88 – فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وعبدالله المشجري وإبراهيم المشجري وعبدالملك وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
88 – قال الإمام النسائي رحمه الله (ج 8 ص 263): حدثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا خَلَفٌ عَنْ حَفْصٍ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو بِهَذِهِ الدَّعَوَاتِ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَقَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَدُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ وَنَفْسٍ لَا تَشْبَعُ» ثُمَّ يَقُولُ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ».
حفص هو ابن أخي أنس، وخلف هو ابن خليفة.
الحديث أخرجه الإمام أحمد رحمه الله (ج 2 ص 283) فقال: ثنا عفان، ثنا خلف بن خليفة، حدثنا حفص بن عمر، عن أنس به.
* وقال الإمام أحمد رحمه الله (ج 3 ص 192): حدثنا بهز وحدثنا أبو كامل قالا حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقول «اللهم اني أعوذ بك من قول لا يسمع وعمل لا يرفع وقلب لا يخشع وعلم لا ينفع».
* وقال أحمد رحمه الله (ج 3 ص 255): حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقول اللهم «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وعمل لا يرفع وقلب لا يخشع وقول لا يسمع».
وأخرجه أبو يعلى (ج 5 ص 232) فقال رحمه الله: حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا حماد به، ثم قال: حدثنا إبراهيم بن الحجاج، حدثنا حماد به.
طريق ثالثة إلى أنس:
* قال الإمام محمد بن حبان أبو حاتم رحمه الله (ج 6 ص 78): أخبرنا عبد الله بن أحمد بن موسى بعسكر مكرم قال: حدثنا هريم بن عبد الأعلى قال: حدثنا معتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يقول: حدثنا أنس بن مالك: عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: «اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع وأعوذ بك من قلب لا يخشع».
هذا حديث صحيحٌ.
وعبد الله بن محمد بن موسى هو الملقب بعبدان الأهوازي، ترجمته في “تاريخ بغداد” (ج 9 ص 378) قال الخطيب: كان أحد الحفاظ الأثبات.
—————–.
أولًا: دراسة الحديث رواية:
1- الحكم على حديث الباب:
* قال الحاكم في مستدركه 356 وقال: ” وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”، وقال الذهبي في التلخيص: وهذا على شرط مسلم.
* الحديث أخرجه المقدسي في المختارة 1891.
* قال محققو المسند (20/308): ” إسناده صحيح على شرط مسلم من جهة بهز -وهو ابن أسد-، رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة، فمن رجال مسلم، وأما أبو كامل -وهو مظفَّر بن مدرك- فقد روى له النسائي وأبو داود في “التفرد”.”
* قال محقق جامع الأصول (4/356): ” حسن ، له شاهد في الصحيح : أخرجه أحمد (3/283 ، 284) قال : ثنا عفان ، حدثنا خلف بن خليفة ، ثنا حفص بن عمر ، فذكره.
قال العماد ابن كثير : رواه النسائي عن قتيبة بن سعيد ، عن خلف بن خليفة به.
قال الحافظ الضياء في المختارة : وقد رواه قتادة عن أنس ، وله شاهد في الصحيح عن زيد بن أرقم. جامع المسانيد (21/،333 334).”
2- أحاديث في الباب:
* جاء في الصحيح المسند برقم 785 من حديث عبدالله بن عمرو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَدُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ وَنَفْسٍ لَا تَشْبَعُ. قال الشيخ مقبل الوادعي: هذا حديث صحيح، رجاله رجال الصحيح، إلا يزيد بن سنان، وقد قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه وهو صدوق ثقة، ووثقه النسائي. وأبو سنان هو ضرار بن مرة.
– قال الترمذي في سننه 3482 بعد أن أخرج حديث عبدالله بن عمرو: وفي الباب عن جابر، وأبي هريرة، وابن مسعود. وهذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
– قال أبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (4/ 362): غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي سِنَانٍ، تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَرَوَاهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي سِنَانٍ فَخَالَفَهُ.
