1177 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1177):
قال الحاكم رحمه الله : أخبرنا أبو زكريا العنبري ، ثنا محمد بن عبد السلام ، ثنا إسحاق بن إبراهيم ، أنبأ النضر بن شميل ، ثنا عيينة بن عبد الرحمن الغطفاني ، قال : سمعت أبي يحدث ، عن أبي بكرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تبغ ولا تكن باغيا ، فإن الله يقول {إنما بغيكم على أنفسكم}» .
« هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ».
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الوادعي رحمه الله جعله في الجامع، “كتاب التفسير”، ” سورة يونس، ٢٠١ – قوله تعالى: ﴿ياأيُّها النّاسُ إنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أنْفُسِكُمْ﴾ “، برقم (٤١٢٦)، وأورد في الباب أيضًا:
“٤١٢٥ – قال أبو داود (ج ١٣ ص ٢٤٤): حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن علية عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم».
هذا حديث حسنٌ.
الحديث أخرجه الترمذي (ج ٧ ص ٢١٤) وقال: هذا حديث صحيح.
وأخرجه ابن ماجه (ج ٢ ص ٤٠٨٠)”.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث: صور وأحكام البغي:
أولاً: تعريف البغي:
البغي لغة:
البغي مصدر قولهم: بغى يبغي، وهو مأخوذ من مادّة (ب غ ي) الّتي تدلّ- فيما يقول ابن فارس- على معنيين:
الأوّل: طلب الشّيء، يقال: بغيت الشّيء: إذا طلبته، والبغية: الحاجة (الّتي يطلبها الإنسان)،
والثّاني: جنس من الفساد، ومنه قولهم: بغى الجرح إذا ترامى إلى فساد،
ثمّ يشتقّ من هذا ما بعده، فالبغيّ الفاجرة، يقال: بغت تبغى بغاء فهي بغيّ،
ومنه أن يبغي الإنسان على آخر فيظلمه، والبغي: الظّلم، قال الشّاعر:
ولكنّ الفتى حمل بن بدر … بغى والبغي مرتعه وخيم
وأرجع الرّاغب معاني المادّة إلى معنى واحد ردّ إليه جميع مشتقّاتها، فقال: البغي: طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرّى، حدث التّجاوز أو لم يحدث، يقال: بغيت الشّيء: إذا طلبته أكثر ممّا يجب، والابتغاء مثله، وبغت السّماء: تجاوزت في المطر الحدّ المحتاج إليه، وبغى الإنسان: تكبّر، لتجاوزه منزلته إلى ما ليس له، وبغت المرأة: فهي بغيّ لتجاوزها ما ليس لها أن تتجاوزه، وبغى الجرح: إذا تجاوز الحدّ في فساده.
وقيل: البغي: التّعدّي، يقال: بغى الرّجل على الرّجل: استطال وعدل عن الحقّ، قال تعالى: {فَإنْ بَغَتْ إحْداهُما عَلى الأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إلى أمْرِ اللَّهِ} (الحجرات/ ٩)، البغي هنا هو الاستطالة والظّلم وإباء الصّلح [مقاييس اللغة لابن فارس ١/ ٢١٨، والمفردات للراغب ص ٥٥]، والفرقة الباغية هي الّتي خالفت الإمام بتأويل باطل بطلانا بحسب الظّنّ لا القطع [رغائب الفرقان للنيسابوري (بهامش الطبري) ح ٢٦ ص ٨٤].
وقيل: هي الظّالمة الخارجة عن طاعة الإمام العادل.
ويقال: بغى الوالي: ظلم، وكلّ مجاوزة للحدّ وإفراط على المقدار الّذي هو حدّ الشّيء فهو بغي، وقول الله تعالى: {يَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ} (يونس/ ٣٣)، معناه: يعملون في الأرض بالفساد والمعاصي، وقيل يطلبون الاستعلاء بالفساد، وبغير الحقّ أي: بالتّكذيب [تفسير القرطبي (٨/ ٢٠٨)]، وتباغوا: بغى بعضهم على بعض، والبغي في قول الله تعالى: {قُلْ إنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ والإثْمَ والبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ} (الأعراف/ ٣٣)، البغي هنا هو الاستطالة على النّاس، وقيل: الكبر، وقيل: الظّلم والفساد،
وقال ثعلب: البغي أن يقع الرّجل في الرّجل فيتكلّم فيه، ويبغي عليه بغير الحقّ، والباغي اسم فاعل من البغي، قال تعالى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ ولا عادٍ} (البقرة:١٧٣) قيل في معناه، أي: أنّه غير طالب ما ليس له طلبه، وقيل: اضطّرّ جائعا غير باغ أكلها تلذّذا، وقيل:
غير باغ: أي: غير طالب مجاوزة قدر حاجته، وقيل غير باغ على الإمام وغير متعدّ على أمّته، قال القرطبيّ:
ويدخل في الباغي والعادي، قطّاع الطّرق والخارج على السّلطان والمسافر في قطع الرّحم، والغارة على المسلمين وما شاكله [تفسير القرطبي (٧/ ١٢٨)، ولسان العرب بغى (٣٢٢) ط. دار المعارف]، ويقال: فلان يبغي على النّاس:
إذا ظلمهم وطلب أذاهم، ومن البغي الّذي هو مجاوزة الحدّ ما جاء في حديث ابن عمر- رضي الله عنه- من قوله لرجل: أنا أبغضك، قال: لم؟ قال: لأنّك تبغي في أذانك.
أراد التّطريب فيه والتّمديد، وقال بعضهم: بغى على أخيه بغيا: حسده، والبغي: قصد الفساد.
البغي اصطلاحا:
هو طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرّى، تجاوزه أو لم يتجاوزه. فتارة يعتبر في القدر الّذي هو الكمّيّة، وتارة يعتبر في الوصف الّذي هو الكيفيّة. [ المفردات للراغب (٥٥)].
وقال المناويّ: البغيّ: هو طلب الاستعلاء بغير حقّ، ونسب هذا التّعريف إلى الحرّاليّ [التوقيف (٨١)].
وقال الكفويّ: البغي: طلب تجاوز قدر الاستحقاق، تجاوزه (الباغي) أو لم يتجاوزه، ويستعمل في المتكبّر؛ لأنّه طالب منزلة ليس لها بأهل [الكليات (٥٨٤)].
وقال التّهانويّ: الباغي شرعا: هو الخارج عن طاعة الإمام الحقّ [كشاف اصطلاحات الفنون (١/ ٢٢٧)]، ومن ثمّ يكون البغي: هو الخروج عن طاعة الإمام الحقّ.
