61 التعليق على الصحيح المسند
مشاركة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وهشام السوري وعبدالله المشجري وخميس العميمي و أبي علي راشد الحوسني وأبي سالم محمد الكربي ومحمد الدارودي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
61 – قال الإمام الترمذي رحمه الله (ج 4 ص 516): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ قَال سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ عَنْ شَبِيبِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ.
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.
قال أبو عبد الرحمن: هو حديث حسنٌ، شبيب بن بشر وثَّقه ابن معين، وقال أبو حاتم: لين الحديث، حديثه حديث الشيوخ. فالظاهر أن حديثه لا ينزل عن الحُسن، والله أعلم.
————————–
أولاً: دراسة الحديث رواية:
* قال الترمذي رحمه الله في سننه 1295: ” هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “.
* قال ابن الملقن في تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج (2/223): ” 1216 – وَعَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لعن فِي الْخمر عشرَة مِنْهَا بَائِعهَا ومبتاعها رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلم يُضعفهُ وَفِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن الغافقي قَالَ ابْن معِين لَا أعرفهُ وَذكره ابْن يُونُس فِي تَارِيخه وأوضح أَنه مَعْرُوف وَذكره الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه شَاهدا لحَدِيث ابْن عَبَّاس بِمثلِهِ ثمَّ قَالَ فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس إِنَّه صَحِيح الْإِسْنَاد وَكَذَا صَححهُ ابْن حبَان ترْجم عَلَى هَذَا الحَدِيث الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بَاب كَرَاهِيَة بيع الْعصير مِمَّن يعصر الْخمر”.
* قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/587): ” (1385) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أنس قَالَ : ” لعن رَسُول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – فِي الْخمر عشرَة ” الحَدِيث . وَقَالَ فِيهِ . غَرِيب .
وَلم يبين لم لَا يَصح ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ من رِوَايَة أبي عَاصِم ، عَن شبيب بن بشر ، عَن أنس .
وشبيب لم تثبت عَدَالَته. وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم : لين الحَدِيث”
* قال الشيخ الألباني في سنن الترمذي 1295: حسن صحيح.
* قال محققو سنن ابن ماجه (4/469): “صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد. أبو عاصم: هو الضحاك بن مخلد النبيل، وشبيب: هو ابن بشر.
وأخرجه الترمذي (1341) عن عبد الله بن منير، والطبراني في “الأوسط” (1355) من طريق محمَّد بن معمر القيسي، كلاهما عن أبي عاصم، بهذا الإسناد. مع خلاف يسير في ألفاظه، ولم يذكر الرواة الثلاثة عن أبي عاصم في الحديث العاشر الملعون في الخمر، وهو الخمر نفسها كما في حديث ابن عمر السابق، وأحسن سياقة لحديث أنس هذا هي رواية محمَّد بن معمر عند الطبراني، فهي موافقه لألفاظ حديث أنس. ”
ثانياً: دراسة الحديث درايةً:
1- تبويبات الأئمة على الحديث:
* بوب ابن ماجه في سننه بَابُ لُعِنَتِ الْخَمْرُ عَلَى عَشَرَةِ أَوْجُهٍ، وأورد تحته:
- حديث ابن عمر 3381 [صححه الألباني] بنحو حديث أنس إلا أن في حديث ابن عمر في أوله قال: ” لُعِنَتِ الْخَمْرُ عَلَى عَشَرَةِ أَوْجُهٍ: بِعَيْنِهَا…” وفي حديث أنس زيادة على حديث ابن عمر: “والمشتراة له “.
- وحديث أنس بن مالك لكن بلفظ: ” لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَالْمَعْصُورَةَ لَهُ، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ لَهُ، وَبَائِعَهَا، وَالْمَبْيُوعَةَ لَهُ، وَسَاقِيَهَا، وَالْمُسْتَقَاةَ لَهُ، حَتَّى عَدَّ عَشَرَةً، مِنْ هَذَا الضَّرْبِ “.
