1124 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا )
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
——-‘——–‘——‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1124):
قال أبو داود رحمه الله : حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن ابن إسحق حدثني عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، أن العباس بن عبد الله بن العباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته، وكانا جعلا صداقا، فكتب معاوية إلى مروان يأمره بالتفريق بينهما وقال في كتابه: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا حديث حسن.
إلا أنه يعتبر شاذا وابن إسحاق له أوهام فيتوقف في تفسير الشغار بهذا. والظاهر أنه إذا كان هناك صداق فلا يسمى شغارا، والله أعلم.
نقل العلامة مقبل في الحاشية عن عون المعبود : مفعول جعل الأول محذوف ، أي : كانا جعلا إنكاح كل واحد منهما الآخر ابنته صداقا .
==========
الحديث ورد في الصحيحين من حديث ابن عمر . وذكر في رواية عبيد الله أن تفسير الشغار من قول نافع حيث سأله مالك عن الشغار . وسيأتي كذلك في حديث أبي هريرة أن تفسير الشغار ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم . راجع تلخيص الحبير والإرواء .
لم تُكرَّمِ المَرأةُ في حَضارةٍ مِنَ الحَضاراتِ، ولا في شَريعةٍ مِنَ الشَّرائعِ مثلما كرَّمَها الإسلامُ؛ فقد جَعَلَ لها حُقوقًا ومَكانةً وحُظوةً ورأيًا يُحتَرَمُ، ومنه أنَّه فَرَضَ على الرَّجُلِ مَهْرًا يُؤدِّيه إليها إذا أرادها زوجةً، بل أكثرُ مِنْ ذلك؛ أنْ جَعلَ الزَّواجَ لها فيه أمرٌ ومشورةٌ، ولم يجْعلها كَسِلعةٍ تُباعُ أو تُشتَرى أو تُستَبدَلُ.وفي هذا الحديث نهى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم عن زَواجِ الشِّغار. وأَصْلُ الشِّغارِ في اللُّغةِ: الرَّفعُ، يقال: شَغَرَ الكَلْبُ إذا رَفَعَ رِجلَه ليَبولَ، كأنَّه قال: لا تَرفَعُ رِجْلَ ابنتي حتَّى أرفَعَ رِجْلَ ابنتِكَ.
وفي الشَّرعِ- كَما عُرِفَ في الحديث-: أنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابنَتَه، على أنْ يُزَوِّجَه ابنَته، وليس بَينَهُما صَداقٌ. وهَذِهِ الزِّيادةُ؛ قيل: هي مَرفوعةٌ مِنْ كلام النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، وقيل: هي مِنْ كلامِ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ رضي اللَّه عنهما -سيأتي-، وقيل: هي مِنْ كلام نافِعٍ، وقيل: هي مِنْ كَلامِ مالكٍ.
وهذا النَّوعُ مِنَ الزَّواجِ كان مُنْتَشِرًا في الجاهليَّةِ فجاء الإسلامُ فَمَحاهُ؛ لأنَّ فيه فسادًا كَبيرًا، ويُفضِي إلى إجبار النِّساءِ على نِكاحِ مَنْ لا يَرغَبنَ فيه; إيثارًا لمَصلَحةِ الأولياءِ على مَصلَحةِ النِّساءِ، وذلك مُنكَرٌ وظُلمٌ لِلنِّساءِ; ولأنَّ ذلك أيضًا يُفضي إلى حِرمانِ النِّساءِ مِن مُهور أمثالهنَّ. [الموسوعة الحديثية]
والحديث سيكون على النحو التالي:
المسألة الأولى: شروط النكاح وأركانه:
1) شروط النكاح: يشترط في النكاح الآتي:
1- تعيين كل من الزوجين: فلا يصح عقد النكاح على واحدة لا يُعيِّنها كقوله: “زوجتك بنتي” إن كان له أكثر من واحدة، أو يقول: “زوجتها ابنك” إن كان له عدة أبناء. بل لابد من تعيين ذلك بالاسم: كفاطمة ومحمد، أو بالصفة: كالكبرى أو الصغرى.
2- رضا كل من الزوجين بالآخر: فلا يصح نكاح الإكراه؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن».
3- الولاية في النكاح: فلا يعقد على المرأة إلا وليها؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا نكاح إلا بولي»، ويشترط في الولي أن يكون: رجلاً، بالغاً، عاقلاً، حراً، عدلاً ولو ظاهراً.
4- الشهادة على عقد النكاح: فلا يصح إلا بشاهدي عدل مسلمين، بالغين، عدلين، ولو ظاهراً؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وما كان غير ذلك فهو باطل». قال الترمذي: (العمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن بعدهم من التابعين وغيرهم، قالوا: لا نكاح إلا بشهود..). واشتراط الشهادة في النكاح احتياط للنسب خوف الإنكار.
