1150 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1150):
مسند نبيط بن شريط رضي الله عنهما
قال الإمام أحمد رحمه الله : حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة حدثني أبو مالك الأشجعي حدثني نبيط بن شريط رضي الله عنهما، قال: إني لرديف أبي في حجة الوداع إذ تكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقمت على عجز الراحلة فوضعت يدي على عاتق أبي فسمعته، يقول: ((أي يوم أحرم؟)) قالوا: هذا اليوم. قال: ((فأي بلد أحرم؟)) قالوا: هذا البلد؟ قال: ((فأي شهر أحرم)) قالوا: هذا الشهر. قال: ((فإن دماءكم، وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، هل بلغت؟)) قالوا: نعم. قال: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد)).
هذا حديث صحيح.
* قال النسائي رحمه الله : أنبأ أيوب بن محمد الوزان قال حدثنا مروان قال حدثنا أبو مالك الأشجعي قال حدثنا نبيط بن شريط الأشجعي قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب الناس بمنى فحمد الله وأثنى عليه ثم سألهم فقال أي يوم أحرم قالوا هذا اليوم قال فأي بلد أحرم قالوا هذا البلد قال فأي شهر أحرم قالوا هذا الشهر قل فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة هذا اليوم وحرمة هذا الشهر وحرمة هذا البلد اللهم هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد.
هذا حديث صحيح .
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الأول: شرح الحديث: نبيط بن شريط رضي الله عنهما، قال: إني لرديف أبي في حجة الوداع “إذ تكلم النبي صلى الله عليه وسلم “،
قال النوويّ رحمه الله: فيه استحباب الخطبة للإمام بالحجيج يوم عرفة في هذا الموضع، وهو سنة باتفاق جماهير العلماء، وخالف فيها المالكية، ومذهب الشافعي أن في الحجّ أربعَ خُطَب مسنونة: إحداها: يوم السابع من ذي الحجة، يخطب عند الكعبة بعد صلاة الظهر، والثانية: هذه التي ببطن عُرَنة يوم عرفات، والثالثة: يوم النحر، والرابعة: يوم النَّفْر الأوَّل، وهو اليوم الثاني من أيام التشريق، قال أصحابنا: وكلُّ هذه الخطب أفراد، وبعد صلاة الظهر، إلا التي يوم عرفات، فإنها خطبتان، وقبل الصلاة، قال: أصحابنا: ويُعَلّمهم في كل خطبة من هذه ما يحتاجون إليه إلى الخطبة الأخرى، والله أعلم. انتهى[«شرح النوويّ» ٨/ ١٨٢].
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: ((فخطب الناس)) دليل لمالك وجميع المدنيين والمغاربة؛ إذ قالوا: ليوم عرفة خطبة قبل الصلاة، يُذَكِّر الناس فيها، ويُعَلِّمُهم ما يستقبلون من الوقوف وغيره من المناسك، وهو أيضًا حجة على الشافعيّ، وأبي حنيفة؛ إذ قالا: ليست عرفة بموضع خطبة، وهو قول العراقيين من
أصحابنا.
وخطب الحج عندنا ثلاثة:
يوم التروية بعد صلاة الظهر في المسجد الحرام، يذكّر الناس، ويحلّمهم أحكام إحرامهم، ويحضهم على الخروج إلى منى. والثانية: بعرفة قبل الصلاة بإجماع من القائل بها، وأجمعوا: على أنه لو صلّى ولم يخطب فصلاته جائزة.
والثالثة: بعد يوم النحر، يُعلِّمُهم فيها أحكام الرمي والتعجيل. انتهى [«المفهم» ٣/ ٣٣٢ – ٣٣٣ت].
وقال الزرقانيّ رحمه الله: في الحديث أنه يستحبّ للإمام أن يخطب يوم عرفة في هذا الموضع، وبه قال الجمهور، والمدنيون والمغاربة من المالكيّة، وهو المشهور، فقول النوويّ: خالف فيها المالكيّة، فيه نظرٌ إنما هو قول العراقيين منهم، والمشهور خلافه، واتّفق الشافعيّة أيضًا على استحبابها خلافًا لما تَوَهَّمه عياض والقرطبيّ. انتهى [راجع: «المرعاة» ٩/ ٢٠].
