99 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة أبي عيسى عبدالله البلوشي وعبدالله المشجري و أبي علي راشد الحوسني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
99 – قال الإمام النسائي رحمه الله (ج 6 ص 69): أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنْبَأَنَا النَّضْرُ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَنَسٍ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا تَتَزَوَّجُ مِنْ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ قَالَ «إِنَّ فِيهِمْ لَغَيْرَةً شَدِيدَةً».
هذا حديث صحيحٌ على شرط مسلم.
ــــــــــــــــــــــ
أولًا: دراسة الحديث رواية:
1- الحكم على حديث الباب:
* قال الألباني في سنن النسائي 3233 صحيح الإسناد.
وانظر الصحيحة 95 وصحيح موارد الظمآن 1037.
ثانيًا: دراسة الحديث دراية:
1- تبويبات الأئمة على حديث الباب وما في معناه:
* بوب النسائي في سننه 3233 باب المرأة الغيراء.
* بوب ابن حبان في صحيحه 4038 ذِكْرُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ مِنَ التَّفَقُّدِ فِي أَسْبَابِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا مِنَ النِّسَاءِ، وأورد تحته حديث أنس بن مالك ولكن بلفظ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلَا تَتَزَوَّجُ فِي الْأَنْصَارِ، قَالَ: “إِنَّ فِي أَعْيُنِهِمْ شيئا” وقال الأرناؤووط: إسناده صحيح. رجاله رجال الصحيح غير خلاد بن أسلم، فروى له الترمذي والنسائي، وهو ثقة.
وأخرجه النسائي 6/69 في النكاح: باب المرأة الغيرى من طريق إسحاق بن إبراهيم، عن النضر، بهذا الإسناد، بلفظ: قالوا: يا رسول الله، ألا تتزوج من نساء الأنصار، قال: “إن فيهم لغيرة شديدة”، وانظر 4041 و 4044.
2- شرح الحديث:
* قال العلامة العباد في شرح سنن النسائي: المرأة الغيراء هي التي فيها غيرة، يعني: التي تغار والتي تحاسب الزوج على كل شيء، ولا سيما إذا كان له زوجة أخرى، فإنها تحاسب على الدقيق والجليل، وتكون دائماً في كلام، ودائماً في خصام، فهذا هو المقصود بالمرأة الغيراء، وأورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قيل له: [(ألا تتزوج من الأنصار؟)]؛ لأن نساء الرسول صلى الله عليه وسلم كلهن من المهاجرات، [(قال: إن فيهم لغيرة شديدة)]، فكأن هذا فيه: إشارة إلى سبب الامتناع من الزواج منهم، وأن في نسائهم هذا الوصف الذي هو الغيرة، وقد جاء في حديث أم سلمة وزواج الرسول صلى الله عليه وسلم منها، وأنها كانت امرأة لها غيرة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(أدعو الله لك أن يذهب عنك الغيرة)]، فالترجمة مقصود بها: ذكر ما يتعلق بالمرأة الغيراء، والحديث فيه إشارة إلى أن عدم اختيارها هو الأولى.
* قال الشيخ محمد علي آدم الإتيوبي رحمه الله في شرح النسائي (27/118): “(عَنْ أَنَسٍ) بن مالك – رضي اللَّه تعالى عنه -، أنه قال (قَالُوا) أي الصحابة، أو الأنصار – رضي اللَّه عنه – (يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا) -بفتح الهمزة، وتخفيف اللام-: معناها هنا العرض، وهو الطلب بلين، كما في قوله تعالى: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} الآية [النور: 22] بخلاف التحضيض، فإنه طلب بِحَث وإزعاج (تَتَزَوَّجُ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ؟، قَالَ) – صلى اللَّه عليه وسلم – (إِنَّ فِيهِمْ لَغَيْرَةً) بفتح الغين المعجمة، وسكون التحتانيّة-: هي الْحَمِيّةُ والأنَفَةُ، وإنما وصفها بقوله (شَدِيدَةً) لأن أصل المغيرة ليس مذمومًا؛ لأنه من طبيعة النساء، وإنما المذموم ما كان شديدًا. وجملة “إن” تعليلٌ لمحذوف، تقديره: لا أتزوّج منهنّ؛ لأن فيهنّ غيرةً شديدةً، يترتب عليها سوء العشرة، التي توقع الإنسان في مخالفة قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} الآية [النساء: 19]
وفيه أنه لا ينبغي نكاح المرأة الشديدة الغيرة، وهو الذي أراده المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- بعقد هذا الباب هنا، وذلك لأن شدة غيرتها يحملها على أن لا تراعي حقوق الزوج، ومن ثمّ يكافئوها هو بسوء العشرة، فيخلّ كلٌّ منهما بما أوجب اللَّه تعالى عليه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.”
* قال صاحب مقال “أسس اختيار الزوجة ” وهو منشور في مجلة البحوث الإسلامية (24/262): “10 – أن لا تكون غيراء، والغيرة موجودة في غالب النساء، إلا أن المذموم منها تلك تتأجج في صدر صاحبتها نارا تشعل جيوش الظنون والشكوك كل آن؛ فتحيل حياة الأسرة جحيما لا يطاق:
أ – عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – «قالوا: يا رسول الله، ألا تتزوج من نساء الأنصار؟ قال: إن فيهم لغيرة شديدة (1)».
ب – ولذلك لم يتزوج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أم سلمة – رضي الله عنها – إلا بعد أن دعا أن يذهب الله غيرتها، «عن أم سلمة قالت: لما توفي أبو سلمة استرجعت وقلت: اللهم أجرني في مصيبتي، واخلفني خيرا منه، ثم رجعت إلى نفسي، قلت: من أين لي خير من أبي سلمة؟ فلما انقضت عدتي استأذن علي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنا أدبغ إهابا لي، فغلست يدي من القرظ – ما يدبغ به – وأذنت له، فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف، فقعد عليها، فخطبني إلى نفسه، فلما فرغ من مقالته، قلت: يا رسول الله، ما بي أن لا تكون بك الرغبة في، ولكني امرأة في غيرة شديدة، فأخاف أن ترى مني شيئا يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلت في السن، وأنا ذات عيال، فقال: أما ما ذكرت من غيرتك فسوف يذهبها الله عز وجل عنك » (وفي رواية النسائي، «فأدعو الله عز وجل فيذهب غيرتك)، أما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك، وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي: قالت: فقد سلمت لرسول الله – صلى الله عليه وسلم؛ فتزوجها. قالت أم سلمة: فقد أبدلني الله بأبي سلمة خيرا منه رسول الله – صلى الله عليه وسلم » -.
ج – أما الغيرة المعتدلة التي لا تتسلط على صاحبتها، فهي مقبولة، بل وقد تستملح أحيانا:
فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: «كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عند بعض نسائه – وفي رواية عائشة – فأرسلت إليه إحدى أمهات المؤمنين – في رواية أم سلمة، وفي أخرى صفية – بصحفة فيها طعام، فضربت التي هو في بيتها يد الخادم، فسقطت الصفحة فانفلقت، فجمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: ” غارت أمكم، غارت أمكم ” ثم حبس الخادم، حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها؛ فدفعها إلى التي كسرت صفحتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرتها ».
د – أما الغيرة المحمودة، فهي التي تكون إذا ما ارتكبت محارم الله: عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وإن غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه»”.