5- خلو الزوجين من الموانع التي تمنع من الزواج، من نسب أو سبب، كرضاع ومصاهرة واختلاف دين، ونحو ذلك من الأسباب؛ كأن يكون أحدهما محرماً بحج، أو عمرة.
———-
2) أركان النكاح: وأركان النكاح التي بها قوامه ووجوده هي:
1- العاقدان: وهما الزوج والزوجة الخاليان من موانع الزواج التي سبقت الإشارة إليها، والآتي ذكرها في بحث المحرمات.
2- الإيجاب: وهو اللفظ الصادر من الولي، أو من يقوم مقامه «وكيلاً» بلفظ إنكاح أو تزويج.
3- القبول: وهو اللفظ الصادر من الزوج أو من يقوم مقامه، بلفظ: قبلت، أو: رضيت هذا الزواج.
ولابد من تقدم الإيجاب على القبول.[ الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة]
المسألة الثانية: ما يتعلق بالشروط التي تكون بين الزوجين
المطلب الأول:
الأصلُ في الشُّروطِ في النكاح:
الأصلُ في الشُّروطِ في النِّكاحِ الحِلُّ والصِّحَّةُ إلَّا ما قام الدَّليلُ على منعِه، وهذا مَذهَبُ الحَنابِلةِ، وقَولُ طائفةٍ مِن السَّلَفِ، وهو اختيارُ ابنِ تيميَّةَ، وابنِ القيِّمِ، وابنِ عثيمين.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
ِ1- قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].
2- قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34].
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةعن عُقبةَ بنِ عامرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أحَقُّ الشُّروطِ أن تُوفوا به ما استحلَلْتُم به الفُروجَ)) أخرجه البخاري (2721) واللفظ له، ومسلم (1418).
ثالثًا: من الآثارعن عَبدِ الرَّحمنِ بنِ غَنْمٍ قال: (شَهِدتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه أُتِيَ في امرأةٍ جَعَل لها زوجُها دارَها، فقال عُمَرُ: لها شَرطُها، فقال رجلٌ: إذًا يُطَلِّقْنَنا، فقال عُمَرُ: إنَّما مَقاطِعُ الحُقوقِ عند الشُّروطِ) [أخرج البخاري قولَ عُمَرَ: (مقاطِعُ الحقوقِ عند الشُّروطِ) معلَّقًا بصيغةِ الجزم قبل حديث (5151). وأخرج الأثرَ بتمامِه موصولًا: سعيدُ بن منصور (1/211 رقم 662)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (16706)، والبيهقي (14826). صحَّحه الألباني في ((إرواء الغليل)) (1891)] الموسوعة الفقهية.
المطلب الثاني: أنواع الشروط في النكاح:
الشروط في النكاح أربعة أنواع:
شروط يجب الوفاء بها.. وشروط لا يجب الوفاء بها.. وشروط فيها نفع للمرأة.. وشروط نهى الإسلام عنها، ولكل نوع من هذه الشروط حكم خاص به.
1- الشروط التي يجب الوفاء بها:
هي ما كانت من مقتضيات العقد، ولم تتضمن تغييراً لحكم الله ورسوله كاشتراط العشرة بالمعروف، والإنفاق عليها، وكسوتها، وسكناها، والقَسْم لها، وأنها لا تخرج من بيته إلا بإذنه، ولا تصوم تطوعاً إلا بإذنه، ولا تنفق من بيته إلا برضاه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ونحو ذلك.
فهذه الشروط كلها يجب الوفاء بها؛ لأنها مما أمر الله ورسوله بها.
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أحَقُّ الشُّرُوطِ أنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ». متفق عليه.
2- الشروط التي لا يجب الوفاء بها: هي الشروط التي يصح معها عقد النكاح، لكنها باطلة؛ لمنافاتها لمقتضى العقد.
كاشتراط ترك الإنفاق عليها، أو عدم الوطء لها، أو ترك المجيء لها، أو اشتراط أن لا مهر لها، أو يعزل عنها، أو اشتراط أن تنفق عليه ونحو ذلك.
فالعقد في نفسه صحيح، لكن هذه الشروط كلها باطلة؛ لأنها تنافي العقد، ولأنها تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد شرعاً.