“فقمت على عجز الراحلة فوضعت يدي على عاتق أبي فسمعته، يقول: ((أي يوم أحرم؟)) قالوا: هذا اليوم. قال: ((فأي بلد أحرم؟)) قالوا: هذا البلد. قال: ((فأي شهر أحرم)) قالوا: هذا الشهر” أي: ذي الحجة. قال: ((فإن دماءكم، وأموالكم عليكم حرام))”، زاد في حديث ابن عبّاس عند أحمد، والبخاريّ، والترمذيّ، والبيهقيّ، وفي حديث ابن عمر عند البخاريّ: «وأعراضكم»، والعِرْضُ بكسر العين: موضع المدح والذمّ من الإنسان، سواء كان في نفسه، أو في سلفه، قال الحافظ: هذا الكلام على حذف مضاف: أي: (سفك) دمائكم، ( وأخذ) أموالكم، (وثَلْبُ ) أعراضكم. انتهى.
وقيل: المعنى: إن (انتهاك ) دمائكم، وأموالكم، وأعراضكم، قيل: وهذا أولى مما ذكره الحافظ؛ لأن ذلك إنما يحرُم إذا كان بغير حقّ، فلا بُدّ من التصريح به، فلفظة «انتهاك» أولى؛ لأن موضوعها بتناول الشيء بغير حقّ. [البحر الثجاج للأثيوبي].
((عليكم حرام)) قال الزرقانيّ: معنى الحديث: إن دماء بعضكم على بعض حرام، وأموال بعضكم على بعض حرام، وإن كان ظاهر اللفظ أن دم كلّ واحد حرام عليه نفسِهِ، ومال كلّ واحد حرام عليه نفسه، فليس بمراد؛ لأن الخطاب للمجموع، والمعنى فيه مفهوم، ولا يبعد إرادة المعنى الثاني، أما الدم فواضح، وأما المال فمعنى تحريمه عليه: تحريم تصرّفه فيه على غير الوجه المأذون فيه شرعًا، قاله وليّ الدين العراقيّ. [راجع: «المرعاة» ٩/ ٢١].
(كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذا) أي: متأكّدة التحريم شديدته كحرمة يومكم هذا، يعني: يوم عرفة (فِي شَهْرِكُمْ هَذا) يعني ذا الحجة (فِي بَلَدِكُمْ هَذا) يعني مكة، وإنما شبّهها في الحرمة بهذه الأشياء؛ لأنهم كانوا لا يرون استباحتها، وانتهاك حرمتها بحال.
وقال النوويّ رحمه الله: معناه: متأكّدة التحريم، شديدته، وفي هذا دليلٌ لضرب الأمثال، وإلحاق النظير بالنظير قياسًا. انتهى[«شرح النوويّ» ٨/ ١٨٢].
وقال ابن المنيّر: قد استقرّ في القواعد أن الأحكام لا تتعلّق إلا بأفعال المكلّفين، فمعنى تحريم اليوم والبلد والشهر: تحريم أفعال الاعتداء فيها على النفس والمال والعرض، فيكون المعنى إذًا من تشبيه الشيء بنفسه.
وأجاب بأن المراد أن هذه الأفعال في غير هذا البلد، وهذا الشهر، وهذا اليوم مغلّظة الحرمة، عظيمةٌ عند الله، فلا يستسهل المعتدي كونه تعدى في غير البلد الحرام، والشهر الحرام، بل ينبغي له أن يخاف خوف من فعل ذلك في البلد الحرام، وإن كان فعل العدوان في البلد الحرام أغلظ، فلا ينفي كون ذلك في غيره غليظًا أيضًا، وتفاوت ما بينهما في الغلظ لا ينفع المعتدي في غير البلد الحرام، فإن فرضناه تعدّى في البلد الحرام فلا يستسهل حرمة البلد، بل ينبغي أن يعتقد أن فعله أقبح الأفعال، وأن عقوبته بحسب ذلك، فيُراعي الحالتين. انتهى.
وقال الحافظ: وفِيهِ مَشْرُوعِيَّة ضَرْبِ المَثَل، وإلْحاق النَّظِير بِالنَّظِيرِ؛ لِيَكُونَ أوْضَحَ لِلسّامِع، وإنَّما شَبَّه حُرْمَة الدَّم والعِرْض والمال بِحُرْمَةِ اليَوْمِ والشَّهْر والبَلَد؛ لِأنَّ المُخاطَبِينَ بِذَلِكَ كانُوا لا يَرَوْنَ تِلْكَ الأشْياء، ولا يَرَوْن هَتْكَ حُرْمَتِها، ويَعِيبُونَ عَلى مَن فَعَلَ ذَلِكَ أشَدّ العَيْب. انتهى[«الفتح» ٥/ ٤٣٠].
