب فردة، وبعد صلاة الظهر، إلا التي بنمرة، فإنها خطبتان، وقبل صلاة الظهر، وبعد الزوال.اهـ
قال الحافظ ابن حجر: ليس في شيء من أحاديث الباب التصريح بالخطبة في غير يوم النحر، وقد اتفقوا على مشروعية الخطبة يوم عرفة، فيلحق المختلف فيه بالمتفق عليه.
35- إثبات طواف الإفاضة.
36- وأنه يستحب فعله يوم النحر وأول النهار وقد سبق بسط هذه المسألة. والله أعلم [فتح المنعم] بتصرف يسير.
الوجه الرابع: المسائل المتعلقة بالحديث، وفيه:
وسيكون الحديث في أربعة أمور كالتالي:
1 – توطئة.
أعمال الحج يوم النحر، بعد الدفع من المزدلفة أربعة أعمال: رمي جمرة العقبة، ثم نحر الهدي، ثم الحلق أو التقصير، ثم الدخول إلى مكة لطواف الإفاضة، والسعي بعده إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم، والسنة في هذه الأعمال الأربعة أن تكون مرتبة، كما رتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته من المزدلفة حتى أتى منى، فكان أول شيء فعله أن دخل بطن الوادي الذي به جمرة العقبة، وهو راكب ناقته، وبلال وأسامة -رضي الله عنهما- معه، أحدهما يمسك بزمام الناقة يقودها، والآخر رافع ثوباً على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، يظلله من الشمس، حتى رمى جمرة العقبة بسبع حصيات، يكبر عند كل حصاة، ثم وقف قريباً من الجمرة يسأله الناس، ويجيبهم، ويعظهم، وكان فيما قال لهم: خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، واسمعوا لأمرائكم وأطيعوا، وإن أمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة، مادام يقودكم بكتاب الله.
ثم أتى منزله صلى الله عليه وسلم بمنى، ثم نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم نسكه، ثم دعا الحلاق، فجلس وحلق، حلق شق رأسه الأيمن، وحلق الشق الأيسر.
وحلق بعض أصحابه صلى الله عليه وسلم، وقصر بعضهم ورغب صلى الله عليه وسلم في الحلق، فقال رحم الله المحلقين.
قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: رحم الله المحلقين.
قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: رحم الله المحلقين.
قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: والمقصرين.
ولم يراع بعض الصحابة ترتيبه صلى الله عليه وسلم للأمور الأربعة، معتقدين أن الترتيب غير لازم، لكنهم لما علموا ترتيبه صلى الله عليه وسلم خافوا على صحة مناسكهم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول أحدهم: يا رسول الله، لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر؟ فقال له: اذبح ولا حرج عليك، ويقول آخر: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ فقال له: ارم، ولا حرج عليك، ويقول ثالث: حلقت قبل أن أرمي؟ فقال له: ارم ولا حرج، ويقول رابع: أفضت إلى البيت، وطفت، وسعيت قبل أن أرمي؟ فقال له: ارم ولا حرج.
فما سئل صلى الله عليه وسلم عن شيء من هذه الأربع قدم أو أخر إلا قال: افعل ولا حرج.
ثم دخل صلى الله عليه وسلم مكة ضحى فطاف بالبيت، ثم رجع إلى منزله بمنى فصلى الظهر بمنى.
وهكذا رسم رسول الله صلى الله عليه وسلم مناسك يوم النحر، وأوضحها لأمته قولاً وعملاً أوضح بيان صلى الله عليه وسلم. [فتح المنعم شرح صحيح مسلم] بتصرف يسير.
2 – رميُ جمرة العقبة: أحكامَه، ووقتَه، ومستحباتِه.
من أعمال اليوم العاشر من ذي الحجة -وهو يوم عيد النحر-: رميُ جمرة العقبة، سيأتي بيان أحكامَه، ووقتَه، ومستحباتِه.