– قال الشيخ أحمد شاكر في تخريج مسند أحمد (6/129): ” إسناده صحيح، عبد الرحمن: هو ابن مهدي. سفيان: هو الثوري. أبو سنان، ولكسر السين المهملة وتخفيف النون الأولى: هو أبو سنان الشيباني الأكبر واسمه “ضرار بن مرة”. “ضرار” بكسر الضاد المعجمة وتخفيف الراء الأولى، سبق توثيقه 1164، ونزيد هنا أنه وثقه أحمد ويحيى القطان وابن سعد والنسائي وغيرهم، وقال العجلي: “ثقة ثبت في الحديث، مبرر، صاحب سنة”، وترجمه البخاري في الكبير 2/ 2/340. عبد الله بن أبي الهذيل العنزي: تابعي كبير، سبق توثيقه 689، ونزيد هنا أنه ثبت سماعه من عمر ابن الخطاب، وروى عن كثير من الصحابة، وترجمه ابن سعد في الطبقات 6: 78 – 79، وأبو نعيم في الحلية 358 – 364. والحديث رواه أبو نعيم في الحلية 4: 362
عن هذا الموضع مع المسند، عن القطيعي عن عبد الله بن أحمد عن أبيه، بهذا الإسناد، وقال: “غريب من حديث الثوري عن أبي سنان، تفرد به عبد الرحمن”، ثم أشار إلى الرواية الآتية 6561. ورواه أيضاً 5: 93 عن هذا الموضع بهذا الإسناد عن المسند. ووقع في الحلية في الموضع الأول: “عبد الرحمن بن عمرو”، وهو خطأ لا شك فيه، صحته ْ”عبد الرحمن بن مهدي”، فليس في شيوخ أحمد، ولا في هذه الطبقة- فيما نعلم- من يسمى “عبد الرحمن بن عمرو”. وأرجح أنه خطأ مطبعي، إن لم يكن من بعض الناسخين. وقد ثبت على الصواب “عبد الرحمن بن مهدي” في الموضع الثاني من الحلية 5: 93.ورواه النسائي 2: 313 عن يزيد بن سنان عن عبد الرحمن بن مهدي، بهذا الإسناد. ورواه الحاكم في المستدرك 1: 354 من طريق قبيصة بن عقبة عن سفيان الثوري، بهذا الإسناد. وهذا يرد على أبي نعيم دعواه أن عبد الرحمن بن مهدي تفرد به عن الثوري. ورواه الترمذي 4: 254 من وجه آخر، من طريق الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحرث عن زهير بن الأقمر عن عبد الله بن عمرو، مرفوعاً بنحوه.
قال الترمذي: “حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه”. وسيأتي مطولاً 6561 بإسناد آخر عن ابن أبي الهذيل عن شيخ مبهم عن عبد الله بن عمرو. وسنبين هناك إن شاء الله أنه لا يعلل الإسناد الذي في هذا الموضع.
* حديث جابر الذي أشار إليه الترمذي قال عنه صاحب كتاب نزهة الألباب في قول الترمذي «وفي الباب» (6/ 3496): أما حديث جابر: فرواه ابن حبان 1/ 149 والطَّبْرَانِيّ في الأوسط 2/ 81 و 9/ 32 وابن أبي شيبة 7/ 17:
من طريق أسامة بن زيد عن محمَّد بن المنكدر عن جابر أنَّه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “اللهمَّ إنِّي أسألك علمًا نافعًا وأعوذ بك من علم لا ينفع” والسياق لابن حبان وأسامة هو الليثى حديثه حسن في المتابعة وقد تابعه ابن لهيعة ومحمَّد بن سوقة”.
* حديث ابن مسعود الذي أشار إليه الترمذي: أخرجه الحاكم في المستدرك 1957: قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَقَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَدُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ، وَنَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنَ الْجُوعِ، فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَمِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ، وَمِنَ الْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَمِنَ الْهَرَمِ، وَمِنْ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ قُلُوبًا أَوَّاهَةً مُخْبِتَةً مُنِيبَةً فِي سَبِيلِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَمُنْجِيَاتِ أَمْرِكَ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ، وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ» وَكَانَ إِذَا سَجَدَ قَالَ: «اللَّهُمَّ سَجَدَ لَكَ سِوَادِي وَخَيَالِي، وَبِكَ آمَنَ فُؤَادِي، أَبُوءُ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَهَذَا مَا جَنَيْتُ عَلَى نَفْسِي، يَا عَظِيمُ، يَا عَظِيمُ، اغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ الْعَظِيمَةَ إِلَّا الرَّبُّ الْعَظِيمُ».
