1142 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم وآخرين
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1142):
قال الإمام أحمد رحمه الله : حدثنا يزيد بن عبد ربه حدثنا الوليد بن مسلم حدثني ابن جابر قال سمعت سليم بن عامر قال سمعت المقداد بن الأسود يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الإسلام بعز عزيز أو ذل ذليل إما يعزهم الله عز وجل فيجعلهم من أهلها أو يذلهم فيدينون لها.
هذا حديث صحيح .
===================
قال أبوحاتم في العلل في حديث في صحيح مسلم من طريق سليم بن عامر قال : سمعت المقداد الحديث …..فذكر دنو الشمس مقدار ميل. قال : الصواب المقدام بن معدي ولم يسمع من المقداد بن الأسود.
مع أن البخاري في التاريخ الكبير 456 ذكر سماع سليم بن عامر من المقداد بن الأسود فذكر بإسناده عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر عن تميم الداري سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ليبلغن هذا الأمر ما بلغ اللَّيل . وقال لنا زكريا حدثنا الحكم بن المبارك قال أخبرني عبدالرحمن بن يزيد عن سليم بن عامر أنه سمع المقداد بن الأسود قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا يبقى على ظهر الأرض. نحوه . انتهى
فلا أدري هل البخاري يريد الإشارة لاعلال أحد الطريقين لانها تدور على سليم بن عامر أو يريد انه محفوظ من الطريقين
وابن كثير ذكر حديث المقداد وتميم وذكر كذلك حديث عدي بن حاتم. ….وفيه : فوالذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الضعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد . ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز . أخرجه أحمد في مسنده وذكر حديث عائشة وسيأتي كلها في قوله تعالى ( ليظهره على الدين كله )
وذكر باحث أن البخاري مقصوده في إيراد حديث تميم والمقداد الاختلاف في السند . وقال ان أبا حاتم لم يثبت سماع سليم من المقداد بن الأسود . وحديث أبي ثعلبة فيه أبو فروة الرهاوي ضعيف ليس بشيء.
وضعف حديث عائشة لأنه لا يعلم سماع الأسود بن العلاء من أبي سلمة ونقل اختلاف الأسانيد من التاريخ الكبير 1430 .
وحديث أبي هريرة فيه نجيح أبو معشر منكر الحديث
وتعقب باحثون بأن حديث عائشة في مسلم . وأنه ليس كل اختلاف ذكره البخاري تعليل مع تعقبات أخرى
و تميم رضي الله عنه لم أجد له مسندا في الصحيح المسند فعلى هذا حديثه هذا على شرط الذيل على الصحيح المسند.
الحديث سيكون من وجوه:
أولاً: شرح الحديث: قال: عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يبقى على ظهر الأرض بيت مَدَرٍ)) أي: الطين الصلب. ((شرح النووي على مسلم)) (18/69) ((ولا وَبَرٍ)) أي: الوبر: صوف أو شعر. ((تحفة الأحوذي)) لعبد الرحمن المباركفوري (6/419). ((إلَّا أدخله الله كلمة الإسلام، بِعزِّ عَزِيزٍ، أو ذُلِّ ذَلِيلٍ، إمَّا يُعِزُّهم الله، فيجعلهم من أهلها، أو يُذِلهُّم، فيدينون لها)).
وجاء في (المسند) عن تميم الدَّاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليَبْلُغن هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله اللهُ هذا الدِّين، بِعِزِّ عَزِيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر)).وكان تميم الدَّاري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخيرُ والشَّرَف والعزُّ، ولقد أصاب من كان منهم كافرًا الذُّل والصَّغَار والجِزْية.[رواه أحمد (4/103) (16998)، والطَّبراني (2/58) (1280)، والحاكم (4/477)، والبيهقي (9/181) (19089). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (6/17): رجاله رجال الصَّحيح. وقال الألباني في ((تحذير الساجد)) (158): على شرط مسلم، وله شاهد على شرط مسلم أيضًا].
قال محققو المسند 28/155 : إسناده صحيح على شرط مسلم
وفي الباب عن شداد بن أوس سيرد 17115 . وعن عدي بن حاتم سيرد 4/257 . وعن ثوبان سيرد 5/278 ، وعن المقداد بن الأسود سيرد 4/6 . وعن عائشة عند مسلم 2907
حديث ثوبان رواه مسلم ( إن الله زوى لي مشارق الأرض ومغاربها. …)
وحديث عائشة ( لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى . قلت يا رسول إن كنت لاظن أن الله حين قال ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ) التوبة 33 أن ذلك تام . قال : إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ثم يبعث الله ريحا طيبة فتوفى من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فيبقى من لا خير فيهم فيرجعون إلى دين آبائهم . أخرجه مسلم
“ففي حديث المقداد وغيره يُـبَشِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بِعِزِّ هذا الدِّين وتمكينه في الأرض .
والحديث مُقْتَبَسٌ من قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التَّوبة: 33] [((مرقاة المفاتيح)) لملا علي القاري (1/ 116)].