فيستحبُ للحاجّ التقاطُ حصى الجمارِ من الطريق يوم النحر، والأفضلُ التقاطه من منى، وإن أخذَه من مزدلفةَ أجزأه، قال ابنُ قدامة -رحمه الله-: «ولا خلاف في أنه يجزئه أخذُه من حيث كان»[ «المغني» لابن قدامة : (٣/ ٤٢٥)]، ويدلّ على الأفضلية حديثُ الفضل بن العباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: « عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ»، وَهُوَ كَافٌّ نَاقَتَهُ حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا، ‑وَهُوَ مِنْ مِنًى‑، عَلَيْكُمْ بِحَصَى الخَذْفِ الذِي يُرْمَى بِهِ الجمْرَةُ»[ أخرجه مسلم كتاب «الحج»: (١/ ٥٨٢)، رقم: (١٢٨٢)، والنسائي كتاب «مناسك الحج»، باب الأمر بالسكينة في الإفاضة من عرفة: (٥/ ٢٥٨)، وأحمد: (١/ ٢١٠)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما].
ويستحب أن يكون حجمُ حصى الرمي مثلَ حصى الخذف قدر حبة الباقلاء[قال النووي في «شرح مسلم» (٩/ ٢٧،٤٧): «ولو رمى بأكبر أو أصغر جاز مع الكراهة»، قلت: «وإنما الكراهة تقررت في الزيادة أو النقصان لدخولها في باب الغلو في الدين الذي يكون سببا في هلاك صاحبه، وكذا الاغتسال لرمي الجمار وغسل الحصى ورمي الجمرات بالنعال، كل ذلك معدود من محدثات الأمور التي لم يرد فيها نص شرعي يسندها أو أثر صحيح عن سلف الأمة يدعمها». قال ابن المنذر: «لا يعلم في شيء من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم غسلها أو أمر بغسلها» قال: ولا معنى لغسلها [«المجموع» للنووي: ٨/ ١٥٣] ما بين حبة الحِمَّص وحبة البندق، والتقاطُها أولى من تكسيرها لهذا الخبر[«المغني» لابن قدامة: (٣/ ٤٢٥)]؛ ولحديثِ ابن عباس رضي الله عنهما: «قَالَ لي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ العَقَبَةِ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ: «هَاتِ الْقُطْ لِي» فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الخَذْفِ فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدِهِ قَالَ: «بِأَمْثَالِ هَؤُلاءِ وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الغُلُوُّ فِي الدِّينِ»[ أخرجه النسائي كتاب «مناسك الحج»، باب التقاط الحصى: (٣٠٥٧)، وابن ماجه كتاب «المناسك»، باب قدر حصى الرمي: (٣٠٢٩)، وأحمد: (١/ ٣٤٧)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. والحديث صححه النووي في «المجموع»: (٨/ ١٧١)، وأحمد شاكر في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد»: (٥/ ٨٥)، والألباني في «السلسلة الصحيحة»: (٣/ ٢٧٨)]
فإذا وصلَ إلى جمرةِ العقبة الكبرى[قال ابن حجر -رحمه الله- في «فتح الباري» (٣/ ٥٨١): «جمرة العقبة: هي الجمرة الكبرى، وليست من منى بل هي حد منى من جهة مكة، وهي التي بايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأنصار عندها على الهجرة، والجمرة اسم لمجتمع الحصى سميت بذلك لاجتماع الناس بها، يقال: تجمر بنو فلان إذا اجتمعوا، وقيل إن العرب تسمي الحصى الصغار جمارا فسميت تسمية الشيء بلازمه، وقيل لأن آدم أو إبراهيم لما غرض له إبليس فحصبه جمر بين يديه أي أسرع فسميت بذلك» وقال -رحمه الله- أيضا في المصدر السابق (٣/ ٥٨٠): «تمتاز جمرة العقبة عن الجمرتين الأخريين بأربعة أشياء: اختصاصها بيوم النحر، وأنه لا يوقف عندها، وترمى ضحى، ومن أسفل استحبابا»] استقبلها وجعل مكةَ عن يساره ومنى عن يمينه، فيرميها بسبع حصياتٍ متعاقباتٍ، يرفع يده عند رمي كلِّ حصاة، ويكبِّر مع كلِّ حصاة، ولا يجزيه أن يرمي الحصياتِ جملةً واحدةً[نظر شروط الرمي في فتوى رقم: (٦٠٦)]، ثم يقطع التلبية مع آخر حصاةٍ يرميها لحديث الفضل رضي الله عنه قَال: «أَفَضْتُ مَعَ النبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في عَرَفَاتٍ فَلَمْ يَزَلْ يُلَبي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ قَطَعَ التَلْبِيَةَ مَعَ آخِرِ حَصَاةٍ»[ أخرجه ابن خزيمة: (٤/ ٢٨٢)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (٥/ ١٣٧)، من حديث