* أورد ابن الأثير في جامع الأصول في كتاب الشراب الباب الثاني في الخمور والأنبذة الفصل الثاني في تحريم كل مسكر وذم شاربه.
* بوب البغوي على هذا الحديث في مصابيح السنة في أول كتاب البيوع باب الكسب وطلب الحلال.
* بوب المنذري في الترغيب والترهيب باب الترهيب من شرب الخمر وبيعها وشرائها وعصرها وحملها وأكل ثمنها، والتشديد في ذلك، والترغيب في تركه والتوبة منه.
2- شرح الحديث:
* قال الطيبي في الكاشف عن حقائق السنن (7/2110): “قوله: ((لعن في الخمر)) معناه في شأنها وبسببها، لعن من سعى فيها سعيًا ما على ما عدد من العاصر والمعتصر وما أردفهما، وإنما أطنب فيه ليستوعب من زاولها مزاولة بأي وجه كان، ومن باع العنب من العاصر وأخذ ثمنه، فهو أحق باللعن، وهؤلاء لما حرمت عليهم الخمر، وباعوا ما هو أصل لها ممن علموا أنه يتخذها خمرًا، لا يبعد أن يكونوا ممن قيل فيه: ((قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها)). ”
* قال المناوي في فيض القدير (5/267): “(لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها) قال في الصحاح: اعتصرت عصيرا اتخذته قال الأشرفي: قد يكون عصيره لغيره والمعتصر من يعتصر لنفسه نحو كال واكتال وقصد واقتصد (وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها) أي ولعن الله آكل ثمنها بالمد أي متناوله بأي وجه كان وخص الأكل لأنه أغلب وجوه الانتفاع قال الطيبي: ومن باع العنب من العاصر فأخذ ثمنه فهو أحق باللعن قال: وأطنب فيه ليستوعب مزاولتها مزاولة ما بأي وجه كان قال ابن العربي: وقد لعن المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر في الخمر عشرة ولم ينزله ولم يرتبه أحد من الرواة وتنزيله يفتقر إلى علم وافر وذلك أن يكون بشيئين أحدهما الترتيب من جهة تصوير الوجود الثاني من جهة كثرة الإثم أما بتنزيلها وترتيبها من جهة الوجود فهو المعتصر ثم العاصر ثم البائع ثم الآكل من الثمن ثم المشتري ثم الحامل ثم المحمول إليه ثم المشتراة له ثم الساقي ثم الشارب وأما من جهة كثرة الإثم فالشارب ثم الآكل لثمنها ثم البائع ثم الساقي وجميعهم يتفاوتون في الدركات في الإثم وقد يجتمع الكل منها في شخص واحد وقد يجتمع البعض ونعوذ بالله من الخذلان وتضاعف السيئات وفيه أن يحرم بيع المسكر قال شيخ الإسلام زكريا: وجه الدلالة أنه [ص:268] يدل على النهي عن التسبب إلى الحرام وهذا منه وأخذ منه الشيخ أنه يحرم بيع الحشيشة ويعزر بائعها وآكلها
<فائدة> روى أحمد من طريق نافع بن كيسان عن أبيه أنه كان يتجر في الخمر فأقبل من الشام فقال: يا رسول الله جئتك بشراب جيد فقال: يا كيسان إنها حرمت بعدك قال: فأبيعها قال: إنها حرمت وحرم ثمنها .
وروى أحمد ١٧٩٩٥ وأبو يعلى من حديث تميم الداري أنه كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية خمر فلما كان عام حرمت جاء براوية قال: أشعرت أنها قد حرمت بعدك قال: أفلا أبيعها وأنتفع بثمنها فنهاه كذا في الفتح”.