قال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ إِلَّا أَنَّ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يُخَرِّجَا عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ الْكُوفِيِّ إِنَّمَا اتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِ حَدِيثِ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْأَعْرَجِ الْمَكِّيِّ فَأَمَّا أَوَّلُ الْحَدِيثِ فِي الِاسْتِعَاذَةِ مِنَ الْأَرْبَعِ: فَقَدْ رُوِيَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ”
– وقال عنه صاحب كتاب نزهة الألباب في قول الترمذي «وفي الباب» (6/ 3497): “فرواه ابن أبي شيبة في مسنده 1/ 262 ومصنف 7/ 18: من طريق حميد بن عطاء عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “يقول أعوذ بالله من قلب لا يخشع ومن علم لا ينفع ودعاء لا يسمع ونفس لا تشبع ومن الجوع فإنَّه بئس الضجيع” وحميد هو ابن قيس الأعرج ضعيف”.
– سئل أبو زرعة عن حديث رواه يحيى بن آدم (3) ، عن أبي بكر ابن عياش، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث، عن زهير بن الأقمر، عن عبد الله بن عمرو؛ قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: اللهم، إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع، ومن قلب لا يخشع.
ورواه عبدالله بن نمير (4) ، عن حميد بن عطاء، عن عبد الله (1) بن الحارث، عن عبد الله ابن مسعود، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) .
قيل لأبي زرعة: أيهما أصح؟
قال: حديث زهير أصح وأشبه (2) ،
وحميد (3) ضعيف الحديث، واهي الحديث، وعبد الله بن الحارث، عن ابن مسعود، مرسل (4) .
* جاء في صحيح مسلم برقم 2722 عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كَانَ يَقُولُ: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ، الْقَبْرِ اللهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا». وذكره الألباني في الصحيحة ٤٠٠٥ وبين أنه وقع عند الطبراني زيادة ( وفتنة الدجال ) وهي شاذة في هذا الحديث الا أنها ثبتت في غير ما حديث صحيح .
* أخرج أبو داود في سننه 1550 وابن ماجه في سننه 250 من حديث أبي هريرة قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الأَرْبَعِ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لاَ يُسْمَعُ ». [قال النسائي في سننه 5536: سعيد لم يسمعه من أبي هريرة بل سمعه من أخيه عن أبي هريرة، وأخرجه الحاكم في مستدركه 354 من طريق سَعِيد بْن أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَخِيهِ عَبَّادِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو… ثم قال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ فَإِنَّهُمَا لَمْ يُخَرِّجَا عَبَّادَ بْنَ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيَّ، لَا لِجَرْحٍ فِيهِ بَلْ لِقِلَّةِ حَدِيثِهِ وَقِلَّةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ “. وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَخَاهُ عَبَّادًا، وقال الذهبي في التلخيص: صحيح، وصححه الألباني ومحققو سنن أبي داود، وقال محققو سنن ابن ماجه (1/168): وهذا إسناد قد أُعل بالانقطاع بين سعيد -وهو المقبُري- وبين أبي هريرة، وجاء ذكرُ الواسطة بينهما مصرَّحًا به في رواية الليث بن سعد عن سعيد المقبري عند المصنف برقم (3837)، وأبي داود (1548)، والنسائي 8/ 263 و 284 – 285، وهو عَبَّاد بن أبي سعيد المقبُري، وهو مجهول، وذكر ابنُ المديني في “العلل” ص 79 أن ابن أبي ذئب رواه عن سعيد المقبري عن عبد الرحمن ابن مِهران عن أبي هريرة. وابن مهران صدوق حسن الحديث.]
– في علل الدارقطني (10/ 394) 2079- وسئل عن حديث المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ مِنْ دُعَاءٍ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَقَالَ: ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُ … فَذَكَرَهُمْ.
فَقَالَ: رَوَاهُ ابْنُ عَجْلَانَ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَخِيهِ عباد بن أبي سعيد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَرَوَاهُ اللَّيْثُ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هريرة، وَقَوْلُ اللَّيْثِ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْلَى.
ثانيًا: دراسة الحديث دراية:
1- تبويبات الأئمة على حديث الباب وما في معناه:
* بوب أبو داود في سننه على حديث أبي هريرة المتقدم: باب في الاستعاذة.
* وبوب ابن ماجه في سننه على حديث أبي هريرة كذلك بَابُ الِانْتِفَاعِ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وفي موضع آخر 3837 بوب عليه باب دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
* النسائي أورد هذه الأحاديث في كتاب الاستعاذة وبوب عليها عدة تبويبات منها: الاستعاذة من العجز – الاستعاذة من نفس لا تشبع – الاستعاذة من دعاء لا يسمع – الاستعاذة من دعاء لا يستجاب.
