1178 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1178):
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج ٥ ص ٤٥): حدثنا عبيد الله بن محمد قال سمعت حماد بن سلمة يحدث عن علي بن زيد وحميد في آخرين عن الحسن عن أبي بكرة: عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال «إن الله تبارك وتعالى سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم».
هذا حديث صحيحٌ.
وعلي بن زيد هو ابن جُدْعانَ، وحميد هو ابن أبي حميد الطويل.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
أولاً:
الوادعي رحمه الله جعله في الجامع، وبوب عليه: ١٣ – كتاب الجهاد والغزوات، ٣٢ – الاستعانة بالكافر في الحرب لمصلحة الإسلام، برقم (١٩٨٤).
وقال محققو المسند: “صحيح لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات غير علي بن زيد- وهو ابن جدعان- فهو ضعيف، لكن متابَعه حميد الطويل ثقة من رجال الشيخين.
والحسن البصري مدلس، وقد عنعنه.
وأخرجه ابن عدي في «الكامل» ٢/٥٧٣ من طريق جسر بن فرقد، عن الحسن، بهذا الإسناد.
وقد روي الحديث عن حميد، عن أنس بن مالك، أخرجه البزار (١٧٢٠ – كشف الأستار).
وروي عن الحسن، عن أنس، أخرجه الترمذي في «العلل» ٢/٩٥٥-٩٥٦، والبزار (١٧٢١) من طريق مالك بن دينار، والطبراني في «المعجم الصغير» (١٣٢)، وفي «الأوسط» (١٩٦٩)، وأبو نعيم في «الحلية» ٦/٢٦٢ من طريق المعلى بن زياد، كلاهما عن الحسن، عن أنس بن مالك.
وقد روي الحديث من وجه آخر عن أنس، أخرجه البزار (١٧٢٢)، والنسائي في «الكبرى» (٨٨٨٦)، وابن حبان (٤٥١٧) من طريق أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، عن أنس.
وروي عن الحسن، عن النبي ﷺ مرسلًا. أخرجه أبو نعيم في «الحلية» ٣/١٣ من طريق المعلى بن زياد وأيوب وهشام بن حسان، عنه.
وله شاهد من حديث أبي هريرة السالف برقم (٨٠٩٠)، وفي آخره: «إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر». وهو متفق عليه.
وشاهد ثان من حديث ابن مسعود عند ابن حبان (٤٥١٨)، وأورده ابن حجر في «المطالب العالية» (٢٢٩٣)، وعزاه لمسدد في «مسنده».
وثالث من حديث عمرو بن النعمان بن مقرن عند الطبراني في «الكبير» ١٧/ (٨١)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (١٠٩٦). وقد قيل: إن رواية عمرو بن النعمان عن النبي ﷺ مرسلة. والإسناد إليه حسن. ورابع من حديث عبد الله بن عمرو عند الطبراني (٥٦- القطعة من الجزء ١٣)، ولفظه: «إن الله ليؤيد الإسلام برجال ما هم من أهله»، وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، وهو ضعيف.
قوله ﷺ: «لا خلاق لهم» قال السندي، أي: لا نصيب لهم من الدين”. انتهى.
وفي الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني للساعاتي، جعله في القسم الأول من الكتاب: قسم التوحيد وأصول الدين، كتاب: الإيمان والإسلام، باب: في سماحة ديننا الاسلام والاعتزاز به وأنه أحب الأديان الى الله وفيه فصول، الفصل الأول: في سماحة الدين الاسلامي والاعتزاز به، برقم (٤٧).
وبوب عليه في غاية المقصد فى زوائد المسند لنور الدين الهيثمي، كتاب الجهاد، باب: فيمن يؤيد بهم الإسلام من الأشرار، برقم (٢٥٦٩).
انظر: المطَالبُ العَاليَةُ بِزَوَائِدِ المسَانيد الثّمَانِيَةِ للحافظ ابن حجر، ٢١ – كِتابُ الخِلافَةِ والإمارة، ١٩ – بابُ الحَثِّ عَلى الطّاعَةِ وأنَّ الدِّينَ قَدْ يُؤَيَّدُ بِالفاجِرِ، تحت رقم (٢١٤١) ذكر طرق حديث أبي موسى رضي الله عنه والروايات، وذكر منها حديث الباب.