وقوله أنه ( كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية خمر ) مشكل أنه يقبلها منه. لكن قال محققو المسند صحيح لغيره دون قوله أن الداري كان يهدي فهي منكرة . للإرسال ولتفرد شهر بن حوشب
ورد في مسلم من حديث ابن عباس
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ السَّبَإِيِّ، مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، عَمَّا يُعْصَرُ مِنَ الْعِنَبِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَهَا؟» قَالَ: لَا، فَسَارَّ إِنْسَانًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِمَ سَارَرْتَهُ؟»، فَقَالَ: أَمَرْتُهُ بِبَيْعِهَا، فَقَالَ: «إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا»، قَالَ: فَفَتَحَ الْمَزَادَةَ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهَا.
صحيح مسلم 1579
فليس فيه أنه كان يهدي ، إنما فيه أنه حين أهدى أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنها حرمت.
* قال علي الملا القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 1902):
” (وعن أنس قال: لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الخمر) : ظرفية مجازية أو تعليلية؛ أي في شأنها أو لأجلها (عشرة) : أي عشرة أشخاص (عاصرها) ، بالنصب بدلا من المفعول به، وهو من يعصرها بنفسه لنفسه، أو لغيره (ومعتصرها) أي من يطلب عصرها لنفسه أو غيره (وشاربها وحاملها والمحمولة إليه) أي: من يطلب أن يحملها أحد إليه، وأصله المحمولة هي، وحذفه إعلام بجواز حذفه عند عدم الالتباس (وساقيها وبائعها) ، بالهمزة ; أي: عاقدها ولو كان وكيلا أو دلالا (وآكل ثمنها والمشتري) : أي للشرب والتجارة بالوكالة وغيرها (لها) أي للخمر، واللام – للتعدية أو زائدة في المفعول للتقوية (والمشترى له) بصيغة المفعول ; أي: الذي اشتري له بالوكالة، وكان الظاهر أن يقال: والمشتراة له، لكن حذف التاء من المشترى له لغة على ما في التسهيل وغيره وعليه: إنارة العقل مكسوف بطوع هوى ويحتمل أن يكون تذكير الخمر باعتبار مرادفها ; وهو العقار أو الراح أو المدام، أو باعتبار معناها وهو المشروب، وقيل: تذكير الخمر لغة، والعجب من الشراح أنهم لم يتعرضوا بوجه ما مع أنه هكذا مضبوط في النسخ المصححة والأصول المعتمدة قال الطيبي – رحمه الله -: لعن من سعى فيها سعيا ما على ما عدد من العاصر والمعتصر وما أردفهما، وإنما أطنب فيه ليستوعب من زاولها مزاولة ما بأي وجه كان، ومن باع العنب من العاصر وما أخذ ثمنه فهو أحق باللعن، وهؤلاء لما حرمت عليهم الخمر وباعوا ما هو أصل لها ممن علموا أنه يتخذها خمرا، لا يبعد أن يكونوا ممن قيل فيهم: «قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها» ”
* قال الشيخ عبدالمحسن العباد في شرح سنن أبي داود (19/335): “أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال (لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وعاصرها، ومعتصرها، وبائعها ومبتاعها، وحاملها، والمحمولة إليه). وهذه تسعة أشياء حصل لعنها، وقد جاء عند ابن ماجة زيادة: (وآكل ثمنها) أي أنه لعن في الخمر عشرة فزاد آكل الثمن، وهؤلاء العشرة أربعة منهم متقابلون، يعني: يتكون من كل واحد اثنان: الأول: (شاربها وساقيها) يعني: الذي يسقي والذي يشرب. والثاني: (وبائعها ومبتاعها) أي: البائع والمشتري. والثالث: (وحاملها والمحمولة إليه). والرابع: (وعاصرها ومعتصرها) عاصرها سواء كانت له أو لغيره، ومعتصرها الطالب من غيره أن يعصرها له أو لغيره، كل هذا جاء لعنه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.”