فروقات : قال ابن تيمية:
عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: ﴿إنّهُ أُوحِيَ إلَيَّ أنْ تَواضَعُوا حَتّى لا يَفْخَرَ أحَدٌ عَلى أحَدٍ ولا يَبْغِيَ أحَدٌ عَلى أحَدٍ﴾ فَبَيَّنَ أنَّ التَّواضُعَ المَأْمُورَ بِهِ ضِدَّ البَغْيِ والفَخْرِ. ﴿وقالَ فِي الخُيَلاءِ الَّتِي يُبْغِضُها اللَّهُ: الِاخْتِيالُ فِي الفَخْرِ والبَغْيِ﴾… (١) فَكانَ فِي ذَلِكَ ما دَلَّ عَلى أنَّ الِاسْتِطالَةَ عَلى النّاسِ إنْ كانَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهِيَ بَغِيٌّ؛ إذْ البَغْيُ مُجاوَزَةُ الحَدِّ. وإنْ كانَتْ بِحَقِّ فَهِيَ الفَخْرُ؛ لَكِنْ يُقالُ عَلى هَذا: البَغْيُ يَتَعَلَّقُ بِالإرادَةِ فَلا يَجُوزُ أنْ يُجْعَلَ هُوَ مِن بابِ الِاعْتِقادِ وقَسِيمُهُ مِن بابِ الإرادَةِ بَلْ البَغْيُ كَأنَّهُ فِي الأعْمالِ والفَخْرُ فِي الأقْوالِ أوْ يُقالُ: البَغْيُ بَطَرُ الحَقِّ والفَخْرُ غَمْطُ النّاسِ. «الوَجْهُ الثّانِي» أنْ يَكُونا جَمِيعًا مُتَعَلِّقَيْنِ بِالِاعْتِقادِ والإرادَةِ لَكِنَّ الخُيَلاءَ غَمْطُ الحَقِّ يَعُودُ إلى الحَقِّ فِي نَفْسِهِ الَّذِي هُوَ حَقُّ اللَّهِ وإنْ لَمْ يَكُنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ والفَخْرُ وغَمْطُ النّاسِ يَعُودُ إلى حَقِّ الآدَمِيِّينَ؛ فَيَكُونُ التَّنْوِيعُ لِتَمْيِيزِ حَقِّ الآدَمِيِّينَ مِمّا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ لا يَتَعَلَّقُ [بـ] (٢) الآدَمِيِّينَ؛ بِخِلافِ الشَّهْوَةِ فِي حالِ الزِّنا وأكْلِ مالِ الغَيْرِ: فَلَمّا قالَ سُبْحانَهُ: ﴿إنّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كانَ مُخْتالًا فَخُورًا﴾ ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ويَأْمُرُونَ النّاسَ بِالبُخْلِ﴾ والبُخْلُ مَنعُ النّافِعِ: قَيَّدَ هَذا بِهَذا وقَدْ كَتَبْت فِيما قَبْلَ هَذا مِن التَّعالِيقِ: الكَلامُ فِي التَّواضُعِ والإحْسانِ والكَلامُ فِي التَّكَبُّرِ والبُخْلِ.
مجموع الفتاوى ١٤ / ٢٢١
وقال :
والعُلَماءُ لَهُمْ فِي قِتالِ مَن يَسْتَحِقُّ القِتالَ مِن أهْلِ القِبْلَةِ طَرِيقانِ: مِنهُمْ مَن يَرى قِتالَ عَلِيٍّ يَوْمَ حَرُوراءَ، ويَوْمَ الجَمَلِ، وصِفِّينَ، كُلُّهُ مِن بابِ قِتالِ أهْلِ البَغْيِ، وكَذَلِكَ يَجْعَلُ قِتالَ أبِي بَكْرٍ لِمانِعِي الزَّكاةِ، وكَذَلِكَ قِتالُ سائِرِ مَن قُوتِلَ مِن المُنْتَسِبِينَ إلى القِبْلَةِ، كَما ذَكَرَ ذَلِكَ مَن ذَكَرَهُ مِن أصْحابِ أبِي حَنِيفَةَ، والشّافِعِيِّ، ومَن وافَقَهُمْ مِن أصْحابِ أحْمَدَ وغَيْرِهِمْ، وهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلى أنَّ الصَّحابَةَ لَيْسُوا فُسّاقًا بَلْ هُمْ عُدُولٌ.
فَقالُوا: إنّ أهْلَ البَغْيِ عُدُولٌ مَعَ قِتالِهِمْ، وهُمْ مُخْطِئُونَ خَطَأ المُجْتَهِدِينَ فِي الفُرُوعِ، وخالَفَتْ فِي ذَلِكَ طائِفَةٌ كابْنِ عَقِيلٍ وغَيْرِهِ.
فَذَهَبُوا إلى تَفْسِيقِ أهْلِ البَغْيِ، وهَؤُلاءِ نَظَرُوا إلى مَن عَدُوُّهُ مِن أهْلِ البَغْيِ فِي زَمَنِهِمْ، فَرَأوْهُمْ فُسّاقًا، ولا رَيْبَ أنَّهُمْ لا يُدْخِلُونَ الصَّحابَةَ فِي ذَلِكَ، وإنَّما يُفَسِّقُ الصَّحابَةَ بَعْضُ أهْلِ الأهْواءِ مِن المُعْتَزِلَةِ ونَحْوِهِمْ، كَما يُكَفِّرُهُمْ بَعْضُ أهْلِ الأهْواءِ مِن الخَوارِجِ والرَّوافِضِ ولَيْسَ ذَلِكَ مِن مَذْهَبِ الأئِمَّةِ والفُقَهاءِ أهْلِ السُّنَّةِ والجَماعَةِ، ولا يَقُولُونَ: إنّ أمْوالَهُمْ مَعْصُومَةٌ كَما كانَتْ، وما كانَ ثابِتًا بِعَيْنِهِ رُدَّ إلى صاحِبِهِ، وما أُتْلِفَ فِي حالِ القِتالِ لَمْ يُضْمَن، حَتّى إنّ جُمْهُورَ العُلَماءِ يَقُولُونَ: لا يَضْمَنُ لا هَؤُلاءِ ولا هَؤُلاءِ.
كَما قالَ الزُّهْرِيُّ: وقَعَتْ الفِتْنَةُ وأصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ – ﷺ – مُتَوافِرُونَ، فَأجْمَعُوا أنَّ كُلَّ مالٍ أوْ دَمٍ أُصِيبَ بِتَأْوِيلِ القُرْآنِ فَإنَّهُ هَدَرٌ
فَمَن سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فَقَدْ يَتَوَهَّمُ أنَّ هَؤُلاءِ التَّتارَ مِن أهْلِ البَغْيِ المُتَأوِّلِينَ ويَحْكُمُ فِيهِمْ بِمِثْلِ هَذِهِ الأحْكامِ، كَما أدْخَلَ مَن أُدْخِلَ فِي هَذا الحُكْمِ مانِعِي الزَّكاةِ والخَوارِجَ وسَنُبَيِّنُ فَسادَ هَذا التَّوَهُّمِ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى.