ثانيًا: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): الأحاديث الواردة
قال الوادعي رحمه الله في (الجامع) ١٣ – كتاب الجهاد والغزوات، ٣٢ – الاستعانة بالكافر في الحرب لمصلحة الإسلام:
“١٩٨٣ – قال أبو داود (ج ١١ ص ٣٩٧): حَدَّثَنا النُّفَيْلِيُّ أخبرَنا عِيسى بْنُ يُونُسَ أخبرَنا الأوْزاعِيُّ عَنْ حَسّانَ بْنِ عَطِيَّةَ قالَ: مالَ مَكْحُولٌ وابْنُ أبِي زَكَرِيّا إلى خالِدِ بْنِ مَعْدانَ ومِلْتُ مَعَهُمْ فَحَدَّثَنا عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ الهُدْنَةِ قالَ: قالَ جُبَيْرٌ انْطَلِقْ بِنا إلى ذِي مِخْبَرٍ -رَجُلٍ مِن أصْحابِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ- فَأتَيْناهُ فَسَألَهُ جُبَيْرٌ عَنْ الهُدْنَةِ، فَقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ «سَتُصالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا فَتَغْزُونَ أنْتُمْ وهُمْ عَدُوًّا مِن ورائِكُمْ فَتُنْصَرُونَ وتَغْنَمُونَ وتَسْلَمُونَ، ثُمَّ تَرْجِعُونَ حَتّى تَنْزِلُوا بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ فَيَرْفَعُ رَجُلٌ مِن أهْلِ النَّصْرانِيَّةِ الصَّلِيبَ فَيَقُولُ غَلَبَ الصَّلِيبُ فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِن المُسْلِمِينَ فَيَدُقُّهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ وتَجْمَعُ لِلْمَلْحَمَةِ».
حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْنُ الفَضْلِ الحَرّانِيُّ أخبرَنا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ أخبرَنا أبُو عَمْرٍو عَنْ حَسّانَ بْنِ عَطِيَّةَ بِهَذا الحَدِيثِ وزادَ فِيهِ: «ويَثُورُ المُسْلِمُونَ إلى أسْلِحَتِهِمْ فَيَقْتَتِلُونَ فَيُكْرِمُ اللهُ تِلْكَ العِصابَةَ بِالشَّهادَةِ».
قال أبو داود: إلّا أنَّ الوَلِيدَ جَعَلَ الحَدِيثَ عَنْ جُبَيْرٍ عَنْ ذِي مِخْبَرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ.
قالَ أبُو داوُد: رَواهُ رَوْحٌ ويَحْيى بْنُ حَمْزَةَ وبِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ الأوْزاعِيِّ كَما قالَ عِيسى.
هذا حديث صحيحٌ. ورواية عيسىى ومن معه راجحة.
الحديث أخرجه ابن ماجه (ج ٢ ص ١٣٦٩)، وابن أبي شيبة (ج ٥ ص ٣٢٥).
* قال أبو داود (ج ٧ ص ٤٥٢): حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، أخبرَنا عِيسى بْنُ يُونُسَ، أخبرَنا الأوْزاعِيُّ، عَنْ حَسّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، قالَ: مالَ مَكْحُولٌ وابْنُ أبِي زَكَرِيّاءَ إلى خالِدِ بْنِ مَعْدانَ ومِلْتُ مَعَهُما، فَحَدَّثَنا عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، قالَ: قالَ جُبَيْرٌ: انْطَلِقْ بِنا إلى ذِي مِخْبَرٍ -رَجُلٌ مِن أصْحابِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ- فَأتَيْناهُ، فَسَألَهُ جُبَيْرٌ عَنِ الهُدْنَةِ، فَقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «سَتُصالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا، وتَغْزُونَ أنْتُمْ وهُمْ عَدُوًّا مِن ورائِكُمْ».
هذا حديث صحيحٌ على شرط مسلم.”.
ثم أورد حديث الباب.