3- مسائل أخرى:
* يوجد بحث منشور في مجلة البحوث الإسلامية (24/235) بعنوان “أسس اختيار الزوجة ” ذكر فيها الباحث أهم الأسس التي ينبغي مراعاتها في اختيار الزوجة:
1- اجتناب المحرمات:
1 – أن لا تكون محرمة حرمة أبدية أو مؤقتة:
وهو أول ما ينبغي أن يضعه المسلم في اعتباره، حين التفكير بالإقدام على اختيار زوجة له.
أولا: والتحريم المؤبد: يمنع المرأة أن تكون زوجة للرجل في جميع الأوقات، وهو إما أن يكون بسبب النسب، أو المصاهرة، أو الرضاع، قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} (1) {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ}
… ثانيا: أما التحريم المؤقت، فإنه يمنع من التزوج بالمرأة، ما دامت على حالة خاصة، فإن تغيرت تلك الحال زال التحريم، صارت حلالا، ومن المحرم على المسلم حرمة مؤقتة:
1 – الجمع بين الأختين لقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} (5) بالإضافة إلى أن الجمع بينهما يولد الشقاق بين الأقارب، ويعكر صفو الأخوة والمودة، ويمزق ما بين الأرحام من صلات.
2 – الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، لما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها (1)».
قال النووي: هذا دليل لمذهب العلماء كافة، أنه يحرم الجميع بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها، سواء كانت عمة وخالة حقيقية – وهي أخت الأب، وأخت الأم – أو مجازية – وهي أخت أبي الأب، وأبي الجد وإن علا، أو أخت أم الأم وأم الجدة، من جهتي الأم والأب وإن علت، فكلهن بإجماع العلماء يحرم الجمع بينهما .
3 – زوجة الغير، وذلك رعاية لحق الزوج، لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} .
أي: وحرمت عليكم المحصنات من النساء، وهن ذوات الأزواج.
4 – معتدة الغير، وهي التي مات عنها زوجها، أو طلقها طلاقا بائنا، ولا تزال في عدتها، فهذه تحرم خطبتها إلا أن تكون تلميحا فقط، حرم التصريح بخطبتها مراعاة لحزنها وإحدادها ومواساة لشعور أهل الميت في الحالة الأولى؛ ولأن حق الزوج لا يزال متعلقا بها في الثانية، أما إذا كانت في عدة طلاق رجعي فلا يحل لأحد التصريح أو التلميح بخطبتها؛ لأنها لا تزال في ملك زوجها وعصمته، قال تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ}…
5 – الزانية: لقوله تعالى: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} النور / 3. وللحديث الذي رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: «أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكة، وكان بمكة بغي يقال لها: (عناق) وكانت صديقته، قال: جئت إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقلت: يا رسول الله، أنكح عناق؟؟ قال: فسكت عني، فنزلت، فدعاني فقرأها علي وقال: لا تنكحها ».
وللحديث الذي رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله ».
قال الشوكاني: هذا وصف خرج مخرج الغالب باعتبار من ظهر منه الزنا، وفيه دليل على أنه لا يحل للرجل أن يتزوج بمن ظهر منها الزنا، ويدل على ذلك الآية المذكورة في الكتاب الكريم؛ لأن آخرها: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} فإنه صريح في التحريم …
(6) المشركة: وهي كل امرأة تعبد الوثن، كالبوذية والهندوسية والمجوسية، أو هي على مذهب إلحادي كالشيوعية، أو مذهب إباحي كالوجودية؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ}
وقوله: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}
ففي الآية الأولى نهي عن نكاح المشركات، وفي الثانية نهي لمن أسلم وظلت زوجه على الشرك أن يبقيها في عصمته.
والكتابيات غير مشمولات بهذا النهي على الأرجح؛ لأن آية المائدة خصصت الكتابيات من هذا العموم، وهي قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} المائدة / 5.
ومما يؤكد ذلك أن سورة البقرة من أول ما نزل من القرآن، في حين أن سورة المائدة من آخر ما نزل…
– الزيادة على الأربع؛ لقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (النساء / 3).
ولما ثبت عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه أمر من أسلم وتحته أكثر من أربع بمفارقة ما زاد على الأربع:
أ – فعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – «أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم – أمسك أربعا، وفارق سائرهن».
2- اختيار ذات الدين
أن تكون ذات دين وخلق؛ لقوله تعالى: أ – {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات / 13).
ب – {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (النور / 32).
ج – {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} (النساء / 34).
د – {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} (النور / 26).
(ولما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من الأحاديث الثابتة التالية:
أ – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ».
ب – عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة ».
ج – عن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء، وأربع من الشقاء: الجار السوء، والمرأة السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيق ».
د – وعن ثوبان قال: «لما نزل في الفضة والذهب ما نزل، قالوا: فأي المال نتخذ؟ فقال – صلى الله عليه وسلم -: ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا، وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على أمر الآخرة».
3- اختيار الولود:
وذلك لما ورد في الكتاب الكريم والسنة المطهرة، من تحبيب بطلب الذرية الصالحة، وحث على التكاثر في النسل، بما يحقق الغرض الأسمى من الزواج، والمتمثل في استمرار النوع البشري، وإنجاب الذرية، ودوام عمارة الإنسان للأرض، التي هي من الغايات الأساسية التي خلقه الله من أجلها.
ففي القرآن الكريم:
أ – قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} الكهف / 46
ب – وقال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} آل عمران / 14.
ج – وحكى سبحانه على لسان زكريا – عليه السلام – أنه كان يتوجه إلى ربه بهذا الدعاء:
{رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} ( {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} مريم / 4 – 6.
د – وقال على لسان إبراهيم:
{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} إبراهيم / 40.
هـ – وذكر أن طلب الذرية الصالحة من أمنيات المؤمنين، بل هو صفة من صفاتهم.
{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} الفرقان / 74.
… وفي السنة المطهرة: عن معقل بن يسار قال: «جاء رجل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال: لا، ثم أتاه الثانية، فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم ».
وتعرف الولود بالنظر إلى حالها من كمال جسمها، وسلامة صحتها من الأمراض التي تمنع الحمل أو الولادة، وبالنظر إلى حال أمها، وقياسها على مثيلاتها من أخواتها وعماتها وخالاتها المتزوجات، فإن كن ممن عادتهن الحمل والولادة كانت – في غالب أمرها – مثلهن.
4- اختيار الودود:
تقبل على زوجها، فتحيطه بالمودة والحب والرعاية، وتحرص على طاعته ومرضاته، ليتحقق بها الهدف الأساسي من الزواج، وهو السكن.
قال تعالى في وصف الحور العين:
{فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} {عُرُبًا أَتْرَابًا}الواقعة / 36 – 37.
والعروب هي المرأة المتحببة إلى زوجها الودودة، وقد وردت أحاديث عديدة تؤكد على ضرورة مراعاة هذه الصفة في المرأة.
أ – فعن معقل بن يسار، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم»
ب – وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه سلم – يقول: «نساء قريش خير نساء ركبن الإبل: أحناه على طفل في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده »، وفي رواية: «خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش»، فقد وصفهن – صلى الله عليه وسلم – بالشفقة على أطفالهن، والرأفة بهم والعطف عليهم، وبأنهن يراعين حال أزواجهن، ويرفقن بهم ويخففن الكلف عنهم، فواحدتهن تحفظ مال زوجها وتصونه بالأمانة والبعد عن التبذير، وإذا افتقر كانت عونا له وسندا، لا عدوا وخصما.
ج – وعن أبي أذينة الصدفي أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «خير نسائكم الودود الولود، المواتية، المواسية، إذا اتقين الله».
د – وعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها، وهي لا تستغني عنه ».
هـ – والمرأة الودود تكون مطيعة لزوجها، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره.
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: «قيل لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -: أي النساء خير؟ قال: التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره ».
والودود هي المرأة التي يعهد منها التودد إلى زوجها، والتحبب إليه، وبذل ما بوسعها من أجل مرضاته؛ لذا تكون معروفة باعتدال المزاج، وهدوء الأعصاب، بعيدة عن الانحرافات النفسية والعصبية، تقدر على الحنو على ولدها، ورعاية حق زوجها. أما إذا لم تكن المرأة كذلك، كثر نشوزها، وترفعت على زوجها، وصعب قيادها لشراسة خلقها، مما يفسد الحياة الزوجية بل ويدمرها، بعد استحالة تحقق السكن النفسي والروحي للزواج بسببها.
5- اختيار البكر:
لتكون المحبة بينهما أقوى، والصلة أوثق، إذ البكر مجبولة على الأنس بأول أليف لها، وهذا يحمي الأسرة من كثير مما ينغص عليها عيشها، ويكدر صفوها، وبذا نفهم السر الإلهي في جعل نساء الجنة أبكارا، في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} (1) {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} {عُرُبًا أَتْرَابًا} (الواقعة / 35 – 37).
وقد وردت في الحث على انتقاء البكر أحاديث كثيرة، منها:
أ – «عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه، قال: تزوجت امرأة في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم، فلقيت النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا جابر، تزوجت؟ قلت: نعم، قال: بكرا أم ثيبا؟ قلت: ثيبا، قال: فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك »، وفي رواية لمسلم: قال: «فأين أنت من العذارى ولعابها؟»، وفي رواية للبخاري قال: «فهلا جارية تلاعبك؟ قلت: يا رسول الله، إن أبي قتل يوم أحد، وترك تسع بنات، كن لي تسع أخوات، فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن، ولكن امرأة تمشطهن وتقوم عليهن، قال: أصبت ».
ب – عن عبد الرحمن بن سالم بن عتبة عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بالأبكار؛ فإنهن أعذب أفواها، وأنتق أرحاما، وأرضى باليسير ».
ج – «وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قلت يا رسول الله، أرأيت لو نزلت واديا فيه شجر قد أكل منها، ووجدت شجرا لم يؤكل منها، في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال: في التي لم يرتع منها، يعني: أن النبي لم يتزوج بكرا غيرها ».
وروى مسلم (4/ 128) في النكاح، عن علقمة قال: كنت أمشي مع عبد الله بن مسعود بمنى، فلقيه عثمان، فقام معه يحدثه، فقال له عثمان: يا أبا عبد الرحمن، ألا نزوجك جارية شابة لعلها تذكرك ببعض ما مضى من زمانك؟؟)، قال النووي في (شرح مسلم / 9/ 174): فيه استحباب نكاح الشابة؛ لأنها المحصلة لمقاصد النكاح، فإنها ألذ استمتاعا، وأطيب نكهة، وأرغب في الاستمتاع، الذي هو مقصود النكاح، وأحسن عشرة، وأفكه محادثة، وأجمل منظرا، وألين ملسمسا، وأقرب إلى أن يعودها زوجها الأخلاق التي يرتضيها.
ومن المعلوم أن في زواج البكر من الألفة التامة، لما جبلت عليه من الأنس بأول إنسان تكون في عصمته، بخلاف الثيب التي قد تظل متعلقة القلب بالزوج الأول؛ فلا تكون محبتها كاملة، ولا مودتها صادقة، مما يدفعها أحيانا إلى النفور من الأخير، أو الفتور في معاملته.
وقد ذكرت الأحاديث التي سقناها مجموعة من الصفات التي تتميز بها البكر، منها:
1 – كثرة ملاطفتها لزوجها، وملاعبتها له، ومرحها معه.
2 – عذوبة ريقها، وطيب فمها، بما يحقق لزوجها متعة عظيمة حين معاشرتها، كما أن عذوبة الأفواه تفيد حسن كلامها، وقلة بذائها وفحشها مع زوجها، وذلك لكثرة حيائها؛ لأنها لم تخالط زوجا قبله.
3 – كونها ولودا، حيث لم يسبق لها الحمل والولادة.
4 – رضاها باليسير، من الجماع والمال والمؤنة ونحو ذلك؛ لكونها – بسبب حداثة سنها – أقل طمعا، وأسرع قناعة؛ فلا ترهق زوجها ما لا يطيق لكثرة مطالبها.
5 – كونها أقل خبا، أي مكرا وخداعا، لما جبلت عليه من براءة القصد، وسذاجة الفكر. فهي – في الغالب – غفل لا تزال على فطرتها، لا تعرف حيلة، ولا تحسن مكرا.
ومع كل، فإنه يجوز للرجل اختيار الثيب إذا توفر لديه من الأسباب ما يدعوه إلى ذلك، قال صاحب عون المعبود في التعليق على حديث جابر: ” وفيه دليل على استحباب نكاح الأبكار، إلا المقتضي لنكاح الثيب، كما وقع لجابر، مات أبوه وترك له تسع أخوات يتيمات، يحتجن منه إلى رعاية وعطف وخدمة، فكان من الموائم له أن يتزوج ثيبا، تقوم على أمرهن، وتعنى بشأنهن “. (عون المعبود 6/ 44).
6- اختيار الجميلة:
أن تكون جميلة، حسنة الوجه؛ لتحصل بها للزوج العفة، ويتم الإحسان، وتسعد النفس، ومن هنا كانت نساء الجنة اللاتي جعلهن الله تعالى جزاء للمؤمنين المتقين من الحور العين، قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} {يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ} {كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} (الدخان / 51 – 54).
وقال عنهن القرآن في آية أخرى:
{وَحُورٌ عِينٌ} {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} (الواقعة / 22 – 23).
والحور: جمع حوراء، وهي البيضاء، قال مجاهد: سميت الحوراء حوراء لأنه يحار الطرف في حسنها، وقيل: هي من حور العين: وهي شدة بياضها في شدة سوادها، وقال أبو عمرو بن العلاء: الحور أن تسود العين كلها، مثل أعين الظباء والبقر، وليس في بني آدم حور، وإنما قيل للنساء حور؛ لأنهن شبهن بالظباء والبقر، أما العين: فجمع عيناء، وهي الواسعة العين. واللؤلؤ المكنون الذي شبهن به في الآية الثانية، هو اللؤلؤ المصون الذي لم يتعرض للمس والنظر، فلم تثقفه يد، ولم تخدشه عين
وقد أشارت بعض الأحاديث النبوية الشريفة إلى اعتبار عنصر الجمال في المرأة عند الاختيار:
أ – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: «قيل لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -: أي النساء خير؟ قال: خير النساء التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره».
ب – وعن أبي هريرة أيضا، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ».