والطَّرِيقَةُ الثّانِيَةُ أنَّ قِتالَ مانِعِي الزَّكاةِ، والخَوارِجِ، ونَحْوِهِمْ: لَيْسَ كَقِتالِ أهْلِ الجَمَلِ وصِفِّينَ، وهَذا هُوَ المَنصُوصُ عَنْ جُمْهُورِ الأئِمَّةِ المُتَقَدِّمِينَ وهُوَ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ فِي اعْتِقادِ أهْلِ السُّنَّةِ والجَماعَةِ، وهُوَ مَذْهَبُ أهْلِ المَدِينَةِ: كَمالِكٍ، وغَيْرِهِ، ومَذْهَبُ أئِمَّةِ الحَدِيثِ كَأحْمَدَ وغَيْرِهِ، وقَدْ نَصُّوا عَلى الفَرْقِ بَيْنَ هَذا وهَذا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ حَتّى فِي الأمْوالِ فَإنَّ مِنهُمْ مَن أباحَ غَنِيمَةَ أمْوالِ الخَوارِجِ.
وقَدْ نَصَّ أحْمَدُ فِي رِوايَةِ أبِي طالِبٍ فِي حَرُورِيَّةَ كانَ لَهُمْ سَهْمٌ فِي قَرْيَةٍ فَخَرَجُوا يُقاتِلُونَ المُسْلِمِينَ فَقَتَلَهُمْ المُسْلِمُونَ فَأرْضُهُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيُقَسَّمُ خُمُسُهُ عَلى خَمْسَةٍ وأرْبَعَةُ أخْماسِهِ لِلَّذِينَ قاتَلُوا يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ، أوْ يَحْمِلُ الأمِيرُ الخَراجَ عَلى المُسْلِمِينَ، ولا يُقَسِّمُ مِثْلَ ما أخَذَ عُمَرُ السَّوادَ عَنْوَةً، ووَقَفَهُ عَلى المُسْلِمِينَ فَجَعَلَ أحْمَدُ الأرْضَ الَّتِي لِلْخَواِرجِ إذا غُنِمَتْ بِمَنزِلَةِ ما غُنِمَ مِن أمْوالِ الكُفّارِ، وبِالجُمْلَةِ فَهَذِهِ
الطَّرِيقَةُ هِيَ الصَّوابُ المَقْطُوعُ بِهِ؛ فَإنَّ النَّصَّ والإجْماعَ فَرَّقَ بَيْنَ هَذا وهَذا، وسِيرَةُ عَلِيٍّ – ﵁ – تُفَرِّقُ بَيْنَ هَذا وهَذا، فَإنَّهُ قاتَلَ الخَوارِجَ بِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ – ﷺ – وفَرِحَ بِذَلِكَ، ولَمْ يُنازِعْهُ فِيهِ أحَدٌ مِن الصَّحابَةِ، وأمّا القِتالُ يَوْمَ صِفِّينَ فَقَدْ ظَهَرَ مِنهُ مِن كَراهَتِهِ والذَّمِّ عَلَيْهِ ما ظَهَرَ، وقالَ مِن أهْلِ الجَمَلِ وغَيْرِهِمْ: إخْوانُنا بَغَوْا عَلَيْنا طُهْرُهُمْ السَّيْفُ، وصَلّى عَلى قَتْلى الطّائِفَتَيْنِ.
وأمّا الخَوارِجُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ – ﷺ – يَقُولُ: «سَتَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمانِ حِداثُ الأسْنانِ، سُفَهاءُ الأحْلامِ، يَقُولُونَ مِن خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ لا يُجاوِزُ إيمانُهُمْ حَناجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِن الدِّينِ كَما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِن الرَّمِيَّةِ، فَأيْنَما لَقِيتُمُوهُمْ فاقْتُلُوهُمْ، فَإنَّ فِي قَتْلِهِمْ أجْرًا لِمَن قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ». مجموع الفتاوى 3/537
وقال :
﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأصْلِحُوا بَيْنَ أخَوَيْكُمْ واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، فَسَمّاهُمْ إخْوَةً ووَصَفَهُمْ بِأنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ، مَعَ وُجُودِ الِاقْتِتالِ بَيْنَهُمْ، والبَغْيِ مِن بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ.
فَمَن قاتَلَ عَلِيًّا: فَإنَّ (١).
كانَ باغِيًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُخْرِجِهِ مِنَ (٢).
الإيمانِ، ولا بِمُوجِبٍ (٣) لَهُ النِّيرانَ، ولا مانِعٍ لَهُ مِنَ الجِنانِ؛ فَإنَّ البَغْيَ إذا كانَ بِتَأْوِيلٍ (٤).
كانَ صاحِبُهُ مُجْتَهِدًا.
ولِهَذا اتَّفَقَ أهْلُ السُّنَّةِ عَلى أنَّهُ لا تَفْسُقُ واحِدَةٌ مِنَ الطّائِفَتَيْنِ، وإنْ قالُوا فِي إحْداهُما: إنَّهُمْ كانُوا بُغاةً؛ لِأنَّهُمْ كانُوا مُتَأوِّلِينَ مُجْتَهِدِينَ، والمُجْتَهِدُ المُخْطِئُ لا يُكَفَّرُ ولا يُفَسَّقُ، وإنْ تَعَمَّدَ البَغْيَ فَهُوَ ذَنْبٌ مِنَ الذُّنُوبِ، والذُّنُوبُ يُرْفَعُ عِقابُها بِأسْبابٍ مُتَعَدِّدَةٍ: كالتَّوْبَةِ، والحَسَناتِ الماحِيَةِ، والمَصائِبِ المُكَفِّرَةِ، وشَفاعَةِ النَّبِيِّ – ﷺ -، ودُعاءِ المُؤْمِنِينَ وغَيْرِ ذَلِكَ.
منهاج السنة النبوية ٤/٣٩٤
ثانيًا: أنواع البغي:
والبغي على ضربين:
أحدهما: محمود، وهو تجاوز العدل إلى الإحسان والفرض إلى التّطوّع.
والثّاني: مذموم، وهو تجاوز الحقّ إلى الباطل أو تجاوزه إلى الشّبه؛ كما قال النّبيّ ﷺ «إنّ الحلال بيّن، وإنّ الحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات، ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه».
ولأنّ البغي قد يكون محمودا ومذموما. قال تعالى: {إنَّما السَّبِيلُ عَلى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ ويَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ} (الشورى/ ٤٢) فخصّ العقوبة بمن بغيه بغير الحقّ [بصائر ذوي التمييز (٢/ ٢٦٢)].