* بوب ابن حبان في صحيحه 1015 ذِكْرُ مَا يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِاللَّهِ جَلَّ وَعَلَا مِنَ الصَّلَاةِ الَّتِي لَا تَنْفَعُ , وَمِنَ النَّفْسِ الَّتِي لَا تَشْبَعُ وأورد تحته حديث أنس بن مالك ومن ألفاظه: «وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ صَلَاةٍ لَا تَنْفَعُ ».
* بوب النووي على الحديث في رياض الصالحين كتاب الدعوات باب الأمر بالدعاء وفضله وبيان جمل من أدعيته صلى الله عليه وسلم.
* ذكر اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/720) حديث زيد بن أرقم المتقدم في سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأدعية المأثورة عنه في إثبات القدر.
2- شرح الحديث:
* قال القاضي عياض كما في إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 216): ” قوله: ” نفس لا تشبع “: استعاذة من الطمع والحرص على الدنيا، وتعليق النفس بالآمال منها”.
* قال الطيبي في الكاشف عن حقائق السنن (6/1913): ” قوله: ((من علم لا ينفع)) ((مظ)): أي علم لا أعمل به ولا أعلمه، ولا يبدل أخلاقي وأقوالي وأفعالي، أو علم لا يحتاج إليه في الدين، ولا في تعلمه إذن شرعي. قوله: ((ومن نفس لا تشبع ((تو)): فيه وجهان: أحدهما أنها لا تقنع بما آتاها الله ولا تفتر عن الجمع حرصاً، والأخر أن يراد به النهمة وكثرة المال. قوله: ((لها)) الضمير عائد إلي الدعوة، و ((اللام)) زيادة، وفي جامع الأصول ((ودعوة لا تستجاب)) وليس فيه ((لها)).”.
* وقال الطيبي في موضع آخر من الكاشف (6/1915): ” قوله: ((وعلم لا ينفع)) أي علم لا يهذب أخلاقه الباطنة، فيسري منها إلي الأفعال الظاهرة، ويفوز بها إلي الثواب الآجل. وأنشد:
يا من تقاعد عن مكارم خلقه … ليس التفاخر بالعلوم الزاخرة
من لم يهذب علمه أخلاقه … لم ينتفع بعلومه في الآخرة
* قال العيني في شرح سنن أبي داود (5/458): ” قوله: ” من علم لا ينفع ” العلم الذي لا ينفع وبال وحسْرة كمثل الحمار الذي يحمل أسفارا. والقلب الذي لا يخشع: قلب قاسٍ لا ينقاد للطاعة، ولا لأمور الشريعة. والنفس التي لا تشبع: استعارة من الحرص والطمع والشره، وتعلق النفس بالآمال البعيدة.
والدُعاء الذي لا يُسمعُ: أي لا يُستجاب كلا دعاء، وجوده وعدمه سواء.
هذا الحديث وغيره من الأدعية المسْجُوعة دليل ” قاله العلماء أن السجع المذموم في الدعاء هو المتكلًف , فإنه يذهب الخشوع والخضوع والإخلاص، ويُلْهي عن الضراعة والافتقار وفرك القلب، فأما ما حصل بلا كلفة، ولا إِعْمال فكرٍ لكمال الفصاحة ونحو ذلك، أو كان محفوظا فلا بأس به، بل هو حسنٌ.”
* قال المناوي في فتح القدير (2/108): ” (اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع) لذكر الله سبحانه ولا لاستماع كلامه وهو القلب القاسي الذي هو أبعد القلوب من حضرة علام الغيوب (ومن دعاء لا يسمع) أي لا يستجاب ولا يعتد به فكأنه غير مسموع (ومن نفس لا تشبع) من جمع المال أشرا وبطرا أو من كثرة الأكل الجالبة لكثرة الأبخرة الموجبة للنوم وكثرة الوساوس والخطرات النفسانية المؤدية إلى مضار الدنيا والآخرة (ومن علم لا ينفع) أي لا يعمل به أو لا يهذب الأخلاق الباطلة فيسري إلى الأفعال الظاهرة (أعوذ بك من هؤلاء الأربع)”
* وقال المناوي في موضع آخر من فيض القدير (2/ 154): ” (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) أي علم لا أعمل به ولا أعلمه ولا يبدل أخلاقي وأقوالي وأفعالي أو علم لا يحتاج إليه في الدين ولا في تعلمه إذن شرعي ذكره المظهري (ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع) أي لا تقنع بما آتاها الله ولا تفتر عن الجمع حرصا أو المراد به النهمة وكثرة الأكل (ومن دعوة لا يستجاب لها) قال العلائي: تضمن الحديث الاستعاذة من دنيء أفعال القلوب وفي قرنه بين الاستعاذة من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع إشارة إلى أن العلم النافع ما أورث الخشوع وفيه أن السجع لا يذم لكن إذا حصل بلا تكلف ولا إعمال فكر بل لكمال فصاحة والتكلف مذموم”.