وقال في موضع آخر: ومناط التشبيه في قوله: «كحرمة يومكم» وما بعده ظهوره عند السامعين؛ لأن تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتًا في نفوسهم، مُقَرّرًا عندهم، بخلاف الأنفس والأموال والأعراض، فكانوا في الجاهلية يستبيحونها، فطرأ الشرع عليهم بأن تحريم دم المسلم وماله وعرضه أعظم من تحريم البلد والشهر واليوم، فلا يَرِدُ كون المشبه به أخفض رتبةً من المشبه؛ لأن الخطاب إنما وقع بالنسبة لما اعتاده المخاطبون قبل تقرير الشرع. انتهى [«الفتح» ١/ ١٥٩].
وقال التوربشتيّ: أراد أموال بعضكم على بعض، إنما ذكره مختصرًا؛ اكتفاء بعلم المخاطبين، حيث جعل «أموالكم» قريبة «دماءكم»، وإنما شبّه ذلك في التحريم بيوم عرفة، وبذي الحجة، وبالبلد؟ لأنهم كانوا يعتقدون أنها محرّمة أشدّ تحريم، لا يستباح منها شيء، وفي تشبيهه هذا مع بيان حرمة الدماء والأموال تأكيدٌ لحرمة تلك الأشياء التي شُبّه بتحريمها الدماء والأموال. انتهى.
وقال الطيبيّ: هذا من تشبيه ما لم تجر به العادة بما جرت به؛ لأنهم عالمون بحرمة الثلاث، كما في قوله تعالى: ﴿وإذْ نَتَقْنا الجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأنَّهُ ظُلَّةٌ﴾ الآية [الأعراف ١٧١] كانوا يستبيحون دماءهم وأموالهم في الجاهليّة في غير الأشهر الحرم، وُيحرّمونها فيها، كأنه قيل: إن دماءكم وأموالكم محرّمة عليكم
أبدًا، كحرمة يومكم، وشهركم، وبلدكم، ثم أتبعه بما يؤكّده تعميمًا من قوله:
«ألا كلّ شيء من أمر الجاهليّة تحت قدمي موضوع». انتهى[«الكاشف عن حقائق السنن» ٦/ ١٩٦٤ – ١٩٦٥].
((كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)) أي فإن انتهاك دمائكم وانتهاك أموالكم عليكم حرام.يعني: مال بعضكم حرام على بعض، لا أن مال الشخص حرام عليه كما دلّ عليه العقل، ويدل له رواية بينكم بدل عليكم. قاله القسطلاني في إرشاد الساري، [صحيح البخاري، كتاب العلم باب: ليبلغ العلم الشاهد الغائب، حديث رقم 104].
((هل بلغت؟)) قالوا: نعم. قال: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد)).
الثاني: مسائل ملحقة:
الأولى: أنواع الخطب التي خطبها النبي صلى الله عليه وسلم.فلقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجَّة الوداع ثلاث خطبٍ:
الأولى: يوم عرفة على صعيد عرفات.
الثانية: يوم النحر العاشر من ذي الحجَّة بمنى.
الثالثة: في أوسط أيام التشريق بمنى.
قال العلامةُ ابن عثيمين – رحمه الله -:
كانت خُطب الرسول عليه الصلاة والسلام على قسمين: خطبٌ راتبة وخطب عارضة.
فأمَّا الرَّاتبة: فهي خطبةٌ في الجُمعِ والأعياد، فإنَّه صلَّي الله عليه وسلَّم كان يخطبُ النّاسَ في كلِّ جمعةٍ وفي كلِّ عيدٍ، واختلف العلماءُ – رحمهم الله – في خطبةِ صلاة الكسوفِ، هل هي راتبة أو عارضةٌ، وسببُ اختلافهم: أنَّ الكسوفَ لم يقع في عهد النبي صلي الله عليه وسلم إلا مرَّةً واحدةً، ولما صلَّي قام فخطب الناس عليه الصلاة والسلام، فذهب بعض العلماءِ إلى أنَّها من الخطب الرَّاتبةِ، وقال: إنَّ الأصل أنَّ ما شرعَه النَّبيُّ صلي الله عليه وسلم فهو ثابتٌ مستقرٌّ، ولم يقعِ الكسوفُ مرَّةً أخرى فيترك النبي صلي الله عليه وسلم الخطبة، حتى نقول إنَّها من الخطب العارضة.