ثالثًا:
حكم البغي وأثره في الفرد والمجتمع:
البغي بمعنى الخروج على الإمام- ولو جائرا- بلا تأويل أو مع تأويل يقطع ببطلانه هو إحدى الكبائر كما قال ابن حجر [ انظر «الكبيرة السادسة والثلاثون بعد الثلاثمائة» في الزواجر (٥١٣)]،
أمّا البغي بمعناه العامّ: أي: تجاوز قدر الاستحقاق أو طلب الاستعلاء بغير حقّ، فهو أيضا من الكبائر الباطنة الّتي يجب على المكلّف معرفتها ليعالج زوالها؛ لأنّ من كان في قلبه مرض منها لم يلق الله والعياذ بالله- بقلب سليم، وهذه يذمّ عليها أعظم ممّا يذمّ على الزّنا والسّرقة وغيرها من كبائر البدن، وذلك لعظيم مفسدتها وسوء أثرها ودوامه، وإذا دامت هذه الكبائر صارت حالا وهيئة راسخة في القلب بخلاف آثار معاصي الجوارح الّتي تزول بالتّوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمصائب المكفّرة [الزواجر (بتصرف) ص (٩٨، ٩٩)]،
أمّا البغي بمعنى الخروج على الإمام فهو أيضا من الكبائر- خلافا لبعضهم- لما يترتّب على ذلك من المفاسد الّتي لا يحصى ضررها ولا ينطفىء شررها مع عدم عذر الخارجين [المرجع السابق (٥١٤)].
رابعًا:
من معاني كلمة «البغي» في القرآن الكريم:
ورد في القرآن لفظ البغي على خمسة أوجه:
الأوّل: بمعنى الظّلم: قُلْ إنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ والإثْمَ والبَغْيَ (الأعراف/ ٣٣)، ويَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ والبَغْيِ (النحل/ ٩٠).
الثّاني: بمعنى المعصية، والزّلّة. فَلَمّا أنْجاهُمْ إذا هُمْ يَبْغُونَ (يونس/ ٢٣) أي يعصون، يا أيُّها النّاسُ إنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أنْفُسِكُمْ (يونس/ ٢٣).
الثّالث: بمعنى الحسد: بَغْيًا بَيْنَهُمْ (الشورى/ ١٤) أي: حسدا.
الرّابع: بمعنى الزّنى: ولا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلى البِغاءِ (النور/ ٣٣).
الخامس: بمعنى الطّلب: ويَبْغُونَها عِوَجًا (الأعراف/ ٤٥) أي: يطلبون لها اعوجاجا [بصائر ذوي التمييز (٢/ ٢٦٢، ٢٦٣)].
[للاستزادة: انظر صفات: الظلم- الإجرام- الأذى- الإساءة- الإرهاب- العدوان- العتو- الطغيان- الفجور- الحرب والمحاربة- الفتنة- الكبر والعجب- القسوة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاستقامة- التوسط- الطاعة- الإنصاف- العدل والمساواة- السلم- الإحسان- القسط- الصلح].
خامسًا: الأدلة
أ) الآيات الواردة في «البغي»
1) البغي في سياق رد رسالة محمد ﷺ من أهل الكتاب أو عنهم:
١- ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى الكِتابَ وقَفَّيْنا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وآتَيْنا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّناتِ وأيَّدْناهُ بِرُوحِ القُدُسِ أفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (٨٧) وقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ (٨٨) ولَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وكانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلى الكافِرِينَ (٨٩) بِئْسَما اشْتَرَوْا بِهِ أنْفُسَهُمْ أنْ يَكْفُرُوا بِما أنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ ولِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٩٠).
٢- كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ وأنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتابَ بِالحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيما اخْتَلَفُوا فِيهِ وما اخْتَلَفَ فِيهِ إلّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ البَيِّناتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِما اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإذْنِهِ واللَّهُ يَهْدِي مَن يَشاءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣)».
٣- إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ وما اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ إلّا مِن بَعْدِ ما جاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ومَن يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسابِ (١٩) فَإنْ حاجُّوكَ فَقُلْ أسْلَمْتُ وجْهِيَ لِلَّهِ ومَنِ اتَّبَعَنِ وقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ والأُمِّيِّينَ أأسْلَمْتُمْ فَإنْ أسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وإنْ تَوَلَّوْا فَإنَّما عَلَيْكَ البَلاغُ واللَّهُ بَصِيرٌ بِالعِبادِ (٢٠).
٤- شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وصّى بِهِ نُوحًا والَّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ وما وصَّيْنا بِهِ إبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى أنْ أقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلى المُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إلَيْهِ مَن يَشاءُ ويَهْدِي إلَيْهِ مَن يُنِيبُ (١٣) وما تَفَرَّقُوا إلّا مِن بَعْدِ ما جاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ولَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ إلى أجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وإنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الكِتابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنهُ مُرِيبٍ (١٤).
٥- ولَقَدْ آتَيْنا بَنِي إسْرائِيلَ الكِتابَ والحُكْمَ والنُّبُوَّةَ ورَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وفَضَّلْناهُمْ عَلى العالَمِينَ (١٦)وآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الأمْرِ فَما اخْتَلَفُوا إلّا مِن بَعْدِ ما جاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧).
2) البغي في سياق تجاوز شرع الله:
٦- يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ واشْكُرُوا لِلَّهِ إنْ كُنْتُمْ إيّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢) إنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ والدَّمَ ولَحْمَ الخِنْزِيرِ وما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ ولا عادٍ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٧٣).
٧-لْ لا أجِدُ فِي ما أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلّا أنْ يَكُونَ مَيْتَةً أوْ دَمًا مَسْفُوحًا أوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإنَّهُ رِجْسٌ أوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ ولا عادٍ فَإنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥) وعَلى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ومِنَ البَقَرِ والغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إلّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أوِ الحَوايا أوْ ما اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وإنّا لَصادِقُونَ(١٤٦).
٨- يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ (٣١)
قُلْ مَن حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أخْرَجَ لِعِبادِهِ والطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ القِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢) قُلْ إنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ والإثْمَ والبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وأنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا وأنْ تَقُولُوا عَلى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣).
٩- وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَدًا مِن كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأنْعُمِ اللَّهِ فَأذاقَها اللَّهُ لِباسَ الجُوعِ والخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) ولَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأخَذَهُمُ العَذابُ وهُمْ ظالِمُونَ (١١٣) فَكُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا واشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ إيّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤) إنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ والدَّمَ ولَحْمَ الخِنْزِيرِ وما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ ولا عادٍ فَإنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٥) ولا تَقُولُوا لِما تَصِفُ ألْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هذا حَلالٌ وهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلى اللَّهِ الكَذِبَ إنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلى اللَّهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (١١٦).