الفضل بن العباس رضي الله عنهما. قال ابن خزيمة: «هذا حديث صحيح مفسر لما أبهم في الروايات الأخرى وأن المراد بقوله حتى رمى جمرة العقبة أي أتم رميها» [انظر «فتح الباري» لابن حجر: (٣/ ٥٣٣)]]، وفي حديثِ عبد الرحمن بنِ يزيد رضي الله عنه أنَّه «كَانَ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ فَاسْتَبْطَنَ الوَادِيَ حَتَّى إِذَا حَاذَى بِالشَّجَرَةِ اعْتَرَضَهَا فَرَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ قَالَ: مِنْ هَا هُنَا وَالذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ قَامَ الذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ»[ أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب يكبر مع كل حصاة: (١/ ٤١٩)، ومسلم كتاب «الحج»: (١/ ٥٨٨)، رقم: (١٢٩٦)، من حديث عبد الرحمن بن يزيد]، وفي رواية للبخاري-أيضا-: «فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ»[ أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره: (١/ ٤١٩)، ومسلم كتاب «الحج»: (١/ ٥٨٨)، رقم: (١٢٩٦)، من حديث عبد الرحمن بن يزيد]
وإِنْ رماها من الجوانب الأخرى أجزأَه فعلُه إذا وقع الحصى في المرمى، قال الحافظ -رحمه الله -: «وقد أجمعوا على أنَّه من حيث رماها جاز سواء استقبلها أو جعلها عن يمينه أو يساره أو من فوقها أو من أسفلها أو وسطها، والاختلافُ في الأفضل»[ «فتح الباري»: لابن حجر: (٣/ ٥٨٢) انظر: «الاستذكار» لابن عبد البر: (٤/ ٣٥١)، «شرح مسلم»: للنووي (٩/ ٤٢)]، قال ابنُ المنذر -رحمه الله-: «وأجمعوا على أنه إذا رمى على أيِّ حالةٍ كان الرمي إذا أصاب مكان الرمي أجزأه»[ «الإجماع» لابن المنذر: (٥٢)].
وأفضلُ وقتٍ لرميِ جمرة العقبة الكبرى هو من طلوع الشمس إلى الزوال اتفاقًا، قال ابن قدامة -رحمه الله-: «أمّا وقتُ الفضيلة فبعد طلوعِ الشمس، قال ابنُ عبد البر -رحمه الله-: «أجمع علماء المسلمين على أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما رماها ضحًى ذلك اليوم[قال ابن عبد البر في «الاستذكار»(٤/ ٢٩٣) : «وأجمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رمى يوم النحر في حجته جمرة العقبة بمنى يوم النحر بعد طلوع الشمس. وأجمعوا على أن من رماها ذلك اليوم بعد طلوع الشمس إلى زوالها فقد رماها في وقتها»]، وقال جابر: «رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الجمْرَةَ ضُحًى يَوْمَ النَحْرِ وَحْدَهُ، وَرَمَى بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ زَوَالِ الشَمْسِ»، أخرجه مسلم كتاب «الحج»: (١/ ٥٩٠)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى وَأَمَّا بَعْدُ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ». وقال ابن عباس: قَدَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى حُمُرَاتٍ فَجَعَلَ يَلْطَح أَفْخَاذَنَا وَيَقُولُ: أُبَيْنِيَّ لا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ»[ أخرجه أبو داود كتاب «المناسك»، باب التعجيل من جمع: (٢/ ٣٢٩)، والنسائي كتاب «الحج»، باب النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس: (٣٠٦٤)، وابن ماجه كتاب «الحج»، باب من تقدم من جمع إلى منى: (٣٠٢٥)، وأحمد: (١/ ٣١١)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. والحديث صححه الألباني في «الإرواء»: (٤/ ٢٧٦)]
قال الحافظُ ابنُ حجرٍ -رحمه الله- : «قال ابنُ المنذر: «السنة أن لا يرمي إلاَّ بعد طلوع الشمس كما فعل النبي صلى الله عليه وسلَّم، ولا يجوزُ الرمي قبل طلوع الفجر لأنَّ فاعله مخالفٌ للسنَّة، ومن رمى حينئذٍ فلا إعادةَ عليه، إذ لا أعلمُ أحدًا قال: لا يجزئه»[ «فتح الباري» لابن حجر: (٣/ ٥٢٩)]
وقال الشوكاني – رحمه الله -:«والأدلةُ تدلُّ على أنَّ وقت الرمي بعد طلوع الشمس لمن كان لا رخصة له، ومن كان له رخصة كالنساءِ وغيرِهنَّ من الضَعَفَة جازَ قبل ذلك، ولكنَّه لا يجزئ في أوَّل ليلةِ النحرِ إجماعًا»[ «نيل الأوطار» للشوكاني: (٦/ ١٦٨)، انظر فتوى برقم (١٩٧)].