وقال بعضُ العلماءِ: بل هي من الخُطبِ العارضة، التي إنْ كان لها ما يدعو إلها خطب وإلا فلا، ولكن الأقرب أنَّها من الخطب الراتبة، وأنَّه يُسنُّ للإنسان إذا صلي صلاة الكسوف أن يقوم فيخطب الناس ويذكرهم ويخوفكم كما فعل النبي صلي الله عليه وسلم.
أمَّا الخطب العارضة: فهي التي يخطبها عند الحاجة إليها، مثل خطبته صلي الله عليه وسلم حينما اشترط أهل بريرة – وهي جارية اشترتها عائشةُ رضي الله عنها – فاشترط أهلها أن يكون الولاء لهم، ولكن عائشة – رضي الله عنها – لم تقبل بذلك، فأخبرتِ النبي صلي الله عليه وسلم، فقال: «خُذِيها فأعتقِيها، واشترطِي لهم الولاءَ»، ثم قام فخطب الناس وأخبرهم: أنَّ «الولاءَ لمن اعتق».
وكذلك خطبته حين شفَع أسامة بن زيد – رضي الله عنه – في المرأة المخزومية، التي كانت تستعيرُ المتاع فتجحده، فأمر النبي صلي الله عليه وسلم أنْ تقطع يدها، فأهمَّ قريشًا شأنها، فطلبوا من يشفعْ لها إلى الرسول صلي الله عليه وسلم، فطلبوا من أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – أن يشفع، فشفع، ولكن النبي صلي الله عليه وسلم قال له: «أتشْفعُ في حَدٍّ من حدودِ اللهِ»، ثم قام فخطب الناس وأخبرهم أنَّ الذي أهلك من كان قبلنا أنَّهم كانوا إذا سرَق فيهم الشَّريفُ تركوه، وإذا سرق فيهم الوضيعُ أقاموا عليه الحدَّ.
وفي حجة الوداع خطب النبي صلي الله عليه وسلم يوم عرفة، وخطب يوم النحر، ووعظ الناس وذكَّرهم، وهذه خطبةٌ من الخُطب الرَّواتب التي يُسنُّ لقائدِ الحجيج أن يخطب الناس كما خطبهم النبي صلي الله عليه وسلم، وكان من جملة ما ذكر في خطبته في حجة الوداع، أنَّه قال: «يَا أيُّها الناس اتَّقوا ربَّكُم»، وهذه كقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ ﴾ [النساء: من الآية 1]، فأمر الرسول صلي الله عليه وسلم الناسَ جميعًا أنْ يتَّقوا ربَّهم الذي خلقهم، وأمَّدهم بنعمِهِ، وأعدَّهم لقبولِ رسالاتِه، فأمرهم أن يتَّقوا الله. [«شرح رياض الصالحين» (1 / 534 – 537)].
الثانية: الروايات التي أوردها الشيخ الوادعي في الصحيح المسند:
481- قال الامام الترمذي رحمه الله ( ج3 ص283 ): حدثنا موسى بن عبد الرحمن الكوفي حدثنا زيد بن الحباب أخبرنا معاوية بن صالح حدثني سليم بن عامر قال سمعت أبا أمامة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب في حجة الوداع فقال اتقوا الله ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم قال فقلت لأبي أمامة منذ كم سمعت هذا الحديث ؟ قال سمعته وأنا بن ثلاثين سنة.
* وقال الامام أحمد رحمه الله ( ج5 ص 251 ): ثنا زيد بن الحباب ثنا معاوية بن صالح حدثني سليم بن عامر قال سمعت أبا أمامة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب الناس في حجة الوداع وهو على الجدعاء واضع رجله في غراز الرحل يتطاول يقول ألا تسمعون فقال رجل من آخر القوم ما تقول قال صلى الله عليه وسلم اعبدوا ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم قلت له فمذكم سمعت هذا الحديث يا أبا أمامة قال وأنا بن ثلاثين سنة .