(المسألة الثانية): في اختلاف أهل العلم في جواز الاستعانة بالمشركين
قال باحث بعد أن قرر أن الاستعانة بالكفار إما أن يكون بالنفس وهذا المراد هنا، أو يكون بغير النفس كشراء الأسلحة التي لا توجد عند المجاهدين أو استئجارها أو استعمالها ولا خلاف بين الفقهاء في جواز شراء الأسلحة من العدو أواستئجارها، أو الاستعانة بهم في كيفية استعمالها .
قال فرع:
الاستعانة بالكفار في قتال العدو :
اتفق الفقهاء رحمهم الله تعالى -فيما أعلم- أنه يجوز الاستعانة بالكفار في قتال العدو عند الضرورة إلى ذلك لمقتضى القاعدة الفقهية المشهورة (الضرورات تبيح المحظورات) .
واختلفوا في الاستعانة بهم لغير ضرورة إلى قولين:
القول الأول: يحرم الاستعانة بهم لغير ضرورة، وبهذا قال: المالكية والصحيح من مذهب الحنابلة وابن حزم .
واستدلوا بما يلي:
١- قوله تعالى: ﴿لا يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكافِرِينَ أوْلِياءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إلا أنْ تَتَّقُوا مِنهُمْ تُقاةً ويُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وإلى اللَّهِ المَصِيرُ﴾
جاء في سبب نزول هذه الآية: أن عبادة بن الصامت كان له حلفاء من اليهود، فلما خرج النبي – ﷺ – يوم الأحزاب قال عبادة: يا نبي الله إن معي خمسمائة رجل من اليهود وقد رأيت أن يخرجوا معي فاستظهر بهم على العدو، فنزلت هذه الآية وهذا دليل على عدم جواز الاستعانة بهم في القتال.
٢- قوله تعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا ولَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلِكُمْ والكُفّارَ أوْلِياءَ واتَّقُوا اللَّهَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة ٥٧].
وجه الدلالة: أن هذه الآية وغيرها من الآيات التي تنهي عن مولاة الكفار تضمنت المنع من التأييد والانتصار بالمشركين .
٣- عن عائشة أن النبي – ﷺ – خرج إلى بدر فتبعه رجل من المشركين فقال: (أتؤمن بالله ورسوله، قال: لا قال: فارجع فلن استعين بمشرك)
وجه الدلالة: أن الحديث جاء عام في كل مشرك، فلا يجوز الاستعان بهم في قتال العدو.
٤- أن الكافر لا يؤمن مكره وغائلته لخبث طويته فلا يستعان به
ونوقش الاستدلال بهذه الأدلة بما يلي:
١- أن أدلة المنع من الاستعانة بالكفار كانت في بدر، ثم رخص في الاستعانة بهم بعد ذلك .
ويمكن الجواب عن هذا: بأن الأصل المنع، وهو باق لعدم الدليل على الرخصة.
٢- أما حديث عائشة ﵂ فإن الذي رده النبي – ﷺ – يوم بدر تفرس فيه الرغبة في الدخول في الإسلام، فرده رجاء أن يسلم، وقد صدق ظنه وأسلم .
والجواب عن هذا: بأن الحديث قوي وعام فلا دليل يمانعه، ولا مخصص يخصصه وإن وجد حالات استعانة بالكفار فهي محمولة على الضرورة.
القول الثاني: يجوز الاستعانة بالكفار في قتال العدو، وبهذا قال الحنفية، وشرطوا: أن يكون حكم الإسلام هو الغالب والشافعية، وشرطوا: أن يعرف الإمام حسن رأيهم في المسلمين، ويأمن خيانتهم ورواية عند الحنابلة
واستدلوا بما يلي:
١- عن ابن عباس قال: (استعان رسول الله – ﷺ – بيهود قينقاع فرضخ لهم ولم يسهم لهم) . أخرجه الترمذي
ونوقش هذا: بأن الحديث ضعيف
وقال البيهقي: لم أجده إلا من حديث الحسن بن عمارة وهو ضعيف، وانظر: نصب الراية (٣/٤٢٢) والتلخيص الحبير (٤/١٠٠).
ولو صح فهو محمول على الاستعانة بهم للضرورة
٢- ماروي (أن صفوان بن أمية شهد حنينا مع النبي – ﷺ – وهو مشرك)
ونوقش هذا: بأن صفوان خرج دون أن يطلب أحد منه الخروج
٣- إن الاستعانة بالكفار على الكفار زيادة كبت وغيظ لهم، والاستعانة بهم كالاستعانة بالكلاب على الكفار
ويمكن مناقشة هذا: بأن الكافر لا يؤمن مكره وخداعة وفي هذا ضرر على المجاهدين وكشف لأسرارهم.
قال الشافعي: «إن رأى الإمام أن الكافر حسن النية، حسن الرأي مأمون الجانب على المسلمين، وكانت الحاجة داعية إلى الاستعانة به جاز ذلك وإلا فلا».
انظر مغني المحتاج ج ٤ ص ٢٢١.
انتهى من كتاب أحكام المجاهد بالنفس في سبيل الله عز وجل في الفقه الإسلامي للأستاذ مرعي معاصر
قال الأتيوبي رحمه الله:
في اختلاف أهل العلم في جواز الاستعانة بالمشركين: وقال القرطبيّ – رحمه الله -: بظاهر هذا الحديث قال كافة العلماء؛ مالك وغيره، فكرهوا الاستعانة بالمشركين في الحرب، وقال مالك، وأصحابه: لا بأس أن يكونوا نواتيةً [«النواتي»: جمع نوتيّ، وهو الملّاح الذي يدير السفينة في البحر]، وخُدّامًا.
واختُلِف في استعمالهم بِرَمْيهم بالمنجانيق، فأُجيز وكُرِه، وأجاز ابن حبيب: أن يُستعمَل من سالَمَ منهمٍ في قتال من حارب منهم، وقال بعض علمائنا بجواز ذلك، ويكونون ناحية مِن عَسْكَر المسلمين، وقالوا: إنما قال النبيّ – ﷺ – ذلك في وقت مخصوص، لرجل مخصوص، لا على العموم، وظاهر الحديث حجَّة عليهم ….. وذكر الخلاف ثم قال [الأتيوبي] عفا الله عنه: عندي أن الأرجح في هذه المسألة التفصيل، وهو أن الأمر يرجع إلى رأي الإمام، فإن رأى المصلحة في الاستعانة بغير المسلمين بأن اضطرّ المسلمون إلى ذلك، ولا يترتّب على ذلك ضرر يلحق المسلمين، فلا بأس، وإلا فلا.
ودليل ذلك ما تقدّم أنه – ﷺ – استعان بيهود خيبر، وكذلك قصّة صفوان بن أمية، فإنه شَهِد حُنينًا، والطائف، وهو مشرك، وحديث: «إن الله ليؤيّد هذا الدِّين بالرجل الفاجر»، متّفقٌ عليه، قاله – ﷺ – في ذلك المنافق الذي نحر نفسه لمّا اشتدّت به الجراحة، والقصّة مشهورة.
وما أخرجه أبو داود وغيره، وصححه ابن حبّان عن ذي مخبر ابن أخي النجاشيّ، أنه سمع رسول الله – ﷺ – يقول: «ستصالحون الروم صلحًا آمنًا، حتى تغزوا أنتم وهم عدوًّا من ورائهم، فتُنصرون، وتَسلَمون، وتَغنَمون …» الحديث.
والحاصل أن حكم الاستعانة بغير المسلمين موكول إلى رأي الإمام والمسلمين، فإن رأوا مصلحة جاز، وإلا فلا؛ لهذه الأدلّة المذكورة.
وأما حديث الباب، فإنه متقدّم على هذه الأحاديث كلها، فيَحْتَمِل النَّسخ، أو يكون خاصًّا بتلك الواقعة؛ لِما رجا النبيّ – ﷺ – من إسلام ذلك المشرك، وقد وقع كذلك، فلا يكون معارضًا لهذه الأحاديث المبيحة، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب. [البحر المحيط الثجاج، ٣١ – كِتابُ الجِهادِ والسِّيَر، (٤٩) – (بابُ كَراهَةِ الاسْتِعانَةِ فِي الغَزْوِ بِكافِرٍ)، رقم (٤٦٩٢)].
(تنبيه):
لا ننسي أن الفضل لله تعالى وحده في تيسير الأمور.
” والله سبحانه إذا أراد عونك يسر لك العون، سواء كان بأسباب معلومة أو بأسباب غير معلومة. قد يعينك الله بسبب غير معلوم لك، فيدفع عنك من الشر ما لا طاقة لاحد به، وقد يعينك الله على يد أحد من الخلق يسخره لك حتى يعينك، كما جاء في الحديث: «إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر» . وقوله: «واعلم إن الأمة لو اجتمعت علي إن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك». [شرح رياض الصالحين لابن عثيمين].
الثالث: الفتاوي:
[1] حكم الاستعانة بالكفار في مصلحة المسلمين
السؤال:
أرجو من سماحتكم توضيح بعض النقاط التالية:
أولًا: استدلَّ مجلس الإفتاء الأعلى بحضور سماحتكم بشأن تواجد القوات الأمريكية بحديث عبدالله بن أريقط الذي استعان به الرسولُ ﷺ كدليلٍ إلى المدينة، وقد سمعتُ من أحد المشايخ أن الاستدلال خاطئٌ؛ لأنه يُعتبر من الاستئجار، وليس من باب الاستعانة به ضدّ المُسلمين -أو ضد الكافرين لعله- أرجو التوضيح، جزاكم الله خيرًا”.
الإجابة:
“هذا غلطٌ، هو استعانة ولو ما استأجره، هو استعانة بكافرٍ حتى يدله على الطريق المناسب إلى المدينة، فالاستعانة إذا دعت الحاجةُ إليها، سواء بأجرٍ أو بغير أجرٍ، فالذي قال: إنه إجارة، وجوَّزه من أجل الإجارة، هذا غلطٌ، الاستعانة بالمشركين إذا جازت في الإجارة جازت بغير الإجارة من باب أوْلى، فالاستعانة بهم في مصلحة المسلمين مع أمن الخطر هذا جائز، بأجرٍ أو بغير أجرٍ
فهذا كونه استأجره بدراهم لا يمنع الإعانة، وكونهم يُقاتلون معنا ويُعطون -يُرْضَخ لهم شيء- مساعدةً لهم على مُساعدتهم لنا لا بأس بهذا، هي استعانة، ولو أعطاه أجرةً؛ لأنه استعان به حتى يدله على الطريق.
وهكذا كونه ﷺ يعرض نفسَه على مجتمعات الكفار في مِنى ليُجيروه حتى يُبلِّغ رسالة ربه، هذه استعانة بهم، فلم يقبل هذا إلا الأنصار وأرضاهم، واستجار بجماعةٍ فأبوا، فلم يقبل إلا المطعم بن عدي، فأجاره وحمل السلاح حتى حماه من شرِّ الأعداء، ونفذوا جواره، وهذه استعانة قبل بدر، وهكذا بعد بدر استعان بدروع من صفوان بن أمية يوم حنين، واستعان باليهود في خيبر سنة سبعٍ من الهجرة، وجعل إليهم أموال المسلمين: يعمرون النَّخيل والزروع بالنصف في مصلحة المسلمين، وهم يهود، استعان بهم في مصلحة المسلمين بالنصف.
فالاستعانة بأجرٍ أو بغير أجرٍ جائزة إذا دعت الحاجةُ إليها والمصلحة، عند الضَّرورة، وعند الحاجة الشديدة.
وإذا أغنى الله عنهم؛ لم تجز الاستعانةُ بهم، والنبي ﷺ حين ردَّ بعض المشركين يوم بدرٍ لأنه صلى الله عليه وسلم ما كان في حاجةٍ إليه، فردَّه لأسبابٍ، واستعان بهم لأسبابٍ.
والأحاديث ما يُضرب بعضُها ببعض، الأحاديث يجب أن يُجمع بينها، ويُوفَّق بينها، ويُحتج بها جميعًا
بعض الأئمَّة قال: إن الاستعانة بالمشرك منسوخة، كما قال الشافعي وجماعة، قالوا: إنها منسوخة، وأن النبي استعان بهم بعد ذلك.