– و((أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عُيينة بن حصن بن حذيفة، والحارث بن عوف بن أبى حارثة، رئيسي غَطَفَان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة، وجرت المراوَضةَ في ذلك، ولم يتمَّ الأمر، فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فقالا: يا رسول الله، أشيء أمرك الله به فلا بدَّ لنا منه؟ أم شيء تحبُّه فنصنعه، أم شيء تصنعه لنا؟ قال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا أنِّى رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة. فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنَّا نحن وهؤلاء القوم على الشِّرك بالله وعبادة الأوثان، وهم لا يطيقون أن يأكلوا منها تمرة إلا قِرَى أو بَيْعًا، فحين أكرمنا الله تعالى بالإسلام، وهدانا له، وأعزَّنا بك وبه- نعطيهم أموالنا؟ والله لا نعطيهم إلَّا السَّيف. فصوَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيه، وتمادوا على حالهم)) ذكره ابن حزم في ((جوامع السيرة)) (ص 188).
وهكذا كأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يربِّيهم على معاني العِزَّة، ويغرسها في قلوبهم غرسًا”.[الدرر]
و”لم يفتأ كتاب الله عزَّ وجلَّ يبثُّ في قلب المؤمن وروحه هذا الشُّعور العظيم، الشُّعور بالعِزَّة المستمدَّة من عِزَّة هذا الدِّين وقُـوَّته، والمسْتَلْهَمة من آيات كتابه وتعاليمه، عِزَّةٌ تجعله يترفَّع عن كلِّ ما من شأنه أن يَحُطَّ من قدره، أو يُرْغِمه على إعطاء الدَّنيَّة في دينه.
ففي العديد من آيات الكتاب الكريم، ينبِّه المولى -تبارك وتعالى- على هذه القضيَّة، والتي ينبغي على المؤمن أن يجعلها نُصْب عينيه، فلا يغفل عنها، ولا يتساهل بها؛ لأنَّ الإسلام إنَّما جاء بالعِزَّة لأتباعه والرِّفعة لأوليائه.
وقبل أن نشْرَع في ذكر الآيات التي تحثُّ على صفة العزة وتدعو إليها، نذكر قول ابن الجوزي وهو يتحدَّث عن العِزَّة في القرآن، فيقول:
(ذكر بعض المفسِّرين أنَّ العِزَّة في القرآن على ثلاثة أوجه:
أحدها: العَظَمَة. ومنه قوله تعالى في سورة الشُّعراء: وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ [الشُّعراء:44]، وفي ص: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص: 82].
والثَّاني: المنْعَة. ومنه قوله تعالى في سورة النِّساء: أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النِّساء: 139].
والثَّالث: الحَمِيَّة. ومنه قوله تعالى في سورة البقرة: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ [البقرة: 206]، وفي سورة ص: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ [ص: 2]) [((نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر)) لابن الجوزي (ص 435)].
– قال الله تبارك وتعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10].
يقول الشِّنقيطي: (بيَّن -جلَّ وعلا- في هذه الآية الكريمة: أنَّ من كان يريد العِزَّة، فإنَّها جميعها لله وحده، فليطلبها منه، وليتسبَّب لنيلها بطاعته -جلَّ وعلا- فإنَّ مَنْ أطاعه، أعطاه العِزَّة في الدُّنْيا والآخرة). [((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/280)].
– وقال الله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النِّساء: 139].
قال ابن كثير: (أخبر تعالى بأنَّ العِزَّة كلَّها لله وحده لا شريك له، ولمن جعلها له. كما قال في الآية الأخرى: مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر: 10]، وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8]، والمقصود من هذا التَّهْيِيج على طلب العِزَّة من جناب الله، والالتجاء إلى عبوديَّته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين، الذين لهم النُّصْرَة في هذه الحياة الدُّنْيا، ويوم يقوم الأشهاد). ((تفسير ابن كثير)) (2/435).
ويقول الطَّبري: (فإنَّ الذين اتخذوهم -أي المنافقين- من الكافرين أولياء ابتغاء العِزَّة عندهم، هم الأذلَّاء الأقلَّاء، فهلَّا اتَّخذوا الأولياء من المؤمنين، فيلتمسوا العِزَّة والمنْعة والنُّصْرَة من عند الله الذي له العِزَّة والمنْعَة، الذي يُعِزُّ من يشاء، ويُذِلُّ من يشاء، فيُعِزُّهم ويمنعهم) ((تفسير الطَّبري)) (9/319).
– وقال الله تبارك وتعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].
: (كأنَّه قال: إذا بحثتم عن أحوال القرون الماضية، علمتم أنَّ أهل الباطل، وإن اتَّفقت لهم الصَّولة، لكن كان مآل الأمر إلى الضَّعف والفُتور، وصارت دولة أهل الحقِّ عالية، وصَوْلة أهل الباطل مُنْدَرِسة، فلا ينبغي أن تصير صَوْلَة الكفَّار عليكم -يوم أُحد- سببًا لضعف قلبكم ولجُبْنكم وعجزكم، بل يجب أن يَقْوى قلبكم، فإنَّ الاستعلاء سيحصل لكم، والقُوَّة والدَّولة راجعة إليكم) ((التفسير الكبير )) (9/ 371).