* وقال الحاكم رحمه الله ( ج1 ص389 ): حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا بحر بن نصر الخولاني ، ثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني معاوية بن صالح ، عن أبي يحيى بن عامر الكلاعي ، قال : سمعت أبا أمامة ، يقول : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا في حجة الوداع وهو على ناقته الجدعاء قد جعل رجليه في غرزي الركاب يتطاول ، يسمع الناس ، فقال : « ألا تسمع صوتي ؟ » فقال رجل من طوائف الناس فماذا تعهد إلينا ؟ فقال : « اعبدوا ربكم ، وصلوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وأدوا زكاة أموالكم ، وأطيعوا ذا أمركم ، تدخلوا جنة ربكم » قال : قلت : يا أبا أمامة فمثل من أنت يومئذ ؟ قال : « أنا يا ابن أخي يومئذ ابن ثلاثين سنة أزاحم البعير أدحرجه قربا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم » .
740- قال أبو داود رحمه الله (ج5ص420): حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا هِشَامٌ يَعْنِي ابْنَ الْغَازِ حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ فَقَالَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا يَوْمُ النَّحْرِ قَالَ: ((هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)).
هذا حديث حسن، وقد أخرجه البخاري تعليقا كما في “عون المعبود” .
916- قال ابن العاصم رحمه الله في :الآحاد والمثاني”:حدثنا محمد بن المثنى ، نا عثمان بن عمر بن فارس ، نا عبد المجيد صاحب الدقيق من أهل البصرة قال : مررنا بالزجيج فدخلنا على رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من بني عامر بن صعصعة يقال له : العداء بن خالد بن هوذة فسلمنا عليه فرد علينا السلام . فقال : من القوم ؟ قلنا : من أهل البصرة أتيناك نسلم عليك وتدعو لنا بدعوات . فقال : فما فعل محمد بن المهلب ؟ فقلنا : هو ذاك يدعو الناس إلى كتاب الله عز وجل وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : وما هو وذاك ؟ قلنا: فما تأمرنا أين نكون مع هؤلاء أو مع هؤلاء أو نقعد ؟ قال : إن تقعدوا تفلحوا وترشدوا ثلاثا . ثم قال : حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما في الركابين ينادي يوم عرفة: « ألا إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه ألا هل بلغت ؟ ثلاثا » قالوا : نعم . قال : « اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاثا »هذا حديث صحيح.
1065- قال الإمام البزار رحمه الله : حدثنا إبراهيم بن هانئ ، قال : حدثنا عثمان بن صالح ، قال : أنا ابن وهب ، عن أبي هانئ الخولاني ، عن عمرو بن مالك الجنبي ، أن فضالة بن عبيد الأنصاري ، حدثه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال في حجة الوداع : هذا يوم حرام ، وبلد حرام ، فدماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، مثل هذا اليوم وهذه البلدة إلى يوم تلقونه ، وحتى دفعة دفعها مسلم مسلما يريد بها سوءا حراما ، وسأخبركم من المسلم ، من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم ، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب ، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله.هذا حديث حسن .
* قال الإمام أبو عبدالله بن ماجه رحمه الله : حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح المصري حدثنا عبد الله بن وهب عن أبي هانئ عن عمرو بن مالك الجنبي أن فضالة بن عبيد حدثه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب.هذا حديث حسن .
* قال الإمام أحمد رحمه الله : حدثنا علي بن إسحاق قال أنبأنا عبد الله يعني ابن المبارك قال أنبأنا حيوة بن شريح قال أخبرنا أبو هانئ الخولاني أنه سمع عمرو بن مالك الجنبي يقول سمعت فضالة بن عبيد يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المجاهد من جاهد نفسه في سبيل الله عز وجل.هذا حديث صحيح .
1244- قال الإمام أحمد رحمه الله : حدثنا أبو سعيد وعفان قالا حدثنا ربيعة بن كلثوم حدثني أبي قال سمعت أبا غادية يقول صلى الله عليه وسلم بايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أبو سعيد فقلت له بيمينك قال نعم قالا جميعا في الحديث وخطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم العقبة فقال يا أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى يوم تلقون ربكم عز و جل كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم أشهد ثم قال ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.هذا حديث صحيح .
وأبو الغادية هذا هو قاتل عمار بن ياسر رضي الله عنه فكان الناس يتعجبون من جرأته بعد روايته هذا الحديث ، نسأل الله السلامة ونعوذ بالله من الفتن.
