1160 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم .
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1160):
قال الإمام النسائي رحمه الله (ج ٣ ص ٢٠٣): أخبرنا أحمد بن سليمان قال حدثنا زيد بن الحباب قال أخبرني معاوية بن صالح قال حدثني نعيم بن زياد أبو طلحة قال سمعت النعمان بن بشير على منبر حمص يقول: قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل الأول، ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح، وكانوا يسمونه السحور.
قال الشيخ الوادعي رحمه الله: هذا حديث حسنٌ.
الحديث أخرجه ابن أبي شيبة (ج ٢ ص ٣٩٤) فقال رحمه الله: حدثنا زيد بن الحباب به.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
أورده الشيخ الوادعي رحمه الله في موضعين في الجامع، في “١٨٠ – قيام الليل في رمضان جماعة”(2/195)، وفي “سورة المزمل”(6/202).
وسبق بنحو هذا الحديث في الصحيح المسند برقم 270 من حديث ابي ذر
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
أولا: الحث على صلاة النافلة في المنزل
- عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبوراً)). رواه البخاري ( 422 ) ومسلم ( 777 ) .
قال النووي :
قوله صلى الله عليه وسلم ((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً )).
معناه: صلُّوا فيها ، ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة ، والمراد به : صلاة النافلة ، أي : صلوا النوافل في بيوتكم.[شرح مسلم ( 6 / 67 )].
- عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة – قال : حسبت أنه قال: من حصير – في رمضان فصلى فيها ليالي، فصلَّى بصلاته ناسٌ من أصحابه فلما علم بهم جعل يقعد فخرج إليهم، فقال : ((قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم، فصلُّوا أيها الناس في بيوتكم؛ فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)). رواه البخاري ( 698 ) ومسلم ( 781 ) .
فيه: أن الكبير إذا فعل شيئًا، خلافَ ما اعتاده منه أتباعه يذكر لهم عذره، وحكمه، والحكمة فيه.
[اشكال]:
“استُشْكِلَ صلاته – ﷺ – في المسجد، لأنه يلزم منه أن يكون تاركًا للأفضل الذي أمَر الناس به، حيث قال. «صلّوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة».
وأجيب عنه بأوجه:
منها: أن هذه الصلاة مما استُثنِيَ؛ لأن الأفضل عند الجمهور في صلاة التراويح المسجد.
ومنها: أنه – ﷺ – كان معتكفًا، إن ذاك، والمعتكف لا يصلي إلا في المسجد.
ومنها: أنه إذا احتجر صار كأنه بيت بخصوصه.
ومنها: أن السبب في كون صلاة التطوّع في البيت أفضل عدم شَوْبه بالرياء غالبًا، والنبي – ﷺ – منزّه عن الرياء في بيته، وفي غير بيته. [انظر «المرعاة»ج ٤ ص ٣١٢].
ومنها: أن ذلك لبيان الجواز، والنبي – ﷺ – إذا فعل شيئًا للتشريع يكون أفضل في حقه، وإن كان في حقّ غيره أدون. واللَّه أعلم”. [ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (17/265)تراث].
ثانيًا: [تنبيه]: ذكر الحافظ أبو الفضل العراقي في «شرح الترمذيّ» أن السرّ في استفتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين المبادرةُ إلى حلّ عُقَد الشيطان، وبناه على أن الحلّ لا يتمّ إلا بتمام الصلاة، وهو واضح؛ لأنه لو شرع في صلاة، ثم أفسدها لم يساو من أتمّها، وكذا الوضوء، وكأن الشروع في حلّ العقد يحصل بالشروع في العبادة، وينتهي بانتهائها.
وقد ورد الأمر بصلاة الركعتين الخفيفتين عند مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -، فاندفع إيراد من أورد أن الركعتين الخفيفتين إنما وردتا من فعله – ﷺ -، وهو منزّه عن عقد الشيطان، حتى ولو لم يَرِد الأمر بذلك لأمكن أن يقال: يحمل فعله على تعليم أمته، وإرشادهم إلى ما يحفظهم من الشيطان. وقد وقع عند ابن خزيمة من وجه آخر عن أبي هريرة في آخر الحديث: «فحُلُّوا عقد الشيطان ولو بركعتين». قاله في «الفتح»[«فتح» ج ٣ ص ٣٣٦ – ٣٣٧].
ثالثًا: ما يتعلق بقيام الليل وصلاة التراويح
المَطلَب الأوَّل: قيامُ اللَّيلِ
الفَرْعُ الأول: فَضلُ قِيامِ اللَّيلِ:
ذِكْرُ آياتِ فَضْلِ قيامِ اللَّيلِ والحَثِّ عليه:
1- قال اللهُ تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} الإسراء: 79.
2- وقال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} السجدة: 16الآية، وقال تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} الذاريات: 17.
3- وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} الفرقان: 64.
1- قيامُ اللَّيلِ عُبوديَّةٌ وشُكرٌ
فعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقومُ من اللَّيل حتى تَتفطَّر قدماه، فقالت عائشةُ: لِمَ تَصنعُ هذا يا رسولَ اللهِ، وقد غفر اللهُ لك ما تقدَّمَ مِن ذنبِك وما تأخَّر؟! قال: ((أفلا أحبُّ أن أكونَ عبدًا شكُورًا؟! ))[أخرجه البخاري (4837)، ومسلم (2820)].
2- قيامُ اللَّيلِ من أسبابِ دُخولِ الجَنَّةِ ورفْعِ الدَّرجاتِ فيها
1- عن عبدِ اللهِ بنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا أيُّها الناسُ، أفْشُوا السَّلام، وأطْعِموا الطَّعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا باللَّيلِ والناسُ نِيام، تَدخلوا الجَنَّةَ بسَلام ))[رواه الترمذي (2485)، وابن ماجه (3251) وأحمد (23784)، وصححه الألباني .
وقال الوادعي في ((أحاديث معلة)) (187): يُتوقَّف في الحُكم على صحَّته، حتى يُعلم ثبوتُ سماع زُرارة بن أوْفَى من عبد الله بن سلَام]. حيث نفى السماع ابوحاتم بينما ذكر البخاري في تاريخه التصريح بالسماع وصحح الحديث العقيلي وهو في أحاديث الذيل على الصحيح المسند ( راجع تخريج أحاديث الترغيب والترهيب لسيف بن دورة الكعبي ).