وإِنْ أخّر إلى ما بعد الزوالِ إلى آخر النهارِ جاز إجماعًا. قال ابنُ عبد البر-رحمه الله-: «وأجمعوا أنَّه إن رماها قبل غروب الشمس من يوم النحر فقد أجزأَ عنه»[ «الاستذكار» لابن عبد البر: (٤/ ٢٩٥)]؛ لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ يُسْأَلُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى فَيَقُولُ: «لاَ حَرَجَ» فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: «حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ»، فَقَالَ:« اذْبَحْ وَلا حَرَجَ» وَقَالَ: «رَمَيْتُ بَعْدَ أَنْ أَمْسَيْتُ» فَقَالَ:« لا حَرَجَ»[ أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب إذا رمى بعدما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ناسيا أو جاهلا: (١/ ٤١٦)، من حديث اين عباس رضي الله عنهما].
وإن تعذَّر عليه الرميُ إلاَّ ليلاً بعد غروب الشمس من يوم النحر جاز على الصحيح[فآخر وقت رمي جمرة العقبة هو غروب الشمس من اليوم الثالث من أيام التشريق، فعند أبي حنيفة ومالك: أن من أخرها إلى أيام التشريق عليه دم، وعند الشافعي وأحمد: لا شيء عليه إلا أنه عند أحمد إذا أخر الرمي إلى أيام التشريق لا يرمي إلا بعد الزوال. [انظر المنتقى للباجي: (٣/ ٥٢-٥٣)، «بدائع الصنائع» للكاساني: (٢/ ٢٠٧-٢٠٨)، «الشرح الكبير» لابن قدامة (٣/ ٤٨٠)، «إعانة الطالبين» للدمياطي: (٢/ ٣٤٨)]]؛ لحديث نافعٍ أن «ابْنَةَ أخٍ لِصَفِيَةَ بِنْتِ عَبْدِ الله نَفِسَتْ بِالمزْدَلِفَةِ، وَتَخَلَّفَتْ هِيَ وَصَفِيَةُ حَتَّى أَتَتَا مِنًى بَعَدَمَا غَرَبَتِ الشَمْسُ يَوْمَ النَحْرِ، فَأَمَرَهُمَا عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ أَنْ تَرْمِيَا الجمْرَةَ حِينَ أَتَتَا، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِمَا شَيْئًا»[ أخرجه مالك في «الموطإ»: (١/ ٤٠٩)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (٥/ ١٥٠)، عن نافع رحمه الله. والأثر صححه زكريا غلام قادر الباكستاني في «ما صح من آثار الصحابة في الفقه»: (٢/ ٨٤٠)]، وقد رخَّص رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم لرعاءِ الإبل الرميَ بالليل فقال: «الرَّاعِي يَرْمِي بِاللَّيْلِ وَيَرْعَى بِالنَّهَارِ»[ أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى»: (٥/ ١٥١)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (٥/ ٦٢٢)]
ويجوزُ للحاجِّ أن يرمي جمرة العقبة راكبًا من غير أن يدفع الناس، ولا يرمي غيرها يوم النحر إجماعًا؛ لحديثِ جابرٍ رضي الله عنه قال : «رَأَيْتُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النحْرِ وَيَقُولُ : «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لاَ أَدْرِي لَعَلِّي لاَ أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ»[ أخرجه مسلم كتاب «الحج»: (١/ ٥٨٩)، رقم: (١٢٩٧)، وأبو داود كتاب «المناسك»، باب في رمي الجمار: (٢/ ٣٤٠)، وأحمد: (٣/ ٣٣٧)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما]، وفي حديث قدامةَ بنِ عبدِ الله رضي الله عنه قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي جَمْرَةَ العَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ صَهْبَاءَ، لاَ ضَرْبَ وَلاَ طَرْدَ وَلاَ إِلَيْكَ إِلَيْكَ»[ أخرجه الترمذي كتاب «الحج»، باب ما جاء في كراهية طرد الناس عند رمي الجمار: (٩٠٣)، والنسائي كتاب «الحج»، باب الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم: (٣٠٦١)، وابن ماجه كتاب «المناسك»، باب رمى الجمار راكبا: (٣٠٣٥)، وأحمد: (٣/ ٤١٣)، من حديث قدامة بن عبد الله العامري رضي الله عنه. والحديث صححه ابن الملقن في «البدر المنير»: (٦/ ٢٥٨)، والألباني في «المشكاة»: (٢/ ٨٠٦)]. وقال ابنُ المنذر: « وأجمعُوا على أنَّه لا يرمي في يوم النحر غيرَ جمرةِ العقبة»[ «الإجماع» لابن المنذر: (٥٢)]، ولا يسنُّ الوقوف عند جمرة العقبة بعد رمي الحصيات السبع لأنّ «النَبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ انْصَرَفَ وَلَمْ يَقِفْ»[ أخرجه البخاري كتاب «الحج» باب إذا رمى الجمرتين يقوم ويسهل مستقبل القبلة: (١/ ٤٢٠)، وابن ماجه كتاب «المناسك»، باب إذا رمى جمرة العقبة لم يقف عندها: (٣٠٣٢)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما].
وليس بمنى صلاةُ عيدٍ، ورميُ جمرة العقبة لهم كالعيد لأهلِ الأمصار[قال ابن تيمية – رحمه الله – في «مجموع الفتاوى» (٢٦/ ١٧٠) : «ومما يغلط فيه الناس: اعتقاد بعضهم أنه يستحب صلاة العيد بمنى يوم النحر حتى قد يصليها بعض المنتسبين إلى الفقه، أخذا فيها بالعمومات اللفظية أوالقياسية وهذه غفلة عن السنة ظاهرة، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخلفاءه لم يصلوا بمنى عيدا قط، وإنما صلاة العيد بمنى هي جمرة العقبة، فرمي جمرة العقبة لأهل الموسم بمنزلة صلاة العيد لغيرهم ولهذا استحب أحمد أن تكون صلاة أهل الأمصار وقت النحر بمنى ولهذا خطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم النحر بعد الجمرة كما كان يخطب في غير مكة بعد صلاة العيد ورمي الجمرة تحية منى كما أن الطواف تحية المسجد الحرام»]، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يصلِّ جمعةً ولا عيدًا في السفر.
ويُسنُّ للإمام – حين ارتفاع الضحى يوم النحر– أن يخطبَ بمنى فينصح المسلمين ويعلِّمهم مناسكهم؛ لحديث رافع بن عمرو الْمُزَني قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِنًى حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحَى عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُعَبِّرُ عَنْهُ وَالنَّاسُ بَيْنَ قَاعِدٍ وَقَائِمٍ»[ أخرجه أبو داود كتاب «المناسك»، باب أي وقت يخطب يوم النحر: (٢/ ٣٣٥)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (٥/ ١٤٠)، من حديث رافع بن علي المزني رضي الله عنه. والحديث صححه النووي في «المجموع»: (٨/ ٩٠)، والألباني في «صحيح أبي داود»: (١٩٥٦)]، ولحديثِ أمِّ الحصين رضي الله عنها قالت: «حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الوَدَاعِ فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ وَانْصَرَفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَمَعَهُ بِلالٌ وَأُسَامَةُ أَحَدُهُمَا يَقُودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ وَالآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ مِن الشَّمْسِ، قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ قَوْلاً كَثِيرًا ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ -حَسِبْتُهَا قَالَتْ أَسْوَدُ- يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا»[ أخرجه مسلم كتاب «الحج»: (١/ ٥٨٩) رقم: (١٢٩٨)، من حديث أم الحصين رضي الله عنها] [مقال: في أعمال اليوم العاشر من ذي الحجة «وهو يوم عيد النحر»، فتاوى الحج – أحكام الحج، رقم الفتوى: ١٠٢٧، ]
3 – مسألة: أيهما أفضل
وقال الشوكاني : قوله : ( على راحلته ) استدل به على أن رمي الراكب لجمرة العقبة أفضل من رمي الراجل ، وبه قالت الشافعية ، والحنفية ، والناصر ، والإمام يحيى ، وقال الهادي والقاسم : إن رمي الراجل أفضل . اهـ .