* وقال عبدالله بن احمد في زوائد المسند: حدثني أبو موسى العنزي محمد بن المثنى قال حدثنا محمد بن أبي عدي عن ابن عون عن كلثوم بن جبر قال كنا بواسط القصب عند عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر قال فإذا عنده رجل يقال له أبو الغادية استسقى ماء فأتي بإناء مفضض فأبى أن يشرب وذكر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر هذا الحديث لا ترجعوا بعدي كفارا أو ضلالا شك ابن أبي عدي يضرب بعضكم رقاب بعض فإذا رجل يسب فلانا فقلت والله لئن أمكنني الله منك في كتيبة فلما كان يوم صفين إذا أنا به وعليه درع قال ففطنت إلى الفرجة في جربان الدرع فطعنته فقتلته فإذا هو عمار بن ياسر قال قلت وأي يد كفتاه يكره أن يشرب في إناء مفضض وقد قتل عمار بن ياسر.
*وقال الإمام أحمد رحمه الله : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال حدثنا ربيعة بن كلثوم قال حدثني أبي عن أبي غادية الجهني قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم العقبة فقال صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى ان تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم هل بلغت .
حدثنا عفان قال حدثني ربيعة قال حدثني أبي قال سمعت أبا غادية الجهني قال صلى الله عليه وسلم بايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم العقبة فقال يا أيها الناس ان دماءكم فذكر مثله .هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.
1475- قال الإمام أحمد رحمه الله : ثنا يحيى ثنا شعبة حدثني عمرو بن مرة قال سمعت مرة قال حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه و سلم على ناقة حمراء مخضرمة فقال أتدرون أي يومكم هذا قال قلنا يوم النحر قال صدقتم يوم الحج الأكبر أتدرون أي شهر شهركم هذا قلنا ذو الحجة قال صدقتم شهر الله الأصم أتدرون أي بلد بلدكم هذا قال قلنا المشعر الحرام قال صدقتم قال فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا أو قال كحرمة يومكم هذا وشهركم هذا وبلدكم هذا إلا وأنى فرطكم على الحوض أنظركم وأني مكاثر بكم الأمم فلا تسودوا وجهي ألا وقد رأيتموني وسمعتم منى وستسألون عنى فمن كذب علي فليتبوأ مقعده من النار إلا وأنى مستنقذ رجالا أو إناثا ومستنقذ منى آخرون فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك .هذا حديث صحيح .
1523- قال الإمام أحمد رحمه الله : حدثنا إسماعيل حدثنا سعيد الجريري عن أبي نضرة حدثني من سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق فقال يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى أبلغت قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أي يوم هذا قالوا يوم حرام ثم قال أي شهر هذا قالوا شهر حرام قال ثم قال أي بلد هذا قالوا بلد حرام قال فإن الله قد حرم بينكم دماءكم وأموالكم قال ولا أدري قال أو أعراضكم أم لا كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا أبلغت قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليبلغ الشاهد الغائب.هذا حديث صحيح.
الثالثة: المقاصد العامة من خطب الــوداع:
1- الترغيب في طاعة الله وطاعة رسوله:
يدل عليه قوله صلى الله عليه: ((وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟))، قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت.
فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد)) ثلاث مرات؛ رواه مسلم.
والنبي صلى الله عليه وسلم يأمر الناس بجملة من العبادات ترغيب لذالك؛ فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع، فقال: ((اتقوا الله ربكم، وصلُّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم)).
قال العلامةُ ابن عثيمين – رحمه الله -:
وقوله: «وصلُّوا خمْسَكم»؛ أي: صلُّوا الصلوات الخَمْس التي فرضها الله – عزَّ وجلَّ – علي رسوله صلَّي الله عليه وسلم.
وقوله: «وصُوموا شَهْرَكم»؛ أي: شهر رمضان.