– قال الله -تبارك وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54].
يقول الشِّنقيطي في ((أضواء البيان)): (أخبر تعالى المؤمنين -في هذه الآية الكريمة- إنَّهم إن ارتدَّ بعضهم، فإنَّ الله يأتي -عوضًا عن ذلك المرتد- بقوم، من صفاتهم: الذُّل للمؤمنين، والتَّواضع لهم، ولين الجانب، والقسوة والشِّدَّة على الكافرين، وهذا من كمال صفات المؤمنين) ((أضواء البيان)) (1/ 415). [الدرر]
فصل: أقسام العِزَّة
1) “الخُلُق المحمود دائمًا ما يكون خُلقًا بين خُلقين مذمومين، فهو وسط بينهما، قال ابن القيِّم: (وكلُّ خُلُق محمود مُكْتَنف بخُلقين ذميمين. وهو وسط بينهما. وطرفاه خُلُقان ذميمان، كالجود: الذي يكتنفه خُلُقان: البخل والتَّبذير. والتَّواضع الذي يكتنفه خُلُقان: الذُّل والمهَانة، والكِبْر والعُلُو. فإنَّ النَّفس متى انحرفت عن التَّوسط، انحرفت إلى أحد الخُلُقين الذَّميمين ولا بدَّ…) وهكذا هو حال في العِزَّة، فهي خُلُق بين خُلُقين، أحدهما: الكِبْر، والآخر: الذُّل والهَوَان، والنَّفس (إذا انحرفت عن خُلُق العِزَّة -التي وهبها الله للمؤمنين- انحرفت إمَّا إلى كِبْرٍ، وإمَّا إلى ذُّلٍّ. والعِزَّة المحمودة بينهما) [((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/295)].
وقد ذكر الله العِزَّة في مواطن، فمدحها حينًا، وذمَّها حينًا آخر، (فمن الأوَّل: قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8]، وقال تعالى: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصَّافَّات: 180]، ومن الثَّاني: قوله تعالى: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ [ص: 2]، وبيان ذلك: أنَّ العِزَّة التي هي لله -جلَّ وعلا-، ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وللمؤمنين -رضوان الله عليهم- هي الدَّائمة الباقية؛ التي هي العِزَّة الحقيقيَّة. والعِزَّة التي هي للكافرين والمخَالفين هي: التَّعزُّز، وهو -في الحقيقة- ذُلٌّ) [((الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية)) للمناوي (ص 82)].
وعلى ما سبق، يُمْكِننا أن نقسِّم العِزَّة إلى قسمين: شرعيَّة، وغير شرعيَّة.
2) العِزَّة الشَّرعيَّة:إنَّها العِزَّة الحقيقيَّة.. العِزَّة في الحقِّ، وبالحقِّ، والتي يكون صاحبها عزيزًا ولو كان ضعيفًا مَظْلومًا، شامخًا ولو كان طريدًا مُستضَامًا، فتجده لا يركع إلا لله، ولا يتنازل عن شيء ممَّا أَمَره به، فهو يَعْتَزُّ بعِزَّة الله -تبارك وتعالى-، الذي يُعِزُّ من يشاء، ويُذِلُّ من يشاء. فهذه هي العِزَّة بالحقِّ؛ لأنَّها اعْتِزَاز بمن يملكها، وإذعان له، وانتساب لشرعه وهديه.
وهي التي ترتبط بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، يقول تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8]، ووجه ذلك: أنَّ العِزَّة – التي لله ولرسوله وللمؤمنين – هي الدَّائمة الباقية، التي هي العِزَّة الحقيقيَّة، والعِزَّة التي هي للكافرين: هي التَّعزُّز، وهو -في الحقيقة- ذُلٌّ.
إنَّ (العِزَّة والإِباء والكرامة من أبرز الخِلَال التي نادى بها الإسلام، وغرسها في أنحاء المجتمع، وتعهَّد نماءها بما شرع من عقائد، وسنَّ من تعاليم، وإليها يشير عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه بقوله: أُحِبُّ الرَّجل -إذا سِيمَ خطَّة خَسْف – أن يقول -بملء فيه-: لا).
3) صور العِزَّة الشَّرعيَّة:1- الاعْتِزَاز بالله تبارك وتعالى:فهو يعرف أنَّ الله عزيز، يَهَب العِزَّة من يشاء، كما أنَّه ينزعها ممَّن يشاء، كما أنَّه يوقن أنَّ الاعْتِزَاز بالعزيز عزَّة، والاعتماد عليه قوَّة، والالتزام بنَهْجِه شموخ، فتراه قويًّا بإيمانه به، عزيزًا بتوكُّله عليه، شامخًا بيقينه به.