3) البغي في سياق النهي عنه أو الانتصاف من الباغي:
١٠- إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ والإحْسانِ وإيتاءِ ذِي القُرْبى ويَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ والبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠).
١١- ذلِكَ ومَن عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠).
١٢- إنَّ قارُونَ كانَ مِن قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وآتَيْناهُ مِنَ الكُنُوزِ ما إنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالعُصْبَةِ أُولِي القُوَّةِ إذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الفَرِحِينَ (٧٦) وابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدّارَ الآخِرَةَ ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وأحْسِنْ كَما أحْسَنَ اللَّهُ إلَيْكَ ولا تَبْغِ الفَسادَ فِي الأرْضِ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ (٧٧).
١٣- وهَلْ أتاكَ نَبَأُ الخَصْمِ إذْ تَسَوَّرُوا المِحْرابَ (٢١) إذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فاحْكُمْ بَيْنَنا بِالحَقِّ ولا تُشْطِطْ واهْدِنا إلى سَواءِ الصِّراطِ (٢٢) إنَّ هذا أخِي لَهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ نَعْجَةً ولِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أكْفِلْنِيها وعَزَّنِي فِي الخِطابِ (٢٣)
قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعاجِهِ وإنَّ كَثِيرًا مِنَ الخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إلّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ وقَلِيلٌ ما هُمْ وظَنَّ داوُدُ أنَّما فَتَنّاهُ فاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وخَرَّ راكِعًا وأنابَ (٢٤).
١٤- فَما أُوتِيتُمْ مِن شَيْءٍ فَمَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا وما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وأبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) والَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ والفَواحِشَ وإذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) والَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وأقامُوا الصَّلاةَ وأمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ ومِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) والَّذِينَ إذا أصابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَن عَفا وأصْلَحَ فَأجْرُهُ عَلى اللَّهِ إنَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ (٤٠) ولَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِن سَبِيلٍ (٤١) إنَّما السَّبِيلُ عَلى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ ويَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ ألِيمٌ (٤٢).
١٥- وإنْ طائِفَتانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإنْ بَغَتْ إحْداهُما عَلى الأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إلى أمْرِ اللَّهِ فَإنْ فاءَتْ فَأصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالعَدْلِ وأقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ (٩).
4) البغي في سياق رفض دين الله:
١٦- هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي البَرِّ والبَحْرِ حَتّى إذا كُنْتُمْ فِي الفُلْكِ وجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وجاءَهُمُ المَوْجُ مِن كُلِّ مَكانٍ وظَنُّوا أنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أنْجَيْتَنا مِن هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمّا أنْجاهُمْ إذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ يا أيُّها النّاسُ إنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أنْفُسِكُمْ مَتاعَ الحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣).
١٧- وجاوَزْنا بِبَنِي إسْرائِيلَ البَحْرَ فَأتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا حَتّى إذا أدْرَكَهُ الغَرَقُ قالَ آمَنتُ أنَّهُ لا إلهَ إلّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إسْرائِيلَ وأنا مِنَ المُسْلِمِينَ (٩٠) آلْآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنْتَ مِنَ المُفْسِدِينَ (٩١) فاليَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَن خَلْفَكَ آيَةً وإنَّ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (٩٢).
5) البغي في سياق سعة الرزق:
١٨- ولَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرْضِ ولكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧).
ب) الأحاديث الواردة في ذمّ (البغي)
١-* (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله ﷺ وهو بعكاظ فقلت: من تبعك على هذا الأمر؟ فقال: «حرّ وعبد» ومعه أبو بكر وبلال- رضي الله تعالى عنهما-. فقال لي:
«ارجع حتّى يمكّن الله- عزوجل- لرسوله» فأتيته بعد فقلت: يا رسول الله: جعلني الله فداءك، شيئا أتعلّمه وأجهله لا يضرّك. وينفعني الله عزوجل به [في الكلام حذف والتقدير: بيّن لي شيئا أتعلمه، وأنا الآن أجهله، وعلمي به لا يضرك ولكنه ينفعني].
هل من ساعة أفضل من ساعة وهل من ساعة يتّقى فيها؟ فقال: «لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك: إنّ الله- عز وجل يتدلّى في جوف اللّيل فيغفر إلّا ما كان من الشّرك والبغي، فالصّلاة مشهودة محضورة. فصلّ حتّى تطلع الشّمس فإذا طلعت فأقصر عن الصّلاة، فإنّها تطلع بين قرني شيطان وهي صلاة الكفّار حتّى ترتفع. فإذا استقلّت الشّمس فصلّ؛ فإنّ الصّلاة محضورة مشهودة حتّى يعتدل النّهار، فإذا اعتدل النّهار فأقصر عن الصّلاة فإنّها ساعة تسجر فيها جهنّم حتّى يفيء الفيء فإذا فاء الفيء فصلّ؛ فإنّ الصّلاة محضورة مشهودة حتّى تدلّى الشّمس للغروب فإذا تدلّت فأقصر عن الصّلاة حتّى تغيب الشّمس؛ فإنّها تغيب على قرني شيطان وهي صلاة الكفّار») [أحمد (٤/ ٣٨٥) وأصل الحديث في صحيح مسلم (٨٣٢)].
٢-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله ﷺ قال ذات يوم في خطبته:
«ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا، حلال. وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم، وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم [اجتالتهم: أي استخفوهم فذهبوا بهم] عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلّا بقايا من أهل الكتاب وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء. تقرؤه نائما ويقظان، وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي [يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه] فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك [نغزك: أي نعينك]، وأنفق فسننفق عليك.
وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له [ لا زبر له: أي لا عقل له، وهي بفتح الزاي وسكون الباء]، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع، وإن دقّ إلّا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك». وذكر البخل أو الكذب «والشّنظير الفحّاش [الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش وهو السيىء الخلق] وإنّ الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتّى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد») * [مسلم (٢٨٦٥)].
٣-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه قال: أخبرني من هو خير منّي [أخبرني من هو خير مني: يعني به أبا قتادة الأنصاري] أنّ رسول الله ﷺ قال لعمّار حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول: «بؤس ابن سميّة [بؤس ابن سمية: ما أشده وأعظمه]. تقتلك فئة باغية») * [البخاري- الفتح ١ (٤٤٧). ومسلم (٢٩١٥) واللفظ له].