وقوله: «وأدُّوا زكاةَ أموالكم»؛ أي: أعطوها مستحقيها ولا تبخلوا بها.وقوله: «أطيعوا أمراءكم»؛ أي: من جعلهم الله أمراء عليكم، وهذا يشمل أمراء المناطق والبلدان، ويشمل الأمير العام: أي أمير الدولة كلَّها، فإنَّ الواجبَ على الرعيَّة طاعتُهم في غير معصية الله، أمَّا في معصية الله فلا تجوز طاعتهم ولو أمروا بذلك، لأن طاعة المخلوق لا تقدم علي طاعة الخالق جلَّ وعلا، ولهذا قال الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: من الآية59]، فعطف طاعة ولاة الأمور علي طاعة الله تعالى ورسوله صلي الله عليه وسلم وهذا يدلُّ علي أنَّها تابعة، لأنَّ المعطوف تابع للمعطوِف عليه لا مستقلٌ، ولهذا تجد أنَّ الله – جلَّ وعلا – قال: ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ [النساء: من الآية 59]، فأتى بالفعل ليتبيَّن بذلك أنَّ طاعة النبي صلي الله عليه وسلم طاعة مستقلَّة، أي: تجب طاعتُه استقلالًا كما تجب طاعة الله؛ ومع هذا فإنَّ طاعتَه من طاعة الله واجبة، فإنَّ النبي صلي الله عليه وسلم لا يأمرُ إلَّا بما يُرْضِي الله، أمَّا غيره من ولاة الأمور فإنَّهم قد يأمرون بغير ما يُرضي الله، ولهذا جعل طاعتَهم تابعةً لطاعة الله ورسوله.
ولا يجوز للإنسان أن يعصي ولاة الأمور في غير معصية الله، ويقول: إن هذا ليس بدين، لأنَّ بعض الجُهَّال، إذا نَظَّم ولاة الأمور أنظمةً لا تخالف الشَّرع، قال: لا يلزمني أن أقوم بهذه الأنظمة، لأنَّها ليست بشرع، لأنَّها لا توجدُ في كتابِ اللهِ تعالى، ولا في سُنَّة رسوله صلي الله عليه وسلم، وهذا من جهله، بل نقول: إنَّ امتثال هذه الأنظمة موجود في كتاب الله، موجود في سُنَّة الرسول عليه الصلاة والسلام، قال الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59]، وورد عن النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة أنَّه أمر بطاعة ولاة الأمور، ومنها هذا الحديث، فطاعة ولاة الأمور فيما يُنظِّمونه مما لا يخالفُ أمر الله تعالى ورسوله صلي الله عليه وسلم مما أمر الله به ورسولُه صلَّي الله عليه وسلم.
ولو كنَّا لا نطيع ولاة الأمور إلَّا بما أمر الله تعالى به ورسوُله صلي الله عليه وسلم لم يكن للأمر بطاعتِهم فائدة، لأنَّ طاعة الله تعالى ورسوله مأمورٌ بها، سواءٌ أمر بها ولاة الأمور أم لم يأمروا بها، فهذه الأمور التي أوصى بها النبي صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع: تقوي الله، والصلوات الخمس، والزكاة، والصيام، وطاعة ولاة الأمور، هذه من الأمور الهامة التي يجب على الإنسان أن يعتني بها، وأن يمتثل أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم فيها، والله اعلم. [ «شرح رياض الصالحين» (1 / 534 – 537)]
2- الولاء لله ولرسوله والمؤمنين:
يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: ((ألا إن المسلم أخو المسلم فليس يحل لمسلم من أخيه شيء إلا ما أحل من نفسه))، هذه الرواية للترمذي، وقال: حسن صحيح.
3- التحاكم لشرع الله وقطع العلاقة بأمور الجاهلية التي تناقض الدين:يدل عليه في خطبة الوداع: ما رواه جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: ((أَلا وَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمِيَّ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلَّهُ))؛ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ.
وقد ذكر الله تعالى هذا المقصد العظيم في سورة المائدة تحكيم شريعة الإسلام عند التنازع والخلاف، والوقوف عند حدود الله بالالتزام، ﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [المائدة: 45].
4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدل عليه:عَن عبدالرَّحْمَن بن أبي بكرَة عَن أَبِيه قَالَ: «ذكر النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قعد على بعيره وَأمْسك إِنْسَان بخطامه – أَو بزمامه – قَالَ: أَي يَوْم هَذَا؟ فسكتنا حَتَّى ظننا أَنه سيسميه بِغَيْر اسْمه، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْم النَّحْر؟ فَقُلْنَا: بلَى، قَالَ: فَأَي شهر هَذَا؟ فسكتنا حَتَّى ظننا أَنه سيسميه بِغَيْر اسْمه، قَالَ: ألْيَسْ ذِي الْحجَّة؟ قُلْنَا: بلَى، قَالَ: فَإِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ بَيْنكُم حرَام كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا، فِي شهركم هَذَا، فِي بدلكم هَذَا، ليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب، فَإِن الشَّاهِد عَسى أَن يبلغ من هُوَ أوعى لَهُ مِنْهُ»؛ متفق عليه.