وهو يعلم أنَّ الاعْتِزَاز بغيره ذلٌّ وهَوَان، والاستقواء بغيره ضعف، مُعْتَبِرًا بحال كلِّ من اعتزَّ بغير الله تعالى كيف هَوَى إلى مدارك الذِّلة، وهبط إلى حضيض المهَانة، وكيف تخلَّى عنه من اعتزَّ بهم، ليتَدَحْرج من ذُرَى العلياء والمجد -المزعوم الكاذب- إلى أسفل دركات الذُّلِّ؛ قال عبيدة بن أبي لبابة: (من طلب عزًّا بباطل وجور، أورثه الله ذُلًّا بإنصاف وعدل) [((غرر الخصائص الواضحة)) للوطواط ( ص 523)].
2- الاعْتِزَاز بالانتساب للإسلام، والاعْتِزَاز بهديه وشرائعه:فهو يعلم أنَّ هذا الدِّين دين العِزَّة والقوَّة، الذي يستمدُّ المسلمون عزَّهم من عِزِّه، وقوَّتهم من قوَّته، ومتى طلبوا العِزَّة في سواه أذلَّهم الله.
كما أنَّه لا يعتزُّ بقبيلة أو قوميَّة أو نسب أو عِرْق ممَّا ينتسب إليه أهل الجاهليَّة في القديم والحديث، بل عزَّته بدينه فقط، وعلى هذا ربَّى نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أصحابه، فلمَّا سمعهم -بأبي هو وأمي، صلَّى الله عليه وسلَّم- ينادي بعضهم: يا للأنصار، وآخرون ينادون: يا للمهاجرين. قال صلى الله عليه وسلم: ((أبِدَعْوَى الجاهليَّة وأنا بين أظهركم)) . [ذكرها ابن هشام في ((السِّيرة)) (ص 555)، قال الشَّوكاني في ((فتح القدير)) (1/548): رُوِيت هذه القصَّة مختصرة ومطولة من طُرُق]،
وقال: ((دعوها فإنَّها منتنة)) [رواه البخاري (4905)، ومسلم (2506).]
حال المسلم -في اعْتِزَازه بدينه- كحال أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه حين قال: (نحن أمَّة أعزَّنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العِزَّة بغيره، أذلَّنا الله) [رواه -بنحوه- الحاكم (1/130)، وصحَّحه الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصَّحيحة)) (1/117) على شرط الشيخين].
فلا اعْتِزَاز إلَّا بالإسلام، ولا انتماء إلَّا إلى الإسلام.
أبي الإسلام لا أبَ لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم
3- الاعْتِزَاز برسول الله صلى الله عليه وسلم:فهو يعتَــزُّ بكونه فَرْدًا في أمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم ، ينتسب إليه إذا انتسبت الأمم، ويُفَاخر به إذا ذُكِر القادة والمصلحون العظماء، يرجو شفاعته، ويتمنَّى لقائه، ويسأل الله أن يوفِّقه للسِّير على نهجه وإحياء سنَّته، والقيام بحقوقه.
4- إظهار العِزَّة على الكافرين، والذِّلَّة وخفض الجناح للمؤمنين:وهذه من أعظم صور العِزَّة ومظاهرها: أن يُرِي المؤمن الكافرين من نفسه عزَّةً وقوَّةً واستعلاءً، لا كِبْرًا وبَطَرًا، بل إظهارًا لقوَّة هذا الدِّين وعزَّته وعلوِّه، قال الله عزَّ وجلَّ وهو يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ [الفتح: 29]، فهم رُحَماء فيما بينهم، ألَّا إنَّهم أشدَّاء على الكافرين، أقوياء في مواجهتهم.
وقال -تبارك وتعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة: 54]، فهذه صفتهم التي استحقُّوا بها التَّمكين، ونالوا بها شرف القيادة، فهم أذِلَّة على المؤمنين، خافضين الجناح لهم، ليِّنين في تعاملهم معهم، إلَّا أنَّهم -في الجانب الآخر- أشدَّاء أقوياء على الكافرين.
4) العِزَّة غير الشَّرعيَّة: كاعْتِزَاز الكفَّار بكفرهم، وهو -في الحقيقة- ذُلٌّ، يقول -سبحانه-: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ [ص: 2] أوالاعْتِزَاز بالنَّسب على جهة الفَخْر، أو الاعْتِزَاز بالوطن والمال ونحوها، كلُّ هذه مذمومة.
من صور العِزَّة غير الشَّرعيَّة:
1- الاعْتِزَاز بالكفَّار من يهود ونصارى ومنافقين وغيرهم:
قال تعالى: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النِّساء: 138-139].
2- الاعْتِزَاز بالآباء والأجداد:عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم ، قال: ((لينتهينَّ أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا، إنَّما هم فَحْم جهنَّم، أو ليكوننَّ أهْوَن على الله من الجُعَلِ الذي يُدَهْدِهُ الخِرَاءَ بأنفه، إنَّ الله أذهب عنكم عُبِّـيَّةَ الجاهليَّة وفخرها بالآباء، إنَّما هو مؤمن تقيٌّ، وفاجر شقيٌّ، النَّاس كلُّهم بنو آدم، وآدم خُلِق من تراب)) [رواه أبو داود (5116)، والترمذي (3955) واللَّفظ له، وأحمد (2/361) (8721)، والبيهقي (10/232) (21593) قال الترمذي: حسن غريب. وحسَّن إسناده المنذري في ((التَّرغيب والتَّرهيب)) (4/62)، وصحَّحه ابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/247)، وحسَّنه الألباني ((صحيح سنن الترمذي)) (3955)].