3- المسائل الأخرى:
* سؤال: حكم العطورات الكحولية؟
الشيخ الألباني رحمه الله: العطور الكحولية غير الزيتية هي ليست نجسة، لكنها قد تكون محرَّمة، وتكون محرَّمة إذا كانت نسبة الكحول في تلك العطور تجعل العطر سائلاً مسكراً، حينئذ تكون مسكرة، فتدخل في عموم الأحاديث التي تنهى عن بيع وشراء وصنع المسكرات.
ولا يجوز للمسلم حينئذ أن يتعاطاها أو يتطيب بها، لأن أي نوع من أنواع الاستعمال لهذه العطور داخل في عموم قوله تعالى: ((وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)) [المائدة: 2].
وقوله عليه السلام: ((لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له)) (1)
ولذلك ننصح بالابتعاد عن المتاجرة بهذه العطور الكحولية، لا سيّما إذا كان مكتوب عليها أن بها (60%) أو (70%) من الكحول.
فمعنى ذلك أنّه يُمكن تحويلها إلى شراب مُسكر.
ومِن أبواب الشريعة باب يُسمّى: سدّ الذريعة، فتحريم الشارع الحكيم القليل من المسكر هو من هذا الباب.
فقال عليه السلام:((ما أسكر كثيره، فقليله حرام)) (2).
فالخلاصة: أنّه لا يجوز بيع العطور الكحولية إذا كانت نسبة الكحول فيها عالية.
* قال الشيخ عطية محمد سالم في شرح بلوغ المرام:
” النهي عن محاكاة أهل المنكر في منكرهم ولو بالحلال
وينص الحنابلة: على أنه لو أتينا بالحليب أو الشاي -علماً بأن الشاي لم يكن معروفاً في زمانهم- أو بأي شراب حلال، وشربناه في أوانٍ وكؤوس العادة أنه يشرب فيها أرباب الخمر خمراً -على هيئة شراب الخمر ولو كنا قد صفينا هذه الأواني- فإن في ذلك إثماً؛ لما في ذلك من مشابهة ومشاكلة لأصحاب الخمر، ومثل ذلك ما يقع في بعض المناسبات: فتجد الناس يتبادلون كؤوس الشاي ويقولون: (نخب فلان)، وهذه عبارة لأصحاب الشراب المحرم، فأي هيئة تحكي هيئة شراب محرم أو استعمال محرم فهي حرام.
إذاً: كل من تعاون على إثم فهو آثم، وخاصة حينما يعظم الإثم، كهذا الذي يؤخر بيع العنب ليبيعه على من يعتصره خمراً، وقد جاء في الحديث: ( لعن الله في الخمر عشرة: شاربها، وحاملها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها إلى شاربها، وبائعها …)، فكل هؤلاء مشاركون في هذا الإثم العظيم، وكذلك لُعن جماعة بسبب التعاون على أكل الربا.
إذاً: العنب عبارة عن مثال، وكونه يؤخر فهذه صورة الواقع، وكذلك لو باعه في بادئ الأمر لمن يتخذه خمراً فإنه داخل في هذا الحكم، ويشمله هذا الوعيد الشديد. ”
* قال الراجحي في شرح سنن ابن ماجه (4/12): “اللعن لا يكون إلا على العموم، أما المعين فلا يلعن، ولذا جاءت النصوص بلعن أصناف عامة: (لعن الله السارق)، (لعن الله شارب الخمر)، (لعن الله آكل الربا) وهذا عموم، أما لعن المعين فلا، ولو كانت امرأة متبرجة فلا تلعنها، بل قل على العموم: لعن الله المتبرجات، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعن شارب الخمر، وهو القائل: (لعن الله في الخمر عشرة: شاربها).
ولما جيء برجل يشرب الخمر، وأقيم عليه الحد، فقال رجل: لعنه الله، أو أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي: (لا تلعنه، فإنه يحب الله ورسوله)، فالمعين لا يلعن؛ لأنه لا يدرى حاله، فقد يكون المعين ما بلغه النص، وقد يتوب، وقد يعفو الله عنه، وقد يكون ممن غفر الله له، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده)، ولعن آكل الربا، ولعن شارب الخمر، كل ذلك على العموم.