وقال آخرون: لا، ليس بنسخٍ، ولكن هذا في محلِّه، وهذا في محله، وهو الصواب.
الصواب عدم النسخ؛ لأنه لا دليلَ على النسخ، والجمع بين النصوص أوْلى من النسخ، فيجوز عند الحاجة، ولا يجوز عند عدم الحاجة، وهذا الجمع بين الأحاديث وبين كلام أهل العلم رحمهم الله”. [حكم الاستعانة بالكفار في مصلحة المسلمين، فتاوى الدروس للشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله، الموقع الرسمي لفضيلته]
وجاء في الفتاوى المصرية المعاصرة:
اختلف الفقهاء فى جواز الاستعانة فى الجهاد بغير المسلمين.
جاء فى البحر عن أبى حنيفة وأصحابه أنه يجوز الاستعانة بالكفار والفساق حيث يستقيمون على أوامر الحاكم المسلم ونواهيه.
واستدلوا على هذا الحكم باستعانة الرسول ﷺ بناس من اليهود – وباستعانته بصفوان بن أمية يوم حنين وعلل المخالفون من الفقهاء لهذا الحكم بالخوف من أن يتسلط غير المسلمين على المسلمين بسبب الاستعانة بهم.
وأن يكون فى ذلك جعل سبيل الكافر على المسلم، وهذا يخالف لقوله تعالى ﴿ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا﴾ النساء ١٤١، فإذا لم يترتب عليها شىء من ذلك، وضمن المسلمون أن يكون أمرهم بيدهم ينفذون به أحكام الله، ولا يتدخل فى شئونهم أجنبى عنهم بسبب معاونته لهم فى جهادهم، وأمنوا أن يكون من وراء هذه المعاونة خيانة لهم، أو إضعاف لقوتهم جازت الاستعانة بهم، وكانت فى هذه الحالة متمشية مع مصلحة جماعة المسلمين.
وكل ما يحقق مصلحة عامة للمسلمين لا يمتنع على الحاكم المسلم أن يفعله والله أعلم
فتاوى دار الإفتاء المصرية ٦/٦١ —
قال ابن حجر في فتح الباري: (شهود صفوان بن أمية حنينا مع النبي – ﷺ – وهو مشرك مشهورة في المغازي) (٦/٢٢١) انظر: سير أعلام النبلاء (السيرة النبوية) (٢/١٩٧) والسيرة النبوية لابن هشام (٤/٤٤٤).
ثالثًا: فوائد الباب:
1 – (منها): الحَثِّ عَلى الطّاعَةِ وأنَّ الدِّينَ قَدْ يُؤَيَّدُ بِالفاجِرِ.
2 – (ومنها): جواز الاستعانة بالكافر في الحرب لمصلحة الإسلام.
3 – (ومنها): “أن حسنات الإنسان او الفئة أو الجماعة أو الجمعية لا تمنع من انتقاد ما عندهم من اخطاء وانحرافات وضلالات؛ ويقرب هذا المعنى أنه كما لا يخفى كل مسلم ما للوالدين على أولادهما من فضل إذ هما سبب وجود الأبناء لكن لم يمنع ذلك خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام من الإنكار على أبيه إذ عبد الأصنام من دون الله تعالى.
وها هو أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم قد دافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفاعا عظيما شديدا يعجز عن مثله كثير من المسلمين لكن لم يمنع ذلك من كونه مشركا وينتقد عليه عدم قبوله للإسلام. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن فلانة تصلي الليل وتصوم النهار وفي لسانها شيء يؤذي جيرانها سليطة، قال:” لا خير فيها هي في النار”، وقيل له: إن فلانة تصلي المكتوبة وتصوم رمضان وتتصدق بالأنوار وليس لها شيء غيره ولا تؤذي أحدا، قال:”هي في الجنة”. [رواه أحمد في مسنده والحاكم وقال الألباني حديث صحيح في السلسلة الصحيحةـ190]”.