3- الاعْتِزَاز بالقبيلة والرَّهط:قال تعالى: قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [هود: 91-92].
وعن أبي مالك الأشعري، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربع في أمَّتي من أمر الجاهليَّة، لا يتركونهنَّ: الفَخْر في الأحساب، والطَّعن في الأنساب، والاستسقاء بالنُّجوم، والنِّياحة))، وقال: ((النَّائحة إذا لم تتب قبل موتها، تُقَام يوم القيامة وعليها سِرْبَال من قَطِرَان ودِرْع من جَرَب) ((صحيح مسلم)) (934).
4- الاعْتِزَاز بالكثرة، سواءً كان بالمال أو العدد:قال تعالى في قصَّة صاحب الجنَّة، في سورة الكهف: وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا [الكهف: 34].
قال ابن كثير: “أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (أي: أكثر خدمًا وحشمًا وولدًا.
قال قتادة: تلك -والله- أمنيَّة الفاجر: كثرة المال وعزَّة النَّفر”.((تفسير ابن كثير)) (5/ 157)..
5- الاعْتِزَاز بجمال الثِّياب:عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لبس ثوب شُهْرة في الدُّنْيا، ألبسه الله ثوب مذلَّة يوم القيامة)) رواه ابن ماجه (2922)، وأحمد (2/92) (5664) والنَّسائي في ((السنن الكبرى)) (5/460) (9560)، وأبو يعلى (10/62) (5698). وقال الشَّوكاني في ((الدراري المضية)) (80): إسناده رجاله ثقات. وصحَّح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (8/43)، وحسَّن الحديث الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2922).
(والمراد أنَّ ثوبه يَشْتَهر بين النَّاس، لمخالفة لونه لألوان ثيابهم، فيرفع النَّاس إليه أبصارهم، ويختال عليهم بالعُجب والتَّكبُّر.
قال ابن رسلان: لأنَّه لَبِس الشُّهْرَة في الدُّنْيا ليَعِزَّ به، ويفتخر على غيره، ويُلْبِسه الله -يوم القيامة- ثوبًا يَشْتهر مذلَّته واحتقاره بينهم عقوبةً له، والعقوبة من جنس العمل، انتهى.
وقوله: ((ثوب مذَلَّة))، أي: أَلْبَسه الله -يوم القيامة- ثوب مذَلَّة، والمراد به: ثوب يوجب ذِلَّته يوم القيامة، كما لَبِس في الدُّنْيا ثوبًا يتَعَزَّز به على النَّاس، ويترفَّع به عليهم) ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (11/ 50، 51).
6- الاعْتِزَاز بالأصنام والأوثان:قال تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مريم: 81-82]”. [الدرر]
فصل في أسباب العِزَّة الشَّرعيَّة”1- الاعتقاد الجازم والإيمان اليقينيُّ بأنَّ الله تعالى هو العزيز الذي لا يَغْلِبه شيء، وأنَّه هو مصدر العِزَّة وواهبها. قال تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 26]، فلا نصر إلَّا به، ولا استئناس إلَّا معه، ولا نجاح إلَّا بتوفيقه.
قال ابن القيِّم: (العِزَّة والعُلُوُّ إنَّما هما لأهل الإيمان الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، وهو عِلمٌ وعملٌ وحالٌ، قال تعالى: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139]، فللعبد من العُلُوِّ بحسب ما معه من الإيمان، وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8]، فله من العِزَّة بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه، فإذا فاته حظٌّ من العُلُوِّ والعِزَّة، ففي مُقَابَلة ما فاته من حقائق الإيمان، علمًا وعملًا، ظاهرًا وباطنًا) ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (2/181).
وهنا يُقْبِل مُريد العِزَّة على طاعة الله -تبارك وتعالى- فبمقدار طاعته له، تكون العِزَّة والشَّرَف والسُّؤدد، والعكس.. قال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر: 10]، (والمعنى: من كان من النَّاس يريد العِزَّة التي لا ذِلَّة معها. فليطع الله، وليعتمد عليه وحده، فللَّه- تعالى- العِزَّة كلُّها في الدُّنْيا والآخرة، وليس لغيره منها شيء…، قال القرطبي ما ملخَّصه: يريد -سبحانه- في هذه الآية، أن ينبِّه ذوي الأقدار والهمم، من أين تُنَال العِزَّة، ومن أين تُسْتَحق، فمَنْ طلب العِزَّة من الله- تعالى- وجدها عنده – إن شاء الله-، غير ممنوعة ولا محجوبة عنه.. ومن طلبها من غيره، وَكَلَه إلى من طلبها عنده…، ولقد أحسن القائل:
وإذا تذلَّــلَتِ الــرِّقاب تواضعًا منَّا إليك فعزُّها في ذلِّها.