وإذا عرفت أنه يكفر الصحابة، ويعبد آل البيت، فهو من المنافقين.”
* سئل أعضاء اللجنة الدائمة (14/69) الفتوى رقم (18172)
س2: كنت في السابق أشرب الدخان، ولا سيما ما يسمى بالشيشة، وعندما تركت هذه العادة السيئة -ولله الحمد- أخبرني العامل الموجود بالمقهى بأنه يطلبني مبلغا من المال، فهل أعطيه هذا المال أم ماذا أعمل؟ أفيدوني مأجورين.
ج2: إذا كان هذا الدين ثمنا لمحرم فإنه لا يجوز لك دفعه لصاحبه؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، وقد «لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه» «ولعن في الخمر عشرة، منهم: بائعها ومبتاعها وآكل ثمنها (1) » أما إذا كان هذا الدين في مقابل مباح، فإنه يجب عليك وفاؤه؛ لأنه حق لمخلوق في ذمتك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … عضو … عضو … نائب الرئيس … الرئيس
بكر أبو زيد … صالح الفوزان … عبد الله بن غديان … عبد العزيز آل الشيخ … عبد العزيز بن عبد الله بن باز
* سئل الشيخ صالح الفوزان في المنتقى من فتاوى الفوزان (1/17): ” 135 ـ معلوم أنَّ المصرَّ على الكبيرة لا يُخلَّدُ في النار كما هو اعتقادُ أهل السُّنَّة والجماعة، لكن كيف يمكن الجمع بين ذلك وبين قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( مدمنُ خمر كعابد وثنٍ ) [ رواه ابن ماجه في ” سننه ” ( 2/1120 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه البخاري في ” التاريخ الكبير ” ( 1/129 ) من حديث أبي هريرة . ] ، ومعلوم أنَّ عابد الوثن مشرك، والمشرك مخلَّد في النار ؟
قوله صلى الله عليه وسلم : ( مدمنُ الخمرِ كعابدِ وثنٍ ) : هو من أحاديث الوعيد التي تُمَرُّ كما جاءت، ومعناه الزَّجرُ عن شُرب الخمر، والتَّغليظ في شأنه، وليس المراد منه أنَّ المداوم على شُرب الخمر يُخَلَّدُ في النَّار كما يُخلَّدُ المشرك والكافر؛ لأنه مؤمن ناقص الإيمان، وليس كافر كما تقوله الخوارج .
قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [ النساء : 48 . ] ، وشُرب الخمر داخل فيما دون الشِّرك، فيشمله هذا الوعيد من الله تعالى بالمغفرة .
والحديث فيه تشبيه مدمن الخمر بعابد الوثن، وهو لا يقتضي التشبيه من كلِّ الوجوه؛ إلا إذا استحلَّ الخمر؛ فإنه يكون كافرًا .
وعلى كلِّ حالٍ؛ فالخمر أمُّ الخبائث، وقد قَرَنَها الله بالمَيسر والأنصاب والأزلام، وأخبر أنها رجسٌ من عمل الشيطان، وأمر باجتنابها (1)، ولعن النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة (2)؛ ممَّا يدلُّ على شناعتها وشدَّة خطورتها وما تسبِّبه من أضرار بالغة، وقد رتَّب الشَّارع الحدَّ على شاربها، والخمر هي المادَّة المُسكرة؛ من أيِّ شيء كانت، وبأيِّ اسم سمِّيت” .
* قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/242): ” [الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالسَّبْعُونَ حَتَّى الثَّانِيَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ شُرْبُ الْخَمْرِ مُطْلَقًا وَالْمُسْكِرِ]
الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ وَالسَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ وَالسَّبْعُونَ، وَالثَّمَانُونَ وَالْحَادِيَةُ وَالثَّانِيَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ:) شُرْبُ الْخَمْرِ مُطْلَقًا وَالْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِهَا وَلَوْ قَطْرَةً إنْ كَانَ شَافِعِيًّا وَعَصْرُ أَحَدِهِمَا وَاعْتِصَارُهُ بِقَيْدِهِ الْآتِي، وَحَمْلُهُ وَطَلَبُ حَمْلِهِ لِنَحْوِ شُرْبِهِ، وَسَقْيِهِ وَطَلَبُ سَقْيِهِ، وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَطَلَبُ أَحَدِهِمَا وَأَكْلُ ثَمَنِهِ وَإِمْسَاكُ أَحَدِهِمَا بِقَيْدِهِ الْآتِي. فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ فِي الْخَمْرِ وَمِثْلُهَا فِي الْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِهَا”. [ ينظر المجلد الثاني من ص 242 إلى 264].
* قال الشيخ ابن عثيمين في الضياء اللامع من الخطب الجوامع (2/282): “والخمر اسم جامع لكل ما خامر العقل أي غطاه سكرا وتلذذا من أي نوع كان. وقد ذكر علماء الشريعة والطب والنفس والاجتماع للخمر مضار كثيرة:
فمن مضاره أنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة لأن صاحبه يتعلق به ولا يكاد يفارقه وإذا فارقه كان قلبه معلقا به.
ومن مضاره ما فيه من الوعيد الشديد والعقوبات.
ومن مضاره أنه يفسد المعدة ويغير الخلقة فيتمدد البطن وتجحظ العيون، والسكارى يسرع إليهم تشوه الخلقة والهرم وحدوث السل الرئوي وتقرح الأمعاء وإضعاف النسل أو قطعه بالكلية.
ومن مضاره فساد التصور والإدراك عند السكر حتى يكون صاحبه بمنزلة المجانين ثم هو بعد ذلك يضعف العقل وربما أدى إلى الجنون الدائم.
ومن مضاره إيقاع العداوة والبغضاء بين شاربيه وبينهم وبين من يتصل بهم من المعاشرين والمعاملين لأن قلوب أهل الخمر معلقة به، فهم في ضيق وغم لا يفرحون ولا يسرون بشيء إلا بالاجتماع عليه كل كلمة تثيرهم وكل عمل يضجرهم.
ومن مضاره قتل المعنويات والأخلاق الفاضلة وأنه يغري صاحبه بالزنا واللواط وكبائر الإثم والفواحش، فصلوات الله وسلامه على من سماه أم الخبائث ومفتاح كل شر.
ومن مضاره أنه يستهلك الأموال ويستنفد الثروات حتى يدع الغني فقيرا وربما بلغت به الحال أن يبيع عرضه أو عرض حرمه للحصول عليه، ولقد كانت الدول الكافرة المتحضرة تحاربه أشد المحاربة وتكون الجمعيات العديدة للتحذير منه والسعي في منع المجتمع منه لما علموا فيه من المضار الخلقية والاجتماعية والمالية. وقد سبقهم الإسلام إلى ذلك فحذر منه غاية التحذير ورتب عليه من العقوبات الدنيوية والأخروية ما هو معلوم لعامة المسلمين حتى جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا سكر فاجلدوه ثم إن سكر فاجلدوه ثم إن سكر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه» وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين حرمت الخمر أن تراق في الأسواق وتكسر أوانيها، وحرق أمير المؤمنين عمر بيت رجل يقال له رويشد كان يبيع الخمر وقال له: أنت فويسق ولست برويشد. والحشيش من الخمر بل هو أخبث منه من جهة إفساد العقل والمزاج وفقد المروءة والرجولة، فإن متعاطيها تظهر عليه علامات التخنث والدياثة على نفسه حتى تنحط غريزته الجنسية إلى طبع أقبح من طبع النساء.