عَنْ عُرْوَةَ أنَّ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا أخْبَرَتْهُ: أنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا: وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئاً، قالتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إِلَى أهْلِكِ، فَإِنْ أحَبُّوا أنْ أقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ، وَيَكُونَ وَلاؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لأَهْلِهَا فَأبَوْا، وَقالوا: إِنْ شَاءَتْ أنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ، وَيَكُونَ وَلاؤُكِ لَنَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقال لَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ابْتَاعِي، فَأعْتِقِي، فَإِنَّمَا الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ». قال: ثُمَّ قَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقال: «مَا بَالُ أنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ الله، مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطاً لَيْسَ فِي كِتَابِ الله فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ، شَرْطُ الله أحَقُّ وَأوْثَقُ». متفق عليه.
3- الشروط التي فيها نفع للمرأة:
هي الشروط التي لا تنافي العقد كأن تشترط المرأة أن لا يخرجها من دارها، أو بلدها، أو زيادة في مهرها، أو أن لا يتزوج عليها، أو لا يسافر بها ونحو ذلك مما لا ينافي عقد النكاح.
فالعقد صحيح، ويجب على الزوج الوفاء بالشرط، فإن خالف فللزوجة الفسخ إن شاءت.
1- قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ [1]} [المائدة:1].
2- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أحَقُّ الشُّرُوطِ أنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ». متفق عليه.
4- الشروط التي نهى الإسلام عنها:
وهي نوعان:الأول: شروط فاسدة تبطل عقد النكاح:ومنها:الشروط الفاسدة في النكاح نوعان:
الأول: شروط فاسدة تبطل العقد، ومنها:
1 – نكاح الشغار: وهو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته أو غيرهما ممن له الولاية عليها على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته ونحو ذلك، وهذا النكاح فاسد ومحرم، سواء سمُيِّ فيه مهر أو لم يسم فيه شيء.
* إذا وقع مثل هذا النكاح فعلى كل واحد تجديد العقد دون شرط الأخرى، ويتم العقد بمهر جديد، وعقد جديد، وولي، وشاهدي عدل، والأخرى كذلك ولا حاجة إلى الطلاق. عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشِّغَار. متفق عليه.
علة التحريم: لما فيه من ظلم للمرأة ، وهضم لحقها ، وتلاعب بمسؤولية الولاية .
2 – نكاح المحلل: وهو أن يتزوج الرجل المطلقة ثلاثاً بشرط أنه متى حلّلها للأول طلقها، أو نوى التحليل بقلبه، أو اتفقا عليه قبل العقد.
وهذا النكاح فاسد ومحرم، ومن فعله فهو ملعون، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لعن الله المحلِّل والمحلَّل له)). أخرجه أبو داود والترمذي. [صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2076)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (1827). وأخرجه الترمذي برقم (1119)، صحيح سنن الترمذي رقم (894)].
3 – نكاح المتعة: وهو أن يعقد الرجل على المرأة يوماً أو أسبوعاً أو شهراً أو سنة أو أقل أو أكثر ويدفع لها مهراً فإذا انتهت المدة فارقها.
وهذا النكاح فاسد لا يجوز؛ لأنه يضر بالمرأة ويجعلها سلعة تنتقل من يد إلى يد، ويضر بالأولاد كذلك، حيث لا يجدون بيتاً يستقرون ويتربّون فيه، فالمقصود به قضاء الشهوة لا النسل والتربية، وقد أُحلّ في أول الإسلام لفترة ثم حُرّم إلى الأبد.
عن سبرة الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليُخَلِّ سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً)). أخرجه مسلم.
* من تزوج بأربع نساء ثم عقد على خامسة فالعقد عليها فاسد، والنكاح باطل يجب إنهاؤه.
* يحرم زواج المسلمة بغير المسلم، سواء كان من أهل الكتاب أو غيرهم؛ لأنها أعلى منه بتوحيدها وإيمانها وعفتها، وإذا وقع هذا الزواج فهو فاسد ومحرم يجب إنهاؤه؛ لأنه لا ولاية لكافر على مسلم أو مسلمة.
قال الله تعالى: (وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) (البقرة/221).
الثاني: شروط فاسدة لا تبطل عقد النكاح، ومنها:
1 – إذا شرط الزوج في عقد النكاح إسقاط حق من حقوق المرأة كأن شرط أن لا مهر لها، أو لا نفقة لها، أو أن يقسم لها أقل من ضرتها، أو أكثر، أو شرطت طلاق ضرتها فالنكاح صحيح والشرط باطل.
2 – إذا شرطها الزوج مسلمة فبانت كتابية، أو شرطها بكراً فبانت ثيباً، أو شرط نفي عيب لا ينفسخ به النكاح كالعمى، والخرس ونحوهما فبانت بخلاف ما ذكر فالنكاح صحيح، وله الفسخ إن شاء.