ج – وعنه أيضا، «قال: كنت عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئا ».
قال صاحب عون المعبود: (يؤخذ من الأحاديث استحباب تزوج الجميلة، إلا إذا كانت الجميلة غير دينة، والتي أدنى منها جمالا متدينة، فتقدم ذات الدين، إما تساوتا في الدين فالجميلة أولى.
وفي ذلك يروى عن أكثم بن صيفي أنه قال لبنيه: (يا بني، لا يغلبنكم جمال النساء على صراحة النسب، فإن المناكح الكريمة مدرجة للشرف)
فالجمال بالنسبة للمرأة ما لم يكن محصنا بالنشأة الدينية، والتربية القويمة، والأصل العريق، قد يصبح وبالا عليها، إذ يغري الفساق بالطمع فيها، ويهون عليها التفريط بشرفها، مما يؤدي بها إلى التردي في هوة الفاحشة دون مبالاة بما يعود على الأسرة من دمار، وما يلوث سمعتها من عار وشنار.
7- اختيار الحسيبة:
أن تكون حسيبة، كريمة العنصر، طيبة الأرومة، ومن حرائر النساء؛ لأن الغالب فيمن اتصفت بذلك، أن تكون حميدة الطباع، ودودة للزوج، رحيمة بالولد، حريصة على صلاح الأسرة وصيانة شرف البيت، وفي كل الأحوال، فإن أصالة الشرف، وحسن المنبت، ونبل الأرومة، أمر مرغوب ومطلب محمود.
أ – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ». . . .
ب – وعنه أيضا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش: أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده ». .
ج -وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر (3)»
د – وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «تخيروا لنطفكم، وانكحوا الأكفاء »، والحسب هو الشرف بالآباء والأقارب، مأخوذ من الحساب؛ لأنهم كانوا إذا تفاخروا، عددوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها، فيحكم لمن زاد عدده على غيره، ويؤخذ من الأحاديث المذكورة أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج بذات حسب ونسب مثله، إلا أن تعارض نسيبة غير دينة، وغير نسيبة دينة، فتقدم ذات الدين، وهكذا في كل الصفات، وقد مر قول أكثم بن صيفي: (فإن المناكح الكريمة مدرجة للشرف).
وبدهي أن الرجل إذا تزوج المرأة الحسيبة المنحدرة من أصل كريم، أنجبت له أولادا مفطورين على معالي الأمور، متطبعين بعادات أصيلة وأخلاق قويمة؛ لأنهم سيرضعون منها لبان المكارم، ويكتسبون خصال الخير.
أما أهل الدنيا فإنهم يجعلون المال حسبهم الذي يسعون إليه، ففضائلهم التي يرغبون فيها، ويميلون إليها، ويعتمدون عليها في النكاح وغيره المال، لا يعرفون شرفا آخر مساويا له، بل مدانيا إياه، فصاحب المال فيهم عزيز كيفما كان، والمقل عندهم وضيع ولو كان ذا نسب رفيع.
هـ – فعن أبي بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليه المال».
والحق الذي ينبغي أن يصار إليه، أن حسب المرء لا يكون بكثرة ماله ووفرة رعائه، بل بنبالة أصله، وشرف محتده.
8- اختيار السليمة من العيب:
أن تكون سليمة من العيوب المنفرة والأمراض السارية، والعلل المعدية.
أ – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا يوردن ممرض على مصح ».
– وعنه أيضا قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «فر من المجذوم كما تفر من الأسد ».
ج – وعن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا ضرر ولا ضرار ».
وقد ذكر العلماء عددا من العيوب التي يفسخ بها الزواج، كالجب، والعنة، والجنون والبرص، والجذام، والقرن – انسداد الفرج، والفتق – انخراق مابين السبيلين، والنتن – في الفرج والفم.
قال ابن القيم – رحمه الله -: ” إن كل عيب ينفر أحد الزوجين من الآخر، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار، أما الاقتصار على عيبين أو ستة أو سبعة أو ثمانية، دون ما هو أولى منها، أو مساو لها، فلا وجه له، فالعمى والخرس والطرش وكونها مقطوعة اليدين أو الرجلين أو إحداهما، ومن أعظم المنفرات، والسكوت عنه من أقبح التدليس والغش، وهو مناف للدين، والإطلاق إنما ينصرف إلى السلامة، فهو كالمشروع عرفا) .
د – وروي عن عمر – رضي الله عنه – أنه قال: أيما امرأة غر بها رجل، بها جنون أو جذام أو برص، فلها المهر بما أصاب منها، وصداق الرجل على من غره).
وعن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أنه قال: ” أيما امرأة نكحت، وبها برص أو جذام أو جنون أو قرن، فزوجها بالخيار ما لم يمسها، إن شاء أمسك، وإن شاء طلق، وإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها “.
قال مالك: (وإنما يكون ذلك غرما على وليها لزوجها، إذا كان وليها الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها، أما إذا كان وليها الذي أنكحها ابن عم أو ابن العشيرة ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها؛ فليس عليه غرم، وترد تلك المرأة ما أخذته من صداقها، ويترك لها قدر ما تستحل به)
9- اختيار العفيفة المحتشمة:
أن تكون عفيفة محتشمة، ذات أخلاق فاضلة، لا يعرف عنها سفور أو تبرج، بحيث يحجزها حياؤها عن إبراز مفاتن جسدها أمام كل ناظر:
أ – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس – إشارة إلى الحكام الظلمة – ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة. ولا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا ».
– عن أبي أذينة الصدفي – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «شر نسائكم المترجات المتخيلات، وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم ».
ج – وعن ابن عباس – رضي الله عنه – قال: «جاء رجل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقال: (إن عندي امرأة هي من أحب الناس إلي، وهي لا ترد يد لامس، قال: طلقها، قال: لا أصبر عنها، قال: استمتع بها »
ومن مظاهر حشمة المرأة وصونها وعدم ابتذالها:
1 – عدم إكثارها الخروج من بيتها، وتجوالها بين الرجال في الأسواق ومجامع الطرق، فعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان »، واستشرفها: أي تعرض لها واطلع عليها ينظر إليها يحاول غوايتها.
2 – عدم اعتراضها الرجال مستعطرة، فعن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – «إن المرأة إذا استعطرت فمرت على القوم ليجدوا ريحها، فهي كذا وكذا، يعني زانية »
3 – أن لا تتشبه بالرجال في لبسها أو حركتها؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: «لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الرجل الذي يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل »، وعن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال: «لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال، وقال: أخرجوهم من بيوتكم، فأخرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلانة، وأخرج عمر فلانا »
4 – أن لا تكون ممن يلبس ثياب شهرة: فعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من لبس ثوب شهرة ألبسه الله إياه يوم القيامة، ثم ألهب فيه النار، ومن تشبه بقوم فهو منهم ».
5 – أن لا تكون ممن يتزين بالوشم أو الوصل أو تفليج الأسنان:
عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما -: «أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لعن الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة»، «وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يلعن المتنمصات والمتفلجات، والمستوشمات، اللاتي يغيرن خلق الله تعالى »
10- اجتناب الغيراء:
وسبق نقله في شرح الحديث.