وقال ابن عابدين : وقوله : ( وجاز الرمي راكبا . . . إلخ ) عبارة المتلقي أخص وهي : وجاز الرمي راكبا ، وغير راكب أفضل في جمرة العقبة . انتهى ، وفي اللباب : والأفضل أن يرمي جمرة العقبة راكبا وغيرها ماشيا في جميع أيام الرمي – إلى أن قال : والضابط : أن كل رمي يقف بعده فإنه يرميه ماشيا ، وهو كل رمي بعده رمي ، كما مر وما لا فلا ، ثم هذا التفصيل قول أبي يوسف ، وله حكاية مشهورة ذكرها ( ط ) وغيره وهو مختار كثير من المشايخ ، كصاحب [ الهداية ] و [ الكافي ] و [ البدائع ] ، وغيرهم ، وأما قولهما : فذكر في [ البحر ] : أن الأفضل الركوب في الكل على ما في الحاشية ، والمشي في الكل على ما في الظهيرية ، وقال : فتحصل أن في
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 36)
المسألة ثلاثة أقوال . . . ثم قال : ( قوله : ورجحه الكمال ) أي : بأن أداءها ماشيا أقرب إلى التواضع والخشوع ، وخصوصا في هذا الزمان ، فإن عامة المسلمين مشاة في جميع الرمي فلا يؤمن من الأذى بالركوب بينهم بالزحمة ، ورميه عليه السلام راكبا إنما هو ليظهر فعله ليقتدى به كطوافه راكبا . اهـ .
قال في [ البحر ] : ولو قيل بأنه ماشيا أفضل إلا في رمي جمرة العقبة وفي اليوم الأخير لكان له وجه ؛ لأنه ذاهب إلى مكة المكرمة في هذه الساعة كما هو العادة ، وغالب الناس راكب فلا إيذاء في ركوبه مع تحصيل فضيلة الاتباع له عليه الصلاة والسلام . اهـ .
وقال السرخسي : وإن رماها راكبا أجزأه ؛ لحديث جابر رضي الله عنه :
أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمار راكبا . اهـ .
وفي [ المدونة الكبرى ] : قلت : فهل يرمي الرجل الجمار راكبا أو ماشيا ، قال : قال مالك : أما الشأن يوم النحر فيرمي جمرة العقبة راكبا كما يأتي على دابته يمضي كما هو يرمي ، وأما في غير يوم النحر فكان يقول : يرمي ماشيا ، قلت : فإن ركب في رمي الجمار في الأيام الثلاثة أو مشى يوم النحر إلى جمرة العقبة فرماها ماشيا هل عليه لذلك شيء ؟ قال : ليس عليه لذلك شيء . اهـ .
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 37)
وقال الدسوقي : ( قوله : وإن راكبا ، أي : إذا وصل إليها ماشيا ؛ بل إن وصل إليها راكبا ، وهذا من تعلقات الندب ، أي : أنه يندب أن يرميها حين وصوله على الحالة التي وصل عليها من ركوب أو مشي فلا يصبر حتى ينزل إذا وصل راكبا ولا يصبر حتى يركب إذا وصل إليها ماشيا ؛ لأن فيه عدم الاستعجال برميها . اهـ .
وقال الشافعي : ولا يرمي يوم النحر إلا جمرة العقبة وحدها ويرميها راكبا ، وكذلك يرميها يوم النفر راكبا ويمشي في اليومين الآخرين أحب إلي . ثم قال : وإن ركب فلا شيء عليه ثم ساق رواية قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة على ناقته الصهباء وليس ضرب ولا طرد ولكن قيل : إليك إليك اهـ .