2- وعن أبي مالكٍ الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ في الجَنَّةِ غُرفًا يُرى ظاهرُها من باطنِها، وباطنُها من ظاهرِها، أعدَّها اللهُ تعالى لِمَن أَطعَمَ الطَّعام، وأَلانَ الكلام، وتابَع الصِّيام، وأفْشَى السَّلام، وصَلَّى باللَّيلِ والناسُ نِيام ))[أخرجه أحمد (22905)، وابن خزيمة (2137)، وابن حبان (509) قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) ( 3/195): رجاله ثقات، وحسَّنه الألباني في ((صحيح الموارد)) (533)].
3- قيامُ اللَّيلِ من أسبابِ تَكفيرِ السيِّئاتِ
فعن أبي أُمامةَ الباهليِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((عَليكم بقِيامِ اللَّيلِ؛ فإنَّه دَأَبُ الصَّالحينَ قَبلَكم، وقُربةٌ لكم إلى ربِّكم، ومَكْفَرَةٌ للسيِّئاتِ، ومَنْهَاةٌ عن الإثمِ ))[أخرجه الترمذي (5/553)، بعد حديث (3549) وابن خزيمة (1135)، والطبراني (8/109) (7466) )، والحاكم (1156). قال الترمذي (5/553): وهذا أصح من حديث أبي إدريس عن بلال، وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (2/458)، والألباني في ((تخريج مشكاة المصابيح))(1184)، وحسن إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (1/466).
4- قيامُ اللَّيلِ أفضَلُ الصلاةِ بعدَ الفريضةِ
فعن أَبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أفضلُ الصَّلاةِ بعدَ الصلاةِ المكتوبةِ، الصلاةُ في جَوفِ الليلِ ))[رواه مسلم (1163)].
الفرعُ الثاني: وقتُ قيامِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقومُ تارةً إذا انتصف اللَّيل، أو قَبْله بقليلٍ، أو بَعدَه بقليلٍ، وربَّما كان يقوم إذا سمِع الصارخَ، وهو الدِّيك، وهو إنَّما يَصيحُ في النِّصفِ الثاني[((زاد المعاد)) لابن القيم (1/328)].
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه: ((أنَّه باتَ عند ميمونةَ أمِّ المؤمنينَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، وهي خالتُه، قال: فاضطجعتُ على عُرضِ الوسادةِ، واضطجع رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأهلُه في طولِها، فنامَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى انتصَف اللَّيلُ، أو قَبْله بقليلٍ، أو بَعدَه بقليلٍ، ثم استيقظَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فجَلَس، فمَسحَ النومَ عن وجهِه بيدِه، ثم قرأَ العشرَ آياتٍ خواتيمَ سورةِ آل عمران، ثم قامَ إلى شَنٍّ مُعلَّقة، فتوضَّأ منها فأحسنَ وُضوءَه، ثم قامَ يُصلِّي. قال عبدُ اللهِ بنُ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهما: فقمتُ، فصنعتُ مثلَ ما صنَع، ثم ذهبتُ فقُمتُ إلى جَنبه، فوضَعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدَه اليُمنى على رأسي، وأخَذَ بأُذني اليُمنى يَفتِلُها بيدِه، فصلَّى رَكعتينِ، ثم ركعتينِ، ثم ركعتينِ، ثم ركعتينِ، ثم ركعتينِ، ثم ركعتينِ، ثم أَوْتَرَ، ثم اضطجع حتَّى جاءَه المؤذِّنُ، فقام فصلَّى ركعتينِ خفيفتينِ، ثم خرَج فصلَّى الصُّبحَ ))[رواه البخاري (1198)، ومسلم (763)].
2- عن مسروقِ بن الأسودِ، قال: سألتُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها: أيُّ العملِ كان أحبَّ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قالت: الدَّائم، قال: قلتُ: فأيَّ حينٍ كان يقومُ؟ قالت: ((كان يقومُ إذا سمِعَ الصارِخَ ))[رواه البخاري (6461)، ومسلم (741)].
الفَرعُ الثالث: حُكمُ قِيامِ اللَّيلِ
قِيامُ اللَّيلِ سُنَّةٌ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- حديث أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه وسبق
2- حديث أبي أُمامةَ الباهليِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، وسبق
3- حديث عبدِ اللهِ بنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، وسبق .
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على سُنيَّةِ قيامِ الليلِ في حقِّ سائرِ الأمَّة: ابنُ عبد البرِّ((الاستذكار)) (2/82)، والنووي((شرح النووي على مسلم)) (6/26)، وابن حزم ((مراتب الإجماع)) (ص: 32)، وابنُ حجرٍ((فتح الباري)) (3/3).
قال ابنُ عبد البَرِّ: (ونسْخ الأمر بقيام الليل عن سائر أمَّته مُجتمَعٌ عليه بقول الله عزَّ وجلَّ: ((عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ )) المزمل: 20 ، وهذا ندب؛ لأنَّ الفرائض محدودات، وقد شذَّ بعض التابعين فأوجب قيامَ الليل ولو قدْرَ حَلْب شاة، والذي عليه جماعةُ العلماء أنَّه مندوبٌ إليه، مرغوب فيه) ((الاستذكار)) (2/82).
قال النوويُّ: (أمَّا حُكم المسألة فقيام الليل سُنَّة متؤكَّدة، وقد تطابقت عليه دلائل الكتاب والسُّنة وإجماع الأمَّة) ((المجموع)) (4/44). وقال أيضُا: (قولها: “فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة” هذا ظاهره أنه صار تطوعًا في حقِّ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والأمَّة، فأمَّا الأمة فهو تطوُّع في حقِّهم بالإجماع، وأمَّا النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاختلفوا في نَسخِه في حقه، والأصحُّ عندنا نسخه، وأمَّا ما حكاه القاضي عياض من بعض السلف أنه يجب على الأمَّة من قيام الليل ما يقعُ عليه الاسم ولو قدْرَ حَلْب شاة، فغلطٌ ومردودٌ بإجماع مَن قَبله مع النصوص الصحيحة أنَّه لا واجبَ إلَّا الصلوات الخمس) ((شرح النووي على مسلم)) (6/26).