3 – إذا تزوج امرأة على أنها حرة فبانت أمة فله الخيار إن كانت ممن تحل له، وإذا تزوجت المرأة رجلاً حراً فبان عبداً فلها الخيار في البقاء أو الفسخ.[ كتاب الموسوعة الفقهية، موسوعة الفقه الإسلامي]
فصل في نكاح الشغار – غير ما سبق –
مسألة: الزواج على سبيل البدل له ثلاث صور :
الأولى: أن يتزوج كلُّ واحدٍ منهما من قريبة الآخر ومن هي تحت ولايته ، دون اشتراط أن يكون زواج أحدهما مبنياً على زواج الآخر ومتوقفاً عليه ، ومع وجود مهر مقرَّر لكلٍّ منهما.
فهذه الصورة ليست من ” نكاح الشغار ” ولا حرج فيها.
جاء في ” فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى ” ( 18/427 ) :” أما إن خطب هذا مولية هذا ، وخطب الآخر موليته ، من دون مشارطة ، وتم النكاح بينهما برضى المرأتين مع وجود بقية شروط النكاح : فلا خلاف في ذلك ، ولا يكون حينئذ من نكاح الشغار ” انتهى .
الثانية: أن يتم الزواج بشرط أن يزوج كل واحد منهما موليته من الآخر ، مع عدم وجود مهر لهما –سيأتي مسألة المهر إن شاء الله تعالى-، بحيث يكون بُضْعُ كل واحدةٍ منهما فِي مُقابَلة بضْع الأخرَى.
فهذه الصورة من الشغار المنهي عنه في السنة النبوية باتفاق العلماء.
قال الإمام الشافعي رحمه الله :” فَإِذَا أَنْكَحَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أَوْ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا مَنْ كَانَتْ ، عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ ابْنَتَهُ أَوْ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا مَنْ كَانَتْ ، عَلَى أَنَّ صَدَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الْأُخْرَى ، وَلَمْ يُسَمَّ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقٌ : فَهَذَا الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلاَ يَحِلُّ النِّكَاحُ ، وَهُوَ مَفْسُوخٌ ” انتهى من ” الأم ” (6/198) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله :” وَأَمَّا مَعْنَاهُ فِي الشَّرِيعَةِ : فَهُوَ أَنْ يُنْكِحَ الرَّجُلُ وَلَيَّتَهُ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ الْآخَرُ وَلَيَّتَهُ ، وَلَا صَدَاقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بُضْعُ هَذِهِ بِبُضْعِ هَذِهِ ، عَلَى مَا فَسَّرَهُ مَالِكٌ وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ ” انتهى من ” الاستذكار ” (5/465) .
وقال – أيضاً – : ” وهذا ما لا خلاف بين العلماء فيه أَنَّهُ الشِّغَارُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ” انتهى من ” التمهيد ” (14/70) .
وقال ابن رشد رحمه الله :” فَأَمَّا نِكَاحُ الشِّغَارِ ، فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ صِفَتَهُ هُوَ أَنْ يُنْكِحَ الرَّجُلُ وَلِيَّتَهُ رَجُلًا آخَرَ عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ الْآخَرُ وَلِيَّتَهُ ، وَلَا صَدَاقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بُضْعَ هَذِهِ بِبُضْعِ الْأُخْرَى ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ نِكَاحٌ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْهُ ” انتهى من ” بداية المجتهد ” (3/80) .
وهذا الحكم لا يقتصر على البنت أو الأخت ، بل يشمل كل من كانت تحت ولايته.
قال النووي رحمه الله :” وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْبَنَاتِ مِنَ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتِ الْأَخِ وَالْعَمَّاتِ وَبَنَاتِ الْأَعْمَامِ وَالْإِمَاءِ ، كَالْبَنَاتِ فِي هَذَا ” انتهى من ” شرح صحيح مسلم ” (9/201) .
وعلماء المذهب الحنفي يوافقون جمهور العلماء على أن هذه الصورة من النكاح ، منهي عنها ولا تجوز، إلا أنهم يصححون النكاح ، ويوجبون فيه مهر المثل لكل واحدة منهما ، قالوا : وبذلك لا يكون شغارا.انظر : المبسوط (5/105) ، بدائع الصنائع (2/278) .
الثالثة: أن يزوج الرجل ابنته أو أخته أو من هي تحت ولايته ، بشرط أن يزوجه الآخر ابنته أو موليته، لكن مع وجود مهرٍ لكلٍّ منهما، سواء كان متساوياً أو مختلفاً.
فهذه الصورة محل خلاف بين العلماء.
فذهب بعض العلماء إلى أن هذه الصورة تدخل في الشغار المنهي عنه أيضاً ، وأن وجود الشرط كافٍ في جعلها من نكاح الشغار ، وهو قول الظاهرية ، واختاره بعض العلماء من الشافعية والحنابلة.