* قال الشيخ عبدالمحسن العباد في شرح سنن أبي داود (8/323): ” هذا الدعاء فيه سؤال الغاية والنهاية الحسنة في هذه الأمور، فالقلب يكون فيه الخشوع، وإذا فقد فإن هذا مما يتعوذ منه. (وعلم لا ينفع)؛ لأن فائدة العلم في العمل، والعلم بدون العمل يكون وبالاً على الإنسان، فالإنسان إذا علم وعمل يكون عمله على بصيرة، واهتدى إلى بصيرة، وعَبَدَ الله على بصيرة، وإذا كان بخلاف ذلك كان العلم وبالاً عليه، وكان الجاهل أحسن حالاً منه كما قال الشاعر: إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم لا يستوي من يعصي الله وهو جاهل، ومن يعص الله وهو عالم (ومن نفس لا تشبع): فالنفس التي لا تشبع يكون عندها الفقر ولو امتلأت اليدان، فالغنى هو غنى النفس، وإذا وجد غنى النفس فما وراء ذلك يكون تبعاً له، وإذا فقد غنى النفس فإن اليد ولو كانت غنية فإن الفقر يكون موجوداً. (ومن دعاء لا يسمع) يعني: لا يستجاب، والإمام يقول: سمع الله لمن حمده، فيقول المصلي وراءه: ربنا ولك الحمد، وسبق أن ذكرنا الفائدة العظيمة التي ذكرها بعض العلماء في بيان منزلة معاوية بن أبي سفيان لما قيل له: ماذا تقول في معاوية بن أبي سفيان ؟ قال: ماذا أقول في رجل صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية وراءه: ربنا ولك الحمد؟!”
* قال الشيخ عبدالعزيز الراجحي في شرح سنن ابن ماجه (3/17): ” هذه ترجمة عظيمة، وهي: [باب العمل بالعلم والانتفاع به] لأن المقصود من تعلم العلم هو العمل والانتفاع به، فإذا لم يعمل الإنسان بالعلم ولم ينتفع به فإنه يكون من المغضوب عليهم، ويكون فيه شبه باليهود الذين معهم العلم ولم يعملوا به، أما إذا عمل بعلمه وانتفع به فإنه يكون مع المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين نسأل الله في كل ركعة من ركعات الصلاة أن يهدينا صراطهم، وهم الذين يعلمون ويعملون؛ تعلموا العلم وانتفعوا به وعملوا به، هؤلاء هم المنعم عليهم وهم أهل السعادة، أما أهل الشقاوة فهم طائفتان: الطائفة الأولى: المغضوب عليهم، وهم الذين يعلمون ولا يعملون، فلا ينتفعون بعلمهم، كاليهود وأشباههم، ولهذا قال بعض العلماء: من فسد من علمائنا ففيه شبه باليهود.
والطائفة الثانية: الضالون الذين يعملون بجهل وضلال، ليس عندهم علم، فقدوا العلم والبصيرة، فهم يتخبطون في دياجير الظلمات، كالصوفية وبعض الزهاد وغيرهم، ويدخل في هذا النصارى دخولاً أولياً، فهم الضالون، ولهذا شرع لنا الله سبحانه وتعالى قراءة الفاتحة في كل ركعة من ركعات الصلاة، وفي أولها حمد الله والثناء عليه سبحانه وتعالى وتمجيده: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، ثم ثناء على الله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] وتمجيد لله، وتوسل في الثناء عليه، وفيها أركان العبادة الثلاثة: المحبة، والخوف، والرجاء.