٤-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنه – قال: رأيت رسول الله ﷺ يوم الأحزاب ينقل التّراب- وقد وارى التّراب بياض بطنه- وهو يقول-:
لولا أنت ما اهتدينا … ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا … وثبّت الأقدام إن لاقينا
إنّ الألى قد بغوا علينا … إذا أرادوا فتنة أبينا) * [البخاري- الفتح ٦ (٢٨٣٧) واللفظ له ومسلم (١٨٠٣)].
٥-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله ﷺ يدعو: ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر هداي إليّ، وانصرني على من بغى عليّ. اللهمّ اجعلني لك شاكرا، لك ذاكرا، لك راهبا، لك مطواعا، إليك مخبتا [مخبتا: أي خاشعا مطيعا] أو منيبا، ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي [حوبتي: يعني المأثم وقيل: تخشعي وتمسكني]. وأجب دعوتي، وثبّت حجّتي، واهد قلبي، وسدّد لساني، واسلل سخيمة قلبي [سخيمة قلبي: السخيمة: الحقد والضغينة]») *[أبو داود (١٥١٠) واللفظ له. والترمذي (٣٥٥١) وقال: حسن صحيح. ابن ماجة (٣٨٣٠). أحمد (١/ ٢٢٧) وقال الشيخ أحمد شاكر (٣/ ٣٠٩): إسناده صحيح. ونقل عن شارح الترمذي عزوه إلى النسائي وابن حبان. والحاكم وابن أبي شيبة وعزاه في التهذيب إلى البخاري في الأدب المفرد كذلك]».
٦-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله ﷺ: «سيصيب أمّتي داء الأمم» فقالوا: يا رسول الله وما داء الأمم؟ قال: الأشر، والبطر، والتّكاثر، والتّناجش في الدّنيا، والتّباغض.
والتّحاسد، حتّى يكون البغي») * [الحاكم (٤/ ١٦٨) واللفظ له وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال العراقي في تخريج الإحياء (٣/ ١٨٧): أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الحسد والطبراني في الأوسط وقال: إسناده جيد].
٧-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- أنّه قال: قيل يا رسول الله ﷺ: أيّ النّاس أفضل؟ قال: «كلّ مخموم القلب، صدوق اللّسان». قالوا: صدوق اللّسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: «هو التّقيّ النّقيّ، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غلّ ولا حسد») * [ابن ماجة (٤٢١٦) وقال في الزوائد: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وذكره الألباني في الصحيحة (٢/ ٦٦٩) حديث (٩٤٨) وعزاه أيضا لابن عساكر].
٨-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه – قال:
قال رسول الله ﷺ: «ما من ذنب أجدر أن يعجّل الله لصاحبه العقوبة في الدّنيا مع ما يدّخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرّحم») *[الترمذي (٢٥١١) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود (٤٩٠٢). وابن ماجه (٤٢١١). الحاكم (٢/ ٣٥٦)، والبخاري في الأدب المفرد حديث (٢٩) (ص ٢٤، ٢٥). وذكره الألباني في الصحيحة (٢/ ٦٢٣) حديث (٩١٨) وعزاه لابن المبارك في الزهد وابن حبان والبغوي وأحمد].
٩-* (عن جابر بن عتيك- رضي الله عنه – قال: إنّ نبيّ الله ﷺ كان يقول: «من الغيرة ما يحبّ الله، ومنها ما يبغض الله. فأمّا الّتي يحبّها الله: فالغيرة في الرّيبة، وأمّا الغيرة الّتي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة، وإنّ من الخيلاء ما يبغض الله، ومنها ما يحبّ الله.
فأمّا الخيلاء الّتي يحبّ الله فاختيال الرّجل نفسه عند القتال، واختياله عند الصّدقة، وأمّا الّتي يبغض الله فاختياله في البغي») * [أبو داود (٢٦٥٩) واللفظ له. وصحيح سنن النسائي حديث (٢٣٩٨) نسخة الألباني وقال: حسن. وأحمد (٥/ ٤٤٥)].
قال ابن تيمية:
الحَمْدُ لِلَّهِ، أمّا لِباسُ الحَرِيرِ عِنْدَ القِتالِ لِلضَّرُورَةِ فَيَجُوزُ بِاتِّفاقِ المُسْلِمِينَ؛ وذَلِكَ بِأنْ لا يَقُومَ غَيْرُهُ مَقامَهُ فِي دَفْعِ السِّلاحِ والوِقايَةِ. وأمّا لِباسُهُ لِإرْهابِ العَدُوِّ فَفِيهِ لِلْعُلَماءِ قَوْلانِ: أظْهَرُهُما أنَّ ذَلِكَ جائِزٌ فَإنَّ جُنْدَ الشّامِ كَتَبُوا إلى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ: إنّا إذا لَقِينا العَدُوَّ ورَأيْناهُمْ قَدْ كَفَّرُوا – أيْ: غَطَّوْا أسْلِحَتَهُمْ بِالحَرِيرِ – وجَدْنا لِذَلِكَ رُعْبًا فِي قُلُوبِنا. فَكَتَبَ إلَيْهِمْ عُمَرُ: وأنْتُمْ فَكَفِّرُوا أسْلِحَتَكُمْ كَما يُكَفِّرُونَ أسْلِحَتَهُمْ. ولِأنَّ لُبْسَ الحَرِيرِ فِيهِ خُيَلاءُ واَللَّهُ يُحِبُّ الخُيَلاءَ حالَ القِتالِ كَما فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: “﴿إنّ مِن الخُيَلاءِ ما يُحِبُّهُ اللَّهُ ومِن الخُيَلاءِ ما يُبْغِضُهُ اللَّهُ فَأمّا الخُيَلاءُ الَّتِي يُحِبُّها اللَّهُ فاخْتِيالُ الرَّجُلِ عِنْدَ الحَرْبِ. وعِنْدَ الصَّدَقَةِ. وأمّا الخُيَلاءُ الَّتِي يُبْغِضُها اللَّهُ فالخُيَلاءُ فِي البَغْيِ والفَخْرِ﴾. {ولَمّا كانَ يَوْمُ أُحُدٍ اخْتالَ أبُو دجانة
الأنْصارِيُّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ إنّها لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُها اللَّهُ إلّا فِي هَذا المَوْطِنِ}.
مجموع الفتاوى 28/27
١٠-* (عن أبي هريرة-رضي الله عنه – قال:
قال رسول الله ﷺ: «ليس شيء أطيع الله فيه أعجل ثوابا من صلة الرّحم، وليس شيء أعجل عقابا من البغي وقطيعة الرّحم، واليمين الفاجرة تدع الدّيار بلاقع [البلاقع جمع بلقع وهي التي لا شيء فيها، والمعنى أن يفتقر الحالف ويذهب ما في بيته من الخير والمال، سوى ما ذخر له في الآخرة من الإثم]») *[البيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٣٥). وذكر نحوه المنذري في الترغيب والترهيب من حديث جابر بن عبد الله وعزاه للطبراني في الأوسط (٣/ ٩١). وذكره الألباني في صحيح الجامع (٣/ ٩١) رقم (٥٢٦٧) والصحيحة (٢/ ٧٠٦) رقم (٩٧٨) وعزاه للخرائطي في مكارم الأخلاق ص (٤٥)].