قال الخرقي – الحنبلي – رحمه الله :
” وإذا زوجه وليته ، على أن يزوجه الآخر وليته : فلا نكاح بينهما ، وإن سموا مع ذلك أيضا صداقا ” انتهى من ” مختصر الخرقي ” (ص 238 ) ، وانظر : ” المحلى ” لابن حزم (9/118) .
واختار هذا القول الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى ، واللجنة الدائمة للإفتاء ، فجاء في فتواهم:
” إذا زوَّج الرجل موليته لرجل ، على أن يزوجه الآخر موليته : فهذا هو نكاح الشغار الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو الذي يسميه بعض الناس نكاح ” البدل ” ، وهو نكاح فاسد ، سواء سمِّي فيه مهر أم لا ، وسواء حصل التراضي أم لا ” انتهى ” فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى ” (18/427) .واحتجوا بما رواه مسلم في صحيحه (1416) من طريق ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : ” نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّغَارِ ، وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ : زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي ، أَوْ زَوِّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِي ” .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :” والصواب أنه يكون شغارا مطلقا ، إذا كان فيه الشرط ؛ لظاهر الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( والشغار أن يقول الرجل : زوجني أختك وأزوجك أختي أو زوجني بنتك وأزوجك بنتي ) ، ولم يقل : وليس بينهما صداق ، بل أطلق ” انتهى من ” مجموع فتاوى ابن باز” (20/280) .
وقال – أيضاً – رحمه الله :” نكاح البدل لا يجوز ، ويسمى نكاح الشغار ، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث ، فلا يجوز نكاح البدل بالمشارطة ، يقول هذا : زوجني أختك ، وأزوجك أختي ، أو زوجني بنتك وأزوجك بنتي ، هذا هو نكاح البدل ويقال له : نكاح الشغار ، ولو سمى مهرا ، ولو تساوى المهر ، ولو اختلف المهر ، ما دام فيه مشارطة لا يجوز ” انتهى من ” فتاوى نور على الدرب ” لابن باز (21/26) .
قال عبدالمحسن العباد : ولو وجد الصداق فإن المحاذير موجوده . فقد تبخس المرأة حقها وقد يقل الصداق .
وهذا النكاح يسميه المالكية : ” وجه الشغار ” ، والحكم فيه عندهم : أنه يفسخ قبل الدخول استحباباً، وأما بعد الدخول فيحكم بصحته ، مع ثبوت الأكثر من مهر المثل ، أو المهر المسمى لكل منهما.
ففي ” التهذيب في اختصار المدونة ” (2/132) :” وإن قال له : زوجني ابنتك بمائة على أن أزوجك ابنتى بمائة ، أو قال : بخمسين ، فلا خير فيه ، وهو من وجه الشغار ، ويفسخ قبل البناء ويثبت بعده ، ويكون لكل واحدة منهما الأكثر من التسمية أو صداق المثل ، وليس هذا بصريح الشغار لدخول الصداق فيه ” انتهى .
وإنما سمي ” وجه الشغار”؛ ” لِأَنَّهُ شِغَارٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ، فَحَيْثُ إنَّهُ سَمَّى لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَدَاقًا ، لَيْسَ بِشِغَارٍ ؛ لِعَدَمِ خُلُوِّ الْعَقْدِ عَنْ الصَّدَاقِ ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَرْطُ تَزَوُّجِ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى ، فَهُوَ شِغَارٌ ” انتهى من ” حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني ” (2/52) .
والذي عليه جمهور العلماء : أن هذا النكاح لا يعد من الشغار، إذا تم تسمية مهرٍ لكلٍّ منهما .
قَالَ الإمام الشَّافِعِيُّ رحمه الله :” وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الرَّجُلَ أَوْ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا ، عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ ، أَوْ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا ، عَلَى أَنَّ صَدَاقَ إحْدَاهُمَا كَذَا ، لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ ، وَصَدَاقَ الْأُخْرَى كَذَا ، لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ ، أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَلَيْسَ هَذَا بِالشِّغَارِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ” انتهى من ” الأم ” (5/83) .
وقال ابن قدامة رحمه الله :” فَأَمَّا إنْ سَمَّوْا مَعَ ذَلِكَ صَدَاقًا ، فَقَالَ : زَوَّجْتُك ابْنَتِي ، عَلَى أَنْ تُزَوِّجُنِي ابْنَتَك ، وَمَهْرُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِائَةٌ ، أَوْ مَهْرُ ابْنَتِي مِائَةٌ وَمَهْرُ ابْنَتِك خَمْسُونَ ، أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ : صِحَّتُهُ ” انتهى من “المغني” (7/177) .
وقال ابن القيم: ” وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ النَّهْيِ :
فَقِيلَ : هِيَ جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَقْدَيْنِ شَرْطًا فِي الْآخَرِ .
وَقِيلَ : الْعِلَّةُ التَّشْرِيكُ فِي الْبُضْعِ ، وَجَعْلُ بُضْعِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مَهْرًا لِلْأُخْرَى ، وَهِيَ لَا تَنْتَفِعُ بِهِ ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهَا الْمَهْرُ ، بَلْ عَادَ الْمُهْرُ إِلَى الْوَلِيِّ ، وَهُوَ مِلْكُهُ لِبُضْعِ زَوْجَتِهِ بِتَمْلِيكِهِ لِبُضْعِ مُوَلِّيَتِهِ ، وَهَذَا ظُلْمٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَرْأَتَيْنِ ، وَإِخْلَاءٌ لِنِكَاحِهِمَا عَنْ مَهْرٍ تَنْتَفِعُ بِهِ .
وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلُغَةِ الْعَرَبِ ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ : بَلَدٌ شَاغِرٌ مِنْ أَمِيرٍ ، وَدَارٌ شَاغِرَةٌ مِنْ أَهْلِهَا : إِذَا خَلَتْ ، وَشَغَرَ الْكَلْبُ : إِذَا رَفَعَ رِجْلَهُ وَأَخْلَى مَكَانَهَا .
فَإِذَا سَمَّوْا مَهْرًا مَعَ ذَلِكَ زَالَ الْمَحْذُورُ ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اشْتِرَاطُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْآخَرِ شَرْطًا لَا يُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ ، فَهَذَا مَنْصُوصُ أَحْمَدَ ” انتهى من ” زاد المعاد في هدي خير العباد ” (5/99) .
ويدل على هذا : ما رواه البخاري (5112) ، ومسلم (1415) من طريق مَالِكٌ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ ” ، ” وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ ” .
قَالَ الإمام الشَّافِعِيُّ رحمه الله :” لاَ أَدْرِي تَفْسِيرَ الشِّغَارِ فِي الْحَدِيثِ ، أَوْ مِنْ ابْنِ عُمَرَ ، أَوْ نَافِعٍ ، أَوْ مَالِكٌ ” انتهى من ” الأم ” للشافعي (6/197) .
وقد جاء ما يدل على أن هذا التفسير من نافع رحمه الله تعالى.
ففي صحيح البخاري (6960) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عمر العمَري ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ ” .
قُلْتُ لِنَافِعٍ : مَا الشِّغَارُ ؟
قَالَ : ” يَنْكِحُ ابْنَةَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ ابْنَتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ ، وَيَنْكِحُ أُخْتَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ أُخْتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ”.
وقال الجوهري في ” الصحاح ” (2/700) :” والشِغارُ بكسر الشين : نِكاح كان في الجاهلية ، وهو أن يقول الرجل لآخر : زَوِّجْني ابنتك أو أختك على أن أزوِّجك أختي أو ابنتي ، على أنَّ صداق كلِّ واحدة منهما بُضْعُ الأخرى ، كأنَّهما رفعا المهر وأخليا البُضْعَ عنه ” انتهى .
وأما ما رواه مسلم من طريق ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بن عمر العمري ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : ” نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّغَارِ ، وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ : زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي ، أَوْ زَوِّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِي ” .
فإن تفسير الشغار فيه ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً ، فقد رواه النسائي (6/112) : وبين فيه أن تفسير الشغار ، هو في قول عبيد الله بن عمر العمري – أحد رواة الحديث – ، وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم .
وعلى هذا ، فلا حجة في هذا التفسير ، بل تفسير نافع أولى بالقبول منه.
وما ذهب إليه جمهور العلماء : أقوى وأرجح ، فإذا فُرض لها مهر مثلها ، وكان الزوج كفئا رضيت المرأة به : فليس هذا بنكاح الشغار .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :” وَالصَّوَابُ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَد فِي عَامَّةِ أَجْوِبَتِهِ ؛ وَعَامَّةُ أَكْثَرِ قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ : أَنَّ الْعِلَّةَ فِي إفْسَادِهِ بِشَرْطِ إشْغَارِ النِّكَاحِ عَنْ الْمَهْرِ ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (34/126) .
وقد اختار هذا القول سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله ، فإنه سئل عن نكاح البدل إذا كانت كل واحدة من الزوجتين راضية وكان لها مهرها كاملا.
فأجاب : ” إذا كان الأمر كما ذكرت من أن لكل واحدة من الزوجين مهر مثلها ، وأن كل واحدة منهما راضية بالزواج من الآخر : فلا بأس بالزواج المذكور ، وليس من الشغار المحرم ، وبالله التوفيق ” انتهى من ” فتاوى الشيخ محمد بن ابراهيم ” (10/159) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :” إذا كان المهر مهر مثلها لم ينقص ، والمرأة قد رضيت بالزوج ، وهو كفء لها ، فإن هذا صحيح ، وهذا هو الصحيح عندنا ، أنه إذا اجتمعت شروط ثلاثة : وهي الكفاءة ، ومهر المثل ، والرضا ، فإن هذا لا بأس به ؛ لأنه ليس هناك ظلم للزوجات ، فقد أعطين المهر كاملاً ، وليس هناك إكراه ، بل غاية ما هنالك أن كل واحد منهما قد رغب ببنت الآخر ، فشرط عليه أن يزوجه … .
فظاهر الأدلة يقتضي أنه إذا وجد مهر العادة ، والرضا ، والكفاءة : فلا مانع ” انتهى من ” الشرح الممتع على زاد المستقنع ” (12/174) .
ومع القول بصحة العقد في هذه الصورة ، إلا أنه لا ينبغي سلوك هذه الطريق في الزواج.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في ” مجموع فتاويه ” (10/158) :”وينبغي أن يلاحظ في المستقبل : بأن لا يعقد نكاحا فيه مبادلة ، سواء ذكر فيه مهرا أم لا ؛ لقوة القول بفساده ؛ لما فيه من فساد عظيم ؛ لأنه يفضي إلى إجبار النساء على نكاح من لا يرغبن فيه ، إيثارا لمصلحة الأولياء على مصلحة النساء ، وهذا ، كما لا يخفى : لا يجوز ؛ ولأنه يؤدي أيضا إلى حرمان النساء من مهور أمثالهن ، كما هو الواقع بين غالب الناس المتعاطين لهذا الأمر ، كما أنه يفضي إلى كثير من النزاع والخصومات بعد الزواج ” انتهى .
ثالثاً :إذا وقع نكاح الشغار – يعني : في الصورة التي اتفق العلماء على أنها من الشغار المنهي عنه ، على ما سبق – فهو باطل يجب فسخه عند جمهور العلماء ، وتجديد العقد.
سئل الإمام مالك رحمه الله كما في ” المدونة الكبرى ” (2/98) :”أَرَأَيْتَ نِكَاحَ الشِّغَارِ إذَا وَقَعَ ، فَدَخَلَا بِالنِّسَاءِ وَأَقَامَا مَعَهُمَا حَتَّى وَلَدَتَا أَوْلَادًا ؛ أَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزًا أَمْ يُفْسَخُ ؟
قَالَ : قَالَ مَالِكٌ : يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ” انتهى .
وقال الشافعي :” فَلاَ يَحِلُّ النِّكَاحُ ، وَهُوَ مَفْسُوخٌ ” انتهى من ” الأم ” (6/198) .
وقال ابن قدامة رحمه الله :” وَلَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ ، فِي أَنَّ نِكَاحَ الشِّغَارِ فَاسِدٌ ” انتهى من ” المغني ” (10/42) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله المالكي :” وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ هَذَا النِّكَاحِ ، وَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ ” انتهى من ” الاستذكار ” (16/203) .
وعليه :
فمن تبين له أن زواجه كان على سبيل الشغار ، فيجب عليه فسخ هذا النكاح ، وعقده من جديد مع توفر سائر شروطه ، وأن يفرض للمرأة فيه مهراً يتراضيان عليه ، فقد سئل سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله عن نكاح الشغار فقال :” النكاح فاسد ، ويلزم التفريق بينهما… ثم بعد ذلك هو خاطب من الخطاب إذا رغبته المرأة ودفع لها مهر مثلها : جاز له نكاحها بعقد جديد ” انتهى من ” فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ” (10/160) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :” فيزوجه وليها من جديد ، بعقد شرعي ومهر شرعي ، وبحضور شاهدين ، ولا حاجة إلى عدة بل في الحال ؛ لأن الماء ماؤه … أما إذا كان لا يرغب فيها ، وهي لا ترغب فيه ، فيطلقها طلقة واحدة ، فإذا اعتدت تزوجها من شاءت ” انتهى من ” فتاوى نور على الدرب ” لابن باز (21/39) .
ولكن سبق أن علماء المذهب الحنفي يصححون النكاح في هذه الصورة ، ويوجبون مهر المثل لكل امرأة.
فمن قلدهم في هذا القول ، أو كان في بلد عامة أهله على المذهب الحنفي ، أو القضاء في محاكمهم عليه : فإنه لا يفسخ نكاحه ، كما هي القاعدة في المسائل الاجتهادية.
قال ابن قدامة رحمه الله ، بعد الكلام على بطلان النكاح من غير ولي ، كما هو مذهب جمهور العلماء، خلافا للأحناف :” فَإِنْ حَكَمَ بِصِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ حَاكِمٌ ، أَوْ كَانَ الْمُتَوَلِّي لِعَقْدِهِ حَاكِمًا : لَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ؛ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ ” انتهى من ” المغني ” (7/6) .
وقال ابن مفلح رحمه الله :” وَمَنْ قَلَّدَ فِي صِحَّةِ نِكَاحٍ ، لَمْ يُفَارِقْ بِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ ؛ كَحُكْمٍ ” انتهى من ” الفروع ” (11/218) .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن نكاح التحليل ، وماذا لو قلد المسلم بعض العلماء الذين أجازوه ؟فأجاب :” التَّحْلِيلُ الَّذِي يَتَوَاطَئُونَ فِيهِ مَعَ الزَّوْجِ – لَفْظًا أَوْ عُرْفًا – عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ الْمَرْأَةَ أَوْ يَنْوِيَ الزَّوْجُ ذَلِكَ : مُحَرَّمٌ ؛ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعِلَهُ فِي أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةٍ … وَلَا تَحِلُّ لِمُطَلَّقِهَا الْأَوَّلِ بِمِثْلِ هَذَا الْعَقْدِ ، وَلَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْمُحَلِّلِ إمْسَاكُهَا بِهَذَا التَّحْلِيلِ ؛ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِرَاقُهَا .
لَكِنْ إذَا كَانَ قَدْ تَبَيَّنَ بِاجْتِهَادِ ، أَوْ تَقْلِيدٍ : جَوَازُ ذَلِكَ ؛ فَتَحَلَّلَتْ وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ : فَالْأَقْوَى : أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِرَاقُهَا ؛ بَلْ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَقَدْ عَفَا اللَّهُ فِي الْمَاضِي عَمَّا سَلَفَ ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (32/151-152) .
الفتاوى الواردة في الباب: فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى :
الشـِّغار وحكمه في الإسـلام للشيخ: عبد الله بن عبد العزيز العقيل
السؤال: سائل يسأل عن حكم الشغار، وأنه منتشر في عدد كثير من القبائل، لاسيما قبائل البادية، حيث إن الأب أو الأخ يمنع زواج موليته حتى يأتيه من يبادله بها. ويشير إلى أن هذه العادة أضرت بكثير من البنات اللاتي عنسن، وصارت أخطار الانتكاس في أحضان الرذيلة تهددهن من كل جانب، ويطلب بياناً شافياً عن الشغار وحكمه في الإسلام، وما حكم الإسلام فيمن آثر مصلحته على مصلحة موليته؟
الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
فالشِّغار: هو أن يقول الرجل للآخر: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، أو زوجني أختك وأزوجك أختي، وليس بينهما صداق. وسمي هذا النوع من التعاقد شغارا؛ لقبحه، شبه في القبح بالكلب يرفع رجله. ليبول. يقال: شغر الكلب: إذا رفع رجله ليبول، فكأن كل واحد رفع رجله للآخر عما يريده. وقيل: إنه من الخلو. يقال: شغر المكان: إذا خلا، والجهة شاغرة: أي خالية…..
ونظراً لقوة الخلاف في المسألة، فالذي يترجح عندنا: أن ما كان منه شغاراً صريحاً لا خلاف فيه؛ وهو: ألا يكون لإحداهما مهر، بل بضعٌ في نظير بضع، أو هناك مهر قليل حيلةً -أن حكم هذا البطلان، فيفسخ العقد فيه، سواء أكان قبل الدخول أم بعده. وقد جاءت الشريعة الإسلامية بتحريم الشغار؛ لما فيه من التلاعب بمسئولية الولاية، وما تقتضيه من وجوب النصح، وبذل الجهد في اختيار من يكون عوناً لها على ما يسعدها في حياتها الدنيا، وفي الآخرة؛ وذلك أن الولي نظرُه لوليته نظرُ مصلحة ورعاية واهتمام، لا نظر شهوة وتسلط وإهمال، فليست بمنزلة أمته، أو بهيمته، أو ما يملكه مما يعاوض بها على ما يريد، وإنما هي أمانة في عنقه، يتعين عليه أن يحقق لها من زواجها كفاءة الزوج، وصداق المثل؛ فكل راع مسئول عن رعيته. ومتى كان من الولي تساهل في توخي مصلحة موليته؛ بإيثاره مصلحته عليها، كأن يعاوضه عليها بمال أو زوجة، أو يعضلها عن الزواج؛ انتظاراً لمن يعطيه ما يريد- سقطت ولايته عليها، وقامت ولايتها لمن يُعنى بها وبمصالحها، ممن هو أولى بولايتها. وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.[للشيخ: عبد الله بن عبد العزيز العقيل]