الفرعُ الرابع: عددُ رَكَعاتِ صَلاةِ القِيامِ
ليس في قيامِ اللَّيلِ حدٌّ لا يُزاد عليه ولا يُنقصُ منه، فالأمر في ذلك واسع. قال ابن تيميَّة: (كما أنَّ نفْس قيام رمضان لم يوقِّت النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيه عددًا معينًا؛ بل كان هو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يُطيل الركعات، فلمَّا جمَعهم عمر على أبي بن كعب كان يُصلِّي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث، وكان يخفُّ القراءة بقدْر ما زاد من الركعات؛ لأنَّ ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة، ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث وآخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث وهذا كله سائغ فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن… ومن ظنَّ أنَّ قيام رمضان فيه عددٌ موقَّت عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يُزاد فيه ولا يُنقص منه، فقد أخطأ) ((مجموع الفتاوى)) (22/272).
وقال الشوكانيُّ: (والحاصل: أنَّ الذي دلَّت عليه أحاديثُ الباب وما يشابهها هو مشروعيَّة القيام في رمضان، والصلاة فيه جماعة وفرادى، فقصرُ الصلاة المسمَّاة بالتراويح على عددٍ معيَّن، وتخصيصها بقراءة مخصوصة لم يرِدْ به سُنَّة) ((نيل الأوطار)) (5/108).
وقال الشِّنقيطيُّ: (وقد خيَّر صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين هذه الأزمنة من الليل، فترك ذلك لنشاطه واستعداده وارتياحه؛ فلا يمكن التعبُّد بعددٍ لا يصحُّ دونه، ولا يجوز تعدِّيه) ((أضواء البيان)) (8/357). وقال ابن باز: (ثبَت عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام ما يدلُّ على التوسعة في صلاة الليل، وعدم تحديد ركعات معيَّنة، وأنَّ السنة أن يُصلِّي المؤمن – وهكذا المؤمنة – مَثْنَى مثنى، يُسلِّم من كل اثنتين) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/320). وقال ابن عثيمين: (لا ينبغي لنا أن نغلوَ أو نُفرط، فبعض الناس يغلو من حيث التزامُ السنَّة في العدد، فيقول: لا تجوز الزيادة على العدد الذي جاءت به السُّنَّة، ويُنكر أشدَّ النكير على مَن زاد على ذلك، ويقول: إنه آثم عاصٍ. وهذا لا شكَّ أنه خطأٌ، وكيف يكون آثمًا عاصيًا وقد سُئل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صلاة الليل؟ فقال: ((مَثنَى مَثْنى)) ولم يحدِّد بعدد، ومن المعلوم أنَّ الذي سأله عن صلاة الليل لا يعلم العدد؛ لأنَّ مَن لا يعلم الكيفية فجهلُه بالعدد من باب أَوْلى، وهو ليس ممَّن خدم الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى نقول: إنه يعلم ما يحدُث داخل بيته، فإذا كان النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيَّن له كيفية الصلاة دون أن يُحدِّد له بعدد؛ علم أنَّ الأمر في هذا واسعٌ، وأنَّ للإنسان أن يُصلِّي مئة ركعةٍ ويوتِر بواحدة) ((الشرح الممتع)) (4/53). وقال أيضًا: (وأمَّا عددها: فإحدى عشرة ركعة… وإنْ صلَّاها ثلاث عشرة ركعة فلا بأس… وإنْ زاد على ذلك فلا بأس…، والأمر في ذلك واسعٌ، لكن الأفضل الاقتصار على ما جاء عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهي الإحدى عشرة، أو الثلاث عشرة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/187-188). واختَلف أهلُ العِلم في الأفضل؛ فذهب بعضهم إلى أنَّها إحدى عشرة ركعةً، أو ثلاث عشرة ركعةً مع تطويلها. قال ابنُ عبد البَرِّ: (وأكثرُ الآثارِ على أنَّ صلاتَه كانت بالوِتْرِ إحدى عشرةَ ركعةً، وقد روي ثلاث عشرةَ ركعةً، فمنهم من قال فيها ركعتا الفجر، ومنهم من قال إنَّها زيادة حَفِظَها مَن تُقْبَل زيادَتُه بما نقل منه، ولا يَضُرُّها تقصيرُ من قصَّر عنها) ((التمهيد)) (21/69-70). وقال الصنعانيُّ: (والحديث دليلٌ على فضيلة قيام رمضان، والذي يظهر أنه يحصل بصلاةِ الوِتْرِ إحدى عشرة ركعة كما كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يفعل في رمضان وغيره كما سلف في حديث عائشة) ((سبل السلام)) (2/173) وقالت اللجنة الدائمة: (وأفضَلُ الصَّلاةِ في الليل إحدى عشرةَ ركعةً؛ يُسَلِّمُ من كلِّ ركعتينِ) ((فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية)) (6/59).
وقال ابنُ باز: (وأصحُّ ما ورد عنه عليه الصَّلاة والسَّلام الإيتارُ بثلاث عشرةَ أو إحدى عشرة ركعة, والأفضل إحدى عشرة، فإنْ أوتر بثلاث عشرة فهو أيضًا سنةٌّ وحسن، وهذا العدد أرفقُ بالناس وأعونُ للإمام على الخشوع في ركوعه وسجوده وفي قِراءته، وفي ترتيل القراءة وتدبُّرها، وعدم العجلة في كلِّ شيء، وإنْ أوتر بثلاثٍ وعشرين كما فعَل ذلك عمرُ والصحابة رضي الله عنهم في بعض الليالي من رمضانَ فلا بأس؛ فالأمر واسع) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/322). وقال ابنُ عُثيمين: (الصَّحيح في هذه المسألة: أنَّ السنة في التراويح أن تكونَ إحدى عشرةَ ركعة، يُصلي عشرًا شفعًا، يُسلِّم من كل ركعتين، ويُوتر بواحدة. والوتر كما قال ابن القيِّم: هو الواحدة ليس الركعات التي قَبْله، فالتي قبله من صلاة الليل، والوتر هو الواحدة، وإنْ أوتر بثلاثٍ بعد العشر وجعلها ثلاث عشرة ركعةً فلا بأس؛ لأنَّ هذا أيضًا صحَّ من حديثِ عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى ثلاثَ عشرةَ ركعةً، فهذه هي السُّنة، ومع ذلك لو أنَّ أحدًا من الناس صلَّى بثلاثٍ وعشرين، أو بأكثرَ من ذلك، فإنَّه لا يُنكَرُ عليه) ((الشرح الممتع)) (4/51). وذهب جمهورُ الفقهاء إلى أنَّ عددَ ركعاتها عشرون ركعةً: قال الكاسانيُّ: (وأمَّا قدْرها فعشرون ركعةً في عشر… وهذا قول عامَّة العلماء، وقال مالكٌ في قول: سِتَّة وثلاثون ركعة، وفي قول: سِتة وعشرون ركعةً، والصحيح قول العامَّة) ((بدائع الصنائع)) (1/288). وقال النوويُّ: (مذهبنا: أنَّها عشرون ركعة بعشر تسليمات غير الوتر، وذلك خمس ترويحات، والترويحة أربع ركعات بتسليمتين، هذا مذهبنا، وبه قال أبو حنيفة وأصحابُه، وأحمد، وداود، وغيرهم، ونقله القاضي عياضٌ عن جمهور العلماء) ((المجموع)) (4/32). وقال ابنُ قُدامةَ: (والمختار عند أبي عبد الله رحمه الله، فيها عشرون ركعة، وبهذا قال الثوريُّ, وأبو حنيفة, والشافعيُّ) ((المغني)) (1/456). ومنهم مَن زاد على ذلك إلى ستٍّ وثلاثين ركعة: قال أبو الحسن المالكيُّ: (“ثم صلوا” أي: السلف غير السَّلف الأوَّل في زمن عمر بن عبد العزيز “بعد ذلك”، أي: بعد القيام بعشرين ركعةً غير الشفع والوتر “ستًّا وثلاثين ركعةً غير الشفع والوتر”، وهذا اختيارُ مالك في المدوَّنة… “وكل ذلك”، أي: القيام بعشرين ركعة، أو بست وثلاثين ركعة “واسعٌ”، أي: جائز) ((كفاية الطالب الرباني)) (1/581). وبعضُهم قال غير ذلك: قال ابن تيمية: (كان النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قيامه بالليل هو وتره، يُصلِّي بالليل في رمضان وغير رمضان إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يُصلِّيها طوالًا، فلما كان ذلك يشق على الناس قام بهم أُبيُّ بن كعب في زمن عمر بن الخطاب عشرين ركعةً يُوتِر بعدها ويخفِّف فيها القيام، فكان تضعيف العدد عوضًا عن طول القيام. وكان بعضُ السلف يقوم أربعين ركعة، فيكون قيامها أخفَّ، ويوتر بعدها بثلاث) ((مجموع الفتاوى)) (23/120). وقال أيضًا: (ثبَت أنَّ أُبيَّ بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعةً في قيام رمضان ويوتر بثلاث. فرأى كثيرٌ من العلماء أنَّ ذلك هو السنَّة؛ لأنه أقامه بين المهاجرين والأنصار ولم يُنكره مُنكِرٌ. واستحبَّ آخرون تسعة وثلاثين ركعة؛ بناءً على أنه عمل أهل المدينة القديم، وقال طائفة: قد ثبت في الصحيح عن عائشة أنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يكن يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاثَ عشرةَ ركعةً، واضطرب قومٌ في هذا الأصل لِمَا ظنُّوه من معارضة الحديث الصحيح لِمَا ثبَت من سُنَّة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين. والصواب: أنَّ ذلك جميعه حسنٌ كما قد نصَّ على ذلك الإمام أحمد رضي الله عنه، وأنه لا يتوقَّتُ في قيام رمضان عددٌ؛ فإنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يوقِّت فيها عددًا، وحينئذٍ فيكون تكثيرُ الركعات وتقليلها بحسَب طولِ القيامِ وقِصَرِه…) ((مجموع الفتاوى)) (23/112-114).
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن أبي سَلمةَ بنِ عبدِ الرحمنِ أنَّه سألَ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها: كيف كانتْ صلاة رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في رمضان؟ فقالت: ((ما كان يَزيدُ في رمضانَ، ولا في غيرِه على إحْدى عَشرةَ ركعةً؛ يُصلِّي أربعَ رَكَعاتٍ فلا تسألْ عن حُسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يُصلِّي أربعًا، فلا تسألْ عن حُسنهنَّ وطولهنِّ، ثم يُصلِّي ثلاثًا))[رواه البخاري (2013)، ومسلم (837)].
2- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهما قال: ((كان صلاةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثلاثَ عَشرةَ ركعةً. يعني: باللَّيل ))[رواه البخاري (1138)، ومسلم (764)].
3- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما: ((أنَّ رجلًا سألَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صلاةِ اللَّيل، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: صلاةُ الليلِ مَثْنَى مثنَى، فإذا خشِيَ أحدُكم الصبحَ صلَّى ركعةً واحدةً، تُوتِر له ما قدْ صلَّى ))[رواه البخاري (990)، ومسلم (749)].
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يحدَّ حدًّا في عددِ الركعاتِ التي يأتي بها المصلِّي قَبلَ الوترِ[((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/299)].
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبد البرِّ[((الاستذكار)) (2/98)]، والقاضي عِياضٌ[((إكمال المعلم)) (3/82)]، والعراقيُّ[((طرح التثريب)) (3/43)].
الفرعُ الخامس: صِفةُ صَلاةِ القِيامِ
صلاةُ اللَّيلِ مَثنَى مَثنَى، أي: ركعتان ركعتان، وهذا مذهبُ الجمهور: المالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة، وقول أبي يُوسفَ ومحمَّد من الحنفيَّة، واختارَه ابنُ باز، وابنُ عُثَيمين. [((مواهب الجليل)) للحطاب (2/464)، وينظر: ((المنتقى)) للباجي (1/213)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/228)، وينظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/207)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/248)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/132)، ((المبسوط)) للسرخسي (1/147)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/324)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/412)].
قال ابن عثيمين: (وصلاة الليل تَشمل التطوُّعَ كلَّه والوترَ، فيصلي مَثْنَى مثنى، فإذا خشِي الصبح صلَّى واحدة فأوتَرتْ ما صلى) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/412).
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صلاةُ الليلِ مَثنَى مَثنى، فإذا رأيتَ أنَّ الصبحَ يُدركُك فأَوتِر بواحدةٍ))، قال: فقيل لابن عُمر: ما مَثنَى مَثنَى؟ قال تُسلِّم في كلِّ ركعتينِ[أخرجه البخاري (1137)، ومسلم (749) واللفظ له].
2- عن عائشةَ زوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالت: ((كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي فيما بين أن يَفرغَ من صلاةِ العِشاءِ – وهي التي يدعو الناسُ العتمةَ – إلى الفجرِ إحْدى عشرةَ ركعةً، يُسلِّمُ بين كلِّ ركعتينِ، ويُوتِرُ بواحدةٍ ))[رواه مسلم (736)].
الفَرعُ السادس: وقتُ صلاةِ القِيامِ
فَرْعُ: أوَّلُ وقتِ صلاةِ الوترِ وآخِرُه
أوَّلُ وقتِ صلاةِ الوترِ بعدَ صلاةِ العشاءِ، وآخِرُه طلوعُ الفجرِ، وهذا مذهبُ الجمهورِ: المالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وهو قولُ أبي يوسفَ ومحمَّدِ بنِ الحسنِ من الحَنَفيَّة، وحُكي الإجماعُ على ذلِك.
الأدلَّة
أولًا: من السُّنَّة
1- عن عبدِ اللهِ بن عُمرَ، أنَّ رجلًا سألَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنا بينه وبين السائِلِ، فقال: يا رسولَ الله، كيف صلاةُ الليلِ؟ قال: ((مَثْنَى مَثْنَى، فإذا خَشِيتَ الصُّبْحَ، فصَلِّ رَكعةً، واجعلْ آخِرَ صلاتِكَ وِتْرًا )).
2- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((بادِرُوا الصبحَ بالوترِ )) .
3- عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أَوْتِروا قبلَ أن تُصبِحُوا )).
4- وقال: ((الوترُ ركعةٌ مِن آخِرِ اللَّيلِ )).
5- عن نافعٍ، أنَّ ابنَ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما كان يقولُ: ((مَن صلَّى بالليلِ فلْيَجعلْ صلاتَه وترًا قبل الصبح، كذلك كان رسولُ الله يأمرُهم )).
ثانيًا: الإجماعُ على أنَّ أَوَّلَه بعد العِشاءِ
نقل الإجماعَ على ذلك: المروزي، وابن المنذر، وابن عبد البَرِّ.
الفرعُ السَّابع: ما يُسَنُّ قبل القيامِ، والاستفتاحُ بركعتينِ خفيفتين
المسألة الأولى: ما يُسَنُّ قَبلَ القِيامِ
أوَّلًا: يُستحبُّ لِمَن قام من نومِه مريدًا القيامَ أنْ يَمسحَ النومَ عن وجهِه، ويَستاكَ بالسِّواكِ، ويَذكُرَ اللهَ تعالى.
الدَّليلُ من السُّنَّة:
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهما: ((أنَّه بات عندَ ميمونةَ، وهي خالتُه، فاضطجعتُ في عُرضِ وسادةٍ واضطجعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأهلُه في طولِها، فنامَ حتى انتصفَ اللَّيلُ – أو قريبًا منه – فاستيقظَ يمسحُ النومَ عن وجهِه، ثم قرأَ عَشرَ آياتٍ من آل عِمران، ثم قام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى شَنٍّ مُعلَّقة، فتوضَّأ، فأَحسنَ الوضوءَ، ثم قام يُصلِّي، فصنعتُ مِثلَه، فقمتُ إلى جنبِه، فوضَع يدَه اليُمنى على رأسي وأخَذ بأُذني يَفتِلُها، ثم صَلَّى ركعتينِ، ثم ركعتينِ، ثم ركعتينِ، ثم ركعتينِ، ثم ركعتينِ، ثم ركعتينِ، ثم أَوتَرَ، ثم اضطجع حتى جاءَه المؤذِّنُ، فقام، فصلَّى ركعتينِ، ثم خرَج، فصلَّى الصبحَ ))[رواه البخاري (1198)، ومسلم (763)].
المسألة الثانية: صلاةُ ركعتينِ خَفيفتَينِ عندَ افتتاحِ قِيامِ اللَّيلِ
يُستحبُّ لِمَن أرادَ القِيامَ أن يَفتتِحَ قيامَه بركعتينِ خفَيفتَينِ[((المجموع)) للنووي (4/45)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/229)، ((المغني)) لابن قدامة (2/102) ((الفروع)) لابن مفلح (2/379)، ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (10/21)، ((تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة-الموقع الرسمي لابن عثيمين))، ((فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية)) (6/99)].
الأدلة من السُّنَّة:
1- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، قالت: ((كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إِذا قام مِنَ اللَّيلِ ليُصلِّي، افْتَتح صلاتَه بركعتينِ خَفيفتينِ ))[أخرجه مسلم (767)].
2- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((إذا قام أحدُكم من اللَّيلِ، فليفتتحْ صلاتَه بركعتينِ خفيفتينِ ))[رواه مسلم (768)].
الفرعُ الثامنُ: حُكمُ المداومةِ على قِيامِ اللَّيلِ كلِّه
لا يُسنُّ قيامُ اللَّيلِ كلِّه على الدوامِ في جميعِ اللَّيالي، قال ابنُ تيميَّة: (قيام بعض الليالي كلِّها ممَّا جاءت به السُّنة). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 428). وقال ابن عثيمين: (إذا كان يُديم ذلك ويقوم اللَّيل كله فهو مخالفٌ للسُّنة؛ لِمَا ثبت في الصَّحيحين من حديث النَّفر الثلاثة الذين أتوا يسألون عن عمَل النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلما أُخبروا بذلك، فكأنَّهم تقالُّوا العمل، فقال أحدهم: أنا أقوم ولا أنام، فأنكَر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذلك وقال: «… وأقوم وأنام، فمَن رغِب عن سُنَّتي فليس مني»، وهذا يدلُّ أن قيام الليل كلِّه دائمًا خلافُ السنَّة. وكذلك عندما أُخبِر النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ عبد الله بن عمرو بن العاص قال: “أنا أصوم أبدًا وأقوم أبدًا”، فمَنعَه من ذلك. وأمَّا قيام بعض الليالي فقد جاءت به السُّنة، كما ورد أنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم «كان إذا دخلتِ العشرُ الأواخر من رمضان أحيا الليل») ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/285)؛
ونصَّ على ذلك المالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة. [((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 289)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/407)، ((حاشية الصاوي)) (1/527)، ((المجموع)) للنووي (4/44، 45)، وينظر: ((البيان)) للعمراني (2/282)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/437)، ((الفروع)) لابن مفلح (2/392)].
الأدلة من السُّنَّة:
1- حديثُ النَّفرِ الثلاثةِ وقوله صلى الله عليه وسلم : ((… وأقومُ وأنامُ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليس منِّي ))[أخرجه البخاري (5063)، ومسلم (1401) من حديث أنس رضي الله عنه].
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لهُ: ((أَحَبُّ الصلاةِ إلى اللهِ صلاةُ داودَ عليهِ السلامُ، وأَحَبُّ الصيامِ إلى اللهِ صيامُ داودَ، وكان ينامُ نصفَ الليلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، وينامُ سُدُسَهُ، ويصومُ يومًا ويُفْطِرُ يومًا ))[أخرجه البخاري (1131)، ومسلم (1159)].
3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، قالت: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا دَخَلَ العشرُ، أحيا اللَّيلَ، وأيقظَ أهلَه، وجدَّ وشدَّ المِئزرَ ))[رواه البخاري (2024)، مسلم (1174)].
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
هذا الحديث دلَّ على أنَّه لم يكُن من شأنه دائمًا أن يقومَ الليلَ كلَّه، وإلَّا لم يكُنْ في تخصيصِ العشرِ الأواخِرِ من رمضانَ بالذِّكرِ مزيدُ مزيَّة إنْ كان قيامُه فيها كغيرِها من الأيَّام[((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/304)].
الفرعُ التاسع: حكم مَن فاتَه قيامُ اللَّيلِ
مَن فاتَه قيامُ اللَّيلِ صلَّاه في النهارِ، نصَّ عليه الحنابلة، واختاره ابنُ العربيِّ من المالكية، وابنُ تيميَّة، والشوكانيُّ، وابنُ القيِّم، وابنُ باز، وابنُ عُثَيمين. [((كشاف القناع)) للبهوتي (1/441)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/570)، ((أحكام القرآن)) (4/331)، ((مجموع الفتاوى)) (23/91)، ((نيل الأوطار)) (3/61)، ((زاد المعاد)) (1/324)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (30/47، 48)، ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 137)]
قال ابنُ باز: (السُّنة قضاؤها ضُحًى بعد ارتفاع الشمس وقبل وقوفها، شفعًا لا وِترًا، فإذا كانت عادتك الإيتار بثلاث ركعات في الليل فنمتَ عنها أو نسيتَها، شُرِع لك أن تصليها نهارًا أربعَ ركعات في تسليمتين، وإذا كان عادتك الإيتار بخمس ركعات في الليل فنمتَ عنها أو نسيتها، شُرِع لك أن تُصلِّي ستَّ ركعات في النهار في ثلاث تسليمات، وهكذا الحُكم فيما هو أكثرُ من ذلك). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (30/47، 48)
وقال ابنُ عثيمين: (الوتر سُنَّة مؤكَّدة لا ينبغي تَرْكُها، ولكن إذا غلبك النوم فاقضِ الوِتْرَ من النهار شفعًا، فإذا كان الإنسان يوتر بثلاثٍ صلَّى أربعًا، وإذا كان يُوتِرُ بخمسٍ صلَّى ستًّا، وإذا كان يوتِرُ بسبعٍ صلَّى ثمانيًا، وإذا كان يوتر بتسع صلى عشرًا، وإذا كان يوتر بإحدى عشرة صلى اثنتي عشرة ركعة، وينبغي للإنسان إذا كان يخشى ألَّا يقوم آخر الليل أن يوتِرَ قبل أن ينام؛ فإنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أوصى أبا هريرةَ رضي الله عنه أن يوتِرَ قبل أن ينامَ، أمَّا إذا كان يطمَعُ أن يقوم آخِرَ الليل، فإنَّه يؤخِّرُ الوِتْرَ إلى آخِرِ اللَّيلِ؛ لأنَّ صلاةَ آخِرِ اللَّيلِ مشهودةٌ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/121). وقال أيضًا: (ووجه ذلك: أنَّ الوتر إنما تُختم به صلاة الليل، وصلاة الليل قد انتهت، فيَقضي الإنسان وردَه الذي كان يُصلِّيه في الليل ولا يوتر؛ لأنَّ زمَن الوتر انقضى). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/164). وقال أيضًا: (الإنسانُ إذا نام عمَّا كان يصلِّيه في اللَّيلِ، صلَّاه في النهار؛ لكن بدلًا من أن يجعَلَه وِترًا يجعله شفعًا، لحديث عائشةَ رضي الله عنها (أنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا غَلَبَه نومٌ أو وَجَعٌ صَلَّى من النَّهارِ ثِنتي عشرةَ ركعة) ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 137).
الدليل من السُّنَّة:
حديثُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها: ((كانَ إذا غَلبَه نومٌ أو وجعٌ عن قيامِ اللَّيلِ، صلَّى مِن النهارِ ثِنتيَ عَشرةَ ركعةً ))[رواه مسلم (746)].
الفرعُ العاشر: إفرادُ ليلةِ الجُمُعةِ بالقِيامِ.
======
المَطلَبُ الثاني: صَلاةُ التَّراويحِ (قيامُ رَمضانَ)
الفرعُ الأوَّل: تعريفُ التَّراويح
التراويحِ لُغةً: جمْع تَرويحةٍ، وهي المرةُ الواحدةُ من الرَّاحةِ، وروَّحتُ بالقومِ ترويحًا: صلَّيتُ بهم التراويحَ؛ وسُمِّيت بذلك لأنَّ الناسَ كانوا يُطيلونَ القيامَ فيها والركوعَ والسُّجودَ، فإذا صلَّوْا أربعًا استراحوا، ثم استأنَفوا الصلاةَ أربعًا، ثم استرَاحوا، ثم صَلَّوا ثلاثًا.[((لسان العرب)) لابن منظور (2/462)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/244)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/10). قال الكمال بن الهمام: (التراويح جمْع ترويحة، أي: ترويحة للنَّفْس، أي: استراحة؛ سُمِّيت نفس الأربع بها؛ لاستلزامها شرعًا، ترويحة، أي: استراحة) ((فتح القدير)) (1/466-467)]
التراويحِ اصطلاحًا: هي قيامُ شَهرِ رَمضانَ.
قال ابنُ قُدامةَ: (وقيام شَهر رمضان عشرون ركعةً، يعني: صلاة التراويح) ((المغني)) (1/455). وقال النوويُّ: (والمراد بقيام رمضانَ صلاةُ التراويح) ((شرح مسلم)) (6/39). ويُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/318)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/209).
الفرعُ الثاني: فَضلُ صلاةِ التراويحِ
1- صلاةُ التراويحِ سببٌ لغفرانِ ما تَقدَّمَ من الذُّنوبِ:
فعن أَبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُرغِّبُ في قيامِ رمضانَ من غير أنْ يأمرَهم فيه بعزيمةٍ، فيقولُ: مَن قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تَقدَّمَ مِن ذَنبِه ))[رواه البخاري (2009)، ومسلم (759) واللفظ له].
2- مَن صلَّى القيامَ مع الإمامِ حتى يَنصرِفَ كُتِبَ له قيامُ ليلةٍ كاملةٍ:
فعن أبي ذرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((قلت: يا رسولَ اللهِ، لو نَفَّلْتَنا قيامَ هذه اللَّيلةِ
))؟ فقال: إنَّ الرَّجُلَ إذا صلَّى مع الإمامِ حتى ينصرفَ، حُسِبَ له قيامُ ليلةٍ))[أخرجه أبو داود (1375)، والترمذي (806)، والنسائي (1364)، وابن ماجه (1327) قال الترمذي: حسن صحيح، وصحَّحه الطحاويُّ في ((شرح معاني الآثار)) (1/349)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (25/178)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (1604)، وقال الشوكاني في ((السيل الجرار)) (1/329): ثابت ورجاله رجال الصحيح، وقال الوادعي في ((الصحيح المسند)) (280): صحيح على شرط مسلم].
3- أنَّ فاعلَها إذا ماتَ وهو مداومٌ عليها، كان مِن الصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ:
فعن عَمرِو بنِ مُرَّةَ الجُهنيِّ، قال: ((جاءَ رجلٌ من قُضاعةَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: إنِّي شهدتُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّكَ رسولُ اللهِ، وصليتُ الصلواتِ الخمسَ، وصُمتُ رَمضانَ وقُمتُه، وآتيتُ الزكاةَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن ماتَ على هذا كانَ من الصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ ))[رواه ابن خزيمة (2212)، والطبراني في ((مسند الشاميين)) (2939)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (3345) باختلاف يسير حسن إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/7)، وقال الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) (1/51): أرجو إسناده أنه إسنادٌ حسن أو صحيح. وصحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((مختصر البزار)) (1/70)، والألباني في ((قيام رمضان)) (18)].
الفرعُ الثَّالث: حُكمُ صلاةُ التَّراويحِ.
صَلاةُ التَّراويحِ سُنَّةٌ مُؤكَّدَة.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- قال أبو هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُرغِّبُ في قيامِ رمضانَ من غيرِ أنْ يأمَرَهم فيه بعزيمةٍ، فيقول: مَن قامَ رَمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تَقدَّمَ مِن ذَنبِه ))[رواه البخاري (2009)، ومسلم (759) واللفظ له].
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى في المسجدِ ذاتَ ليلةٍ، فصلَّى بصلاتِه ناسٌ، ثم صَلَّى من القابلةِ، فكثُرَ الناسُ ثم اجتَمَعوا من الليلةِ الثالثةِ، أو الرابعةِ، فلم يخرُجْ إليهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا أصبحَ قال: قد رأيتُ الذي صنعتُم، فلمْ يمنعْني من الخروجِ إليكم إلَّا أنِّي خَشيتُ أنْ تُفرَضَ عليكم))، قال: وذلِك في رمضانَ[رواه البخاري (1129)، ومسلم (761) واللفظ له].
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على سُنيَّتِها: النوويُّ[((المجموع)) (4/37)]، وشيخي زاده[((مجمع الأنهر)) (1/202)]، والصنعانيُّ[((سبل السلام)) (2/11)].
الفرعُ الرَّابع: حُكمُ صَلاةِ التراويحِ في المسجدِ جماعةً
صلاةُ التراويحِ جماعةً في المسجدِ أفضلُ مِن صلاة من يصليها منفردًا.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلى في المسجدِ ذاتَ ليلةٍ، فصلَّى بصلاتِه ناسٌ، ثم صلَّى من القابلةِ، فكثُر الناسُ، ثم اجتمعوا من الليلةِ الثالثةِ، أو الرابعةِ، فلم يخرجْ إليهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا أصبح قال: قد رأيتُ الذي صنعتُم، فلم يَمنعني من الخروجِ إليكم إلَّا أنِّي خشيتُ أن تُفرَضَ عليكم)). قال: وذلك في رمضانَ[رواه البخاري (1129)، ومسلم (761) واللفظ له].
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى صلاةَ التراويحِ بالجماعةِ في المسجدِ، ولم يمنعْه من الاستمرارِ بالجماعةِ إلَّا تخوُّفُه أنْ تُفرَضَ على الأمَّةِ، ومعنى ذلك أنَّ فِعلَها جماعةً في المسجدِ أفضل.
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبدِ البرِّ[((مختصر اختلاف العلماء)) (1/315)]، وابنُ قُدامةَ[((المغني)) (2/124)]، وغيرُهما[((المجموع)) (4/32)].