وقال النووي : ( فرع ) مذهبنا : أنه يستحب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا إن كان دخل منى راكبا ، ويرمي في أيام التشريق ماشيا ، إلا يوم النفر فراكبا ، وبه قال مالك ، قال ابن المنذر : وكان ابن عمر وابن الزبير وسالم يرمون مشاة واستحبه أحمد ، وكره جابر الركوب إلى شيء من الجمار إلا لضرورة . قال : وأجمعوا على أن الرمي يجزئه على أي حال إذا وقع في المرمى ، دليلنا : الأحاديث الصحيحة السابقة . أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 38)
جمرة العقبة راكبا يوم النحر والله أعلم .
وقال ابن قدامة : ويرميها راكبا أو راجلا كيفما شاء ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رماها على راحلته رواه جابر ، وابن عمر ، وأم أبي الأحوص ، وغيرهم ، قال جابر : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول : خذوا عني مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه .
وقال نافع : كان ابن عمر يرمي جمرة العقبة على دابته يوم النحر وكان لا يأتي سائرها بعد ذلك إلا ماشيا ذاهبا وراجعا ، وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأتيها إلا ماشيا ذاهبا وراجعا رواه أحمد في [ المسند ] ثم قال : وفي هذا بيان للتفريق بين هذه الجمرة وغيرها اهـ .
وقال البهوتي : فإذا وصل إلى منى . . . بدأ بها راكبا ؛ إن كان راكبا ؛ لحديث ابن مسعود : أنه انتهى إلى جمرة العقبة فرماها من بطن الوادي بسبع حصيات وهو راكب ، يكبر مع كل حصاة . . . إلى أن قال : هاهنا كان يقوم الذي أنزلت عليه سورة البقرة . رواه أحمد . وظاهر كلام الأكثر ماشيا وإلا – أي : لم يكن راكبا – رماها ماشيا .اهـ.
مما تقدم يتبين : أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة راكبا ، وأن الفقهاء اتفقوا على أنه يجزئ الرمي راكبا وماشيا.
واختلفوا في الأفضل منهما ، هل هو الرمي ماشيا ؛ لأنه أقرب للتواضع
والبعد عن إيذاء المشاة ، وإنما رماها صلى الله عليه وسلم راكبا ؛ ليراه الناس ويسألوه ويقتدوا به ، أو الرمي راكبا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
[أبحاث هيئة كبار العلماء تصفح برقم المجلد > المجلد الأول – إصدار : سنة 1425 هـ – 2004 م > أحكام السعي > حكم السعي فوق سقف المسعى]
4 – مما ورد من أعمال الحج أن النبي صلى الله عليه وسلم كان فيها راكبًا.
أولا :
طاف الرسول صلى الله عليه وسلم في حجته ماشيا وراكبا ، فطاف طواف القدوم ماشيا ، وطاف طواف الإفاضة راكبا .
قال ابن القيم رحمه الله :
” وَأَمَّا طَوَافُهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ قُدُومِهِ، فَاخْتُلِفَ فِيهِ، هَلْ كَانَ عَلَى قَدَمَيْهِ، أَوْ كَانَ رَاكِبًا؟ .
فَفِي ” صَحِيحِ مسلم “: عَنْ عائشة – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: (طَافَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ عَلَى بَعِيرِهِ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُضْربَ عَنْهُ النَّاسُ) .
وَفِي ” سُنَنِ أبي داود “: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: (قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَهُوَ يَشْتَكِي، فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ اسْتَلَمَهُ بِمِحْجَنٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَنَاخَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) ، قَالَ أبو الطفيل: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ حَوْلَ الْبَيْتِ عَلَى بَعِيرِهِ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ، ثُمَّ يُقَبِّلُهُ) ، رَوَاهُ مسلم دُونَ ذِكْرِ الْبَعِيرِ، وَهُوَ عِنْدَ البيهقي، بِإِسْنَادِ مسلم بِذِكْرِ الْبَعِيرِ .