١١-* (عن سعيد بن زيد- رضي الله عنه – أنّه قال: قال رسول الله ﷺ: «إنّ من أربى الرّبا الاستطالة في عرض المسلم بغير حقّ») * [أبو داود (٤٨٧٦) واللفظ له. وأحمد (١/ ١٩٠). وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (٨/ ٤٤٩)].
١٢ – ويدخل في ذلك حديث أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قالَ: «المُسْتَبّانِ ما قالا فَعَلى البادِئِ، ما لَمْ يَعْتَدِ المَظْلُومُ»، (م) ٦٨ – (٢٥٨٧)
١٣ – قال اللالكائي
٢٨١٣ – أنا مُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ يَعْقُوبَ، قالَ: أنا دَعْلَجُ بْنُ أحْمَدَ السِّجِسْتانِيُّ، قالَ: نا أحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، قالَ: نا أبُو غَسّانَ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو، قالَ: أنا إبْراهِيمُ بْنُ المُغِيرَةِ، وكانَ شَيْخًا حَجّاجًا، قالَ: سَألْتُ الثَّوْرِيَّ: يُصَلّى خَلْفَ مَن يَسُبُّ أبا بَكْرٍ وعُمَرَ؟ قالَ: لا
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ٨/١٥٤٥ — اللالكائي
ج) من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (البغي):
١-* (قال ابن عبّاس-رضي الله عنه-:
«لو بغى جبل على جبل لجعل الله- عز وجل الباغي منهما دكّا») * [ذم البغي لابن أبي الدنيا (ص ٥٤)].
٢-* (وقال أيضا-رضي الله عنه-: «تكلّم ملك من الملوك كلمة بغي وهو جالس على سريره فمسخه الله- عز وجل- فما يدرى أيّ شيء مسخ؟
أذباب أم غيره؟ إلّا أنّه ذهب فلم ير») * [المرجع السابق (ص ٨٥)].
٣-* (قالت عائشة- رضي الله عنه- :
«لقد عرفت أهل بيت من قريش، أهل بيت لا يوصمون في نسبهم، ما زال بهم عرامهم [العرام: بضم العين: الغلظة والقسوة]، وبغيهم على قومهم حتّى ألحق بهم ما ليس فيهم، ورغب عنهم، واستهجنوا، وأهل بيت كانوا يوصمون في أنسابهم فما زال بهم حلمهم على قومهم وحرصهم على مسارهم حتّى صحبوا ورغب إليهم وكانوا أصحّاء») * [ذم البغي لابن أبي الدنيا (ص ٦٨)].
٤-* (عن سلمة بن سلامة بن وقش. وكان من أصحاب بدر قال: «كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل قال: فخرج علينا يوما من بيته قبل مبعث النّبيّ ﷺ بيسير فوقف على مجلس عبد الأشهل- قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيه سنّا عليّ بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي- فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنّة والنّار فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أنّ بعثا كائن بعد الموت.
فقالوا له: ويحك يا فلان، ترى هذا كائنا أنّ النّاس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنّة ونار يجزون فيها بأعمالهم، قال: نعم. والّذي يحلف به لو أنّ له بحظّه من تلك النّار أعظم تنّور في الدّنيا يحمونه ثمّ يدخلونه إيّاه فيطبق به عليه وأن ينجو من تلك النّار غدا. قالوا له: ويحك، وما آية ذلك؟ قال: نبيّ يبعث من نحو هذه البلاد- وأشار بيده نحو مكّة واليمن- قالوا:
ومتى تراه؟ قال: فنظر إليّ وأنا من أحدثهم سنّا فقال:
إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه. قال سلمة: فو الله ما ذهب اللّيل والنّهار حتّى بعث الله تعالى رسوله ﷺ وهو حيّ بين أظهرنا فآمنّا به. وكفر به بغيا وحسدا! فقلنا: ويلك يا فلان، ألست بالّذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى، وليس به») * [أحمد (٣/ ٤٦٧). وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع (٨/ ٢٣٠)].
٥-* (قال سعيد بن جبير- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ ولا فَسادًا (القصص/ ٨٣): «أي بغيا») * [ذم البغي، لابن أبي الدنيا (ص ٩١)].
٦-* (قال محمّد بن كعب القرظيّ- رحمه الله تعالى-: «ثلاث خصال من كنّ فيه كنّ عليه: البغي، والنّكث، والمكر. وقرأ يا أيُّها النّاسُ إنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أنْفُسِكُمْ (يونس/ ٢٣)، ولا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إلّا بِأهْلِهِ (فاطر/ ٤٣)، فَمَن نَكَثَ فَإنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ (الفتح/ ١٠)») * [ذم البغي لابن أبي الدنيا (٨٨)].
٧-* (قال أبو عبيد معمر بن المثنّى- رحمه الله تعالى-: «كان أوّل بغي كان في قريش بمكّة أنّ بني قيس. من بني سهم- تباغوا فيما بينهم، فبعث الله عزوجل فأرة على ذبالة فيها نار فجرّتها إلى خيام لهم فاحترقوا. ثمّ كان ظلم وبغي بني السّبّاق بن عبد الدّار ابن قصيّ. فبعث الله عليهم الفناء فقالت سبيعة بنت لاحب بن دبنبة لابن لها يقال له خالد وكان به رهق فحذّرته ما لقي المقاييس وبنو السّبّاق:
أبنيّ لا تظلم بمكّة … لا الصّغير ولا الكبير
واحفظ محارمها ولا … يغررك بالله الغرور
أبنيّ من يظلم بمكّة … يلق أطراف الشّرور
والله آمن وحشها … والطّير يعقل في ثبير
ولقد أتاهم تبّع … وكسا بنيّتها الحبير
والفيل أهلك جيشه … يرمون فيها بالصّخور
فاسمع إذا جرّبت واف … هم كيف عاقبة الأمور [المرجع السابق (٧٠- ٧١) بتصرف].
٨-* (قال عبد الله بن معاوية الهاشميّ: «إنّ عبد المطّلب جمع بنيه عند وفاته وهم يومئذ عشرة وأمرهم ونهاهم وقال: إيّاكم والبغي، فو الله ما خلق الله عز وجل شيئا أعجل عقوبة من البغي ولا رأيت أحدا بقي على البغي إلّا إخوتكم من بني عبد شمس») * [المرجع السابق (٥٦)].