ثم بعدها: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] (إياك نعبد) هذه هي سر الخليقة التي من أجلها خلق الله الخلق وهي العبادة والتوحيد والطاعة، ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ))، فالعبادة منك أيها العبد، والاستعانة بالله عز وجل، ثم بعد ذلك هذا الدعاء العظيم الذي هو أنفع وأعظم وأجمع دعاء، وحاجة الإنسان إلى هذا الدعاء أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب، بل أعظم من حاجته إلى النفس الذي يتردد بين جنبيه؛ وذلك أن الإنسان إذا فقد الطعام والشراب مات الجسد، والموت لابد منه إن عاجلاً أو آجلاً، ولا يضر الإنسان أن يموت إذا كان مستقيماً على طاعة الله، وكان موحداً لله، فالموت لابد منه، لكن إذا فقد الهداية مات قلبه وروحه وصار إلى النار -نعوذ بالله- وبهذا يتبين أن حاجة العبد إلى هذا الدعاء أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب، بل أعظم من حاجته إلى النفس الذي يتردد بين جنبيه، وهو: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6 – 7].
فالله تعالى قسم الناس إلى ثلاثة أقسام: منعم عليهم، ومغضوب عليهم، وضالون.
فأنت تسأل الله أن يهديك الصراط المستقيم، صراط المنعم عليهم: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} * {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، وقد بينه الله تعالى في سورة النساء بقوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء:69] أربع طبقات: الأنبياء، والصديقون، والشهداء، والصالحون، فأنت تسأل الله أن يهديك الصراط المستقيم صراط المنعم عليهم، وتسأل الله أن يجنبك طريق المغضوب عليهم، ((غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ))، أي: غير صراط المغضوب عليهم، وهم الذين يعلمون ولا يعملون، (ولا الضالين) أي: وغير طريق الضالين، وهم الذين يعبدون الله على جهل وضلال.
فما أعظم هذا الدعاء وما أنفعه! فهما داءان إذا سلم الإنسان منهما فقد سلم من الشرور، وقد برأ الله نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام من هذين الدائين؛ وهماً داء الغواية، وداء الضلال، فالذي لا يعمل بعلمه غاوٍ، والذي يعمل على جهل وضلال ضال، والذي يعمل بعلمه راشد.
قال تعالى في كتابه الكريم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:1 – 2]، فأقسم الله أن نبينا صلى الله عليه وسلم ليس ضالاً ولا غاوياً، بل هو راشد عليه الصلاة والسلام.
فهذه الترجمة ترجمة عظيمة: باب العمل بالعلم والانتفاع به؛ لأن الثمرة من العلم هو العمل به والانتفاع به، فإذا لم يعمل الإنسان بعلمه ولم ينتفع به صار كاليهود، {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة:5].
وهذا الحديث ضعيف؛ لانقطاعه، فـ سعيد بن أبي سعيد لم يسمع من أبي هريرة، وابن عجلان فيه كلام، وأبو خالد الأحمر ضعيف، لكن الحديث أصله في صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، أعوذ بعزتك أن تضلني، لا إله إلا أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها)، فهذا الدعاء ثابت معناه وإن كان الحديث سنده ضعيف، لكنه دعاء عظيم، إذ العلم الذي لا ينفع وبال على صاحبه، كاليهود معهم علم ولم يعملوا به، قال تعالى عنهم: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:146]، أي: يعرفون أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله وأنه حق، ومع ذلك لم يؤمنوا به، {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:146]، فلا فائدة من العلم الذي لا يعمل به صاحبه، وقال سبحانه عن اليهود: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89].
قوله: (ومن نفس لا تشبع)، أي: لا تزال تسأل وتسأل وتسأل، ومن رزق القناعة فقد رزق خيراً كثيراً، فالقناعة كنز لا يفنى، والنفس التي لا تشبع لا يزال صاحبها نهماً، يطلب الدنيا ويسألها ولا يشبعه شيء ولا يرويه شيء، كالنهم الذي لا يروى.
قال: (ومن دعوة لا يستجاب لها)، فهذا دعاء عظيم.