11- اجتناب مخطوبة الغير:
أن لا تكون مخطوبة غيره: فقد نهى الشارع الحكيم أن يخطب الرجل على خطبة أخيه؛ لما في ذلك من توريث العداوات، إثارة الإحن، وتأجيج الأحقاد بين الناس:
أ – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا ».
ب – وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: «نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، حتى يترك الخاطب قبله، أو يأذن له ».
ج – وعنه أيضا، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه، ولا يبع على بيع أخيه إلا بإذن ».
د – وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك ».
قال الإمام مالك: (وتفسير قوله: «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه »: أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه، ويتفقان على صداق واحد معلوم، وقد تراضيا، فهي تشترط عليه لنفسها، فتلك التي نهى أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه، ولم يعن بذلك إذا خطب الرجل المرأة، فلم يوافقها أمره ولم تركن إليه أن لا يخطبها أحد).
وقد استدل بعض الفقهاء على أن تحريم خطبة الرجل على خطبة أخيه مشروط بحصول التراضي مع الأول وتسمية المهر، «بحديث فاطمة بنت قيس، حيث قالت: فلما حللت – من العدة – ذكرت له – لرسول الله – أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية صعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد، فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة، فنكحته»، وحجتهم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم ينكر خطبة بعضهم على بعض، بل خطبها لأسامة.
أما إذا خطب الأول وأجيب طلبه، فقد أجمع الفقهاء على تحريم الخطبة على خطبته، فإذا خطب الثاني ولم يدخل وجب فسخ الخطبة، فإن دخل بها صح زواجه، وكان آثما.
أما إذا كان الأول فاسقا، فقد أجاز بعض الفقهاء خطبة الرجل على خطبته، وقالوا: لا تحرم، ولو ركنت إليه؛ لأن درء المفسدة المترتبة على وقوعها في عصمة الفاسق مقدم على المنفعة المتوقعة من زواجها به، ونقل الحافظ في الفتح (9/ 200) عن ابن القاسم صاحب مالك قوله: إن الخاطب الأول إذا كان فاسقا جاز للعفيف أن يخطب على خطبته، ثم قال الحافظ – رحمه الله -: وهو متجه فيما إذا كانت المخطوبة عفيفة، فيكون الفاسق غير كفء لها؛ فتكون خطبته كلا خطبة، وقال: وقد رجح قول ابن القاسم ابن العربي، أما الجمهور لم يعتبروا ذلك إذا صدرت منها علامة القبول، بل وأطلق بعضهم الإجماع على خلافه.
12- اختيار خفيفة المهر:
أن تكون يسيرة المهر: فقد فرض الشارع المهر للزوجة منحة تقدير تحفظ عليها حياءها وخفرها، وتعبيرا عن إكرام الزوج لها ورغبته فيها، إلا أنه – من جانب آخر – حث على يسره وخفته.
أ – عن عقبة بن عامر – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «خير النكاح أيسره ».
ب – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: «جاء رجل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم -: هل نظرت إليها؟ فإن في أعين الأنصار شيئا، قال: قد نظرت إليها، قال: على كم تزوجتها؟ قال على أربع أواق، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم – ” على أربع أواق. كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه». . . .
ج – عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «أن من يمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها ». قال عروة: يعني تيسير رحمها للولادة.
د – عن سهل بن سعد الساعدي – رضي الله عنه – قال: «جاءت امرأة إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، جئت أهب نفسي لك، فنظر إليها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فصعد النظر فيها وصوبه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله، إن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال: فهل عندك من شيء؟ فقال: لا والله يا رسول الله، فقال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا؟ فذهب ثم رجع فقال: لا والله ما وجدت شيئا، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: انظر ولو خاتما من حديد، فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد، ولكن هذا إزاري فلها نصفه، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء، فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – موليا، فأمر به فدعي، فلما جاء قال: ماذا معك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا، قال: تقرؤهن عن ظهر قلبك؟ قال: نعم، قال: اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن».
هـ – عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – «أن النبي – صلى الله عليه وسلم – رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، فقال: ما هذا؟ قال: يا رسول الله إني تزوجت امرأة من الأنصار، قال: كم سقت إليها؟ قال: زنة نواة من ذهب، قال: بارك الله لك، أولم ولو بشاة»، وفي رواية البيهقي: (على وزن نواة من ذهب، قومت خمسة دراهم).
وعن أبي العجفاء السلمي قال: خطبنا عمر يوما، فقال: ألا لا تغالوا في صدقات النساء، فإن ذلك لو كان مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله، كان أولاكم بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية).
ز – عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: «سألت عائشة – رضي الله عنها -: كم كان صداق رسول الله – صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشا، قالت: أتدري ما النش؟ قلت: لا، قالت: نصف أوقية، فذلك خمسمائة درهم ».
ح – عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال: «لما تزوج علي بفاطمة – رضي الله عنهما – وأراد أن يدخل بها، قال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ” أعطها شيئا ” قال: ما عندي شيء، قال: ” أين درعك الحطمية؟ ” فأعطاها درعه ».
قال ابن القيم في (زاد المعاد 5/ 178): (تضمنت الأحاديث أن الصداق لا يتقدر أقله، وأن المغالاة في المهر مكروهة في النكاح، وأنها من قلة بركته وعسره، وأن المرأة إذا رضيت بعلم الزوج وحفظه للقرآن أو بعضه مهرها جاز ذلك، بل إن رضيت بالعلم والدين وإسلام الزوج وقراءته القرآن، كان من أفضل المهور وأنفعها وأجلها.
وقال بعضهم: لا يكون الصداق إلا مالا، ولا يكون منافع أخرى، ثم جعلوا لأقله حدا، فقال أبو حنيفة، لا يكون أقل من عشرة دراهم، وقال مالك: لا يكون أقل من ربع دينار (أو ثلاثة دراهم)، وهي أقوال لا دليل عليها من كتاب ولا سنة ولا قياس ولا قول صاحب، وقد زوج سعيد بن المسيب ابنته على درهمين، وتزوج ابن عوف على خمسة دراهم، وأقره النبي – صلى الله عليه وسلم، ولا سبيل إلى إثبات المقادير إلا من جهة صاحب الشرع).
ونقل الحافظ ابن حجر في (الفتح 9/ 209) قول ابن المنذر تعليقا على حديث: «التمس ولو خاتما من حديد » فيه رد على من زعم أن أقل المهر عشرة دراهم، وكذا من قال: ربع دينار، قال: لأن خاتما من حديد لا يساوي ذلك) ثم نقل رحمه الله قول ابن العربي من المالكية: (لا شك أن خاتم الحديد لا يساوي ربع دينار) (الفتح 9/ 211).
أما ما يروى من قصة المرأة التي ردت على عمر بن الخطاب، حين دعا إلى عدم التغالي في المهور، بقوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}
ونصها: (عن مجالد بن سعيد عن الشعبي قال: خطب عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ألا لا تغالوا في صدق النساء؛ فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أو سيق إليه، إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال، ثم نزل فعرضت له امرأة من قريش، فقالت: يا أمير المؤمنين، كتاب الله أحق أن يتبع أو قولك؟ قال: بل كتاب الله عز وجل، فما ذلك؟ قالت: نهيت الناس آنفا أن يغالوا في صدق النساء، والله عز وجل يقول:
{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}
فقال عمر: كل أحد أفقه من عمر – مرتين أو ثلاثا – ثم رجع إلى المنبر، فقال للناس: إني نهيتكم أن تغالوا في صدق النساء، ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له). فهذه القصة غير ثابتة عن عمر – رضي الله عنه؛ لأن في سندها علتين: الأولى: الانقطاع؛ لأن الشعبي لم يدرك عمر، حيث ولد لست خلون من خلافته.