٩-* (قال الفرزدق: «إنّ قيس بن عاصم كان له ثلاثة وثلاثون ابنا، وكان ينهاهم عن البغي، ويقول: إنّه والله ما بغى قوم قطّ إلّا ذلّوا. ثمّ قال: فإن كان الرّجل من بنيه يظلمه بعض قومه فينهى إخوانه أن ينصروه مخافة البغي») * [المرجع السابق (٦٩)].
١٠-* (قال عبد الله بن أشهب التّميميّ: عن أبيه «كانوا يقفون في الجاهليّة بالموقف، فيسمعون صوتا من الجبل:
البغي يصرع أهله ويحلّهم … دار المذلّة والمعاطس رغّم
فيطوفون بالجبل فلا يرون شيئا ويسمعون الصّوت بذلك») * [المرجع السابق (٥٥)].
١١-* (قال شرقيّ بن قطاميّ- – وصّى رجل من العرب بنيه فقال: «اهجروا البغي فإنّه منبوذ، ولا يدخلنّكم العجب؛ فإنّه ممقتة والتمسوا المحامد من مكانها، واتّقوا القدر؛ فإنّ فيه النّقمة») * [المرجع السابق (٨٩)].
١٢-* (قال محمّد بن أبي رجاء مولى بني هاشم القرشيّ، ابن الأعرابيّ- : «قال دهقان لأسد بن عبد الله وهو على خراسان: يا أسد! إنّ البغي يصرع أهله، والبغي مصرعه وخيم فلا تغترّ بإبطاء الغياث من ناصر متى شاء أن يغيث أغاث. وقد أملى لقوم كي يزدادوا إثما. وجميع أهل السّعادة إمّا تارك سالم من الذّنب، وإمّا تارك الإصرار. ومن رغب عن التّمادي فقد نال إحدى الغنيمتين، ومن خرج من السّعادة فلا غاية إلّا الشّقاوة») * [ذم البغي لابن أبي الدنيا (ص ٧٩)].
١٣-* (قال صيفيّ بن رباح التّميميّ لبنيه:
«يا بنيّ: اعلموا أنّ أسرع الجرم عقوبة: البغي، وشرّ النّصرة التّعدّي، وألأم الأخلاق الضّيق، وأسوأ الأدب كثرة العتاب») * [ المرجع السابق (ص ٧٣)].
١٤-* (قال ابن القيّم- – «سبحان الله! في النّفس كبر إبليس، وحسد قابيل وعتوّ عاد، وطغيان ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وبغي قارون، وقبح هامان، وهوى بلعام، وحيل أصحاب السّبت، وتمرّد الوليد، وجهل أبي جهل، وفيها من أخلاق البهائم: حرص الغراب، وشره الكلب، ورعونة الطّاووس، ودناءة الجعل، وعقوق الضّبّ، وحقد الجمل، ووثوب الفهد، وصولة الأسد، وفسق الفأرة، وخبث الحيّة، وعبث القرد، وجمع النّملة، ومكر الثّعلب، وخفّة الفراش، ونوم الضّبع، غير أنّ الرّياضة والمجاهدة تذهب ذلك») * [الفوائد (٧٤)].
سادسًا:
من مضار (البغي)
انظر: مضار صفة «الظلم». انظر نضرة النعيم]
سابعًا:
أعمال عجل الله عقوباتها في الدنيا:
“فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا : البغي والعقوق» (رواه الحاكم في المستدرك وهو في السلسلة الصحيحة) .
قال بعض الحكماء : أعجل الأمور عقوبة وأسرعها لصاحبه سرعة ظلم من لا ناصر له إلا الله، ومجاورة النعم بالتقصير، واستطالة الغني على الفقير.
ورغم أن الله – جل وعلا – أوعد الظالم الباغي بتعجيل عقوبته وجزائه في الدنيا فقد جعل للمظلوم دعوةً مستجابةً ليس بينها وبينه حجاب فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرًا فإنه ليس دونها حجاب» (رواه أحمد وغيره وهو في صحيح الجامع) .
وإليك قصة شاهدة على ذلك : فقد روى البخاري أن أهل الكوفة شَكَوْا سعد بن أبي وقاص إلى عمر – رضي الله عنهما – فعزله واستعمل عليهم عمَّارًا، فشكوا سعدًا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه فقال : يا أبا إسحاق، إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي. قال سعد : أما أنا فوالله إني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين وأخف في الأخريين , قال : ذاك الظن بك يا أبا إسحاق. فأرسل معه رجلاً أو رجالاً إلى الكوفة، فسأل عنه أهل الكوفة ولم يدع مسجدًا إلا سأل عنه ويثنون معروفًا، حتى دخل مسجدًا لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له “أسامة بن قتادة” يُكَنَّى أبا سعدة قال: أما إذا نشدتنا فإن سعدًا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية , قال سعد : وأنا والله لأدعونَّ بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا قام رياء وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن، وكان الرجل إذا سئل بعد يقول: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد!!
قال عبد الملك : فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطريق يغمزهن (رواه البخاري)”.
قال ابن تيمية:
وأمّا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ: ما بَقِيَ أحَدٌ مِن قَتَلَةِ الحُسَيْنِ إلّا عُوقِبَ فِي الدُّنْيا.
فَهَذا مُمْكِنٌ، وأسْرَعُ الذُّنُوبِ عُقُوبَةً البَغْيُ، والبَغْيُ عَلى الحُسَيْنِ مِن أعْظَمِ البَغْيِ.
منهاج السنة النبوية ٤/٥٦٠ —
وقال ابن تيمية:
وامور النّاس انما تستقيم فِي الدُّنْيا مَعَ العدْل الَّذِي قد
٢ / ٢٤٦
يكون فِيهِ الِاشْتِراك فِي بعض انواع الإثْم اكثر مِمّا تستقيم مَعَ الظُّلم فِي الحُقُوق وان لم يشْتَرك فِي اثم
ولِهَذا قيل ان الله يُقيم الدولة العادلة وان كانَت كافِرَة ولا يُقيم الظالمة وان كانَت مسلمة ويُقال الدُّنْيا تدوم مَعَ العدْل والكفْر ولا تدوم مَعَ الظُّلم والاسلام
وقد قالَ النَّبِي ﷺ لَيْسَ ذَنْب اسرع عُقُوبَة من البَغي وقَطِيعَة الرَّحِم فالباغي يصرع فِي الدُّنْيا وان كانَ مغفورا لَهُ مرحوما فِي الاخرة
وذَلِكَ ان العدْل نظام كل شَيْء فَإذا اقيم امْر الدُّنْيا بِالعَدْلِ قامَت وإن لم يكن لصاحِبها فِي الأخرة من خلاق
الاستقامة 2/247