ثالثًا: من الآثار
عن عبد الرحمنِ بنِ عبدٍ القارئِ، قال: ((خرجتُ مع عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْه ليلةً في رمضانَ إلى المسجدِ، فإذا الناسُ أوزاعٌ متفرِّقون يُصلِّي الرجلُ لنَفسِه، ويُصلِّي الرجلُ فيُصلِّي بصلاتِه الرهطُ، فقال عُمرُ رَضِيَ اللهُ عَنْه: إني أَرَى لو جمعتُ هؤلاءِ على قارئٍ واحدٍ، لكان أمثلَ، ثم عَزَمَ فجمَعَهم إلى أُبيِّ بنِ كعبٍ، ثم خرجتُ معه ليلةً أخرى والناسُ يُصلُّونَ بصلاةِ قارئِهم. فقال عمرُ: نِعمَ البدعةُ هذِه، والتي ينامون عنها أفضلُ؛ يُريد آخِرَ اللَّيلِ، وكان الناسُ يقومونَ أَوَّلَه ))[رواه البخاري (2010)].
الفرعُ الخامس: وقتُ صَلاةِ التَّراويحِ
السُّنةُ في التَّراويحِ أنْ تُصلَّى بَعدَ العِشاءِ الآخِرَةِ.
الدَّليل من الإجماع:
اتفاق السَّلف والأئمة على ذلك، نقله ابنُ تيميَّة.
قال ابنُ تيميَّة: (فما كان الأئمَّة يُصلُّونها إلَّا بعد العِشاء على عهد النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعهدِ خلفائه الراشدين، وعلى ذلك أئمَّةُ المسلمين، لا يُعرف عن أحدٍ أنه تعمَّد صلاتَها قبل العِشاء، فإنَّ هذه تُسمَّى قيام رمضان). ((مجموع الفتاوى)) (23/120).
وقال أيضًا: (السُّنة في التراويح أنْ تُصلَّى بعد العِشاء الآخِرةِ، كما اتَّفق على ذلك السَّلَف والأئمَّة). ((مجموع الفتاوى)) (23/119)
الفرعُ السادس: عددُ ركعاتِ صلاةِ التَّراويحِ
تقدَّمَ الكلامُ عنها في مسألةِ عددِ ركعاتِ صلاةِ القِيامِ.
الفرعُ السابع: القِراءةُ في صَلاةِ التَّراويحِ
ليس لقراءةِ القرآنِ في صَلاةِ التراويحِ مقدارٌ مُحَدَّدٌ قال الشوكانيُّ: (وأمَّا مقدار القراءة في كلِّ ركعة فلم يردْ به دليل) ((نيل الأوطار)) (5/53). وقال ابن باز: (الأمرُ في هذا واسعٌ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/330)،
وتُستحَبُّ قراءتُه كاملًا قال الكاسانيُّ: (السُّنة أن يختمَ القرآن مرةً في التراويح، وذلك فيما قاله أبو حنيفة، وما أمر به عمرُ، فهو من باب الفضيلة، وهو أن يختمَ القرآن مرَّتين أو ثلاثًا، وهذا في زمانهم، وأمَّا في زماننا فالأفضل أن يقرأ الإمامُ على حسب حال القوم من الرغبة والكسل، فيقرأ قدْرَ ما لا يوجب تنفيرَ القوم عن الجماعة؛ لأنَّ تكثير الجماعة أفضلُ من تطويل القراءة) ((بدائع الصنائع)) (1/289)، ويُنظر ((حاشية ابن عابدين)) (2/46). وقال الدردير: ( “و” نُدِب للإمام “الخَتْم” لجميع القرآن “فيها”، أي: في التراويح في الشهر كلِّه ليُسمِعَهم جميعه) ((الشرح الكبير)) (1/315)، ويُنظر ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/728). وقال البهوتيُّ: (“ويُستحبُّ أن لا ينقص عن خَتمةٍ في التراويح”؛ ليسمع الناس جميع القرآن، “ولا” يُستحبُّ “أن يَزيد” الإمامُ على ختمةٍ؛ كراهيةَ المشقة على مَن خلفه) ((كشاف القناع)) (1/427)، ويُنظر ((الإنصاف)) للمرداوي (2/131)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/162). وقال ابن باز: (ويُمكن أن يُفهم من ذلك- أي: من مدارسة النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم القرآنَ مع جبريل في رمضان- أنَّ قراءة القرآن كاملةً من الإمام على الجماعة في رمضان نوعٌ من هذه المدارسة؛ لأنَّ في هذا إفادةً لهم عن جميع القرآن؛ ولهذا كان الإمام أحمد رحمه الله يحبُّ ممَّن يؤمُّهم أن يختم بهم القرآن، وهذا من جنس عمل السلف في محبَّة سماع القرآن كله، ولكن ليس هذا موجبًا لأنْ يعجل ولا يتأنَّى في قراءته، ولا يتحرَّى الخشوع والطُّمأنينة، بل تحرِّي هذه الأمور أَوْلى من مراعاة الختمة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/325-326)،
وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك. قال ابنُ تيميَّة: (وأمَّا قراءة القرآن في التراويح فمستحبٌّ باتفاق أئمَّة المسلمين، بل من أجلِّ مقصود التراويح قراءةُ القرآن فيها ليسمعَ المسلمون كلامَ الله؛ فإنَّ شهر رمضان فيه نزل القرآن، وفيه كان جبريل يُدارِسُ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم القرآن، وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريلُ فيدارسه القرآن) ((مجموع الفتاوى)) (23/122-123)
وذلك حتى يسمَعَ النَّاسُ جميعَ القرآنِ؛ فإنَّ شهْرَ رمضانَ فيه نَزَلَ القرآنُ، ولأنَّ جبريلَ كان يُدارِسُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم القرآنَ في رمضانَ[((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (23/122-123)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/427)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/325-326)].
الفَرعُ الثامن: الجهرُ بالقِراءةِ في التَّراويحِ
يُستحَبُّ الجهرُ بالقِراءةِ في صلاةِ التَّراويحِ.
الدَّليل من الإجماع:
نقَل الإجماع على ذلك: النوويُّ، قال النوويُّ: (أجمع المسلمون على استحباب الجَهر بالقِراءة في… صلاة التراويح، والوتر عقيبَها). ((التبيان)) (1/130).[الموسوعة الفقهية]