5- العدل بين البشر:عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ خُطْبَةَ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ”، هذا ومن مقاصد الشريعة الغراء تحقيق العدل بين الناس جميعًا مهما اختلفت أجناسهم أو أديانهم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8].
تنويه: كما اشتملت خطبة الــوداع على حفظ الكليات الخمس:قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((فَإِن دماءَكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ بَيْنكُم حرَام، كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا، فِي شهركم هَذَا))؛ متفق عليه، ورغم اختلاف كل خطبة من خطبه الثلاث عن الأخرى، فإن هذه الوصية جاءت في خطبه الثلاث: “حفظ الدين والدماء والأموال والاعراض”. [خطب حجة الوداع في ظلال سورة المائدة].
الرابعة: الدُّروس المُستفادَة مِن هذه الخُطبَة:
الدرس الأول: بيَّن النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – حُرمة الدماء والأموال، ووضَّح لنا أن هذه الحُرمة تُساوي حُرمة اليوم والشهر والبلد، ومعلومٌ أن حُرمة البلد الحرام – وهو مكة – حُرمةٌ عظيمة، وحُرمة الشهر الحرام – وهو شهر ذي الحجَّة – حرمة عظيمة.
الدرس الثاني: وضَع النبي – صلى الله عليه وسلم – كلَّ شيء مِن أمر الجاهلية، فقال: ((ألا وإنَّ كل شيء مِن أمر الجاهلية موضوعٌ تحت قدميَّ هاتَين))، فكل شيء مِن أمر الجاهليَّة باطل، فالإسلام قد أبطَل أمور الجاهليَّة؛ فلا كِبر، ولا بطَر، ولا أشَر، ولا لوأْد البنات (دفنهنَّ أحياء)، ولا فضْل لقبيلةِ كذا على قبيلةِ كذا، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح.
الدرس الثالث: المُعامَلة الحسَنة مع النساء:يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((فاتَّقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهنَّ بأمانة الله، واستحللتُم فروجهنَّ بكلمة الله.
الدرس الرابع: بيان أن رسول الله – ﷺ – بلّغ جميع ما أُرسل بتبليغه، وقال البخاريّ – رحمه الله – في «صحيحه»: قال الزهريّ: من الله الرسالة، وعلى الرسول التبليغ، وعلينا التسليم. انتهى.
وقد شهدت له – ﷺ – أمته بتبليغه، وأدائه الأمانة، واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خطبته يوم عرفة في حجة الوداع، وقد كان هناك من أصحابه نحو أربعين ألفًا، أو أكثر، فقد أخرج مسلم في «صحيحه» من حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – الطويل، وفيه: قال رسول الله – ﷺ: «أيها الناس إنكم مسؤولون عنّي فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنك قد بلّغتَ، وأدّيت، ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينْكُتها إلى الناس: «اللهم اشهد، اللهم اشهد»، ثلاث مرات.
الدرس الخامس: ((اللهم اشهَد، اللهم اشهد)):إشارة النبي ﷺ بأصبعه إلى السماء في خطبته في حجة الوداع عندما كان يستشهد الله على الناس قائلًا: (ألا هل بلغت؟! قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد)، فقد كان يرفع أصبعه إلى السماء ثم ينكتها إلى الناس ويقول: (اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد) فإشارة النبي ﷺ بأصبعه إلى السماء دليل صريح على أن الله في العلو.
وأما المعطلة من الجهمية وغيرهم فهم ينكرون الإشارة بالأصبع، فلو رفعت أصبعك عند جهمي واستطاع قطعها لقطعها؛ لأنه يقول: إن الله في كل مكان، والإشارة إليه تنقص له، فإذا جعلته فوق فقد تنقصته وجعلته محدودًا في جهة محددة، وهو في كل مكان.
الراجحي [دروس في العقيدة]. [الدروس المستفادة من خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، بتصرف].