وَهَذَا – وَاللَّهُ أَعْلَمُ – فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لَا فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، فَإِنَّ جابرا حَكَى عَنْهُ الرَّمَلَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ الْمَشْيِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : ” أَمَّا سَبْعُهُ [أي : طوفه سبعة أشواط] الَّذِي طَافَهُ لِمَقْدَمِهِ، فَعَلَى قَدَمَيْهِ؛ لِأَنَّ جابرا حَكَى عَنْهُ فِيهِ: أَنَّهُ رَمَلَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ وَمَشَى أَرْبَعَةً، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جابر يَحْكِي عَنْهُ الطَّوَافَ مَاشِيًا وَرَاكِبًا فِي سَبْعٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ حُفِظَ أَنَّ سَبْعَهُ الَّذِي رَكِبَ فِيهِ فِي طَوَافِهِ يَوْمَ النَّحْرِ ” انتهى من “زاد المعاد” (2/ 212).
ثانيا :
أما سعيه صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة : فقد سعى سعيا واحدا في حجته ، ابتدأه ماشيا ، ثم أتمه راكبا ، لما كثر عليه الناس . ففي حديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: (إِنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ) أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ . فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقِيَ عَلَيْهِ، …… ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ، حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى، حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا ) رواه مسلم (1218).
قال ابن القيم :
” وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ كَانَ مَاشِيًا، وَقَدْ رَوَى مسلم فِي ” صَحِيحِهِ ” عَنْ أبي الزبير، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: (طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِيَرَاهُ النَّاسُ، وَلِيُشْرِفَ، وَلِيَسْأَلُوهُ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ غَشُوهُ) .
وَرَوَى مسلم عَنْ أبي الزبير عَنْ جابر: (لَمْ يَطُفْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا، طَوَافَهُ الْأَوَّلَ) .
والْجَمْعِ بَيْنَهُمَا : أَنَّهُ سَعَى مَاشِيًا أَوَّلًا، ثُمَّ أَتَمَّ سَعْيَهُ رَاكِبًا، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ، فَفِي ” صَحِيحِ مسلم “: عَنْ أبي الطفيل، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبَرَنِي عَنِ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا، أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا، قَالَ: قُلْتُ: مَا قَوْلُكَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ، يَقُولُونَ : هَذَا مُحَمَّدٌ ! هَذَا مُحَمَّدٌ ! حَتَى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنَ الْبُيُوتِ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُضْرَبُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ: فَلَمَّا كَثُرَ عَلَيْهِ رَكِبَ، وَالْمَشْيُ وَالسَّعْيُ أَفْضَلُ ” انتهى من “زاد المعاد” (2/ 211).
ثالثا :
رمى النبي صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة يوم النحر على راحلته . فروى مسلم (1297) عن جابر قال : ( رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ ).
ثم رمى النبي صلى الله عليه وسلم الأيام الثلاثة بعد النحر ماشيا . فروى الترمذي (900) من طريق ابن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَمَى الجِمَارَ مَشَى إِلَيْهَا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا ) وقال الترمذي عقبه : ” هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ، وقَالَ بَعْضُهُمْ: يَرْكَبُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَمْشِي فِي الأَيَّامِ الَّتِي بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ . وَكَأَنَّ مَنْ قَالَ هَذَا، إِنَّمَا أَرَادَ اتِّبَاعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِعْلِهِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَكِبَ يَوْمَ النَّحْرِ حَيْثُ ذَهَبَ يَرْمِي الجِمَارُ، وَلَا يَرْمِي يَوْمَ النَّحْرِ إِلَّا جَمْرَةَ العَقَبَةِ ” انتهى كلام الترمذي رحمه الله .
وحديث ابن عمر هذا صححه الألباني رحمه الله أيضا في “صحيح الترمذي”
وروى أبو داود (1969) عن ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي الْجِمَارَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ مَاشِيًا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا، وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وصححه الألباني في “صحيح أبي داود”
ورواه أحمد (6222) ولفظه : ” كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ عَلَى دَابَّتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَكَانَ لَا يَأْتِي سَائِرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا مَاشِيًا ذَاهِبًا، وَرَاجِعًا، وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَأْتِيهَا إِلَّا مَاشِيًا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا “