87 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
87 – قال الامام احمد رحمه الله {ج3ص270}: ثنا عفان ثنا أبان بن يزيد ثنا قتادة عن أنس بن مالك صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يجتمع له غداء ولا عشاء من خبز ولحم الا على ضفف.
…………………….
والضفف- بضاد وفاءين- قال ابن الأثير فى “النهاية”: الضيق والشدة، أي: لم يشبع منهما إلا عن ضيق وقلة.
وقيل: إن الضفف اجتماع الناس، يقال: ضف القوم على الماء يضفون ضفا وضففا، أي: لم يأكل خبزا ولحما وحده، ولكن يأكل مع الناس.
وقيل: الضفف أن تكون الأكلة أكثر من مقدار الطعام، والخفف أن تكون بمقداره.
……………………..
فَمَعْنَى الْخَبَرِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ إِذَا أَكَلَ وَحْدَهُ، وَلَكِنْ شِبَعَ مِنْهُمَا إِذَا كَانَ يَأْكُلُ مَعَ النَّاسِ، وَهَذَا عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ، ثُمَّ قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ أَوْ مَعَ الْأَضْيَافِ أَوْ فِي الضِّيَافَاتِ وَالْوَلَائِمِ وَالْعَقَائِقِ، وَالْمُرَادُ بِالشِّبَعِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْلُهُ مِلْءَ ثُلْثَيْ بَطْنِهِ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْكُلْ مِلْءَ الْبَطْنِ قَطُّ، وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: الضَّفَفُ الضِّيقُ وَالشِّدَّةُ، أَيْ لَمْ يَشْبَعْ مِنْهُمَا عَلَى حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا عَلَى حَالِ الضِّيقِ وَالشِّدَّةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الشِّبَعُ مِنْهُمَا عَلَى حَالِ التَّنَعُّمِ وَالرَّفَاهِيَةِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: فِي الْحَدِيثِ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ طَعَامٍ إِلَّا عَلَى ضَفَفٍ، وَرَوِيَ حَفَفٍ شَظَفٍ، الثَّلَاثَةُ فِي مَعْنَى ضِيقِ الْمَعِيشَةِ وَقِلَّتِهَا وَغِلْظَتِهَا، يُقَالُ: أَصَابَهَا حَفَفٌ وَحُفُوفٌ وَحَفَّتِ الْأَرْضُ إِذَا يَبِسَ نَبَاتُهَا، وَعَنِ الْأَصْمَعِيِّ: أَصَابَهُمْ مِنَ الْعَيْشِ ضَفَفٌ أَيْ شِدَّةٌ، وَفِي رَأْيِ فُلَانٍ ضَفَفٌ أَيْ ضَعْفٌ، وَمَا رُئِيَ عَلَى بَنِي فُلَانٍ حَفَفٌ وَلَا ضَفَفٌ أَيْ أَثَرُ عَوَزٍ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَشْبَعْ إِلَّا وَالْحَالُ خِلَافُ الْخِصْبِ وَالرَّخَاءُ عِنْدَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ اجْتِمَاعُ الْأَيْدِي وَكَثْرَةُ الْآكِلِينَ، أَيْ لَمْ يَأْكُلْ وَحْدَهُ وَلَكِنْ مَعَ النَّاسِ، وَقَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ: الضَّفَفُ كَثْرَةُ الْعِيَالِ، وَقَوْلُهُمْ لَا ضَفَفَ يَشْغَلُهُ وَلَا ثِقَلَ أَيْ لَا يَشْغَلُهُ عَنْ حَجِّهِ وَنُسُكِهِ عِيَالٌ وَلَا مَتَاعٌ، كَذَا وَجَدْتُّهُ بِخَطِّ مِيرَكَ شَاهْ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ بِعَيْنِهِ فِي شَرْحِهِ.
مسألة: زهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم، وضيق الحال وأسبابه
وقد صح في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: ” جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ، قَبْلَ السَّاعَةِ، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ، أَفَمَلِكًا نَبِيًّا يَجْعَلُكَ، أَوْ عَبْدًا رَسُولًا؟ قَالَ جِبْرِيلُ: تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ. قَالَ: ” بَلْ عَبْدًا رَسُولًا “.
رواه أحمد في مسنده (7160)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
قلت سيف بن دورة: وصححه الألباني وراجع تخريج نضرة النعيم
وفي حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا، قُلْتُ: لاَ يَا رَبِّ، وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا وَأَجُوعُ يَوْمًا، أَوْ قَالَ ثَلاَثًا أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمِدْتُكَ) رواه الترمذي في “السنن” (2347) وقال: حديث حسن. ثم عقبه بتضعيف أحد رواته.
قلت سيف بن دورة: ضعيف هو في ضعيف الترغيب 1902
و فيه علي بن يزيد الالهاني وعبيد الله بن زحر الضمري.
كما رويت بعض الآثار توضح سبب ما كان يصيبه صلى الله عليه وسلم من تفاوت الفقر والغنى، وأن هذه الحال، إنما كانت: … ” لكثرة من يغشاه، وأضيافه، وقوم يلزمونه لذلك، فلا يأكل طعاما قط إلا ومعه أصحابه وأهل الحاجة، يشبعون في المسجد. فلما فتح الله عز وجل خيبر اتسع الناس بعض الاتساع، وفي الأمر بعض ضيق، والمعاش شديد، وهي بلاد لا زرع فيها، إنما طعام أهلها التمر، وعلى ذلك أقاموا”. انظر: “سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد” (7/ 101)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
“الناس ثلاثة أصناف:
غني: وهو من ملك ما يفضل عن حاجته.
وفقير: وهو من لا يقدر على تمام كفايته.
وقسم ثالث: وهو من يملك وفق كفايته.
ولهذا كان في أكابر الأنبياء والمرسلين والسابقين الأولين من كان غنيا: كإبراهيم الخليل، وأيوب، وداود، وسليمان، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، وسعد بن معاذ، وأسيد بن الحضير، وأسعد بن زرارة، وأبي أيوب الأنصاري، وعبادة بن الصامت، ونحوهم ممن هو من أفضل الخلق من النبيين والصديقين.
وفيهم من كان فقيرا: كالمسيح عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا، وعلي بن أبي طالب، وأبي ذر الغفاري، ومصعب بن عمير، وسلمان الفارسي، ونحوهم ممن هو من أفضل الخلق من النبيين والصديقين.
وقد كان فيهم من اجتمع له الأمران: الغنى تارة، والفقر أخرى؛ وأتى بإحسان الأغنياء، وبصبر الفقراء: كنبينا صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر” انتهى من “مجموع الفتاوى” (11/ 124)
وبهذا يمكنك أن تتفهم ما ورد في بعض الأحاديث الصحيحة، كحديث أنه عليه الصلاة والسلام: (قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ نَذُوقُ ذَوَاقًا) رواه البخاري (4101)، وحديث عدم إيقاد النار في بيته المكرم عليه الصلاة والسلام الشهر والشهرين، وحديث (أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا [يعني الجوع]) رواه مسلم (2038)، وحديث (وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ) رواه البخاري (5414)
كلها نفهمها في إطار حدوثها في بعض الفترات التي كانت تمر على النبي صلى الله عليه وسلم، وليست حالة دائمة، ولا صفة ملازمة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الفقر، ويدعو ويقول: (اللَّهُمَّ ارْزُقْ آلَ مُحَمَّدٍ قُوتًا) رواه البخاري (6460)، فلم يودعه ربه عز وجل لسلطان الفقر، بل فتح عليه من خزائن المال، ولكنه كان أجود بها من الريح المرسلة، فكان ينفقها في بعض الأوقات ولا يدع لبيته شيئا، فتقع له مثل هذه الحوادث العارضة، خاصة بعد قريظة وخيبر، حيث اتسع حال المسلمين، وأصابوا من المال بفعل ما تعاقدوا عليه مع أهل خيبر.
والواقع الثابت في السيرة النبوية يدل على ذلك في عشرات الأدلة الشرعية، فلا بد من فهم ما وقع له عليه الصلاة والسلام من مواقف الجوع، في هذا الإطار الظرفي المؤقت.
وقد كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم خير معين للنبي صلى الله عليه وسلم على هذه الشدة، فلم يضِنُّوا بأموالهم وطعامهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبياته، فكانوا يبعثون إليهم الهدايا مما يجدون من الطعام، وكانوا يهدون لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما وسع الله عليهم. وهكذا ورد في تلك الأحاديث – المعدودة – التي تحدثت عن الشدة التي أصابت النبي صلى الله عليه وسلم – اختيارا لا اضطرارا – ما يبين موقف الصحابة الكرام، وحرصهم على إعانته صلى الله عليه وسلم.
يقول الإمام الطبري رحمه الله:
“إن قال لنا قائل:
وما وجه هذه الأخبار ومعانيها، وقد علمت صحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان يرفع ما أفاء الله عليه من النضير وفدك قوته وقوت عياله لسنة، ثم يسلف ما فضل عن ذلك في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله، وأنه قسم بين أنفس معدودين زهاء ألف بعير من خاصة حقه، مما أفاء الله من أموال هوازن في اليوم الواحد، وأنه ساق في حجة الوداع مائة بدنة، فنحرها وأطعمها من حضر مكة من أهل المسكنة وغيرهم، وأنه كان يأمر للأعرابي يقدم عليه من البادية، فيسلم، بقطيع من الغنم.
هذا مع ما يكثر تعداده من عطاياه وفواضله التي لا يذكر مثلها عن من قبله من ملوك الأمم السالفة، مع كونه بين أرباب الأموال العظام، والأملاك الجسام، كأبي بكر الصديق، وعمر، وعثمان رحمة الله عليهم، وأمثالهم في كثرة الأموال، وبذلهم له مهجهم وأولادهم وأموالهم، وخروج أحدهم من جميع ملكه إليه، تقربا إلى الله تعالى ذكره بفعله ذلك، ثم مع إشراك الأنصار في أموالهم من قدم عليهم من المهاجرين، وبذلهم نفائسها في النفقة في ذات الله عز وجل، فكيف بإنفاقها على رسول الله صلى الله عليه وسلم! وبه إليها الحاجة العظمى! ليرد بذلك جسيم ما نزل به من المجاعة، وحل به من عظيم الخموصة، إن هذا لمن أعجب العجب وأنكر النُّكر، لإحالة بعضه معنى بعض، ودفع بعضه صحة ما دل عليه البعض، إذ كان غير جائز اجتماع قشف المعيشة، وشظفها، والرخاء والسعة فيها في حال واحدة.
فهل عندك لذلك مخرج في الصحة فيصدق بجميعها، أم لا حقيقة لشيء من ذلك فندفعها، أم بعضها صحيح معناه، وبعضه مستحيل في الصحة مخرجه، فتدلنا على صحيح ذلك من سقيمه، لتحق الحق وتبطل الباطل؟
قيل له:
لا خبر فيما ذكرت أو لم أذكر، يصح سنده بنقل الثقات العدول، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إلا وهو عندنا حق، والدينونة به للأمة لازمة، ولا شيء من ذلك يدفع شيئا منه، ولا ينقض شيء منه، معنى شيء غيره، ونحن ذاكرو بيان ذلك بعلله وحججه، إن شاء الله ذلك، بعونه وتوفيقه.
فأما الخبر الذي روينا عن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يظل اليوم يلتوي من الجوع، لا يجد ما يملأ به بطنه من الدقل، وما أشبه ذلك من الأخبار، فإن ذلك كان يكون في الحين بعد الحين، من أجل أنَّ مَن كان منهم يومئذ ذا مال، كانت تستغرق نوائب الحقوق من النفقة على المهاجرين وأهل الحاجة والضعف من المسلمين، وعلى الضيفان ومن اعتراهم وقدم عليهم من وفود العرب، وفي الجهاد في سبيل الله عز وجل = كثرة ماله، وحتى يقل كثيره، أو يذهب جميعه.
وكيف لا يكون ذلك كذلك، وقد روينا عن عمر بن الخطاب: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالصدقة، فجاء أبو بكر بجميع ماله فقال: هذا صدقة لله) فكيف يُستنكَر لمن كان هذا فعله، أن يملق صاحبه، ثم لا يكون له السبيل إلى سد عوزه، ولا إرفاقه لما يغنيه عن غيره!
وعلى هذه الخليقة: كانت خلائق أتباعه وأصحابه رضوان الله عليهم. وذلك كالذي ذكر عن عثمان أنه جهز جيشا من ماله حتى لم يفقدوا حبلا ولا قتبا، وكالذي ذكر عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة، فجاء بأربعة آلاف دينار صدقة منه تصدق بها.
فمعلوم أن – مَن كانت هذه أفعاله وخلائقه – أنه لا يخطئه أن تأتي عليه التارة من الزمان، والحين من الأيام: مملقا لا شيء له، قد أسرع في ماله نوافل عطاياه، وفواضل نداه، إن احتاج له أخ أو خليل إلى بعض ما يحتاج إليه الآدميون، لم يكن له سبيل إلى مؤاساته لقلة ذات يده، إلى أن يثوب له مال، أو يتعين له مال.
فقد ثبت إذًا بما ذكرت ووصفت خطأ قول القائل: كيف يجوز أن يرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه عند يهودي على أوسق من شعير، وفي أصحابه من أهل الغنى والسعة من لا يُجهل موضعه! أم كيف يجوز أن يوصف بأنه كان يطوي الأيام ذوات العدد خميصا، وأصحابه يمتهنون له أموالهم، ويبذلونها لمن هو دونه من أصحابه! فكيف له!
إذ كان صلى الله عليه وسلم معلوما جوده وكرمه وإيثاره ضيفانه والقادمين عليه من وفود العرب بما عنده من الأقوات والأموال على نفسه وأهله، واحتماله المشقة والصبر على الخموصة والمجاعة في ذات الله، وامتثال أصحابه وأتباعه في ذلك أخلاقه، ومن كان كذلك وأتباعه؛ فمعلوم أنه غير مستنكر له ولأتباعه حال ضيق يحتاج، هو وهم، معها إلى الاستسلاف، والاستقراض، وإلى طي الأيام على المجاعة والشدة.
فكان ما يكون من ضيق يصيبه صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أو من يصيبه ذاك منهم ومعيشته، لهذه الأسباب التي وصفنا، وهذه الأحوال، من أحواله وأحوال أصحابه، عنيت بالأخبار التي رويت عنه من شده الحجر على بطنه هو وأصحابه، وعدمهم القوت وما يشبعهم الأيام المتتابعة. وتقول عائشة رحمة الله عليها: (لقد أتى علينا شهران ما يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مصباح) وما أشبه ذلك من الأخبار …
وأما الأخبار التي رويت عنه صلى الله عليه وسلم: أنه لم يشبع شبعتين في يوم حتى لحق بالله تعالى، وأنه لم يشبع هو وأهله من خبز الشعير حتى قبضه الله، وما أشبه ذلك من الأخبار، فإن ذلك لم يكن منه صلى الله عليه وسلم في كل أحواله لعوز ولا لضيق، وكيف يكون ذلك كذلك، وقد كان الله تعالى ذكره أفاء عليه من قبل وفاته بلاد العرب كلها، ونقل إليه الخرج من بعض بلاد العجم كأيلة والبحرين وهجر. ولكن ذلك كان بعضه لما وصفت من إيثاره نصيب حقوق الله تعالى بماله، وبعضه كراهة منه الشبع وكثرة الأكل، فإنه كان يكره ذلك، وبترك ذلك كان يؤدب أصحابه، وبذلك جاءت الآثار عنه، وإن كان في إسناد بعضه بعض ما فيه” انتهى باختصار من “تهذيب الآثار مسند عمر” (2/ 712 – 716)