والثانية: الضعف، من أجل مجالد بن سعيد، إذ ضعفه البخاري والنسائي والدارقطني وابن عدي وابن معين والحافظ في (التقريب)، هذا بالإضافة إلى نكارة المتن: إذ تخالف ما صح عن عمر من أنه نهى عن المغالاة في المهور – كما ذكرنا في ” و ” – أولا؛ ولمخالفتها ما صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في الحث على عدم المغالاة فيها، وأمره بتيسير الصداق ثانيا؛ ولمخالفتها معنى الآية التي استشهدت بها المرأة، قال القرطبي: (لا تعطي الآية جواز المغالاة؛ لأن التمثيل بالقنطار إنما هو على جهة المبالغة، كأنه قال: وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد، وهذا كقوله – صلى الله عليه وسلم -: «من بنى لله مسجدا، ولو كمفحص قطاة» ومعلوم أنه لا يكون مسجد كمفحص قطاة) ونقل أبو حيان عن الفخر الرازي قوله: (لا دلالة فيها على المغالاة؛ لأن قوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ} لا يدل على جواز إيتاء القنطار، ولا يلزم من جعل الشيء شرطا لشيء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع، كقوله – صلى الله عليه وسلم -: «من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين »
قال ابن تيمية في (الفتاوى 32/ 194): (والمستحب في الصداق مع القدرة واليسار أن يكون جميع عاجله وآجله لا يزيد على مهر أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا بناته، وكان ما بين أربعمائة إلى خمسمائة بالدراهم الخالصة، فهذه سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم، من فعل ذلك فقد استن بسنة رسول الله في الصداق، قال أبو هريرة – رضي الله عنه -: «كان صداقنا – إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم – عشر أواق، وطبق بيديه »، فذلك أربعمائة درهم، رواه أحمد في مسنده، وهذا لفظ أبي داود في سننه، فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة، وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة، فهو أحمق جاهل، وكذلك صداق أمهات المؤمنين، هذا مع القدرة واليسار، فأما الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إلا ما يقدر على وفائه من غير مشقة. والأولى تعجيل الصداق كله للمرأة قبل الدخول إذا أمكن، فإن قدم البعض وأخر البعض فهو جائز، وقد كان السلف الصالح الطيب يرخصون الصداق، والذي نقل عن بعض السلف من تكثير صداق النساء فإنما كان ذلك؛ لأن المال اتسع عليهم، وكانوا يعجلون الصداق كله قبل الدخول، لم يكونوا يؤخرون منه شيئا، ومن كان له يسار ووجد فأحب أن يعطي امرأته صداقا كثيرا فلا بأس بذلك، كما قال تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}
وقال أيضا: (ويكره لرجل أن يصدق المرأة صداقا يضر به أن ينقده، ويعجز عن وفائه إن كان دينا، وما يفعله بعض أهل الجفاء والخيلاء والرياء من تكثير المهر للرياء والفخر، هم لا يقصدون أخذه من الزوج، وهو ينوي أن لا يعطيهم إياه، فهذا منكر قبيح، مخالف للسنة، خارج عن الشريعة).
ويقول الإمام الشوكاني تعليقا على حديث عائشة: «إن أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة» في (نيل الأوطار 6/ 313): (فيه دليل على أفضلية النكاح مع قلة المهر، وأن الزواج بمهر قليل مندوب إليه؛ لأن المهر إذا كان قليلا، لم يستصعب النكاح من يريده؛ فيكثر الزواج المرغب فيه، ويقدر عليه الفقراء، ويكثر النسل الذي هو أهم مطالب النكاح، بخلاف ما إذا كان المهر كثيرا، فإنه لا يتمكن منه إلا أرباب الأموال، فيكون الفقراء الذين هم الأكثر في الغالب غير مزوجين، فلا تحصل المكاثرة التي أرشد إليها النبي – صلى الله عليه وسلم).
وقال الصنعاني في (سبل السلام 3/ 113): (أنه لا بد من الصداق في النكاح، وأنه يصح أن يكون شيئا يسيرا، فإن قوله: «ولو خاتما من حديد» مبالغة في تقليله؛ فيصح بكل ما تراضى عليه الزوجان، أو من إليه ولاية العقد مما فيه منفعة، وأنه ينبغي ذكر الصداق في العقد؛ لأنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأة، فلو عقد بغير ذكر صداق صح ووجب لها مهر المثل بالدخول، وأنه يستحب تعجيل المهر، ويصح أن يكون منفعة كالتعليم، فإنه منفعة ويقاس عليه غيره، ويدل عليه قصة موسى مع شعيب، وقوله: بما معك من القرآن يحتمل وجهين: أظهرهما أن يعلمها ما معه من القرآن ويكون ذلك صداقا، ويؤيده قوله في بعض طرقه الصحيحة: ” فعلمها من القرآن ” ويحتمل أن الباء للتعليل، وأنه زوجه بها بغير صداق إكراما له؛ لكونه حافظا لبعض القرآن).
وقد اعتمد بعض الفقهاء في جعلهم عشرة دراهم حدا أدنى للمهر على حديث جابر: (لا مهر أقل من عشرة دراهم)، إلا أن هذا الحديث لم يصح، فقد أخرجه الدارقطني في سننه (3/ 244) وقال: فيه مبشر بن عبيد، متروك الحديث، أحاديثه لا يتابع عليها، كما أخرجه البيهقي من طريقه (7/ 240)، ثم ذكر قول أبي علي الحافظ: فيه مبشر بن عبيد، وقد أجمعوا على تركه، وكان أحمد بن حنبل يرميه بوضع الحديث، وذكره الشوكاني في (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة) برقم / 343؛ ونقل قول أحمد: مبشر كذاب، يضع الحديث، وقال الشوكاني في (نيل الأوطار 6/ 311): (لو صح لكان معارضا لما تقدم من الأحاديث الدالة على أنه يصح أن يكون المهر دونها، ولكنه لم يصح، فإن في إسناده: مبشر بن عبيد وحجاج بن أرطأة، وهما ضعيفان، وقد اشتهر حجاج بالتدليس، ومبشر متروك، وقد روى الحديث البيهقي من طريق آخر، وفي إسناده داود بن زيد الأودي وهو ضعيف بلا خلاف، وثالثة فيها أبو خالد الواسطي، فهذه طرق ضعيفة لا تقوم بها حجة).
13- رضا المخطوبة:
أن تكون راضية بالزواج ممن تقدم لخطبتها: فينبغي على ولي البنت أخذ رأيها فيمن رغب فيها، فلا يرغمها على الزواج من رجل لا ترغب فيه، ذلك أن الزواج عقد الحياة؛ فيجب أن تتوافر فيه الإرادة الكاملة، والرضا التام، فلا إكراه لأحد الطرفين على الاقتران بطرف لا يرغب فيه، أما إذا كانت المرأة تحب الراغب في نكاحها وتميل إليه، فالأولى تزويجها منه، إذا كان لها كفؤا، وذلك للأحاديث التالية:
أ – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت».
ب – عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها ».
ج – «عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قلت: يا رسول الله، تستأمر النساء في أبضاعهن؟ قال: نعم، قلت: البكر تستأمر فتستحي فتسكت، قال: سكاتها إذنها ».
د – «عن خنساء بنت خذام الأنصارية (أن أباها زوجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فرد نكاحه ».
هـ – عن القاسم بن محمد «أن امرأة من ولد جعفر تخوفت أن يزوجها وليها وهي كارهة، فأرسلت إلى شيخين من الأنصار – عبد الرحمن ومجمع ابني جارية – فقالا: فلا تخشين، فإن خنساء بنت خذام أنكحها أبوها وهي كارهة، فرد النبي – صلى الله عليه وسلم – نكاحها ».
والأيم باتفاق أهل اللغة تطلق على امرأة لا زوج لها، صغيرة كانت أو كبيرة، بكرا كانت أو ثيبا، وقال الفقهاء كافة: المراد الثيب، واستدلوا أنه جاء في الرواية الثانية للحديث بلفظ الثيب، وبأنها جعلت مقابلة للبكر، وبأن أكثر استعمالها في اللغة للثيب (5)، والاستئمار: طلب الأمر من قبلها وأمرها لا يكون إلا بنطق، أما الاستئذان: فهو طلب الإذن، وقد يعلم إذنها بسكوتها؛ لأن السكوت من علامات الرضا
14- موافقة الولي:
موافقة وليها على زواجها، وذلك للأدلة التالية:
أ – قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (النور / 32).
ب – وقوله:
{وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} (البقرة / 221).
فمدلول الآتين أن المرأة لا تنكح نفسها إلا بولي؛ لأن الخطاب فيهما موجه إلى الأولياء، ويشمل ذلك كلا من القاصرة والبالغة على السواء.
ج – عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «لا نكاح إلا بولي ».
د – عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له »
هـ – وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها».
و «وعن معقل بن يسار – رضي الله عنه – قال: كانت لي أخت تخطب إلي، فأتاني ابن عم لي، فأنكحتها إياه، ثم طلقها طلاقا له رجعة، ثم تركها حتى انقضت عدتها، فلما خطبت إلي أتاني يخطبها، فقلت له: والله، لا أنكحتها أبدا، قال: ففي نزلت هذه الآية: فكفرت عن يميني، وأنكحتها إياه».
وجمهور أهل العلم على أنه لا يصح العقد بدون ولي للأدلة المذكورة، وممن قال بوجوب الولي: علي وعمر، وابن مسعود وابن عمر، وابن أبي ليلى والعترة، وأحمد وإسحاق والشافعي. ونقل عن ابن المنذر أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يشترط الولي أصلا، ويجوز للمرأة أن تزوج نفسها ولو بغير إذن وليها إذا تزوجت كفئا، واحتج بالقياس على البيع؛ فإنها تستقل به، وبحديث «الثيب أحق بنفسها من وليها »، وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الولي على الصغيرة، وخص بهذا القياس عمومها
أما حديث «الثيب أحق بنفسها من وليها » فلا حجة لهم فيه؛ لأن معناه كما قال النووي في (شرح مسلم 9/ 204): (أن لها في نفسها حقا، ولوليها حقا، وحقها أوكد من حقه، فإنه لو أراد تزويجها كفئا وامتنعت لم تجبر)، ونقل صاحب عون المعبود (6/ 101) عن ابن الجوزي قوله: (إنه أثبت لها حقا، وجعلها أحق؛ لأنه لا يجوز للولي أن يزوجها إلا بإذنها)، وقال الصنعاني في (سبل السلام 3/ 119): (أحقيته الولاية، وأحقيتها رضاها، فحقها آكد من حقه، لتوقف حقه على إذنها)
قال صاحب عون المعبود (6/ 101): (والحق أن النكاح بغير الولي باطل كما يدل عليه الحديث).
وقال ابن تيمية في (الفتاوى 32/ 21): (جمهور العلماء يقولون: النكاح بغير ولي باطل، يعزرون من يفعل ذلك اقتداء بعمر بن الخطاب – رضي الله عنه، وهذا مذهب الشافعي، بل طائفة: منهم يقيمون الحد في ذلك بالرجم وغيره)، وقال أيضا (32/ 131): (دل القرآن في غير موضع، والسنة في غير موضع، وهو عادة الصحابة، إنما كان يزوج النساء الرجال، لا يعرف عن امرأة تزوج نفسها، وهذا مما يفرق فيه بين النكاح ومتخذات أخدان؛ ولهذا قالت عائشة: ” لا تزوج المرأة نفسها؛ فإن البغي هي التي تزوج نفسها “)…
15- عدم اشتراط شرط منهي عنه:
ألا تشترط على خاطبها طلاق زوجته الأولى إذا كان متزوجا؛ وذلك لقوله – صلى الله عليه وسلم -:
أ – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال «لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها، لتستفرغ ما في صحفتها، فإنما لها ما قدر لها ».
ب – وعنه أيضا، قال «نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في صحفتها ».
ج – وعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا يحل أن تنكح امرأة بطلاق أخرى».
قال النووي في (شرح مسلم 9/ 193): (ومعنى هذا الحديث نهي المرأة الأجنبية أن تسأل طلاق زوجته، وأن ينكحها ويصير لها من نفقته ومعروفه ومعاشرته ونحوها ما كان للمطلقة، فعبر عن ذلك بانكفاء ما في الصحفة مجازا، قال الكسائي: أكفأت الإناء كببته، وكفأته وأكفأته أملته، والمراد بأختها غيرها، سواء كانت أختها من النسب، أو أختها في الإسلام، أو كافرة).
ونقل الحافظ في (الفتح (9/ 220) عن ابن عبد البر قوله: ” الأخت الضرة، وفيه من الفقه أنه لا ينبغي أن تسأل المرأة زوجها أن يطلق ضرتها لتنفرد به “.
وقال الشوكاني في (النيل 6/ 143): ومن الشروط التي تنافي مقتضى العقد أن تشترط عليه أن لا يقسم لضرتها أو ينفق عليها، أو يطلق من كانت تحته، فلا يجب الوفاء بشيء من ذلك.
أما غير ذلك من الشروط فلا ضير فيه، ما دام لا يحرم حلالا، ولا يحل حراما؛ لما رواه عقبة بن عامر أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إن أحق الشروط أن توفوا بها، ما استحللتم به الفروج».
قال ابن القيم في (الزاد 5/ 106): (تضمن هذا الحكم وجوب الوفاء بالشروط التي شرطت في العقد، إذا لم تتضمن تغييرا لحكم الله ورسوله، وقد اتفق على وجوب الوفاء بتعجيل المهر أو تأجيله، وعلى عدم الوفاء باشتراط ترك الوطء والإنفاق والخلو من المهر ونحو ذلك، واختلفت في شرط الإقامة في بلد الزوجة، وشرط دار الزوجة، ولا يتزوج عليها) وقال: (وتضمن حكمه – صلى الله عليه وسلم – بطلان اشتراط المرأة طلاق أختها، وأنه لا يجب الوفاء به، فإن قيل: فما الفرق بين هذا وبين اشتراطها أن لا يتزوج عليها حتى صححتم هذا، وأبطلتم شرط طلاق الضرة؟ قيل: الفرق بينهما أن في اشتراط طلاق الزوجة من الإضرار بها، وكسر قلبها، وخراب بيتها، وشماتة أعدائها ما ليس في اشتراط عدم نكاحها ونكاح غيرها، وقد فرق النص بينهما، فقياس أحدهما على الآخر فاسد).