وهذه المضار التي ذكرناها وما هو أكثر منها، منها ما هو ظاهر ومنها ما يظهر سريعا ومنها ما يتأخر، وأعظم من ذلك عقوبة الآخرة التي لا فكاك منها إلا بالتوبة إلى الله والرجوع إليه. جنبني الله وإياكم منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء ووفقنا للتوبة النصوح والرجوع إليه وعافانا من البلاء. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ – إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ – وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 90 – 92] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.”
* سئل شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (29/275) عن معاملة التتار: هل هي مباحة لمن يعاملونه؟
فأجاب: أما معاملة التتار، فيجوز فيها ما يجوز في أمثالهم، ويحرم فيها ما يحرم من معاملة أمثالهم … فأما إن باعهم، وباع غيرهم ما يعينهم به على المحرمات كالخيل والسلاح، لمن يقاتل به قتالًا محرمًا، فهذا لا يجوز؛ قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، وفي السنن عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنَّه لعن في الخمر عشرة: لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، وشاربها، وآكل ثمنها” فقد لعن العاصر، وهو إنما يعصر عنبًا يصير عصيرًا، والعصير حلال، يمكن أن يُتخذ خلًا، ودبسًا، وغير ذلك”.
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى (5/283): “وكثير من الناس لا يستحضر عند التوبة إلا بعض المتصفات بالفاحشة أو مقدماتها أو بعض الظلم باللسان أو اليد، وقد يكون ما تركه من المأمور الذي يجب لله عليه في باطنه وظاهره من شعب الإيمان وحقائقه أعظم ضررا عليه مما فعله من بعض الفواحش، فإن ما أمر الله به من حقائق الإيمان التي بها يصير العبد من المؤمنين حقا أعظم نفعا من نفع ترك بعض الذنوب الظاهرة، كحب الله ورسوله؛ فإن هذا أعظم الحسنات الفعلية حتى ثبت في الصحيح {أنه كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجل يدعى حمارا، وكان يشرب الخمر، وكان كلما أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم جلده الحد، فلما كثر ذلك منه أتي به مرة فأمر بجلده فلعنه رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله}. فنهى عن لعنه مع إصراره على الشرب لكونه يحب الله ورسوله، مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن في الخمر عشرة: {لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وساقيها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها وآكل ثمنها}. ولكن لعن المطلق لا يستلزم لعن المعين الذي قام به ما يمنع لحوق اللعنة له. وكذلك ” التكفير المطلق ” ” والوعيد المطلق “. ولهذا كان الوعيد المطلق في الكتاب والسنة مشروطا بثبوت شروط وانتفاء موانع. فلا يلحق التائب من الذنب باتفاق المسلمين، ولا يلحق من له حسنات تمحو سيئاته، ولا يلحق المشفوع له، والمغفور له؛ فإن الذنوب تزول عقوبتها التي هي جهنم بأسباب التوبة والحسنات المادية والمصائب المكفرة – لكنها من عقوبات الدنيا – وكذلك ما يحصل في البرزخ من الشدة، وكذلك ما يحصل في عرصات القيامة، وتزول أيضا بدعاء المؤمنين: كالصلاة عليه وشفاعة الشفيع المطاع، كمن يشفع فيه سيد الشفعاء محمد صلى الله عليه وسلم تسليما. وحينئذ فأي ذنب تاب منه ارتفع موجبه، وما لم يتب منه فله حكم الذنوب التي لم يتب منها، فالشدة إذا حصلت بذنوب وتاب من بعضها خفف منه بقدر ما تاب منه، بخلاف ما لم يتب منه؛ بخلاف صاحب التوبة العامة. والناس في غالب أحوالهم لا يتوبون توبة عامة مع حاجتهم إلى ذلك فإن التوبة واجبة على كل عبد في كل حال؛ لأنه دائما يظهر له ما فرط فيه من ترك مأمور أو ما اعتدى فيه من فعل محظور، فعليه أن يتوب دائما. والله أعلم.”