وقال قتادة: (من كان يريد العِزَّة، فليتعزَّز بطاعة الله تعالى) ((السراج المنير)) للخطيب الشِّربيني (3/315).
وكما أنَّ الطَّاعة تكسو الإنسان ثوب العِزَّة، وتَخْلَع عليه ثياب الكرامة، فإنَّ المعصية تكسوه ثياب الذُّلِّ، وتَخْلَع عليه المهَانة والانكسار، (والمعاصي تَسْلُب صاحبها أسماء المدح والشَّرَف والعِزَّة، وتكسوه أسماء الذُّل والذَّمِّ والصَّغار، وشتَّان ما بين الأمرين: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 1ص8]
2- صدق الانتماء لهذا الدِّين، والشُّعور بالفَخْر للانتساب له، والاعْتِزَاز به، حتى ولو كان ذلك في زمن الاستضعاف، واستقواء أعداء المسلمين، يقول تعالى: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139]، ويقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله الله هذا الدِّين، بعِزِّ عزيزٍ، أو بذُلِّ ذليلٍ، عزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر)).
3- متابعة الرَّسول صلى الله عليه وسلم في هديه، وطاعته في أمره، ولزوم سنَّته، فإنَّه بقدر ذلك تكون عِزَّة العبد في الدُّنْيا، وفلاحه في الآخرة، ودليل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عبد الله ابن عمرو أنَّه قال: ((بُعِثْت بالسَّيف بين يدي السَّاعة، وجُعِل رزقي تحت ظلِّ رمحي، وجُعل الذُّل والصَّغار على من خالف أمري)) [رواه أحمد (4/103) (16998)، والطَّبراني (2/58) (1280)، والحاكم (4/477)، والبيهقي (9/181) (19089). من حديث تميم الدَّاري رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (6/17): رجاله رجال الصَّحيح. وقال الألباني في ((تحذير الساجد)) (158): على شرط مسلم، وله شاهد على شرط مسلم أيضًا].
يقول ابن القيِّم: (والمقصود أن بحسب متابعة الرَّسول تكون العِزَّة والكِفَاية والنُّصْرَة، كما أن بحسب متابعته تكون الهداية والفلاح والنَّجاة، فالله – سبحانه – علَّق سعادة الدَّارين بمتابعته، وجعل شقاوة الدَّارين في مخالفته، فلأتباعه الهدى والأمن والفلاح والعِزَّة والكِفَاية والنُّصْرَة والولاية والتَّأييد وطيب العيش في الدُّنْيا والآخرة، ولمخالفيه الذِّلَّة والصَّغار والخوف والضَّلال والخذلان والشَّقاء في الدُّنْيا والآخرة)[((زاد المعاد)) (1/ 39)].
4 – اليقين بأنَّ دين الله قد كُتِب له العُلُوُّ والتَّمكين في الأرض، وأنَّ دولة الكافرين وعزَّتهم سائرة إلى زوال؛ لأنَّها بُنيت على باطل وسراب، فبهذا الاعتقاد يتولَّد عند المؤمن شعور بالعِزَّة، وإحساس بالشَّرَف والعُلُوِّ.”[الدرر]
ثانيًا: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): أسباب النصر الحقيقية، وصفات من ينصرهم الله:
فلقد نصرَ الله المؤمنينَ في مَواطنَ كثيرةٍ في بدرٍ، والأحزابِ، والفتحِ، وحُنينٍ، وغيرها، 1) فأسباب النصر الحقيقية:
1- نصرَهُمُ اللهُ وفاءً بِوَعدِه: {…وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنينَ(47)} [سورة الروم:47] . {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الاَْشْهَـدُ (51) يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظَّـلِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ الْلَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ(52)} [سورة غافر:51-52].
2- نَصرَهُمُ اللهُ لأنهم قائمونَ بدينِه، وهو الظَّاهرُ على الأديانِ كلِّها: فمن تمسك به فهو ظاهرٌ على الأممِ كلِّها: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(33)} [سورة التوبة:33].
3- نصَرَهم اللهُ لأنهم قاموا بأسبابِ النصرِ الحقيقيَّةِ المادَيةِ منها والمَعْنَويةِ:
– فكان عندهم من العَزْمِ ما بَرَزُوا به على أعْدائهم أخذاً بتوجيه اللهِ لَهُم، وتَمشِّياً مع هديهِ وتثبيتِه إياهم: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الاَْعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الاَْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّـلِمِينَ(140)} [سورة آل عمران:139-140] . {وَلاَ تَهِنُواْ فِى ابْتِغَآءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً(104)} [سورة النساء:104]. {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ(35)}[سورة محمد:35].
فَكانوا بهذِه التَّقْويَةِ والتثبيتِ يَسِيرونَ بِقُوةٍ وعزْمٍ وجِدٍّ.