والعلم الذي لا ينفع أي: لا ينفع الإنسان ولا يعمل به، وأهم شيء هي الواجبات، وأصل ذلك الإيمان بالله عز وجل، فاليهود يعلمون أن محمداً رسول الله ومع ذلك لم يؤمنوا، ولم يعملوا بعلمهم في أصل الدين، وهو الإيمان بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، فهي شهادة لله تعالى بالوحدانية ولنبيه بالرسالة، فلم يشهدوا لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وإن كانوا يزعمون أنهم مؤمنون بالله، لكن إيمانهم فاسد لا يصح حتى يؤمنوا برسول الله، فالشهادتان لا تقبل إحداهما بدون الأخرى، كل واحدة شرط في الأخرى، فمن شهد أن لا إله إلا الله ولم يشهد أن محمداً رسول الله لم تقبل منه، ومن شهد أن محمداً رسول الله ولم يشهد أن لا إله إلا الله لم تقبل منه، وإذا أطلقت إحداهما دخلت فيها الأخرى، فإذا أطلقت شهادة أن لا إله إلا الله دخلت فيها شهادة أن محمداً رسول الله، وإذا أطلقت شهادة أن محمداً رسول الله دخلت فيها شهادة أن لا إله إلا الله، ولهذا نفى الله تعالى الإيمان عن أهل الكتاب لما لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا يزعمون أنهم يؤمنون بالله، قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29]، فنفى عنهم الإيمان بالله واليوم الآخر؛ لأنهم أنكروا نبوة ورسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا يزعمون أنهم مؤمنون.
وكذلك أيضاً من لم يعمل بعلمه في أداء الواجبات وترك المحرمات، أما من أدى الواجبات والفرائض وترك المحرمات فقد آمن بالله ورسوله، ثم اقتصر على ذلك فهو من المقتصدين أصحاب اليمين الذين يدخلون الجنة من أول وهلة، ولكن أعلى منهم وأفضل هم السابقون المقربون، الذين يؤدون الفرائض والواجبات وينشطون في فعل النوافل والمستحبات، ويتركون المحرمات والمكروهات كراهة التنزيه، ويتركون التوسع في المباحات أيضاًَ خشية الوقوع في المكروهات، فهؤلاء هم السابقون المقربون، أما المقتصدون فهم الذين يقتصرون على أداء والواجبات فقط، وليس عندهم نشاط في فعل المستحبات والنوافل، ويتركون المحرمات ولا يفعلون شيئاً منها، ولكن ليس عندهم نشاط في ترك المكروهات كراهة تنزيه، وقد يتوسعون في المباحات، وكل من الطائفتين -السابقين المقربين والمقتصدين- يدخلون الجنة من أول وهلة.
وهناك طائفة ثالثة من المؤمنين وهم الظالمون لأنفسهم الذين يقصرون في بعض الواجبات، أو يفعلون بعض المحرمات، وهم مؤمنون بالله ورسوله موحدون، ولكن قصروا في بعض الواجبات أو ارتكبوا بعض المحرمات، فهؤلاء على خطر، وهم داخلون تحت المشيئة، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، فمنهم من يعفى عنه ومنهم من يصيبه العذاب، فقد يعذب في قبره، كما في حديث ابن عباس في قصة الرجلين اللذين كان أحدهما لا يستنزه من البول، وكان الآخر يمشي بالنميمة، فعذبا في قبريهما.
وقد تصيبه شدائد وأهوال”
* قال الشيخ محمد علي آدم الإتيوبي في ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (39/ 396)
” (ومنها): ما قاله السنديّ رحمه الله تعالى فِي “شرحه” 8/ 255: وفي استعاذته -صلى الله عليه وسلم- منْ هذه الأمور إظهار للعبوديّة، وإعظام للربّ تبارك، وتعالى، وأن العبد ينبغي له ملازمة الخوف، ودوام الافتقار إلى جنابه تعالى، وفيه حث للأمة عَلَى ذلك، وتعليم لهم، وإلا فهو -صلى الله عليه وسلم- معصوم منْ هذه الأمور.
(ومنها): أن استعاذته -صلى الله عليه وسلم- منْ علم لا ينفع، موافق لمعنى ما أخرجه الشيخان منْ حديث أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما قَالَ: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “يجاء بالرجل يوم القيامة، فيُلقى فِي النار، فتندلق أقتابه فِي النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عن المنكر؟ قَالَ: كنت آمركم بالمعروف، ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه”.
(ومنها): أن الممنوع منْ السجع هو ما يكون عن قصد إليه، وتكلّف فِي تحصيله، وأما ما اتّفق حصوله بسبب قوّة السليقة، وفصاحة اللسان، فبمعزل عن ذلك”.