16- النظر إليها:
أن يراها الخاطب وينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها، فيتعرف على جمالها الذي يشده إلى الاقتران بها، أو قبحها الذي قد يصرفه عنها إلى غيرها، فلربما تزوجها دون أن ينظر إليها فوجدها خلاف ما وصفت له؛ فيصاب بخيبة أمل وانقطاع رجاء، فتسوء الحال بينهما، ويحل الخصام محل الوئام، ويكون الفشل والفرقة خاتمة ما بينهما، وهكذا شأن المسلم دوما لا يقدم على أمر حتى يكون على بصيرة منه:
أ – «عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل، قال: فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها، فتزوجتها».
ب – «عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: كنت عند رسول الله، فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئا ».
ج – «عن المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – أنه خطب امرأة، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما قال: فأتيتها وعندها أبواها، وهي في خدرها، فقلت: إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمرني أن أنظر إليها، قال: فسكتا، قال: فرفعت الجارية جانب الخدر، فقالت: أحرج عليك، إن كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمرك أن تنظر لما نظرت، وإن كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يأمرك أن تنظر فلا تنظر، قال: فنظرت إليها، ثم تزوجتها، فما وقعت عندي امرأة بمنزلتها، ولقد تزوجت سبعين أو بضعا وسبعين امرأة ».
د – عن أبي حميد قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إذا خطب أحدكم امرأة، فلا جناح عليه أن ينظر إليها، إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته، وإن كانت لا تعلم ».
هـ – «عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
أريتك في المنام ثلاث ليال، جاءني بك الملك في سرقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك، فأكشف عن وجهك، فإذا أنت هي، فأقول: إن يك من عند الله يمضه ».
و «قال سهل بن أبي حثمة: رأيت محمد بن مسلمة يطارد بثينة بنت الضحاك فوق إجار لها ببصره طردا شديدا، فقلت: أتفعل هذا وأنت من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: إني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: إذا ألقي في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها ».
ز – عن أنس – رضي الله عنه – «أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أراد أن يتزوج امرأة، فبعث بامرأة تنظر إليها، فقال: ” شمي عوراضها، وانظري إلى عرقوبها “، قال: فجاءت إليهم، فقالوا: ألا نغديك يا أم فلان؟ فقالت: لا آكل إلا من طعام جاءت به فلانة، قال: فصعدت في رف لهم، فنظرت إلى عرقوبها، ثم قالت: قبليني يا بنية، قالت: فجعلت تقبلها، وهي تشم عارضها، قال: فجاءت فأخبرت النبي – صلى الله عليه وسلم» -، والعوارض: الأسنان التي في عرض الفم، لاختبار رائحة النكهة.
نستخلص من استعراض هذه الطائفة من الأحاديث النبوية الشريفة الآتي:
1 – من المندوب أن ينظر الخاطب إلى المرأة التي يرغب في الزواج منها؛ ليكون على معرفة بصفات من تكون شريكة عمره، وهذا أدعى لقيام الألفة والمحبة بينهما.
2 – ومن الأفضل تقديم النظر على الخطبة، فإن لم تعجبه، وكره منها أمرا، تركها إلى غيرها، ومن غير إيذاء لخفرها وخدش لسمعتها.
3 – يجوز للناظر أن ينظر من مخطوبته ما يدعوه إلى نكاحها، وهذا يعني أكثر من الوجه والكفين، كالنظر إلى الساق والعنق والساعد والشعر، قال الحافظ في (الفتح 9/ 182): (قال الجمهور: لا بأس أن ينظر الخاطب إلى المخطوبة، ولا ينظر إلى غير وجهها وكفيها، وقال الأوزاعي: يجتهد وينظر إلى ما يريد منها إلا العورة، وقال ابن حزم: ينظر إلى ما أقبل منها وما أدبر، ولأحمد ثلاث روايات: الأولى كالجمهور، والثانية: ينظر إلى ما يظهر غالبا – وهو ما نرجحه ونميل إليه، والثالثة: ينظر إليها متجردة).
وقال الصنعاني في (سبل السلام 3/ 111): والحديث مطلق، فينظر إلى ما يحصل له المقصود بالنظر إليه، ويدل على فهم الصحابة لذلك ما رواه عبد الرزاق وسعيد بن منصور أن عمر كشف عن ساق أم كلثوم بنت علي لما بعث بها إليه لينظرها.
وقال الألباني في (السلسلة الصحيحة 1/ 156): (وظاهر هذه الأحاديث أنه يجوز للخاطب أن ينظر من مخطوبته إلى أكثر من الوجه والكفين، كالنظر إلى الساق والعنق أو الساعد والشعر، وقد أيد هذا فعل الصحابة – رضوان الله عليهم، كما فعله جابر بن عبد الله، ومحمد بن مسلمة، والخليفة الراشد عمر بن الخطاب، أما تقييد الأحاديث بالنظر إلى الوجه والكفين فقط، فهو تقييد بدون نص مقيد، وتعطيل لفهم الصحابة بدون حجة).
4 – وكما يجوز له إعلامها أنه يريد النظر إليها ورؤيتها، فإنه يجوز له أيضا النظر إليها على غفلة منها، ومن غير أن تعلم، كما ورد في حديث جابر، وكما فعل محمد بن مسلمة – رضي الله عنه – حين كان يطارد بثينة بنت الضحاك ببصره طردا شديدا دون علمها، قال النووي في (شرح مسلم 5/ 210): والجمهور أنه لا يشترط في جواز النظر إليها رضاها، بل له ذلك في غفلتها، ومن غير تقدم إعلام؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد أذن في ذلك مطلقا، ولم يشترط استئذانها؛ لأنها تستحي غالبا من الإذن؛ ولأن في ذلك تغريرا، فلربما رآها فلم تعجبه فيتركها فتنكسر وتتأذى).
5 – وإذا لم يتمكن الخاطب – لظروف تمنعه – من النظر إلى مخطوبته، فإنه يستحب له أن يبعث امرأة يثق بها، فتنظر إليها وتخبره بصفتها، «كما فعل عليه الصلاة والسلام حين بعث أم سليم إلى امرأة رغب فيها، وقال لها: ” انظري إلى عرقوبها، وشمي عوارضها».
6 – إن النظر إلى المرغوب فيها، لا يعني بحال الخلوة بها، بل إن مقصوده يتحصل بالنظر إليها في مكان آهل عام، أو بحضور أحد محارمها.
7 – إذا كان المندوب نظر الرجل إلى المرأة قبل إقدامه على الزواج منها، فهل من المندوب أن تنظر هي إليه؟ قال الصنعاني في (سبل السلام 3/ 111): (ويثبت مثل هذا الحكم للمرأة، فإنها تنظر إلى خاطبها، فإنه يعجبها منه ما يعجبه منها، كذا قيل ولم يرد به حديث، والأصل تحريم نظر الأجنبي والأجنبية إلا بدليل، كالدليل على جواز نظر الرجل لمن يريد خطبتها).