وأخَذُوا بكِلَّ نصيبٍ من القُوة امتثالاً لقولِ ربِّهم: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْءٍ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ(60)} [سورة الأنفال:60]
من القُوَّةِ النفسيةِ الباطنةِ، والقوةِ العسكريةِ الظاهرة.
4- نصرهم الله تعالى لأنهم قامُوا بنصر دينِه: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40)الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(41)} [سورة الحج:40-41].
فوعدَ اللهُ بالنصر من ينصرُه وعداً مؤكداً بمؤكدات لفظية ومَعنوية:
أما المؤكدات اللفظية: فهي القسمُ المقدَّرُ؛ لأنَّ التقديرَ: واللهِ لينصرنَّ اللهُ مَنْ ينصرُهُ. وكذلك اللامُ والنونُ في: { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} كلاهُما يفيدُ التوكيدَ.
وأمَّا التوكيدُ المعنويُّ: ففي قوله:{إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ } فهو سبحانه قَويٌّ لا يضْعُفُ، وعزيزٌ لا يذِلُّ، وكلُّ قوةٍ وعزةٍ تُضَادُّهُ ستكونُ ذُلاً وضعفاً. وفي قولِه: {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} تثبيتٌ للمؤمِنِ عندما يسْتَبعِدُ النصر في نَظَره لِبُعد أسبابِه عندَه، فإنَّ عواقبَ الأمورِ لله وحْدَهُ يغَيِّر سبحانَه ما شاءَ حَسْبَ ما تَقْتَضِيه حكمَتُه.
2) أوصاف من يستحقون النصر:
وفي هاتين الآيتين: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40)الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(41)} [سورة الحج:40-41].
بيانُ الأوْصافِ التي يُستحقُّ بها النصرُ، وهي أوصافٌ يَتَحَلَّى بها المؤمنُ بعدَ التمكين في الأرضِ، فلا يُغْرِيه هذا التمكينُ بالأشَرِ والْبَطرِ والعلوِّ والفسادِ، وإنما يَزيدُه قوةً في دين الله وتَمسُّكاً به:
الوصفُ الأول: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(41)} [سورة الحج:41].
والتمكينُ في الأرض لا يكونُ إلاّ بعْدَ تحقيق عبادةِ الله وحْدَه؛ كما قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(55)}[سورة النور:55].
فإذا قام العبدُ بعبادَةِ الله مخلصاً له في أقْوَالِه، وأفعالِه، وإرادَتِه لا يريدُ بها إلا وجه الله والدار الآخرة، ولا يريد بها جاهاً، ولا ثناءً من الناسِ، ولا مالاً، ولا شيئاً من الدُّنيا، واستمَرَّ على هذِه العبادة المخْلصة في السَّراء والضَراءِ والشِّدةِ والرَّخاءِ؛ مكَّنَ الله له في الأرض.
إذًا فالتمكينُ في الأرضَ يستلزمُ وصفاً سابقاً عليه وهو عبادةُ اللهِ وحْدَه لا شريكَ له،
وبعد التمكين والإِخلاص يَكُونُ:
الوصفُ الثاني: وهو إقامةُ الصلاةِ: [: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))، ((وما يتخلف عنها إلا منافق))] بأن يؤدِّيَ الصلاة على الوجهِ المطلوب منه، قائماً بشروطِها وأركانِها وواجباتِها، وتمامُ ذلك القيامُ بمُسْتَحَبَّاتِها، فيحسنُ الطُّهورَ، ويقيمُ الركوعَ والسجودَ والقيامَ والقعودَ، ويحافَظُ على الوقتِ وعلى الجمعةِ والجماعاتِ، ويحافظُ على الخشوعِ وهو حضورُ القلبِ وسكونُ الجوارح، فإِنَّ الخشوعَ رُوحُ الصلاةِ ولُبُّها، والصلاةُ بدونِ خشوعٍ كالجسمِ بدون روحٍ، وعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ تُسْعُهَا ثُمْنُهَا سُبْعُهَا سُدْسُهَا خُمْسُهَا رُبْعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا» [رواه أبو داود وأحمد].
الوصفُ الثالث: إيتاءُ الزكاةِ: {…وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ(43)} [سورة البقرة:43]. بأن يعْطوُهَا إلى مستحقِّيها طِّيبةً بها نفوسُهم، كاملةً بدونِ نقصٍ يبتغُون بذلك فضلاً من الله ورضواناً، فيُزكُّون بذلك أنفسَهُم، ويطهِّرون أموالَهم، وينفعونَ إخوانهم من الفقراءِ والمساكينِ وغيرهم من ذوي الحاجات.
الوصفُ الرابعُ: الأمر بالمعروفِ: {وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ} والمعروفُ: كلُّ ما أمرَ اللهُ به ورسولُه من واجباتٍ ومستحبات، يأمرون بذلك إحياءً لشريعةِ اللهِ، وإصلاحاً لعباده، واستجلاباً لرحمتِهِ ورضوانِهِ، فالمؤمنُ للمؤمنِ كالبنيِان يشدُ بعضُه بعضاً، فكما أنَّ المؤمنَ يحبُّ لنفسِهِ أَنْ يكونَ قائماً بطاعَةِ ربِّه، فكذلك يجبُ أن يحبَّ لإِخوانِه من القيام بِطاعةَ الله ما يحبُّ لنفسه.
والأمرُ بالمعروفِ عن إيمانٍ وتصديقٍ يستلزمُ أن يكونَ الآمر قائماً بما يأمرُ به؛ لأنه يأمرُ به عن إيمانٍ واقتناعٍ بفائدتِهِ وثمراتِهِ العاجلة والآجلةِ.
الوصفُ الخامسُ: النَّهيُ عن المنكرِ: {وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ}، والمُنْكَرُ: كلُّ ما نهى اللهُ عنه ورسولُه من كبائر الذنوبِ وصغائِرِها، مما يتعلقُ بالعبادةِ، أو الأخلاقِ، أو المعاملةِ؛ ينْهونَ عن ذلك كلِّه صِيانةً لدينِ الله، وحمايةً لِعباده، واتقاءً لأسْبابِ الفسادِ والعقوبةِ. فالأمرُ بالمعروفِ والنَهْيُ عن المنكر دعَامَتَانِ قَوِيَّتانِ لبقاءِ الأمَّةِ وعزتِها ووحْدَتِها حتى لا تتفرَّق بها الأهواءُ، وتَشَتَّتَ بها المسالكُ؛ ولذلك كانَ الأمرُ بالمعروف، والنهيُ عن المنكر من فرائِضِ الدين على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ مع القدرةِ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(104)وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(105)} [سورة آل عمران:104-105].
فَلَوْلا الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكر لتَفَرَّق الناسُ شِيعاً، وتمزَّقوا كل ممزَّق كلُّ حزبٍ بما لَدَيْهِمْ فرحون. وبه فُضِّلت هذه الأمةُ على غيرها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ(110)} [سورة آل عمران:110]. وبتَركه: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ(78)كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(79)}[سورة المائدة:78-79].
* فهذه الأوصافُ الخمسةُ متى تحقَّقتْ مع القيامِ بما أرشدَ الله إليه من الْحَزمِ، والعزيِمَةِ، وإعْدادِ القُوَّةِ الحسيَّة؛ حصل النصرُ بإذنِ الله: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[6]يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ(7)} [سورة الروم:7].
فيَحْصَلُ للأمَّةِ من نصْر الله ما لَمْ يخْطُرْ لهم على بالٍ.
وإن المؤمنَ الواثقَ بوعدِ الله ليَعْلمُ أنَّ الأسباب المادِّيةَ مَهْما قويَتْ فليستْ بشيء بالنسبةِ إلى قُوةِ الله الذي خلقها وأوْجَدَها:
افْتَخَرَتْ عادٌ بقوَّتِها وقالُوا منْ أشدُّ منا قوةً، فقال الله تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ(15)فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ(16)}[سورة فصلت:15-16]. وافْتَخر فرعونُ بمُلكِ مصْرَ وأنْهَاره التي تْجري مِنْ تحته فأغرقَه الله بالماءِ الَّذِي كان يفْتَخرُ بِمثْلِهِ، وأوْرث مُلْكهُ مُوسى وقومَه، وهو الَّذِي في نظر فرعونَ مَهِيْن ولاَ يكادُ يُبِين.
وافتَخرت قريشٌ بعظَمتها وَجَبروتِها، فخرجوا من ديَارِهم برؤسائِهم وزعمائِهم بطراً ورِئاءَ الناس يقولون: “لا نَرْجعُ حتى نقدمَ بَدْراً، فننحرَ فيها الجزور، ونَسْقِيَ الخمورَ، وتعزفَ الْقِيانُ، وتسمعَ بنا العربُ فلا يزالُون يهابوننَا أبداً “.
فَهُزمُوا على يد النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وأصحابه شرَّ هزيمةٍ، وسُحبت جثثُهم جِيفاً في قليبِ بدرٍ، وصاروا حديثَ الناس في الذُّلِّ والهوانِ إلى يوم القيامةِ.
ونحنُ المسَلمين في هذا العصرِ لو أخَذْنَا بأسباب النصر،ِ وقُمْنَا بواجبِ دينِنا، وكنَّا قدوةً لا مُقْتَدين، ومتبوعِين لا أتباعاً لِغَيرنا، وأخَذْنَا بوسائِل الحرب الْعَصْريَّةِ بصدقٍ وإخلاصٍ؛ لنصَرنَا الله على أعدائنا كما نصر أسلافَنا.
صدقَ الله وعْدَه، ونصر عَبْدَه، وهزَمَ الأحزابَ وحْدَه. {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا(23)} [سورة الفتح].
اللَّهُمَّ هييء لنا منْ أسبابِ النصرِ ما به نَصْرُنَا وعزتُنا وكرامتُنا، ورفعةُ الإِسلام، وذُل الكفرِ والعصيانِ؛ إنك جوادٌ كريمُ، وصلَّى الله وسلَّم على نبِينا محمدٍ، وعلى آلِهِ، وصحبِه أجمَعين. [بتصرف يسير]